نظمت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، يوم الأربعاء 05 يونيو 2024، بشراكة مع وزارة العدل، يوما دراسيا حول مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية.
ويهدف هذا اليوم الدراسي، الذي يتزامن مع مواصلة المناقشة التفصيلية لمواد مشروع القانون بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، إلى إثراء النقاش العمومي وتبادل الآراء والأفكار في أفق إصدار نص أكثر جودة يستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين وكل مرتفقي العدالة.
وبهذه المناسبة، ألقى السيد محمد والزين كلمة، نيابة عن رئيس مجلس النواب السيد راشيد الطالبي العلمي عبر من خلالها على أهمية هذا اللقاء الذي يدخل في إطار منهجية الإشراك والحوار التي يعتمدها مجلس النواب في التعاطي مع مشاريع نصوص، ومع الإشكالات التي تكتسي بعدا مجتمعيا كبيرا، مشيرا إلى أن هذا الأمر من شأنه إنضاج التوافق حول هذه النصوص وتيسير التنفيذ الأنجع لمقتضياتها.
وأكد أن مشروع قانون المسطرة المدنية، باعتباره نصا مركزيا في التشريعات الوطنية، يتوخى، فضلا عن الأهداف التقليدية لكل نص، كفالةَ حسنِ سير العدالة، وتكريس وحدة القضاء، وتنظيم الاختصاص الدولي، وتحقيق النجاعة القضائية، وحماية حقوق المتقاضين واعتماد الرقمنة في التقاضي والإجراءات، إلى جانب تكريس استقلالية السلطة القضائية.
كما اعتبر أن الأمر يتعلق بمشروعِ نصٍّ برهانات متنوعة، متعددة وأساسية، يندرج في سياق الإصلاحات الكبرى التي يقودها ويرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. مبرزا أن هذا النص القانوني بالإضافة إلى دوره في صيانة حقوق الإنسان من خلال المحاكمة العادلة وضمان حقوق كافة الأطراف، وكفالة تنفيذ الأحكام وتسريع المساطر، ستكون له انعكاسات إيجابية على مناخ الاستثمار بالمملكة من خلال المساهمة في جعلها أكثر جاذبية، وتعزيز ثقة المستثمرين فيها، لاسيما وأنها تتوفر على ترسانة قانونية متقدمة ومنفتحة في مجال الاستثمارات يؤطرها الميثاق الوطني.
من جانبه، أكد وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، أن إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية جرى وفق منهجية تشاركية مع مختلف الوزارات والإدارات العمومية، لافتا إلى أن أساس هذا المشروع يتمثل في ترتيب المسؤوليات بين مختلف الأطراف المتدخلة في العملية القضائية.
وأبرز وزير العدل أنه تماشيا مع التطورات الرقمية التي يعرفها العالم، تضمن مشروع القانون رقم 02.23 قسما خاصا برقمنة المساطر والإجراءات القضائية، وذلك من أجل تيسير إجراءات التقاضي وتطويرها ومواكبة التحولات المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية، مشددا في هذا الإطار على أهمية نجاعة تدبير الزمن القضائي.
وأضاف أن مشروع قانون المسطرة المدنية تضمن، كذاك، مجموعة من المقتضيات المتعلقة، بتحديد أجل استئناف الأحكام في 15 يوما في مجموعة من الملفات، وإصدار الأحكام وتنفيذها في آجال معقولة، وحماية حقوق المتقاضين.
بدوره، أكد رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، السيد سعيد بعزيز، أن تنظيم هذا اللقاء الدراسي يندرج في إطار التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة التي تضمنتها الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى الـ 60 لتأسيس البرلمان المغربي، والتي ترمي إلى تكريس ثقافة المشاركة والحوار وتعزيز الثقة في المؤسسات، كما أوضح أن هذا اللقاء، الذي يتزامن مع مواصلة المناقشة التفصيلية لمواد مشروع القانون بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، يهدف إلى فتح الحوار مع مختلف الفاعلين في هذه المنظومة بغية بلورة المقترحات التي سيتقدم بها النواب بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية.
وخلال الجلسات العلمية، تم التأكيد على ان مشروع القانون جاء ترجمة للرؤية الملكية السامية الداعية للرفع من النجاعة القضائية عبر تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الاحكام والخدمات القضائية وتأسيس مفهوم جديد للعدالة عبر خلق فضاء في خدمة المواطن، وتنزيل مضامين دستور 2011 عبر الملائمة التشريعية للمواثيق الدولية وتوصيات ميثاق اصلاح منظومة العدالة، واعتبر المتدخلون أن مشروع قانون المسطرة المدنية يعد ثورة هادئة في المسار التشريعي في المملكة، خاصة في المستوى الموضوعي للقانون الذي يمس مجالات وحدة القضاء والاحتفاظ على التخصص وشمولية التنظيم القضائي بغية تسهيل الولوج المنصف الفعال للعدالة، وفتح الباب امام القضاء الرقمي
وأبدى المشاركون، خلال هذا اللقاء، الذي شارك فيه برلمانيون وفاعلون مؤسساتيين إلى جانب مهنيين وباحثين وأكاديميين، بعض الملاحظات فيما يتعلق بالاختصاص النوعي والاحكام الفاصلة في الدفع بعدم الاختصاص، والدفوع بعدم القبول، وصعوبة ممارسة الطعن بالاستئناف وأهمية الولوج المستنير لمحكمة النقض باعتبارها مصدرا هاما لتوحيد العمل القضائي وتفسير القاعدة القانونية وتوحيد الاجتهاد.
وتم الوقوف كذلك على تحديات توسيع نطاق المسطرة الشفوية، وأهمية تجويد البنية الهندسية للنص، ولغته وبعض المفاهيم، وتجاوز الاختلالات التي كشفت عنها الممارسة والاجتهاد القضائي وبعض الآراء الفقهية.
وأوضح المتدخلون أن المشروع يتضمن كذلك مجموعة من المستجدات الرامية إلى مراجعة القانون الحالي من أجل تحيين مقتضياته انسجاما مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي من خلال التنصيص على مقتضيات قانونية من شانها تجويد هذا النص القانوني والارتقاء به ولاسيما التغييرات التي طرأت على إجراءات التبليغ، فضلا عن استعراض المستجدات ذات الصلة بتقنين الطعون وضبطها بشكل يقلل من عددها من أجل ضمان ولوج عادل للعدالة، إلى جانب اعتماد الوسائط الالكترونية في التقاضي تماشيا مع التطورات الرقمية التي يعرفها العالم.
كما تم إبداء مجموعة من الملاحظات والمقترحات بخصوص اختصاص المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية، وفيما يتعلق بالمقتضيات والمبادئ المرتبطة بإجراءات مسطرة التبليغ والتنفيذ، فضلا عن ضرورة التنصيص على حماية الحياة الخاصة للمتقاضين مع مراعاة مبدأ الحق في التقاضي، والمساواة فيما يتعلق بالطعون، مع أهمية تحديد الحد الأقصى لبعض الغرامات.
كما تم إبراز دور هيئة كتابة الضبط في تكريس مبدأ تدبير الزمن القضائي وفق مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث سجل المشاركون، أهمية تثبت هيئة كتابة الضبط في شكليات الدعوى تجنبا لهدر الزمن القضائي، وتجويد تدبير الجلسات والاجراءات المتبعة بعد صدور الحكم.
كما أكد المشاركون ان روح وجوهر المستجدات التى جاء بها النص التشريعي، تعكس الرغبة والارادة في التجاوب مع ميثاق اصلاح منظومة العدالة، ناهلا من التراكمات الثرية والمشرفة للقضاء المغربي والتوفر على مقومات النجاعة والحكامة، والتفاعل ايجابيا مع التطورات المتسارعة التي يعرفها مجال التكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى مستجدات حقوق الدفاع وطرق الطعن وإجراءات التبليغ والتنفيذ.
وفي سياق مقاربة دور المتدخلين في منظومة العدالة، تم التأكيد على أهمية مهنة الخبرة القضائية وأهم الاكراهات والمعيقات التي يواجهها الخبير القضائي، حيث تم تقديم مجموعة من المقترحات الرامية إلى تعديل الفصول المنظمة لهذه الخبرة.
وفي نفس السياق، تم التـأكيد على أن المسطرة المدنية تهم كذلك مهنة العدول حيث تمت الدعوة إلى ضرورة مراجعة وإعادة النظر في صياغة بعض النصوص والمقتضيات ذات الصلة بالطلاق والتطليق في إطار إصلاح منظومة العدالة والرفع من النجاعة القضائية.
كما أكد المتدخلون على أهمية الدور المركزي للمفوض القضائي حيث تمت الدعوة إلى ضرورة استحضار واقع الممارسة المهنية والتحديات التي يواجهها في إطار مسطرة التبليغ والتنفيذ التي تقتضي الالتزام بالمبادئ والقواعد التي من شانها تحقيق النجاعة القضائية.
كما تمت الدعوة خلال اللقاء إلى أهمية إشراك جميع الفاعلين في منظومة العدالة في إبداء الملاحظات والمقترحات التي من شانها تجويد مشروع قانون المسطرة المدنية موضوع المراجعة باعتباره أحد أهم مشاريع النصوص التشريعية المنظمة للعمل القضائي وفي ارتباط وثيق بالحقوق المنصوص عليها في دستور المملكة.