بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدة المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا لمؤسسة وستمنستر للديموقراطية،
السيدة رئيسة مجموعة العمل الموضوعاتية حول المساواة والمناصفة،
السيدة رئيسة ائتلاف البرلمانيات من الدول العربية لمناهضة العنف ضد المرأة،
السيدات النائبات والسادة النواب،
حضرات السيدات والسادة،
لا أستطيع أن أخفي مشاعري الخاصة وأنا أحضر هذا الحدث الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي، بكل أبعاده الرمزية الحضارية، وبالمعنى العميق الدال الذي يحمله تجاه المغرب ومؤسسته التشريعية من حيث ينعقد اللقاء في الرباط، وخصوصا تجاه المرأة في المغرب بل تجاه نساء العالم وقضاياهن وآفاق نضالهن.
إنني سعيد جدا بهذه اللحظة الرفيعة التي أمثل فيها السيد رئيس مجلس النواب الذي يبلغكن ويبلغكم جميعا تحياته الأخوية الصادقة، وأمثل مجلس النواب متفاعلا مع موضوع هذا المؤتمر الدولي الهام المخصص لمناقشة : "دور البرلمانات في تمكين المرأة وصلتها بالتنمية المستدامة" على امتداد يومين، ومشاركا في هذا الحوار الذي لا يمكنه إلا أن يكون مثمرا إن شاء الله تعالى آملاً أن تنبثق عنه أفكار وخلاصات من شأنها أن تغني التراكم الفكري والعلمي والممارسة التشريعية في هذا الإطار، إن في العالم العربي أو الإسلامي أو على المستوى الكوني.
وإن ما يسعدني أيضا، بصدق وبحق، أننا نستضيف هذا المؤتمر الدولي وننظمه بتعاون مثمر مع أصدقائنا وشركائنا في مؤسسة وستمنستر للديموقراطية. وليست هي المرة الأولى التي يتم هذا التعاون بين مجلس النواب في المملكة المغربية مع هذه المؤسسة البريطانية الرائدة في دعم الممارسات الديموقراطية وتقوية الترسانة الفكرية للعمل البرلماني.
وإنني لأعتز شخصيا بهذه الرفقة الخلاقة مع مسؤولات ومسؤولي وأطر مؤسسة وستمنستر، إذ كنت في عمق هذا التعاون، قريبا من رهاناته ومقاصده النبيلة، وصولا إلى الخطوة الجديدة التي سنتوجها بتعاقد بين مؤسستينا، وذلك للمزيد من الترابط والشراكة وتضافر جهودنا الخيرة خدمة للثقافة الديمقراطية ولتطوير وتحديث الفعل البرلماني.
وإذن، اسمحن ... واسمحوا لي جميعا بأن أرحب بالحضور الكرام في فضاء مجلس النواب، هنا في الرباط عاصمة المملكة المغربية، حيث نلتقي في سياق الاحتفال الكوني بيوم المرأة العالمي، لا لنحتفل لمجرد الاحتفال، وإنما لنسهم في هذه الاحتفالات بالمزيد من الأفكار والمقترحات والصيغ الإجرائية الداعمة والمعززة لمشروع المساواة بين المرأة والرجل في ارتباطه مع مشاريع وأهداف التنمية المستدامة.
وكما هو واضح في أرضية هذا المؤتمر الدولي، فإن تمكين المرأة شرط اساسي لتحقيق التنمية المستدامة. كما نعلم أن المنتظم الأممي شرع رسميا، مع بداية هذه السنة 2016، في الأفق الإجرائي لأهداف التنمية المستدامة الـ 17 لخطة التنمية المستدامة 2030 التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر 2015، وضمنها الهدف الخامس الخاص بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات؛ وهو هدف يكتسي طابع الأولية لسنة 2016، خصوصا في كل ما يتصل به من مراجعة وبذل للجهود الإنسانية حول الوضع الراهن للمرأة في العالم، والتركيز-أساسا وأولا – على القضاء على كافة أشكال العنف والتحرش والميز ضد النساء والفتيات.
والواقع أنه لا ينبغي الاستهانة بالتقدم الذي حققته الإنسانية المتبصرة العقلانية ونضالات النساء في العالم لفائدة المرأة، سواء على المستويات السياسية والتشريعية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية،
أو على المستوى الثقافي والفكري وما تحقق بالخصوص على مستوى مراجعة عدد وافر من المفاهيم والأفكار القديمة الرثة الجاهزة واقتراح خطابات وأفكار جديدة بل أجيال جديدة من المفاهيم العلمية الحداثية التي أتاحت للعالم المعاصر مساحات أكبر للتفكير والمبادرة والاقتراح في كل ما يتعلق بحماية النساء وصيانة كرامتهن وتعزيز مكانتهن وتقوية حضورهن وتمكينهن من حقوقهن في المساواة والإنصاف والعدالة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
من المؤكد أن ما اعتمده المجتمع الدولي حتى الآن من آليات واتفاقيات وبروتوكولات ملزمة لتحصين الوضع الاعتباري للمرأة في العالم المعاصر ولمحاربة كافة أشكال الميز والعنف ضد النساء، لم يتحقق تلقائيا أو مصادفة. على العكس، لقد كان نتيجة تواصل وتضافر جهود ونضالات نساء العالم ومعهن رجال العالم والقادة المتبصرون الحكماء العقلاء الذين يدركون أن الإنسانية في حاجة إلى جهود وعطاءات النساء، وأن استراتيجيات التنمية التي ترتكز على المرأة وعلى المساواة بين الجنسين تؤدي إلى تحقيق نتائج اقتصادية أفضل وأكثر وأقوى من أي استراتيجية أخرى محايدة بين الجنسين.
إن ما نحتاجه في هذا الأفق المنصف الذي ينتصر لقضايا النساء هو الفكر الذي يحاور ويناقش ويفاوض، والفكر الذي يراهن على شجاعة الاجتهاد الديني واعتدال الإنتاج الفكري واستيعاب الخصوصيات الحضارية والثقافية والتربوية المعقولة والمقبولة بالمعنى الحقوقي والديمقراطي والحداثي والمنطقي والفكري.
في هذا الأفق، تندرج تجربتنا المغربية. وهي تجربة لها تاريخ، ولها مسار من التراكم في الإصلاح والحضور والتضحيات. والمغاربة عموما، والمغربيات بالخصوص، يذكرون، ويذكرون، رموزا نسائية مضيئة في تاريخ المغرب القديم والوسيط والحديث، ولكنهم يذكرون اساسا مبادرة السلطان المجاهد محمد بن يوسف، أي المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، حين أخرج بناته الأميرات إلى المجال العمومي خلال الأربعينيات من القرن العشرين، وفتح حقل التربية والتعليم للفتيات. كما يذكرون ما أنجزه الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في توسيع دور النساء المغربيات، وكيف بوأهن أعلى المواقع في هرم الدولة والمجتمع، وصولا إلى ما قام به جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في موضوع المرأة وحقوقها وكرامتها، وذلك برؤية استراتيجية ووعي منهجي في الإصلاح التدريجي المتراكم الذي تظهر ملامحه بارزة في مدونة بارزة هي مدونة الأسرة التي أشرف عليها جلالته شخصيا وقضى فيها بتحكيم مولوي حكيم وجريء يأخذ بالاعتبار الإطار المرجعي للأمة ومتطلبات التغيير والتقدم والتحديث. كما تظهر بوضوح في دستور يوليوز 2011 الذي وضع جلالته أسس هندسته في خطاب مارس 2011، وهو الدستور الذي يضع حدا نهائيا للتمييز ضد النساء، ويقضي بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، ويمتع المرأة بالمساواة مع الرجل في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويؤكد سعي المغرب إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين النساء والرجال بل وينص على إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، وهي الهيأة التي يوجد قانونها المؤسس موضوع دراسة في مجلس النواب.
ومن هنا، فإننا واعون في مجلس النواب، في برلمان المملكة المغربية، بالدور الحيوي المؤثر للفاعلية البرلمانية في تمكين المرأة المغربية من وضعها الاعتباري المادي والرمزي، اللائق الذي هي جديرة به وما لذلك من علاقات وترابطات مع أهداف التنمية المستدامة.
والحقيقة اننا إذا ما قرأنا تاريخنا السياسي المعاصر في المغرب، وتتبعنا مسار الحياة البرلمانية وحضور النساء المطرد في المواقع البرلمانية منذ الولاية التشريعية الخامسة إلى اليوم، سندرك أن المغرب لم يتوقف عن مراكمة الإصلاحات السياسية والدستورية عموما، والخاصة أساسا بأوضاع النساء، وبالتالي فإن الأمر يتعلق بسيرورة من العمل الحثيث الذي لم يتوقف، وسوف لن يتوقف إن شاء الله تعالى.
فهذا محور مركزي ضمن وظائف العمل البرلماني الحقيقي، الصادق، النزيه، سواء تعلق الأمر بالتشريع والرقابة على العمل الحكومي ومراقبة السياسات العمومية أو تعلق بالدور الذي يمكننا كبرلمانيين أن ننهض به في المحافل الدولية والجهوية والإقليمية، البرلمانية وغير البرلمانية، خدمة للمرأة وصونا لكرامتها واعتبارا لمكانتها في تأسيس المجتمع الإنساني وإثرائه الحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
وختاما، أتمنى لأشغال مؤتمرنا الدولي هذا التوفيق والنجاح، مجددا الترحيب بكافة ضيفات وضيوف المغرب متمنيا لهم ولهن المقام الطيب.
والسلام عليكن وعليكم.