تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال الدورة الثامنة والستين للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الأفريقي - الخرطوم

02/06/2016

السيد رئيس المجلس الوطني السوداني،

السيد الأمين العام للاتحاد البرلماني الأفريقي،

السيدات والسادة أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحادنا،

أيها الزملاء الإخوة والأصدقاء،

 

يقتضي المقام أولاً أن أتقدم، باسمي الخاص ونيابة عن كافة الزميلات والزملاء في اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الأفريقي، بصادق الشكر والامتنان إلى إخوتنا في المجلس الوطني لجمهورية السودان الشقيقة وعلى رأسهم أخونا معالي الأستاذ إبراهيم أحمد عمر ومن خلاله إلى جمهورية السودان، رئيساً وحكومة وشعباً، على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، وكذا الجهود الخيرة التي بذلت لاحتضان هذا اللقاء. وهو ما يعبر فعليا وبالملموس عن الدور الحيوي الفاعل الذي ينهض به إخواننا في السودان في خدمة القارة الأفريقية والاهتمام بقضاياها، والانخراط الجدي الملتزم في إطارات العمل المؤسسي الأفريقي وضمنها وفي طليعتها الاتحاد البرلماني الأفريقي.

الشكر أيضا للسيد N’ZI KOFFI، الأمين العام للإتحاد، على ماقام به ومساعدوه من عمل تحضيري لهذه الدورة الثامنة والستين للجنة التنفيذية التي تحتضنها العاصمة السودانية، الخرطوم. والشكر موصول لزميلاتي وزملائي أعضاء اللجنة التنفيذية الذين تحملوا عناء السفر قصد حضور الأشغال وإعطاء اللقاء المعنى والمضمون اللذين يستحقهما.

والواقع أنني حين غادرت الرباط، عاصمة المملكة المغربية، في طريقي إلى الطائرة، وعلى متن الطائرة في طريقي إلى الخرطوم – واسمحوا لي أن أنقل إليكم إحساسا شخصياً، ولعله الإحساس نفسه الذي قد يكون خالجكم جميعاً من دون شك – استغرقني التفكير في السودان، في الشعب السوداني الطيب الكريم، وفي العمق التاريخي والحضاري والثقافي لهذا البلد الأفريقي الكبير.

للحظات، ظلت خريطة السودان ماثلة أمام عيني حاضرة في مخيلتي، فبقيت أنظر إلى الامتداد الجغرافي الرحب ومعنى كل هذه الحدود، وهذه التخوم المفتوحة على بلدان متعددة في الجوار، كل بلد منها له تاريخه وطبيعته وتكوينه ونظامه وخريطته ومحاسنه ومصاعبه وحيثياته المختلفة.

وفكرت في العمق الحضاري للسودان الذي يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، أي منذ أن ثبت حضور بشري على هذه الأرض الطيبة الكريمة المعطاء، ومنذ أن اقتسمت السودان مع شقيقتها مصر الحضارة الفرعونية العظيمة عبر امتداد زمني طويل، وبالخصوص حين تميزت الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرون بكونها أسرة سودانية كما يخبرنا التاريخ بذلك.

فكرت، خلال هذه التداعيات الشخصية، في الفترة التي دخل فيها الاسلام إلى السودان، على عهد الخليفة الرابع عثمان بن عفان وإبان حكم عمرو بن العاص (في القرن الأول للهجرة، القرن السابع الميلادي)، وكيف حدث الفتح الاسلامي نفسه في الضفة الغربية من أفريقيا، وفي بلادي تحديداً، في الفترة نفسها، حيث بدأت من هناك الجذور الحضارية والثقافية واللغوية بين جهتي الشمال الأفريقي، الشرقية والغربية، وتمتد وشائج الأخوة والقرابة ما بين الإنسان الأفريقي في السودان والإنسان الأفريقي في المغرب.

ومنذئذ، وتبعاً لجغرافيات الفتح الإسلامي ومسارات الفاتحين المسلمين العرب، ثم تبعا لطرق ومسالك الحج، بدأت أولى اللقاءات بين أهل المغرب وأهل السودان. وأكثر من ذلك، ستنطلق علاقات قرابة أخرى بينهم خلال الفترة التي انتشر فيها الفكر الصوفي، فوصلت امتدادات الصوفية المغربية إلى السودان، ولاتزال لها بعض الآثار – في حدود علمي – حتى اليوم، مما يعرفه جيداً أهل الاختصاص والممارسون لهذه الثقافة الروحية الصافية المتجذرة هنا لدى أهلنا وإخوتنا السودانيين.

فكرت أيضا في الكفاح الوطني للشعب السوداني وقواه الوطنية في مواجهة الاستعمار الأجنبي، وبالأخص في أن السودان حققت استقلالها واستعادت حريتها وسيادتها الوطنية في السنة نفسها، سنة 1956، التي حقق فيها شعبي، وبلادي المملكة المغربية، الاستقلال الوطني بقيادة أحد رموز التحرر الأفريقي المغفور له الملك محمد الخامس.

أردت أن أقول، أيها الإخوة والأخوات – أيها السادة والسيدات، إنني كلما سافرت إلى بلد أفريقي صديق أو شقيق، وفتحت الذهن قليلا على عمقه التاريخي أو الحضاري أو الثقافي أو الروحي أو اللغوي أو النضالي أو نظرت إلى جغرافيته وخريطته، إلا واكتشفت أن هناك بعض الترابطات أو  بعض الجذور أو بعض الخيوط التي تربط بيننا. وبالتالي، أكتشف أن هناك عمقا إنسانيا أو حضاريا أو رمزيا معينا ربط ما بيننا قبل أن تربط بيننا العلاقات المعاصرة في إطار برلماني أو سياسي جهوي أو إقليمي كالاتحاد البرلماني الأفريقي مثلا الذي أتشرف برئاسة لجنته التنفيذية وبانتماء بلادي إليه من خلال المؤسسة التشريعية التي أمثلها وأتشرف أيضا بتحمل مسؤوليتها.

 

ولكن هناك، في قارتنا الأفريقية العظيمة، من قد لا يولي الأهمية الضرورية لعلاقات الحضارة والثقافة واللغة والتاريخ والجغرافيا، ولما تمثله الجذور في تكوين الذهنيات والمسلكيات وصياغة العقل والوجدان والخيال. وفي ذلك بعض من تفقير رأسمالنا الرمزي الأفريقي، والتقليل من رصيد القيم التي تجمعنا كأفارقة نتوفر على مقدرات هائلة من حيث التعدد الثقافي واللغوي والديني والإثني والاجتماعي، ومن حيث التنوع في التعبيرات الإبداعية والرمزية التي أضحت الانسانية، من خلال منظمة اليونيسكو، تدرجها ضمن ملكيتها العامة ولم تعد فقط ملكية للقارة الافريقية أو لهذا البلد أو ذاك في قارتنا.

ومن هنا، أعتز بكون منظمتنا، الاتحاد البرلماني الأفريقي، سبق لها أن نبهت إلى أهمية هذا الرصيد الحضاري والثقافي في إعلان لا ينسى حول دور البرلمانات الأفريقية في إنعاش الثقافة والتربية، والذي توج مؤتمر بوجومبورا في جمهورية بوروندي سنة 2006.

وبالروح نفسها، والإرادة نفسها، والرهانات نفسها، ظل الاتحاد البرلماني الأفريقي يواصل التزامه المبدئي والأخلاقي بإثراء تراثنا الإنساني والكوني الحديث والمعاصر حول القيم الرفيعة التي تجمعنا وينبغي أن تجمعنا باستمرار، لا كأفارقة فحسب، أو كبرلمانيين فقط، وإنما كبشر بناة تاريخ وأبناء تاريخ.

ولهذا كله، علينا أن نؤكد على أهمية إطارنا البرلماني الأفريقي هذا مثلما  على باقي الإطارات البرلمانية الأخرى، الشقيقة والصديقة، الإقليمية والجهوية والدولية، في المزيد من العمل المشترك، والحوار، والتبادل، والتعاون، والتضامن، وفي صياغة ثقافة برلمانية وتربية سياسية جديدة تتطلع إلى ماهو مشترك، وإلى ماهو إنساني وكوني، وإلى ماهو حضاري وسلمي وأخلاقي ومبدئي.

وأظن أن هذا هو ما يجمعنا في الاتحاد البرلماني الأفريقي. ففي مواثيقنا، وأدبياتنا ومواقفنا وبياناتنا الموثقة، التزام صريح بخدمة السلم، والأمن، والاستقرار، والإسهام في احتواء التوترات والنزاعات، وإثراء البناء المؤسساتي، وتقوية النسق الديموقراطي، ودعم أسس وسبل الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة، والتنمية السياسية والثقافية، وإيلاء الأهمية للمواطنة والمزيد من الاعتبار للمرأة والأسرة، ومحاربة مختلف أسباب ومظاهر الفقر والجوع والجريمة المنظمة، والتصدي لآفات التطرف والإرهاب، ومد الجسور بين المؤسسات ومكونات المجتمع المدني.

وهذا معنى أن ننتمي إلى الاتحاد البرلماني الأفريقي، وأن ننتمي إلى بعضنا البعض باحثين مؤكدين على الجذور التي تجمعنا مثلما نؤكد بالقدر نفسه على المستقبل الذي تجمعنا آفاقه ورهاناته. فكلما بحثنا في الحضارة والتاريخ والمجتمعات سنعثر على حقيقة أننا كنا دائما إخوة وأصدقاء، ولاشك أن المستقبل سيظل يعلمنا باستمرار حقيقة أننا ينبغي أن نظل إخوة وأصدقاء.

 

شكرا على انتباهكم.