تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب في مراسم اختتام مشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب وبرلمانات وطنية أوروبية

13/12/2024
  • ***

السيدة Yaël Braun-Pivet، رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية،

السيدات والسادة مسؤولي المؤسسات التشريعية الشريكة في كل من المملكة البلجيكية وهنغاريا والبرتغال واليونان،

أصحاب السعادة السفراء،

السيد ممثل سفارة الاتحاد الأوروبي بالمغرب،

السيدات والسادة،

 

يسعدنا في مجلس النواب بالمملكة المغربية أن نستقبلكم، أصدقاءَ وشركاءَ، لنختتم معاً فصلا آخر من الشراكة البرلمانية المغربية الأوروبية، المتمثلة في مشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب، وكل من الجمعية الوطنية الفرنسية، ومجلس النواب التشِيكِي ومجلس النواب البلجيكي، والجمعية الوطنية بهنغاريا، ومجلس النواب الإيطالي والبرلمان اليوناني والبرلمان البرتغالي، الممول من الاتحاد الأوروبي.

 

وأود في البداية، أن اُجدد الشكر للاتحاد الأوروبي الذي يُمَّوِلُ هذا المشروع الذي يدخل في إطار دعم الديمقراطية ويُعَدُ ّعربونا على نجاعة الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد التي تجمع المملكة المغربية والاتحاد.

 

ويطيب لي أن أشكر أيضا زملائي رئيسات ورؤساء البرلمانات الشريكة، التي انخرطت في هذا المشروع الفريد من نوعه من حيث العددُ غير المسبوق للبرلمانات الأطراف في التوأمة، وأعربَ عن تقديري لالتزامها الثابت في إنجاح هذا المشروع وجعله يحقق نتائج أكثر من المتوقع.

 

ويعكس هذا الالتزام عمقَ العلاقات التي تجمعُ المغربَ والاتحاد الأوروبي، وبلدانَه الأعضاء والحِرصَ على تثمين المشترك القَيْمي بيننا، وتعزيزِ الاختيار الديمقراطي وترسيخِ دولة المؤسسات، مع الحرصِ على احترام التقاليد المؤسساتية والديمقراطية وسياق كل بلد، وهو ما لا ينفي سُمَّوَ الديمقراطية، فكرةً ومكانةً ومؤسساتٍ.

 

حضرات السيدات والسادة،

لن أدخل في تفاصيل حصيلة التوأمة المؤسساتية، التي تتحدث عن نفسها من خلال الأرقام ، ومن خلال الوثائق التي بين أيدينا. ولكن ينبغي التذكيرُ بأن المشروع، حَرَصَ على تغطيةِ قضايا راهنةٍ في تعزيز الحكامة البرلمانية والديمقراطية، وسَعَى إلى إنتاجِ وثائقَ مستدامةٍ من قبيلِ الدَّلَائِلِ العملية الإرشادية، وتشخيص وتحليل الممارسات في المؤسسات الثمانية الشريكة. 

 

وإن من إيجابيات المشروع أنه عالج الإشكاليات التي حددتها وثائقُ التوأمة في الأصل، وفق منهجية مقارنة (Benchmarking)، واستحضار ممارسة كل بلد شريك في التوأمة، ما أفاد في حينِه الخبراءَ والموظفين الذين تحاوروا في إطار المشروع وما أنتجَ وثائقَ هي خلاصةُ تفكيرٍ جماعي، ورؤىً لمدارسَ برلمانيةٍ متنوعة.

 

وقد غطَّى المشروعُ اختصاصاتٍ واشكالاتٍ جديدةً في الممارسات البرلمانية، من قبيلِ تقييم السياسات العمومية، القَبْلِية والبَعْدِية، وتقييمِ تطبيقِ القوانين، ودراسات الأثر، وخاصةً تبيُّن أثرِ التشريعات والسياسات العمومية على المجتمعات، وهي اختصاصاتٌ ووظائفُ ترتبط وتَرْهَنُ نجاعةَ ممارسةِ الاختصاصات التقليدية للبرلمانات، أي التشريعُ ومراقبةُ العمل الحكومي. 

 

وكانت المساواةُ بين النساء والرجال في المؤسسات المنتخبة من مكونات مشروع التوأمة، بالحرصِ على تبادلِ الخبرات، والاطلاع المتبادل على الممارسات المُيَسِّرة لبلوغ النساء الى مراكز القرار التّمثيلي والتنفيذي. وقد كانت مشاركةُ البرلمانيات أعضاءَ المجالس الشريكة دالةً في هذا الباب، خاصة من خلال تبادلِ الزيارات، وأساساً من حيث إنضاجُ فكرةِ إِحداثِ منتدى للنساء البرلمانيات ليكونَ اطارًا مفتوحًا ومَرِنًا للحوار بين النساء البرلمانيات في مجالسنا الشريكة.

 

وسأكونُ سعيدا بأن ندشن، في وقت لاحق اليوم معا، المحطةَ الأولى على طريق تنسيق جهود برلمانيات المؤسسات الشريكة من خلال افتتاح أشغال المنتدى الذي أَتَيْت على ذكره.

 

السيدات والسادة،

كانت آليات الدبلوماسية البرلمانية حاضرةً في المشروع من خلال إعداد وثيقة ترصد الممارسات المعتمدة في مجالسنا الشريكة، وبالتحديد فيما يرجع إلى هيكلةِ مجموعات الصداقة البرلمانية، وأدوارُها وطرق اشتغالها، مما سيُفيد في تطوير أدائها، بالخصوص في السياقات الدولية والإقليمية التي تعرفون، جميعُكم، ما تطرحُه من تحديات. 

واهْتَمَّ مشروع التوأمة، من جهة أخرى، بالحكامة الإدارية في البرلمانات من زاوية التدبير، والتكوين والمساطر وتقييم الأداء، والتزام الموظفين البرلمانيين بمدونات السلوك.

 

ولا تخفى عليكم أدوارُ الإدارات في المواكبة وتقديم الدعم، وتوفير المعطيات والمعلومات للبرلمانيين وأثرِ نوعية هذه الخدمة على مردوديةِ البرلمانات. 

 

 

 

السيدات والسادة،

لقد بنى مشروع التوأمة الذي نختتم اليوم، على ما تحقق في مشروع التوأمة الأولى الذي نُفّذَ في الفترة ما بين 2016 و2018، وكان لي شرف اطلاقِه مع السيد Claude Bartolone ، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية آنذاك وزملاء آخرين خاصة بلجيكا والمملكة المتحدة. وحتى يكونَ هذا العمل أفيدَ للديمقراطية، على صعيد بلدانِنا، وبلدانَ أخرى شريكة وصديقة، ينبغي استشرافُ إمكانية تقاسُمِه، وتملُّكِه حتى يُسهِمَ في تَجْويد الحكامةِ البرلمانية، ويَجْعَلَ المؤسسات المنتخبة أكثر فعاليةً ومردوديةً في مراقبةِ العمل الحكومي، وفي التشريع وتقييم السياسات العمومية، وإِعْمالِ المساواة بين النساء والرجال في السياسة والمؤسسات، ما ينعكس على المساواة في المجتمع.

 

في هذا الصدد، أؤكد استعدادَ مجلس النواب بالمملكة المغربية الانخراط في كل 
مشاريع التقاسم التي يمكن أن نتوافق بشأنها، واستشرافِ آفاق جديدة للشراكة البرلمانية بيننا، على أساس قضايا جديدة، لمواكبة أدوار البرلمانات في رفع التحديات التي تواجهها بلدانُنا والمجموعةُ الدوليةُ، عامة.

 

الزميلات والزملاء،

السيدات والسادة،

 

نُدركُ جميعُنا حجمَ التحدياتِ الجيوسياسية التي تواجهنَا في المنطقة الأرومتوسطية، وعبر العالم، بما في ذلك الحروب، والإرهاب الأَعمى وتحالفه مع الانفصال، والنزاعاتُ، واللجوءُ، والهجرات، وتداعياتُ الاختلالات المناخية، والفوارقُ المجالية داخل البلد الواحد وبين البلدان، وهو ما يستغله أعداء الديمقراطية، وأصحابُ النَّزَعات النُّكوصية والانطوائية، لمهاجمة الديمقراطية وقيمِها النبيلة.

 

 وفي مواجهة ذلك، وفي سياق اللايقين، والضبابية التي تميز النظام الدولي في أكثر من منطقة جيوسياسية، يبقى التشبث بالديمقراطية، قيماً ومبادئَ ومؤسساتٍ وعلاقاتٍ، وتعدديةً سياسية، أساسَ النجاح في معركة التنمية والسلم والاستقرار. وعلى الديمقراطيين ألا يستسلموا أمام ازدهار خطابات العنف والتطرف.

 

إنكم تدركون، الزميلات والزملاء، قيمة الشراكات التي تجمعُ المغرب مع الاتحاد الأوروبي، ومع كل بلد من بلدانهم. وإذا كانت للمنافع والمصالح والمبادلات التجارية، والاستثمارات مكانة أساسية في هذه الشراكات، فإن الأساسَ فيها أيضا هو القيمُ التي نتقاسمُها: الديمقراطيةُ، وحقوق الانسان، والتعددية السياسية، والانفتاح، والتسامح والتعددية الثقافية في إطار الوحدة الوطنية، والمساواةُ بين الرجال والنساء، ودولة المؤسسات.

 

السيدات السادة،

لقد راكمت بِلادُنا إصلاحات دستورية ومؤسساتية وسياسية عميقة، مكنت ديمقراطيتنا البرلمانية من تحقيق نضج كبير، كما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ومما يجعل من المغرب ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي والدولي في سياق إقليمي تعرفونَ سماتِه.

 

وقد أسَّسْنا في مُنجزَنا الديمقراطي على عمقِنا التاريخي، وعلى عقيدتنا الدبلوماسية المبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية. 

 

فقد كان المغرب باب الشرق إلى الغرب la porte de l’orient vers l’occident وباب الشمال إلى الجنوب، وبالتحديد افريقيا التي نفخر بترسخنا فيها. إنه المغرب الأرض التي يلتقي فيها الشرق والغرب، والشمال والجنوب، قيما وحضارة ونمط عيش.

 

إنكم، السيدات والسادة، إزاء شريك وَفِيٍ وصادق، ملتزم من أجل السلم والديمقراطية والازدهار المشترك، متطلع إلى مزيد من التعاون وتنويع الشراكات.

 

وسيظل مجلس النواب، على استعداد دائم لمواصلة التعاون الثنائي والتنسيق في الإطار متعددة الأطراف من أجل ترسيخ الديمقراطية بما يمكن من رفع التحدّيات التي تواجهنا معا.

 

أجدد الترحيب بكم وأشكركم على حضوركم الذي سنظل نقدره، وأجدد الشكر لشريكنا التاريخي الاتحاد الأوروبي وسفارته في الرباط وكل الأطقم في مختلف البرلمانات الأطراف والتي اشتغلت من أجل إنجاح هذا الفصل من شراكتنا.