تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، بمناسبة إطلاق مشروع الدعم التقني المقدم من صندوق التحول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا

 

السيد الوزير المحترم

 السيدة ماري فرونسواز  مديرة منطقة المغرب العربي و مالطا و الشرق  الأوسط و شمال إفريقيا بمجموعة البنك الدولي

 السيدات والسادة ممثلو البنك الدولي

 الزميلات والزملاء رؤساء الفرق واللجان النيابية

 وأعضاء مكتب المجلس

 السيدات والسادة،

 

 بعد شهر بالضبط على مراسيم إطلاق إنجاز مشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب في المملكة المغربية والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني الممول من طرف الاتحاد الأوروبي التي ترأسناها إلى جانب زميلنا السيد كلود بارتلون رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية في هذه القاعة بالضبط، نطلق اليوم مشروعا آخر من برامج التعاون الدولي.

 وما من شك في أن توالي إطلاق هذه المشاريع يعكس ثقة الشركاء الدوليين في المغرب، وخاصة في نجاعة إصلاحاته ونموذجه الديمقراطي في محيط يهزه العنف وانهيار مؤسسات الدولة و فشلها مع كل التداعيات الاستراتيجية التي يعرفها الجميع لمثل هذه الأوضاع على الاستقرار الاقليمي والدولي.    

 يتعلق الأمر، في الموضوع الذي نحن بصدده، بمشروع للدعم التقني ممول من صندوق التحول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصل عليه مجلس النواب في إطار منافسة دولية بين مشاريع بشأن إعمال الحكامة ودعم الديمقراطية والمشاركة وتعزيز التحولات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.   

 وما دام نائب الرئيس السيد شفيق رشادي سيقدم مكونات المشروع مفصلة والجدولة الزمنية للإنجاز، فإنني سأكتفي بالتذكير بأن المصادقة على الاعتماد المالي الخاص بالمشروع من طرف اللجنة التنفيذية لصندوق التحول تمت يوم 8 دجنبر 2015 بالقاهرة، بعد أن قدم  السيد شفيق رشادي، نائب رئيس مجلس النواب الذي كان مرفوقا بالسيد عبد اللطيف بروحو، محاسب المجلس (اللذين أثني على جهودهما في مجال التعاون الدولي)، ملف مجلس النواب أمام هذه اللجنة وذلك وفق مسطرة المنافسة والتقييم والتصويت.

 وما من شك أن في أن الإشادة بملف المغرب وانتقائه يشكل تقديرا لجهوده الإصلاحية ومكانته الإقليمية والدولية.

 واسمحوا لي قبل أن أعود إلى الحديث عن تفرد النموذج المغربي في الإصلاح أن أشير إلى أن تعاوننا مع البنك الدولي يعود إلى حوالي سنتين من خلال عدة برامج للتكوين وتعزيز القدرات، وتبادل للخبرات. فقد نظمنا معا سبعة عشر (17)  فعالية بين دورات تكوينية لفائدة السيدات والسادة أعضاء المجلس وندوات  وتبادل الخبرات، انطلقت في دجنبر 2014، وهمت بالخصوص قضايا الميزانية العامة وتحليلها، وقضايا النجاعة المالية والقانون التنظيمي للمالية وتقنيات ومهارات إعداد التقارير البرلمانية والحكامة المالية.

 وقد ارتكزنا على نجاح هذه الفعاليات، لنوطد شراكتنا، ونبني مزيدا من الثقة، وهو ما أثمر دعم البنك الدولي لملف مجلس النواب لدى صندوق التحول.

 

السيدات والسادة

 

إن التقدير الذي يحظى به النموذج المغربي، سواء من طرف المجموعة الدولية أو شركائه الأساسيين أو المنظمات الدولية ليس اعتباطيا، ولا هو وليد الصدفة، ولا من باب المجاملة. فقد تمكنت بلادنا أولا من ضمان وتحصين استقلالية قرارها الاقتصادي والمالي واختياراتها الاجتماعية ونفذت إصلاحاتها المتدرجة والعميقة والمُهَيْكِلَة.

 وكانت هذه الاختيارات الاقتصادية، موازية لاختيارات سياسية ترتكز على التعددية السياسية والحزبية والثقافية والاقتراع العام وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات والصحافة الحرة.

 ومكن هذا النموذج والإصلاحات المتراكمة على سنوات، بل عقود من تحقيق نقلة إصلاحية كبرى دستورية ومؤسساتية وحقوقية، وشكل خلفية انبثاق المغرب كقوة ديموقراطية صاعدة.

 وقد كانت بلادنا استباقية في سياق دولي مضطرب إذ مكن بُعْدُ نَظَرِ وَبَصيرَةُ جلالة الملك محمد السادس نصره الله من نقل البلاد إلى جيل جديد من الإصلاحات كَثَّفَهَا الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 الذي كان بمثابة برنامج إصلاحي جديد للدولة والمجتمع في القرن 21.

 ووفق منهجية إشراكية وانفتاح على جميع مكونات المجتمع المغربي تمت صياغة دستور 2011 الذي عرض على الاستفتاء وتمت المصادقة عليه من طرف الشعب المغربي.

 ويضع الدستور الجديد البرلمان  في قلب الإصلاح المؤسساتي إذ منحه اختصاصات جديدة ووسع  من مجال القانون. ومن أجل تأهيل المؤسسة التشريعية لتضطلع بمهامها وتنهض بمسؤولياتها واختصاصاتها كان علينا أن نقوي من قدرات مجلس النواب ونجعله في مستوى جسامة المهام الموكولة إليه باعتباره سلطة تشريعية مستقلة عن باقي السلط.

 وفي هذا الصدد،  يدخل هذا التعاون الذي نعتبره بمثابة آلية للمواكبة والانفتاح على الممارسات الفُضلى. وإذا كانت اختصاصات المجلس قد توسعت بشكل جد كبير، (إذ علينا أن نفخر بأن مؤسستنا تتوفر على اختصاصات قد لا تتوفر إلا في برلمانات قليلة وعريقة في الديمقراطية من قبيل تقييم السياسات العمومية وغيرها من الاختصاصات) -إذا كان الأمر كذلك- فإن انتظارات الرأي العام والناخبين ومسؤولياتنا السياسية والأخلاقية تفرض علينا، أن نضطلع بهذه المهام، وبالجودة المطلوبة حتى نعزز مصداقية المؤسسات ونرسخ ثقة المواطنين بها ونجعلهم يتشبثون بالعمل المؤسساتي، وذلكم هو جوهر مكونات المشروع الذي نُطلقه اليوم، مكونات تُشًكِّلُ محاورَ مركزية في الإصلاحات التي تنفذها بلادنا في الشق المتعلق بتعزيز اختصاصات السلطة التشريعية والتي قطعنا فيها أشواطاً هامة. ويتعلق الأمر بتحليل الميزانية العامة أي دراسة مشاريع قوانين المالية والتي نص القانون التنظيمي الجديد للمالية على إصلاحات عميقة بشأنها، و تعزيز انفتاح المجلس أي تكريس وترسيخ البرلمان الإلكتروني وتكريس الحق في الولوج الى المعلومات، وهو ما نعتز بما حققناه في إطاره، وتعزيز قدرات المجلس في ما يرجع إلى تفعيل مقتضيات الدستور في فصليه 14 و15  المتعلقة بالديمقراطية التشاركية، و نشر المعارف والمعلومات وتقاسمها داخليا ومع برلمانات بلدان صاعدة ديمقراطيا في إطار صيغ توأمة وتبادل خبرات.

 يتعلق الأمر، إذن، برهانات جوهرية في سياقنا الإصلاحي وبمسؤوليات جسام تقع على عاتق البرلمان. وهي رهانات إذ نضعها ضمن أهدافنا، فإننا نستحضر المبادئ الدستورية خاصة في ما يرجع إلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة والديمقراطية المواطنة والتشاركية. إننا أمام مرتكزات جوهرية من مرتكزات الديمقراطية ومكتسبات هامة من مكتسبات الدستور الجديد، الذي يضع كل فرد مسؤول تنفيذي، وكل حزب أو ائتلاف حزبي أو فريق تنفيذي، أمام مسؤولياته إزاء القانون والرأي العام.  و يبقى الهدف العام هو أن تكون أجهزة الدولة وامتداداتها المجالية والموارد العمومية المعبأة في خدمة المواطنين والتنمية والتطوير والتأهيل. و ما من شك في أن في كل هذا تقوية للدولة واقتدارها وتموقعها  الإقليمي والدولي.

  

السيدات والسادة،

 

يحتاج تحقيق هذه الأهداف إلى رافعة الانخراط المواطن في بناء السياسات العمومية، ذلكم أن التشريعات والموارد والتخطيط الضرورية تحتاج إلى مشاركة وإشراك المواطنين، وهو ما كان دستور المملكة ذكيا في التنصيص عليه، و هو ما تم أيضا تقعيده في قانونين تنظيميين هما القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال  التشريع والقانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية اللذين صادق عليهما البرلمان. وتفعيلا لمقتضيات النصين سيتم تطوير موقع الكتروني خاص من مميزاته انه سيكون تفاعليا ومنفتحا وديناميكيا وشفافا ومستوعبا لمختلف الآراء وخاصة إزاء المجتمع المدني الذي يتوقع أن يكون ديناميكيا في تأطير المواطنين و هم يُعِدُّون أو يوقعون أو يقدمون الملتمسات والعرائض.

 ولا تخفى على الجميع أهمية المشاركة المواطنة في بناء وتقييم السياسات العمومية وأهمية العرائض والملتمسات في إثارة انتباه السلطات سواء كانت تنفيذية أو تشريعية إلى قضايا وإشكالات وظواهر تستدعي المعالجة والتدخل العمومي. وفي السياق الإقليمي والدولي الراهن تزداد الحاجة الى المشاركة المواطنة والى الثقة في المؤسسات والى الانخراط في العمل العمومي وفي الانتخابات، إذ غدت الثقة قيمة حاسمة في الاستقرار المجتمعي.       

  وسواء تعلق الأمر بتحليل الميزانية و التداول بشأنها في مجلس النواب، أو الديمقراطية التشاركية، فإن الشفافية باعتبارها مبدأ يكرسه الدستور وأحد معايير الديمقراطية المعاصرة، هي التقاطع الذي يمر من خلاله كل عمل في هذا الشأن.  

 ومن جهة أخرى، فإن مجلس النواب المغربي المتفاعل مع محيطه الإقليمي والقاري والدولي والمرتكز على أكثر من خمسين سنة من العمل البرلماني، مصمم على اقتسام خبراته ومهاراته المتواضعة مع برلمانات بلدان شقيقة وصديقة من خلال عمليات توأمة وتبادل للخبرات والخبراء والاستشارة وفاء بالتزامات بلادنا الدولية وإعمالا لدستور المملكة.

 وإذ نقر بتواضع رصيدنا البرلماني بالقياس إلى ديمقراطيات عريقة أخرى، فإننا نفخر بما راكمناه من تقاليد برلمانية وبتعدديتنا السياسية والحزبية التي تعتبر أحد مظاهر تفردنا في محيطنا وفي سياقنا الإقليمي والحضاري والتي تعزز نظامنا السياسي التي تعد الملكية عموده الفقري وأساس بنائه.

 

 السيدات والسادة،

 

إن الدعم الذي حصل عليه مجلس النواب، ومن خلاله المغرب من صندوق التحول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يعتبر ثمرة إعلان قمة مجموعة الثمانية في 2011 في دوفيل والذي أحدث لدعم التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتساهم في تمويله البلدان الغنية و العديد من المؤسسات المالية الدولية منها صناديق عربية وإسلامية، هذا الدعم هو عربون ثقة آخر في متانة إصلاحاتنا ومصداقيتها. 

 وأود بهذه المناسبة أن أوضح أن مجلس النواب يعول بالأساس على إمكانياته الذاتية وعلى خبراته في تنفيذ مخططات تجويد العمل البرلماني وتمكين أعضاء المجلس من وسائل العمل البشرية والتقنية والمعلوماتية، إذ مخطئ من يختزل إنجاز مخططاتنا التأهيلية في برامج التعاون الدولي، على أهميتها، في تيسير الاستفادة من الممارسات الفضلى في الديمقراطيات العريقة، دليلنا في ذلك ما حققناه في مجال البرلمان الالكتروني، و جمع و رقمنة وصيانة وحفظ الرصيد الوثائقي للمجلس حفظا للذاكرة الوطنية وتوفيرا للمعلومة ووضعها رهن إشارة أعضاء المجلس وجمهور الباحثين ومراكز البحث،  و تنفيذ برامج للتكوين بالموازاة مع حرصنا على جعل المجلس ينفذ مهامه الدستورية ومنها ما هو موكول إليه في مجال تقييم السياسات العمومية.      

 وقبل أن أختم حديثي أود توجيه الشكر للبنك الدولي وخاصة السيد حافظ غانم رئيس مجموعة البنك لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومكتبه بالرباط والسيدة Lida Btedini الخبيرة في مقر البنك بواشنطن. كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى السيد وزير الاقتصاد والمالية على المواكبة التي قدمتها الوزارة  للمجلس من أجل الحصول على هذا الدعم.

 تلكم، السيدات والسادة، بعض المعطيات والتوضيحات التي حرصنا على أن نتقاسمها معكم علما بـأن جميع مكونات المجلس من فرق وإدارة تقنية مدعوة الى المساهمة في تيسير ربح تأهيل مجلسنا خدمة لديمقراطيتنا وتقوية لمؤسساتنا الدستورية ولمصداقية العمل الذي تنجزه.

 

 

 

شكرا لكم على الإصغاء .