Aller au contenu principal

26-11-2012 كلمة السيد كريم غلاب، رئيس مجلس النواب في الجلسة العمومية التي عقدها البرلمان بمجلسيه للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية

26/11/2012
 
 

 

كلمة السيد كريم غلاب، رئيس مجلس النواب في الجلسة العمومية التي عقدها البرلمان بمجلسيه للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية

الرباط 26 نونبر 2012

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

السيد رئيس الحكومة

 

السيد رئيس مجلس المستشارين

 

السيدات والسادة الوزراء

 

السيد سفير دولة فلسطين

 

السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين

 

السيد ممثل وكالة بيت مال القدس الشريف

 

السيد رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني

 

السيد رئيس مجموعة العمل لمساندة الشعب الفلسطيني

 

نقف اليوم، وقفة التحام وتضامن مع أشقائنا وأهلنا في فلسطين وفي غزة المحاصرة، وقفة استنكار، وشجب، وإدانة، ورفض، وامتعاض من العدوان العسكري الوحشي الإسرائيلي على شعب أعزل وحيد، عار من كل غطاء جوي في مواجهة القصف وضربات الطائرات المغيرة.

شيء لا يصدق. شيء لا يقبله العقل والمنطق والأخلاق والأعراف الإنسانية، ولا تجيزه القوانين الدولية، بل وتحرمه الشرائع السماوية والأديان والعقائد، هناك في قطاع غزة، حيث تتصرف إسرائيل كما لو كانت تتصرف في ضيعتها الخلفية، أو كما لو أن هناك بشرا في قفص تعود من حين لآخر لتختبر فيه آلياتها الحربية الفتاكة.

 

ونحن نتابع الحرب العدوانية، بحزن وحسرة، ونرى مشاهد الدمار والتخريب، والأنقاض تتراكم كل يوم، والشهداء الأبرار والأبرياء يسقطون تحت وابل القصف الغادر، وأعداد الجرحى تكبر كل يوم، نحاول أن نفهم ما يحدث. نتساءل ما ذنب الحجر الذي يهدم ؟ ما ذنب الشجر ؟ ما ذنب الطفل البريء والمرأة الهادئة الساكنة في بيتها ؟ ما ذنب الشيخ الذي ينبغي أن يعيش ما تبقى من العمر بمعزل عن الصراعات وضجيج الحياة العامة ؟ ما ذنبُ المدنيين الأبرياء العزل ؟

نحاول أن نفهم، ولكننا لا نفهم هذا العبث، ولا نَتَفَهَّمُهُ مطلقا.

 

صحيح أننا ندرك أبعاد هذا العدوان، وهذه الغطرسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لأن الجوهر في الحقيقة هو الاستيطان الصهيوني. كما ندرك أن المسألة أوسعُ وأعمق من مجرد عدوانٍ عابرٍ على غزة، وإنما هو خيار استراتيجي يتم تصريفُهُ في منطقة الشرق الأوسط، تحركه الظرفية، وتجيزه القُّدُرات المادية والعسكرية.

إن العالم المتحضِّر ليقِف مستنكرا هذه العقلية الجامدة المتحجرة، وهذا العمى الذي لا يستطيع أن يرى ما ينبغي أن يُرَى من تحولات سياسية وجيواستراتيجية. وذلك بدون أبسط محاولة لإدراك المشكل الفلسطيني في أبعاده الطبيعية والتاريخية والجغرافية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والرمزية والأخلاقية، وبدون استيعاب للتطورات الجديدة التي حصلت في المنطقة العربية.

 

وفي هذا السياق لا يسعنا إلاَّ أن نُنَدِّدَ بقوة بالاستغلال السيَّاسَوِي الرخيص للقضية الفلسطينية، واستخدام الدماء والأرواح العربية الطاهرة البريئة كبضاعة انتخابية، وذلك انطلاقاً مما لمسناه من خلال تزامن الهجوم العسكري الإسرائيلي مع الانتخابات التشريعية للكيان الصهيوني ومباشرة بعد الانتخابات الأمريكية.

وإِنه لأَمْرٌ مستَغْرَب حقاَّ ذلك الموقف المَعِيب وغير الأخلاقي الذي عَبَّرتْ عنه مجموعة من الدول الغربية، إِذ بررت الهجوم العسكري الاسرائيلي على غزة بما سُمِّيَ بـ "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" كما لو أن المشكل في جوهره ليس هو الاستيطان الصهيوني واحتلال أَرض وحرمان شعب من حقوقه المشروعة في الأرض، وفي الوجود، وفي الاستقلال.

 

وإننا اليوم، ونحن نتتبع المواقف والأفعال، لا يسعنا إلا أن نثمن كل الجهود الخيرة التي بذلتها مؤسسات المنتظم الدولي، ونسجل بتقدير مبادرات الأمم المتحدة والاتحاد البرلماني الدولي والجامعة العربية ونطالب بالمزيد لا لتحقيق الهدنة فحسب بل لإقرار الحق وإيجاد حلولٍ عادلة، وفي نفس السياق نعبر عن تقديرنا الصادق العميق لمبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بنصب مستشفى ميداني في قطاع غزة لإسعاف الجرحى ودعم صمود الشعب الفلسطيني، وهي إشارةٌ كريمةٌ من أمير المؤمنين رئيس لجنة القدس الذي أشاد بدوره اجتماع وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي الأخير في دجيبوتي، وتعبيرٌ عن التجاوب الدائم الفعلي والصادق مع وِِجْدان شعبه المغربي الأبي الذي وقف دائما موقف الالتحام الإنساني والأخوي والنضالي إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيتِهِ العادلة في أفق بناء دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وآخرها المسيرات الحاشدة التي شارك فيها الشعب المغربي يوم أمس لنصرة القضية الفلسطينية.

 

إن مجلس النواب في المملكة المغربية ليجدد، في هذا اليوم، الموقف الوطني الثابت للمغرب من القضية الفلسطينية : شعب فلسطيني حر، ودولة مستقلة، وخيار الدولتين، إذْ لا أحد في العالم بإمكانه أن يفرض حلا بالقصف الجوي أو بزحف الدبابات. ولذلك فالحوار القائم على الندية والعدالة والإنصاف والشرعية الدولية هو الأفق الوحيد الممكن. وستظل إسرائيل واهمة طالما تمسكت بخيار القوة والغطرسة، واستقوت بمقدراتها وإمكانياتها أو إمكانيات غيرها. فلا أمن ولا أمان ولا طمأنينة في منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط وفي العالم برمته، ما لم تجد القضية الفلسطينية العادلة حلا دائما ومنصفا تبلوره إرادة مشتركة، وتسهر عليه الضمائر الحية، وترعاه المؤسسات الدولية والإقليمية.

 

لقد مرت أربع وستون عاما والشعب الفلسطيني ينتظر أن يفي المجتمع الدولي بديْنه التاريخي والقانوني والأخلاقي تجاه هذا الشعب الصامد المجاهد في إقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة. وهكذا، فإننا ندعم المسعى المتبصر للقيادة الفلسطينية للتوجه المشروع نحو الأمم المتحدة قصد زيادة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 بما فيها القدس الشريف وفق ما نصت على ذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ولكي تحظى دولة فلسطين بعضوية كاملة. وهو حق يكفله القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، فضلا عن أنه حق غير قابل للتصرف، ما يعني أن احترام هذا الحق يشكل جزءا حيويا في أفق تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.

 

إن العمل في هذا الاتجاه لا يمكن أن يكون إلا استثمارا جديا في السلام، وتجسيدا لإرادة العالم المتحضر، خصوصا وأن دولة فلسطين باتت تعترف بها اليوم 128 دولة بينها 9 دول من أصل 10 دول ذات الكثافة السكانية الأعلى في العالم. كما أن شعوب هذه الدول مجتمعةً تشكل 75 في المائة من إجمالي سكان العالم.

وينبغي أن ننتبه في هذا الإِطار إِلى توقيت الهجمة العسكرية الاسرائيلية على قطاع غزة مع عزم القيادة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها السيد محمود عباس (أبو مازن) على ترشيح فلسطين لاكتساب صفة الدولة غير العضو في أفق الحصول على العضوية الكاملة داخل منظمة الأمم المتحدة إِلى وضع متقدم داخل منظمة الأمم المتحدة. فمن الواضح أن إِسرائيل سَعَتْ بذلك إلى إِفشال هذا التوجه وخلط الأوراق بين المكونات الفلسطينية.

 

واعتقادُنا راسخ بأن أفضل وأَقوى جواب على هذه المحاولة اليائسة، إضافةً إلى الصمود الفلسطيني والتحام الشعوب العربية والإسلامية والقوى الحية الشريفة في العالم، هو وحدة الصف الفلسطيني على أَساسٍ من التوافُق والخيار الديمقراطي ووحدة المصير ومتطلبات مواجهة التهديد المشترك.

وما من شك في أن تأييد إخواننا الفلسطينيين في هذه الخطوة، لا يمكن إلا أن يكون دعما للسلام العالمي واحتراما للشرعية والقانون الدوليين، وتأكيدا على التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين حتى لا يبقى مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي والسياسي والمماطلات الدبلوماسية.

 

ومن هنا، سنظل في مجلس النواب، وفي البرلمان المغربي، سنظل في المغرب مع فلسطين وفي أفق نضالها الوطني بنفس الالتحام الوحدوي، ملكاً وحكومةً وشعباً. سيظل موقفنا الوطني بإجماع المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية والأهلية – ومهما تعددت المرجعيات – سنظل مع فلسطين، سنظل مع استقلال فلسطين، مع كرامة شعبنا العربي الفلسطيني، مع بناء دولته الوطنية، وعاصمتها القدس الشريف.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.