الرباط، في 01 يونيو 2022
السيد رئيس مجلس المستشارين،
السيد رئيس الحكومة،
السيدات والسادة الوزراء،
الزميلات والزملاء البرلمانيين،
شبابنا العزيز،
السيدات والسادة،
أتشرف بالحضور معكم في أشغال الجلسة الافتتاحية لملتقى مجلس المستشارين للشباب المغربي، شاكراً للسيد الرئيس النعم ميارة دَعوتَه مجلسَ النواب للمشاركة في انطلاق هذا الفعلِ التأسيسي لفضاءٍ يُرادُ له أن يجمع سنويا ما بين المؤسساتي والمدني برهانات مُواطنة.
وما مِن شكٍ في أننا عندما نستهدفُ الشباب، بالحوار والتعاون والتأطير والتنظيم، فإننا نتوجه إلى المستقبل ونُراهنُ على فئةٍ كانت وستظلُّ، دوماً، قوةً أساسيةً في الدينامياتِ المجتمعية، وهو ما يتأكد من خلال الممارسة في حالتنا المغربية حيث كان للشبابِ أدوارٌ حاسمةٌ في مختلف محطات بناء الدولة الوطنية وترسيخ البناء المؤسساتي والديموقراطية وتحقيق التنمية.
إدراكا لهذه المكانة، وهاته الأدوار، كانت المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله استباقيةً بدسترةِ حقوقِ الشباب وجعلِها مُلزمةً للجميع مَهْما كانَتِ الألوانُ السياسية للحكومات أو المؤسسات أو الجماعات الترابية، إِذْ ينص الفصل 33 من دستور المملكة على ما ينبغي للسلطات العمومية أن تَكفلَه للشباب من حقوق، وعلى إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، مع ما يستلزمه ذلك، بالطبع، من سياساتٍ وبرامجَ عموميةٍ موجهةٍ للشباب، تبدأ بالطبع بالتعليم والتكوين والانفتاح، ولا تنتهي في التشغيل والمشاركة في التنمية وفي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، بل تمتد إلى تدبير الشأن العام، ولو من خارج المؤسسات.
السيدات والسادة،
قد يبدو للناظرِ إلى أحوالِ الشباب اليومَ عبر العالم نقصاً في مشاركة هذه الفئة في الشأن العام، وأن التطلع إلى الشغل وإلى الخدمات الاجتماعية، هي الأهدافُ الأساسية المركزية التي تشغل الشباب اليوم، وبأن ثمةَ صُوَراً متناقضة عن هذه الأحوال. ولكن دَعُونَا نكونُ متفائلين ونَتجنبُ اختزالَ طموحاتِ الشباب في ما هو مادي خالص، ونَنْظُرَ إلى النجاحاتِ التي يُحَقِّقُها الشباب، خاصة في الحالة المغربية.
في هذا الصدد نتساءل : أَوَليسَ الشبابُ هو الذي يستجيب بالآلاف لنداء أداء الخدمة العسكرية والتعبير عن الانضباط وأداء الواجب الوطني بعد إعادة إقرار الخدمة العسكرية في تعبيرٍ عن حس وطني مواطن وشعور بالمسؤولية ؟ أَوَلَيسَ الشبابُ هو الذي يؤثر اليوم في الرأي العام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الجديدة؟ أَوَلَيسَ الشبابُ هو الذي يُنَشِّط الحياةَ الرياضية والثقافية في الجمعيات والأندية ؟ أوليس الشباب هو الذي يضطلع بدورٍ حاسم في التأطير المدني، في إطار منظمات المجتمع المدني في المدن كما في البوادي ؟
إنها مظاهرُ إيجابيةٌ مضيئةٌ تحتاج إلى التثمين، والتوسيع وإلى الأفقِ الذي يُمأسِسُها ويؤطرها.
ومن حسن حَظِّنا في المغرب أن تقاليدنا وممارساتنا الحزبية والسياسية، عامة، نضجت إلى درجةٍ أصبحَ معها إشراكُ الشباب، قناعةً، مشتركة راسخةً وضرورةً سياسية ومجتمعية. وعلينا ألاَّ نَغْفَلَ الدورَ الذي تضطلعُ به المنظماتُ الشبابية الحزبية في إغناء العمل الحزبي والسياسي. فالبقدر التي هي خزَّانٌ بشري خِصْبٌ يُثْرِي العمل السياسي بالأطرِ والنخب، بالقدرِ التي هي إطارُ تفكيرٍ وتداولٍ، ومصدرُ اقتراحات، وفضاءُ جذبٍ للعملِ الحزبي المنظم والمسؤول؛ وهي إلى جانب المجتمع المدني، مَشاتِلُ إنتاجِ النخبِ والأطر.
وَدعونا من جهة أخرى نتساءل عن الطريق إلى تَذْليل العقبات أمام الشباب ليُحققَ أهدافه في السياسة وفي العمل العمومي. من الأجوبة الممكنة على ذلك، أعتقد أننا مدعوون أولا إلى تغيير نظرتنا للشباب، وإلى أن نصحح تَمثُّلاتِنا لهذه الفئة ونؤمنَ بإمكانياتها وطاقاتها وقدراتِها على الإبداع. وعلينا، ثانيا، عِوَض الشَّحن الإيديولوجي أن نستثمر في التكوين، وعوض الاستقطاب أن نتوجه إلى الإقناع والإدماج والإشراك، وعوض شحن الشباب بالخطابات الانطوائية علينا أن نفتحَ آفاقَ التفكير العقلاني أمامه ونُمَكِّنُه من العُدة التي تجعلُه يَسْتَبْطِنُ قيمَ الديموقراطية والتعايش، مؤمنا بخصوصيات وطنه وبإمكانياته ويُبدعُ في التنظيم الاقتصادي ومنظمات الإنتاج.
السيدات والسادة،
لقد أثمرت الإصلاحاتُ المؤسساتية والتشريعية التي اعتمدتها بلادُنا، خلال العشرين سنة الأخيرة، بقيادة صاحب الجلالة نصره الله، في شقها المتوجه إلى الشباب، فرز كفاءات شابة في المؤسسات التمثيلية والتنفيذية. ولعل أبْلَغ دليل على ذلك التشبيبُ الذي عرفته مجالس الجماعات الترابية، والمؤسسة التشريعية، حيث إن أكثر من 41 % من أعضاء مجلس النواب على سبيل المثال، تَقِلُّ أعمارهم عن 50 سنة وأكثر من 17 % تقل أعمارهم عن 40 سنة. ولا تبتعد هذه المعدلات كثيرا عما هو الحال في عدد من برلمانات الدول العريقة في الديموقراطية، إذ تُظهِر النماذجُ المُقَارَنَةُ في برلمانات أروبية مثلا، أن تمثيلية الشباب البالغ من العمر 40 سنة، أو قل، لا تختلف كثيراً عن تركيبة البرلمان المغربي من حيث الفئات العُمْرِية. وينبغي لنا في نفس الإطار أن نُثَمِّن كونَ عددٍ من البرلمانيين الشباب السابقين اكتسبوا خبرات كبيرة وتمرسوا على التعاطي مع الشأن السياسي مما جعلهم موضع ثقة صاحب الجلالة بتعيينهم أعضاء الحكومة ومسؤولين في مؤسسات تنفيذية. ومن جهة أخرى يتعين التذكير بما يوفره دستور المملكة من إمكانيات وما يَكْفُلُه من حقوق لهيئات المجتمع المدني
(حيث يتعبأ الشباب بقوة) في مجال الديموقراطية التشاركية والمواطنة والمشاركة في تدبير الشأن العام وما يفتحه من آفاق أمام الفاعلين الاجتماعيين من إمكانيات لتأطير مبادرات المواطنات والمواطنين في مجال العرائض إلى السلطات العمومية والمنتخبة، والملتمسات من أجل التشريع، والمشاركة في تقييم السياسات العمومية وتجويد التشريع.
السيدات والسادة،
يثبت التاريخ أن تقدم الأمم ونَمَاءَها رهين بالمشاركة الفعالة للنساء والرجال وإدماجِهم في التنمية. وفي حالتنا الوطنية يفتح النموذج التنموي الجديد والإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية التي تنجزها بلادنا، آفاق أَرْحبَ للشباب لإظهار طاقاته الإبداعية، في المقاولة وفي العمل الاجتماعي وليصبح مشغلا عوض باحث عن الشغل.
وسواء في مجال المقاولات الناشئة العاملة في التكنولوجيات الجديدة، أو في الفلاحة أو العمل الاجتماعي الممأسس، فإن لشبابنا المغربي كلمته ومهاراته التي تجعله يساهم في ضمان أمننا السِّبِراني وتأمين خدمات جديدة والمساهمة في توفير أمننا الغذائي.
وما من شك في أن منتداكم هذا يضع من ضمن رهاناته هذه الأهداف، مما يجعلني أثمنه وأتمنى له الاستدامة والنجاح.
شكرا على إصغائكم.