Aller au contenu principal

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال الحدث الخاص حول موضوع: تفاعل البرلمانات مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان

29/11/2014

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أَشْرف المرْسَلين

السيد رئيس مجلس المستشارين

السيد المندوب الوزاري لحقوق الإنسان

 

السيد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان

 

السيد ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

 

حضرات السيدات والسادة

 

ضيوف المغرب الأجلاء

 

بكثير من الاعتزاز والسرور نفتتح هذا اللقاء الدولي المنظم بشراكة مع الاتحاد البرلماني الدولي، حول موضوع يشكل أحد انشغالاتنا الدائمة، ويترجم حاجتنا إلى تأمل سيرورة الفعل الحقوقي، ورصد مدى انخراط الفاعلين البرلمانيين في مختلف آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

 

وما يزيد من أهمية هذا المنتدى أنه ينعقد ضمن فعاليات الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي يشكل محفلا كونيا للحقوقيين، ونخبة من المناضلات والمناضلين الذين ارتبطت أسماؤهم وتاريخهم بالدفاع عن حقوق الإنسان، بينهم وجوه وأسماء بارزة ووازنة نالت تقدير المجتمع الدولي .

 

والواقع أن هذا الحدث الدولي الذي تتشرف بلادنا باحتضانه يشكل لحظة استثنائية في المسار الديمقراطي الوطني، واعترافا بالدينامية الحقوقية التي تعرفها بلادنا، ويؤكد مرة أخرى على وجاهة توجهات المغرب، واختياره الإصلاحي، وتشبثه بالقيم الكونية الداعية إلى احترام كرامة الإنسان، والمواطنة الكاملة.

 

ومع إدراكنا لما لهذا الملتقى الدولي من فضائل تأصيل ثقافة الحوار وفتح نقاش عمومي هادف، والوقوف على ما تحقق من منجزات في مجال حقوق الإنسان على الصعيد العالمي،وما ينبغي إنجازه، ومختلف التحديات الآنية والمستقبلية، فإنه يشكل مناسبة أيضا لتأكيد انخراط مؤسساتنا البرلمانية في مختلف القضايا الوطنية والمجتمعية، لا سيما تلك المرتبطة بالفكر والممارسة الحقوقية في تجلياتها ومظاهرها المختلفة.

 

حضرات السيدات والسادة

 

إن انشغالنا المتواصل بالملف الحقوقي نابع بالاساس من إيمان صادق ملتزم بمكانة حقوق الإنسان في صلب البناء الديمقراطي، ودورها في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، مجتمع منفتح يؤمن بالتعدد والتنوع الفكري واللغوي، ويحترم مختلف المرجعيات والأفكار والمقاربات والرؤى، بعيدا عن نزعات التعصب والانغلاق والتطرف .

 

في نفس السياق، لم يعد هناك شك في أن النهوض بحقوق الإنسان يعد مؤشرا على ربح الرهان الديمقراطي، ومدخلا لتجديد بناء الدولة وتحديث مؤسساتها، وضمان سيادة القانون، وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وتعزيز المسار التنموي الوطني .

 

ورغم هذه الأهمية والمكانة الاعتبارية لحقوق الإنسان بروحها ومبادئها وقيمها ورمزيتها، مازالت مناطق من العالم تشهد العديد من الصعوبات والانزلاقات المنافية لأبسط مبادئ العدالة والكرامة، وتخالف أبسط القيم الإنسانية، وهو ما يتطلب منا جميعا مضاعفة الجهود، وتنسيق المواقف وإيجاد صيغ وآليات ملاءمة لرفع هذه التحديات، وبناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة .

 

ومن هنا، علينا جميعا حكومات وبرلمانات و مجتمعات مدنية التطلع الى وضع خريطة طريق واضحة، وسياسة حقوقية فعالة وشجاعة ومتقدمة، تستمد دعائمها من المعايير الدولية، ومنخرطة في مختلف الآليات الأممية، وهذا لن يتحقق إلا بإرادتنا الجماعية الصادقة، ووعينا المشترك، ورغبتنا المتواصلة في تكريس البناء الحقوقي.

 

حضرات السيدات والسادة

 

تعلمون، بلا شك، أن بلادنا قد جعلت من المسألة الحقوقية أحد أوراشها الكبرى، وثوابت سياستها، ومدخلا أساسيا لتقوية مؤسسات البلاد، وتحديث بنية المجتمع، وتكريس قيم المواطنة الكاملة.

 

ولست في حاجة إلى التذكير بالمجهودات التي قامت بها بلادنا في مجال النهوض بحقوق الإنسان من خلال التجربة المتميزة لهيئة الإنصاف والمصالحة في استجلاء الحقيقة وتحقيق المصالحة، وجبر الضرر الفردي والجماعي، وطي صفحة الماضي، في تجربة متفردة وغير مسبوقة في محيطنا الجهوي، أضحت من ضمن جملة من النماذج الموفقة للتصالح الحقوقي وتدبير الملفات الحرجة للتاريخ.

 

ولست في حاجة إلى التذكير أيضا بالمجهودات التي قامت بها بلادنا في إرساء مختلف الآليات القانونية والمؤسساتية، والبرامج الوطنية والقطاعية التي تهم الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فضلا عن الانخراط في مختلف المعاهدات التي وافق عليه المغرب والرامية إلى ملاءمة قوانينه الداخلية مع مختلف التشريعات الدولية.

 

ولست في حاجة أيضا إلى التطرق للمكتسبات المهمة التي جاء بها دستور سنة 2011 والذي رفع من سقف الإصلاحات، وساهم في ترسيخ المبادئ الكونية لحقوق الإنسان .

 

ولكن أود التأكيد على إرادة المملكة المغربية الراسخة في جعل ملف حقوق الإنسان قضية وطنية ومجتمعية وأحد أوراشها التي تحظى بطابع خاص وأولوية ملحة، وخيارا استراتيجيا لا رجعة فيه ولا تراجع عنه، خيار مؤطر بجملة من التدابير الميدانية والتي قد لا يتسع المجال في هذا المقام لاستعراضها، ولكن يمكن الإشارة إلى المبادرات التي تم القيام بها في مجال تسوية وضعية المهاجرين في بلادنا، وإصلاح الحقل الديني بما يساعد على إشاعة ثقافة الاعتدال والتسامح، ومحاربة الفقر والتهميش والهشاشة،والرفع من المكانة الاعتبارية للمرأة، وحماية حقوق الأطفال، والولوج إلى العدالة، وإقرار ضمانات المحاكمة العادلة، وترسيخ البعد البيئي في مختلف السياسات العمومية .

 

حضرات السيدات والسادة

 

ترسيخا للدينامية الحقوقية التي تشهدها المملكة، واستثمارا لتراكماتها، فإن التجربة المغربية في مجال الانفتاح على مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان جديرة بالتتبع والاهتمام، وذلك بالنظر إلى العدد المهم من التقارير الدورية والتقارير الاستعراضية الشاملة أمام مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، واعتبارا للمنهجية التشاورية والتشاركية في إعداد ومناقشة وتنفيذ التوصيات التي تم قبولها مع كافة الفعاليات الوطنية والمجتمعية المهتمة بالملف الحقوقي .

 

ومع إدراكنا لقيمة تفاعل بلداننا مع مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، فإننا نؤكد في نفس الآن أننا كممثلين لمؤسساتنا البرلمانية في حاجة إلى دينامية نوعية في مجال التفاعل مع الآليات الأممية، وذلك قصد تأسيس نموذج فعال ومتقدم قادر على جعل مؤسساتنا التمثيلية تحظى بدور ومساهمة أكبر في إعداد التقارير المقدمة إلى الهيآت الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يتطلب منا جميعا تضافر الجهود وتنسيق المواقف، والعمل على ترسيخ أسس تعاون برلماني بهدف تعميم وتطوير الممارسات الفضلى ذات الصلة.

 

وتجسيدا لهذه الرؤية، وانطلاقنا من إيماننا الراسخ بمكانة ودور مؤسساتنا البرلمانية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والتفاعل مع مختلف الآليات الأممية، فقد سبق للبرلمان المغربي أن احتضن خلال شهر شتنبر الماضي أشغال ندوة إقليمية لفائدة البرلمانات الإفريقية حول موضوع يتعلق بمساهمة البرلمانات في أشغال مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي توج "بإعلان الرباط" حيث شكلت خلاصاته وتوصياته لحظة قوية في مسار التعاون والشراكة القائمة بين برلماناتنا الوطنية، و جسدت في الآن نفسه حاجتنا الملحة إلى رسم خريطة طريق واضحة والانخراط التلقائي في مختلف الآليات الأممية، والمساهمة الايجابية في مختلف مراحل إنجاز التقارير الوطنية والمرحلية، ومتابعة تنفيذ التوصيات المنبثقة عنها.

 

ومن المؤكد أن هذا المنتدى سيوفر لنا إطارا لاستعراض مختلف التجارب، و المقاربات الكفيلة بتعزيز مساهمة البرلمانات الوطنية في عمل الآليات الأممية لحقوق الإنسان، بما يستجيب لتطلعاتنا جميعا دفاعا عن كرامة الإنسان التي شكلت ولازالت تشكل الهدف الأسمى لكفاح البشرية منذ قرون ضد الاستبداد، والعنصرية والظلم والإقصاء.

 

مرة أخرى نجدد الترحيب بكم، ونتمنى لأشغال هذا المنتدى الدولي الهام كامل التوفيق والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.