السيد Richard Ferrand، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية،
السيد Gérard LARCHER، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي،
السيد الخليفة الأول لرئيس مجلس المستشارين،
السيدات والسادة رؤساء الفرق النيابية ومجموعات الصداقة البرلمانية ولجان العلاقات الخارجية
يسعدني أن نلتقي اليوم مجدداً في إطار المنتدى البرلماني المغربي -الفرنسي الذي صار إطاراً مؤسساتيا للحوار بين ممثلي الشعبين المغربي والفرنسي، ودعامة للعلاقات التاريخية الوطيدة والاستثنائية القائمة بين بَلَدَيْنَ نجحا في تحويل تاريخِهِمَا المشترك إلى نموذج راسخ ومتميز للتعاون الثنائي وفي الإطارات المتعددة الأطراف.
وأود في البداية أن أُثْنِي على هذا المنتدى الذي تُجَسِّدُ دورتُه الرابعة قدرةَ مؤسساتنا الأربع على حُسْنِ استثمار التراكم الـمُنْجَز في الحوار بين ممثلي الشعبين في ما يحفظُ الشراكة الاسثنائيةَ القائمةَ بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية ويُيَسِّرُ تَوَجُّهَهَا إلى المستقبل، ويجعلُها قادرةً على رفع التحديات الناجمة عن سياق العولمة وعن الظروف الاقليمية والدولية التي تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى دولٍ حكيمة. وأعتقد أن تلك هي حالة المغرب وفرنسا، اللذان يعتبران ركيزتين للاستقرار، ويعتبرُ قَائِداهُما من الحكماء في عالم ما أَحْوَجَهُ إلى التبصر والحكمة والاعتدال.
لقد نجح بَلَدَانَا في ترصيد المشترك الانساني والثقافي، وتوظيفه في خدمة المصالح المشتركة وفي تعزيز علاقاتهما الاستراتيجية والاقتصادية. وقد تَيَسَّر ذلك بفضل المحتوى القيمي والانساني المنفتح على الآخر، وعلى المستقبل، لهذا الرصيد الذي تُغْنِيهِ جاليةٌ مغربية كبيرة ديناميةٌ ونَشِطة بفرنسا، أعطتْ نخباً سياسية ومدنيةً وفنية وثقافية واقتصاديةً ورياضيةً تساهم في تطوير فرنسا وتساهم بالأساس، في تَجْسِيرِ علاقات البلدين وتَيْسِيرِ استدامَتِها، وهو ما يتعزز بتواجد مقاولات فرنسية رائدةٍ تساهم باستثماراتها في الصعود Emergence الذي يحققه المغرب، وبجالية فرنسية اختارت المغرب للإقامة والاستثمار والعمل.
الزميلات والزملاء الأعزاء
السيدات والسادة
نناقش خلال هذه الدورة الرابعة مواضيع نعتبرها تحديات مركزية في سياق علاقاتنا الثنائية وفي السياق الدولي الراهن. ونُدْرِكُ أن رفع هذه التحديات وإيجادَ الأجوبة العملية، في مواجهتها، هو رهانٌ مشتركٌ، ليس فقط بين فرنسا والمغرب، ولكن بالنسبة لجميع القوى المؤمنة بالديموقراطية وتوطيد المؤسسات، وبالتقدم والتضامن والتعاون والعيش المشترك والاختلاف، والتي تَعْتَبِرُ مكافحةُ الفقرِ والهشاشةِ والعنفِ والتشددِ والانطواءِ، في صدارةِ أجَنْدَتِها.
وسواء تعلقَ الأمرُ بالعمل من أجل مواجهةِ التَّغَيُّراتِ المناخية وانعكاساتها على البشرية، أو تعزيز الديموقراطية، أو اسْتِثْبَابِ الأمن والسلم، أو التنمية في أبعادِهَا المتعددة، فإننا أمام تحدياتٍ عالمية، مشتركةٍ، ترتبط على نحو جدلي في ما بينها، ترهنُ بَعْضَهَا البعض، وتُحَتَّمُ أجوبةً وحُلولاً جماعيةً هيكليةً وحاسمةً، قبل أن تستفحلَ أكثرَ مِمَّا هي عليه اليوم.
وإلى جانب الـمُعضلات التي واجهتها البشرية على الخصوص، منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، من حروبٍ ونزاعات وكفاح من أجل الديموقراطية، نوجد اليوم أمام تحدي حاسمٍ يتمثلُ في الاختلالات المناخية.
وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير، بكل اعتزاز، بمساهمة المغرب وفرنسا على نحو لاَفِتٍ في التعبئة الدولية الجماعية من أجل المناخ والحد من الاحتباس الحراري ومواجهة انعكاسات الاختلالات المناخية. وقد كان مؤتمرَا الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة-الإطار، بشأن التغيرات المناخية COP21 في باريس و COP22 في مراكش، تجسيداً لهذا الالتزام المغربي-الفرنسي، إذ شكلت القِمَّتَانِ منعطفاً حاسماً، ليس فقط في مسيرة الدفاع عن البيئة وفي القرارات والالتزامات التي أخذتها المجموعة الدولية على عاتقها، ولكن في تشكيل وانبثاق وَعْيٍ دولي جماعي جديد بإشكالية البيئة.
ومن أجل ذلك، علينا كمؤسسات تشريعية أن نواصل الالتزامَ في إطار دبلوماسية برلمانية مناخية مناضلة من أجل الحفاظ على روح قِمَّتَيْ باريس ومراكش واستحضار القيم التي تأسست عليها نتائجُ المؤتمَرَيْن، وفي مقدمتها التضامن ، و منها أيضا أن نُبْقِيَ في الأذهان، دوما، ذلك السؤال المشترك : ما الذي سَنُوَرِّثُهُ للأجيال القادمة ؟ إنه سؤال المسؤولية.
وفي هذا الصدد، ينبغي لنا مواصلة الترافع المشترك من أجل العدالة المناخية لإفريقيا، هذه القارة التي توجد في صدارة البلدان المتضررة من الاختلالات المناخية، جفافاً وتصحراً وفيضاناتٍ، مع كل النتائج الكارثية لهذه الظواهر الطبيعية والمتمثلة في الهجرات والنزوح الجماعي والتفقير. وعلينا أن نساهم في الحفاظ على نَفَسِ التعبئة العالمية من أجل المناخ وجعل الدول والهيئات المانحة تفي بالتزاماتها سواء في ما يخص السياسات العمومية أو تمويل المشاريع.
وليست مخاطر التلوث محصورةً في المناطق القارية البرية، بل أضحت البحار والمحيطات مطارحَ لنفايات خطيرة مما يُلقي علينا بمسؤوليات كبرى في تنقيتها والحفاظ عليها باعتبارها خزانات استراتيجية للبيئة وللأمن الغذائي.
الزميلات والزملاء الأعزاء
السيدات والسادة
ينتمي بَلَدَانَا الى منطقة تشهدُ عددا من النزاعات والحروب. وتقعُ عليهما مسؤولية المساهمة في الوقاية من الأزمات والنزاعات. وبالتأكيد، فإن السلم والأمن في المنطقة الأرومتوسطية، لايمكن أن يُنْسينا الأوضاع في باقي مناطق العالم. فانتماؤنا الجغرافي والتاريخي للقارة الافريقية، يجعلنا، في المغرب نُدرك، حجمَ ما عَانَتْهُ هذه القارة جَرَّاءَ النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار.
ولَئِنْ كانت العديد من شعوب هذه القارة ما تزال تكافح من أجل الديموقراطية وتسوية النزاعات، فإنه ينبغي الاقرارُ اليوم بأن افريقيا تخلصت من عدد من نزاعاتها وأزماتها، كما أن بناء دولة المؤسسات على أساس الانتخابات المنتظمة، والتعددية السياسية والديموقراطية، أصبح من الأوراش اللافتة في إفريقيا مطلع الألفية الثالثة، حيث أَفرزت الديناميات السياسية والاجتماعية، نُخَباً سياسيةً جديدة، ومجتمعات مدنيةٍ يقِظةٍ، وقطاعاً خاصاً مبادراً .
ومن جهة أخرى، وعلى أساس هذه الديناميات القُطْرية، تَمَّ اطلاق عدة مبادرات للاندماج الإقليمي والقاري. وفي هذا الصدد، أود التذكير بأن عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي في يناير 2017، أعطت دفعة جديدة لعمل الاتحاد، وعززت التَّوجه الديموقراطي، المنفتح والتجديدي، داخل هذه الهيئة.
وبالموازاة مع حضوره الدينامي داخل الاتحاد، أخذ المغرب على عاتقه، واختار، الشراكة جنوب-جنوب، إذ يُقيمُ علاقاتٍ وتعاونٍ اقتصادي، واجتماعي، وتوطينِ الاستثمارات مع الأغلبية الساحقة من البلدان الإفريقية مؤطرة باتفاقيات وبرتوكولات تعاون.
وتتوخّى السياسة الافريقية للمغرب، التي يقودها في الميدان ويرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحقيق الربح المشترك، والصعود الإفريقي الجماعي، وقيام افريقيا الجديدة الواعدة، المستقرة والمتمتعة بالرخاء. وأودُّ في هذا الصدد التأكيد على أن اختيارَنا التعاون جنوب-جنوب ليس بديلا عن التعاون شمال-جنوب، بل هو امتداد له ويساعد على فتح آفاق جديدة في المبادلات الدولية.
ومامن شك في أن من شأن تحقيق التنمية المستدامة، والاستثمار الأمثل لموارد القارة من أجل هذا الهدف، ومن أجل شعوبها، أن يُيَسِّرَ الاستقرار ويُخَفِّفَ من الهجرة ويجعلَ المواطن الإفريقي وَاثِقاً من مؤسساته ومُؤْمِناً بأن مستقبَلَه في بلده وقارته ومؤسساته. وينبغي في هذا الأفق القطعُ مع النماذج التقليدية للدعم من أجل التنمية، واعتماد منطقِ الشراكةِ المربحةِ للجميع، الـمُحَافِظَةِ إلى الموارد الطبيعية، وتحويل الإمكانيات إلى ثروات، ومحاربة الهشاشة من حيث يتغدى التطرف والارهاب الذي تعتبر بعض البلدان الافريقية الصديقة ضحية له، وحيث يساهم المغرب وفرنسا في المعركة الميدانية لمحاربته تجسيداً للتضامن مع الاشقاء الأفارقة.
الزميلات والزملاء الأعزاء
السيدات والسادة
نواجه في مطلع الألفية الثالثة إشكالية تعزيز الديمقراطية، ممارسةً ومؤسساتٍ ومردوديةً، إذ تواجه الأنظمة البرلمانية عدة تحديات، ليس أَقَلَّها : 1- نَزَعَاتُ مناهضةِ العمل البرلماني والمؤسسات، و2- الادعاء باستنفاذ أدوارها، و 3- التشكيك في النخب، و4- نشر الأخبار الكاذبة والزائفة بشأن البرلمانات، و5- ضعف المشاركة في الانتخابات، و6- بروز الحركات الشعبوية والانطوائية، و7- الخلط والتداخل بين المشكلات الوطنية والقضايا الدولية، و8- طغيان النزعات ذات الطابع الاقتصادي والمالي والتقني على المشاريع السياسية والثقافية المتسمة بالعمق والمستندة الى أفكار جوهرية، على الرؤية الاستراتيجية الشاملة.
في مواجهة هذه التحديات، لا بديلَ، عن تقوية الأنظمة البرلمانية، والمؤسسات التمثيلية، والعمل من أجل تعزيز الثقة في البرلمانات وفي المؤسسات الديمقراطية والدستورية. ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي للبرلمانات أن تكون متفاعلة مع قضايا المجتمعات ومع السياقات، ومتجاوبة مع انشغالات المواطنات والمواطنين، وهو ما يمكن أن يجسده برلمانُ القرب، الذي ينبـغي أن يُصْغِيَ إلى الناس، وخاصةً إلى الشباب والنساء والفئات الهشة.
وعلى البرلمانات أن تَحْرِصَ، من خلال مهامها الرقابية ومهام تقييم السياسات العمومية على أن تكونَ أعمالُها منتجةً للأثر على حياة المجتمع باتجاهِ التحسينِ والإنصافِ، والتخفيفِ من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
ويتعين علينا من جهة أخرى، تعبئة الرأي العام وضمان ثقته من أجل التزام جماعي لخدمة لمصالحنا المشتركة وحقوقنا الطبيعية في ممارسة ديموقراطية أكثر قوة، وجعل مجتمعاتنا أكثَر إدماجا وتضامنا على أساس المساواة في الفرص. وينبغي من أجل ذلك أن تكون مردودية العمل البرلماني مُعَاشَةً وذات وَقْعٍ على حياة الناسِ، وذاتُ جودةٍ عالية.
وفي هذا الصدد، نحن مطالبون بمواصلة وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات والتعرف عن قرب على ممارساتنا البرلمانية. واسمحوا لي أن أذكر في هذا الصدد بالنتائج الملموسة والنجاح الذي حققه مشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب المغربي والجمعية الوطنية الفرنسية الذي أنجز خلال الفترة ما بين 2016 إلى 2018، الممول من طرف الاتحاد الأوروبي الذي أجرى تقييما لمحتوى هذا المشروع وخَلُصَ إلى أنه حقق النجاح المطلوب والنتائج المتوخاة واعتبره نموذجا ناجحا، إذ قررت المفوضية الأوروبية تمويل وإطلاق مشروع توأمة ثانية مع البرلمان المغربي. إنه نموذج لتَفَاهُمِنَا وتعاوننا وللعمل المشترك.
وفي الختام أود أن أجدد شكري للزميلين Richard Ferrand وGérard Larcher ومن خلالهما البرلمان الفرنسي على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وحسن التنظيم، وهي أمور ليست بالجديدة وبالغريبة عن عاصمة الأنوار، الفاتحة دَوْماً ذرَاعَيْهَا لاستقبال الضيوف أو الترحيب بهم.
شكرا لكم على جميل الإصغاء.