شارك السيد محمد صباري النائب الأول لرئيس مجلس النواب، اليوم الخميس 26 ماي 2022 بمقر البرلمان بالرباط، في المائدة المستديرة التي تنظمها وزارة العدل بشراكة مع مجلس المستشارين حول موضوع: "المرأة من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير".
وبالمناسبة، ألقى السيد محمد صباري باسم مجلس النواب الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛
- السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم؛
- السيد وزير العدل المحترم؛
- السيد(ة) ممثل (ة) المجلس الأعلى للسلطة القضائية المحترم؛
- السيد (ة) ممثل (ة) رئاسة النيابة العامة المحترم (ة)؛
- السيدة المحترمة سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب؛
- السيد (ة) ممثل (ة) المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحترم(ة)؛
- السيد (ة) ممثل (ة) الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري المحترم(ة)؛
- السيدة المحترمة ليلي رحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب؛
- الحضور الكريم كل باسمه وصفته.
إنه لمن دواعي السرور والفخر والاعتزاز أن أشارككم اليوم باسم مجلس النواب المغربي، هذه المائدة المستديرة التي تنظمها وزارة العدل بشراكة مع مجلس المستشارين حول موضوع: "المرأة من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير". ويشرفني باسم مجلس النواب، أن أقدم أسمى عبارات الشكر والتقدير للسادة المنظمين في وزارة العدل ومجلس المستشارين، على دعوتهم للمشاركة في أحد المواضيع التي تحظى باهتمام كبير من لدن مكتب مجلس النواب والسيدات والسادة النواب المحترمين، في استحضار للتوجه الراسخ للملكة المغربية نحو تمكين المرأة من جميع حقوقها، وإزالة جميع الكوابح وتوفير جميع الشروط لضمان فعلية الاستفادة منها دون قيد أو شرط، في أفق تحقيق مبدإ المناصفة.
حضرات السيدات والسادة؛
اسمحوا لي في بداية الأمر، أن أهنئ اللجنة التنظيمية على حسن اختيار موضوع هذه المائدة المستديرة، والذي يحظى باهتمام بالغ لدى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات الدستورية، هذا الاهتمام تعكسه مختلف الإصلاحات الدستورية والقانونية والسياسية، والتي بفضلها أصبحت المرأة المغربية بصفة عامة، والمرأة التي تشتغل في قطاع العدالة بصفة خاصة (نساء منظومة العدالة) تتمتع بحقوقها الدستورية، وتنخرط في مسيرة التنمية وخدمة المصلحة العليا للوطن، والمصالح الخاصة بالمتقاضين. إن مشاركة مجلس النواب في هذه المائدة المستديرة، تندرج ضمن الانشغال اليومي للسيدات والسادة ممثلي الأمة عند ممارسة وظائفهم الدستورية على مستوى التشريع والرقابة والتقييم والديبلوماسية البرلمانية.
حضرات السيدات والسادة؛
تحضر قضايا المرأة بقوة ضمن انشغالات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، لما يوليها جلالته من عناية خاصة، من أجل تمتيعها بحقوقها وضمان مشاركتها في مسار التنمية. وهو ما سيؤكده جلالته في خطابه السامي الموجه إلى ممثلي الأمة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية 2003-2004 من الولاية التشريعية السابعة، بتاريخ 10 أكتوبر 2003، من خلال دعوة جلالته إلى "... فتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة في خدمة الصالح العام.". انتهى النطق الملكي السامي.
وفي نفس السياق سبق لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركات في القمة العالمية الـ 13 للنساء بمراكش، بتاريخ 28 يونيو 2003، أن أكد على ما يلي: "... واصل والدنا المعظم جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني تغمده الله برحماته تشييد صرح المغرب الحديث فاسحا المجال أمام النساء لولوج كل أسلاك التعليم وقطاعات الشغل، فحرر ما يزخرون به من طاقات وعينهن في أعلى مناصب المسؤولية بالإدارة والقضاء والمؤسسات العمومية وأسند إليهن حقائب وزارية في الحكومة مبرزا دوما ما يتحلين به من كفاية وانضباط واستقامة.". انتهى النطق الملكي السامي.
فمنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده عرش أسلافه المنعمين، وهو يشدد في كل مناسبة على ورش إصلاح أوضاع المرأة، وهو ما عبر عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركات في الدورة الواحدة والستين (61) لمؤتمر النساء رئيسات المقاولات العالمية بما يلي "انطلاقا من اقتناعنا الراسخ بضرورة تعبئة كل الطاقات الوطنية من أجل تحقيق النمو الشامل والمستدام الذي نريده لبلادنا، ما فتئنا نسعى لتعزيز دور المرأة وتشجيع انخراطها في جميع ميادين الحياة العامة : الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية." كما ربط جلالته بين المساواة والتنمية في الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركات في أشغال القمة العالمية الثانية لمبادرة "نساء في افريقيا" واعتبر أن "التدابير الرامية إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال، يجب أن تشكل عماد كل استراتيجية ناجعة للتنمية المستدامة." كما اعتبر جلالته "أن ضمان مشاركة واسعة للمرأة في المؤسسات يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام".
حضرات السيدات والسادة؛
شكل دخول دستور المملكة المغربية لسنة 2011 حيز النفاذ، مرحلة جديدة في تدعيم حقوق المرأة وصونها، حيث تضمن مجموعة من المقتضيات الجديدة التي تكرس الطابع الدستوري لحقوق المرأة، وتضمن المساواة بين الرجل والمرأة.
ويعتبر التكريس الدستوري لحقوق المرأة، مدخلا مهما وضروريا لتحسين أوضاعها، حيث أولى المشرع الدستوري مكانة مهمة للمرأة وحقوقها، بدءا من التصدير، الذي تضمن تعهد المملكة المغربية بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، كما تلتزم المملكة بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بالإضافة إلى جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة، بالإضافة إلى ما نص عليه الفصل السادس، من أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. وتعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
كما تصدر الفصل 19 الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، ونص على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وفي ذات السياق اعتبر الفصل 19 تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء، غاية دستورية، وتُحْدَثُ من أجل بلوغها هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
كما نص الفصل 115 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، على ضمان تمثيلية النساء القاضيات ضمن تأليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حرصا على مشاركة المرأة ضمن هذه المؤسسة الدستورية.
حضرات السيدات والسادة؛
سعيا إلى جعل المرأة التي تشتغل في منظومة العدالة محورا استراتيجيا وفاعلا أساسيا في التغيير والتطوير، عمل البرلمان المغربي على إقرار تشريعات ذات الصلة بهذا المجال، على رأسها القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي نص في بابه الثاني المعنون بـ "انتخاب ممثلي القضاة"، لاسيما المادة 23 منه على ما يلي: "يحدد بقرار للمجلس: -...؛ - عدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات، من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي بالنسبة لكل هيئة؛ ...."، حيث أخذ هذا المقتضى نقاشا واسعا ومستفيضا، وحيزا كبيرا فيما يتعلق بعدد المترشحات النساء المنتميات للجسم القضائي،
حضرات السيدات والسادة؛
كما لا يخفى عليكم أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في تعزيز المسلسل الديمقراطي وتقليص الفوارق والتمييز المبني على النوع الاجتماعي، وذلك بفضل الإصلاحات الدستورية والتشريعية والقانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى انسجام هذه الإصلاحات مع الاتفاقيات الدولية باعتبارها إطارا مرجعيا وتشريعيا، تتعهد بموجبه الدول الأطراف المصادقة عليها بالالتزام بها واحترام مبادئها، وفي هذا الصدد حظيت المرأة ضمن المنظومة العالمية الحقوقية بمساحة واسعة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948؛ اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة والتي انظم إليها المغرب سنة 1993 حيث وافق البرلمان المغربي عليها بموجب القانون رقم 125.12 ... إلخ).
وبموازاة ذلك، اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومن بينها المملكة المغربية سنة 2015، أهداف التنمية المستدامة باعتبارها أهدافا عالمية في أفق 2030، حيث خصص الهدف الخامس منها لـ "المساواة بين الجنسين"، كعامل حاسم لتحقيق التنمية الشاملة، كما يسعى نفس الهدف إلى الحد من التمييز ضد المرأة وتوفير سبل وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية.
هذا المعطى ساهم بشكل كبير في استحضار إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في منظومة العدالة، إذ أكد مشروع نجاعة الأداء لوزارة العدل- قطاع العدل لمشروع قانون المالية لسنة 2022، تقاربا بين عدد الإناث والذكور في قطاع العدل في مختلف الجهات وكذا حسب المصالح، حيث تمثل النساء نسبة 48.38% في المصالح المركزية، ونسبة 43.27 % في المصالح اللامركزية لوزارة العدل.
وفيما يتعلق بتوزيع عدد الموظفين حسب الدرجات والسلاليم، أكد ذات المصدر بأن هناك توازنا وأرقاما جد مشجعة لحضور المرأة في القطاع، حيث تمثل النساء في توزيع الموظفين حسب الجنس في فئة موظفي التنفيذ نسبة 47.85 %، في حين يتجاوز عدد النساء عدد الذكور في فئة موظفي الاشراف، حيث تتجاوز عدد النساء نسبة 62.31%، هذه المؤشرات تؤكد أهمية إدماج بعد النوع الاجتماعي في منظومة العدالة، وتحفيز المرأة لجعلها فاعلة في التغيير والتطوير.
وفي هذا السياق، جاء في كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة اليوم الدولي للقاضيات، بتاريخ 26 أبريل 2021، ما يلي: "وكلكم تعلمون أن سجل القضاء المغربي لم يفتأ يعرف ازدياد عدد النساء القاضيات. فبعد أن كان بضع عشرات خلال الستينات، ارتفع إلى 304 قاضية سنة 1996 من أصل 2324، أي بنسبة لا تتجاوز 13 %. ثم ارتفع العدد سنة 1998 إلى 375 قاضية من أصل 2641 بنسبة 14.14%. وإلى 592 قاضية من أصل 3153 بنسبة 18.77% سنة 2005. ثم إلى 611 قاضية من أصل 3188 بنسبة 19.16 % سنة 2008. وإلى 683 قاضية من أصل 3352 بنسبة 20.36 % سنة 2010. وإلى 939 قاضية من أصل 3999 بنسبة 23.40 % سنة 2014. لتصبح المرأة القاضية حاضرة اليوم بكل درجات المحاكم المغربية وأنواعها. ويبلغ عدد زميلاتنا القاضيات حالياً 1068 قاضية، بنسبة 25% (885 بقضاء الحكم و167 بالنيابة العامة). من بينهن 55 مستشارة بمحكمة النقض و4 محاميات عامات بنفس المحكمة. تتولى إحداهن مهمة رئيسة غرفة وسبع رئيسات أقسام. كما تتواجد 102 مستشارة بمحاكم الاستئناف (81 قضاء الحكم، و21 النيابة العامة). و707 قاضية بالمحاكم الابتدائية. (581 قضاء الحكم و126 نيابة عامة). و21 قاضية بالمراكز القضائية (19 قضاء الحكم و2 نيابة عامة). و13 مستشارة بمحاكم الاستئناف الإدارية. و30 قاضية بالمحاكم الإدارية. و17 مستشارة (قضاء الحكم) بمحاكم الاستئناف التجارية (1 نيابة عامة). و71 قاضية بالمحاكم التجارية (58 قضاء الحكم و13 نيابة عامة). بالإضافة إلى 47 من القاضيات ملحقات بمصالح إدارية ومجالس ومؤسسات وسفارات.".
ومن أجل تشجيع المرأة القاضية عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، على جعل "السعي نحو المناصفة في إسناد المسؤوليات مع مراعاة الكفاءة وتكافؤ الفرص"، أحد الإجراءات الأساسية التي يقوم عليها المخطط الاستراتيجي للمجلس 2021-2026 من خلال تأهيل قدراته المؤسساتية. (الإجراء رقم 37).
حضرات السيدات والسادة؛
نصت الفقرة الثانية من الفصل 111 من دستور 2011 على أنه يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون. وقد تميزت الجمعيات المهنية بالمشاركة الفاعلة للمرأة في عضوية المكاتب المركزية والجهوية لهذه الجمعيات، بل إن النساء القاضيات قد اجتمعن في جمعية مهنية خاصة بهن، للتعبير عن انشغالاتهن المهنية وتحقيق تمثيلية وازنة للمرأة القاضية في مراكز القرار. وابتداء من سنة 1998 شرع في إسناد بعض مناصب المسؤولية للمرأة القاضية سواء كرئيسة غرفة أو رئيسة محكمة أو وكيلة للملك، إذ تم تعيين أول رئيسة غرفة بالمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا)، وأول رئيسة لمحكمة تجارية (بالرباط)، وأول رئيسة أولى لمحكمة استئناف تجارية (بفاس)، وأول رئيسة لمحكمة ابتدائية (بالرباط) وذلك خلال نفس السنة.
وسيتوج هذا التوجه الثابت بتعيين قاضيتين للقيام بمهام التوثيق على المستوى الوطني لأول مرة سنة 2020، كما استطاعت المرأة القاضية الوصول لمنصب وكيل الملك في القضايا الزجرية، حيث تم سنة 2021، تعيين ولأول مرة في تاريخ القضاء المغربي، وكيلة للملك بالمحكمة الابتدائية، كما تم تعيين رئيسة أولى لمحكمة الاستئناف بنفس السنة.
كما شكلت سنة 2018، محطة تاريخية مهمة تكرس الخيار الديموقراطي الحداثي الذي اختارته المملكة، لاسيما في مجال حقوق المرأة ورفع كل أشكال التمييز و الحيف عنها، تمثلت أساسا في "ولوج المرأة لممارسة خطة العدالة"، بعد القرار الملكي التاريخي بفتح المجال للمرأة لولوج خطة العدالة، بعدما أجاز المجلس العلمي الأعلى ذلك، وأبدى برأيه بجواز ممارسة المرأة لمهنة "عدل"، بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المهن القانونية الأخرى (محاميات؛ موثقات؛ المفوضات القضائيات؛ المترجمات؛ ....إلخ).
حضرات السيدات والسادة؛
يعتبر الولوج إلى العدالة من الحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين، ولا شك أن تسهيل ولوج المرأة لممارسة حقها في التقاضي، يشكل وسيلة أساسية لاعتداد المرأة بحقوقها والدفاع عنها. وفي هذا الصدد تلعب المساعدة الاجتماعية دورا أساسيا في تعزيز مكانة المرأة في الولوج للعدالة، عبر تيسير هذا الولوج وجعل خدمات منظومة العدالة في خدمة قضايا المرأة، وفي هذا الصدد عمل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في إطار الجهود التي يقوم بها المغرب لتطويق هذه الظاهرة، على تناول موضوع العنف في شموليته وفي مختلف تجلياته، سواء تعلق الأمر بالعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو الاقتصادي، واعتبرها جرائم رتب عليها غرامات وعقوبات حبسية. وقد حرص البرلمان المغربي على إغنائه بمختلف الآراء والتوصيات من أجل توفير وسائل حمائية فعالة وشروط احتضان ملائمة للنساء ضحايا العنف، عبر خلق آليات مؤسساتية ومندمجة للتكفل بالنساء ضحايا العنف، حيث عمل المشرع من خلال القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء على إحداث لجنة وطنية ولجان جهوية وأخرى محلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، حتى تغدو محاربة العنف أولوية وغاية تتحقق على امتداد التراب الوطني، وألا تكون ممركزة في المركز فقط، من أجل تطويق هذه الظاهرة والتدخل مباشرة بعد رصدها. وفي هذا الإطار أنيط باللجنة الوطنية ضمان التواصل والتنسيق وطنيا بين القطاعات الحكومية والإدارات المركزية المعنية بموضوع العنف ضد النساء، بالإضافة إلى تلقي تقارير اللجن الجهوية والمحلية وفحصها. في المقابل تضطلع اللجان الجهوية بضمان التواصل والتنسيق بين السلطة القضائية وباقي القطاعات والإدارات المعنية بقضايا التكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الجهوي، والاضطلاع بمهمة التواصل والتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال، في تنسيق تام مع اللجان المحلية التي تسعى هي الأخرى لمحاربة هذه الظاهرة. وفضلا عن آلية اللجان بمختلف مستوياتها. أحدث قانون محاربة العنف ضد النساء خلايا بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، وكذا للمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي، وتتكلف هذه الخلايا بالنساء ضحايا العنف، وتتولى مهام الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة.
حضرات السيدات والسادة؛
على الرغم من المكتسبات المحققة خلال السنوات الماضية في مجال تمكين المرأة من حقوقها، ومن أجل تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء بشكل عام وداخل منظومة العدالة بشكل خاص، كغاية دستورية لا محيد عنها، سينبه التقرير العالم للجنة النموذج التنموي إلى ضرورة بذل مزيد من الجهد، والتشبث بالتنوع وبالمساواة بين الرجل والمرأة وبتكريس مكانة ودور المرأة في الاقتصاد وداخل المجتمع، كمدخل أساسي لبناء مجتمع متحرر، شريك لدولة قوية، وهو ما يستدعي مواجهة كل الكوابح الاجتماعية، والتي لا يُعترف فيها للمرأة ، بشكل كامل، بقدرتها وبحقها في إنجاز طموحاتها والمشاركة في خلق الثروة، وهو ما يجعل المسؤولية مشتركة بين جميع الفاعلين كل من موقعه، من أجل ترصيد المكتسبات وتذليل الصعوبات وتجاوز المعيقات.
حضرات السيدات والسادة؛
سعدت كثيرا أن أشارككم اليوم أشغال هذه المائدة المستديرة، في مجال تعزيز حقوق المرأة المغربية بشكل عام، وحقوق المرأة ضمن منظومة العدالة، بشكل خاص كفاعلة في التغيير المنشود، وبلوغ التقدم والتنمية بالشكل الذي يجعل المرأة فاعلة ومساهمة في المجهود التنموي لبلادنا، إلى جانب أخيها الرجل، في مجتمع مستقر وآمن يضمن للجميع العيش الكريم، ويوفر للمواطنات والمواطنين سبل الارتقاء وإثبات الذات.
وإننا إذ نتطلع لما ستسفر عنه أشغال هذه المائدة المستديرة، من خلاصات وتوصيات، من أجل تشخيص علمي لدور المرأة في منظومة العدالة، والوقوف عند عناصر القوة وتثمينها، ومناقشة آفاق التطوير وتجاوز التحديات والعراقيل، فإننا معتزون بالمشاركة معكم، ونرجو لأشغال لقائنا هذا كل التوفيق والنجاح، بما يساهم في تقدم ورقي بلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله