Aller au contenu principal

الرباط 08/10/1982 :خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1982-1983

08/10/1982

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه

حضرات النواب:

ألفنا كل سنة أن نتطرق عند افتتاح دورتكم إلى موضوع من شأنه أن يأخذ بمسامعكم وبألبابكم، عسى أن تجعلوه طيلة الدورة محور التفكير وقصد المسير. وقد فكرت اليوم أن أتطرق إلى موضوع يمكن أن أسميه الديموقراطية ودورها الإيجابي في تناول السياسية الخارجية تناولا حرا وذا سيادة. الديموقراطية تعني تقليديا عند كثير من الناس تسيير الشؤون الداخلية بجهاز إداري وحكومي تحت مراقبة تشريعية منتخبة، ولكن قليلا من الناس يفكر في أن هذين الجهازين لا بد ـ حتى يستكملا النجاعة الكافية ـ أن يكونا مرتكزين على القاعدة الشعبية، تلك القاعدة التي بدونها لا تتم الجماعة ولا يمكن للشورى أن يقال عنها أنها شورى، وإذا انطلقنا من أن الديموقراطية الشكلية فقط بأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وأنها لا تهم فقط الحياة الداخلية من جبايات وضرائب وبرامج التعليم و غير ذلك فالواجب علينا أن نرى الجانب الآخر من مهام الديموقراطية، تلك الديموقراطية غير الجامدة بل الديموقراطية المتحركة المبنية على الأخذ والرد وعلى الحوار المستمر، فحاولت خلال 25 سنة بعد تحررنا أن أرى هل يا ترى طبقنا سياسة خارجية على أغلبية قومية؟ وإذا كان كذلك فهل كانت تلك الاختيارات المبنية على الشورى والتشاور حرة في تصرفاتها مكسوة بلباس السيادة المطلقة لا تسمح لأحد أن يجرأ علينا أو أن يؤاخذنا؟ فوجدت فعلا أنه منذ أن رجع والدنا المنعم محمد الخامس من المنفى وبعد ما ظهرت الاختيارات الداخلية أحس بأن المغرب المستقل لا بد له من جهاز ولو استشاري، جهاز يمكن للجميع أن يعبر خلاله عن آرائه ويبرر اختياراته فيما إذا كانت هناك اختيارات، وهنا أرتأينا تنصيب المجلس الاستشاري المغربي الذي افتتح دورته والدنا ووالدكم جميعا محمد الخامس طيب الله ثراه.

وخلال مناقشات دورات المجلس انبثق من جملة ما انبثق اختيارات وعلى رأسها اختيار عدم التبعية أو عدم الإنحياز.

نعم قد أخطأ وأصاب ذلك المجلس كجميع المجالس، ولكن إذا كان هناك مكسب اكتسبناه من دوراته فهو خروج المغرب بصوت واحد بسياسة عدم الانحياز الشيئ الذي لم يباغته حينما انعقد أول مؤتمر لعدم الانحياز في يوغوسلافيا سنة 1961.

وحاولت أن أرجع كذلك بالذاكرة فوجدت من جملة ما وجدت تضامن المغرب كليا ومسبقا مع القضايا العربية.

كان في الامكان أن نقول أننا نحن أفراد جدد في الجامعة، والجامعة العربية ككل جامعة لها على كل حال من السلبي والإيجابي ما لكل جامعة، وكان في امكاننا إذذاك أن نتحفظ في السلبيات، وأن نسير في الإيجابيات مع ذلك كان تحفظنا غير موجود، وكان التزامنا سلفا ومسبقا بما قرر صوابا كان أو خطأ، لماذا؟...لأن صوتنا اذذاك لم يكن صوت 1956 بل لم يكن إلا ترديدا ل 1947 حينما خطب والدنا المنعم في طنجة وأعلن تضامن الشعب المغربي ـ الذي كان تحت الحماية ـ الكلي مع الدول العربية.

وهكذا نرى أنه قبل الاستقلال وفي فجر الاستقلال كلما نطقنا أو صرحنا باختيار كان اختيارنا مبنيا دائما على مشاعر لا تمثل في جهاز تنفيذي ولا تشريعي ولا قضائي ولكن تجهز وتشخص في الإرادة الشعبية الواعية الراضية بالاختيار.

إذن علينا أن نضع نقطة سؤال،الديموقراطية كما تعلمون هي نوع من الحكم وليست دائما أحسن حكم، فترى هناك أنظمة أخرى غير ديموقراطية ربما فيها من العدل ما لا يوجد في الديموقراطية ذات الحزب الوحيد،إذن النقطة المطروحة علينا هنا هي:

ما معنى الديموقراطية؟ هل الديموقراطية هي أن يوجد أناس منتخبون في قاعة ويطلب رأي منهم؟ أم أن يكون أولئك الناس مستجيبين إلى رغبات منتخبين وممثلين حقيقيين عن إرادة الشعب؟ وحتى إذا كانوا ممثلين حقيقيين لإرادة الشعب يجب عليهم أن لا يكونوا في حزب واحد، و أن لا يقرأوا صحيفة واحدة، وأن لا يأخذوا رأيهم من منهل واحد، بل عليهم أن يجدوا ويجتهدوا إما ليقرروا وإما للايحاء وإما للتطبيق.

وما معنى التطبيق؟ التطبيق في دوائر انتخاباتهم، لمسنا في شعبنا أنه يتطلع إلى الاختيارات التي نختارها في سياستنا الخارجية،ولمسناها من خلال احزابه السياسية وصحفه ومنتدياته ، ولمسناها في جامعاته، ولمسناها في منتدياته، ولمسنا ان لا بد لنا من اختيار الطريق الذي نريد لأن نسير عليه آخذين أولا بالرأي الذي ينبثق من هذه الارادات المعبر عنها من مختلف الأشكال

فلهذا لم نكن مفاجئين حينما ذهبنا إلى نيروبي الأول في يوليوز سنة 1981 ولم يتساءل أي أحد جهرا ولا سرا، ولم تتساءل أي صحيفة بكيفية ظاهرة أو بكيفية غير ظاهرة،لم يتساءل أي أحد ماذا سيكون موقف المغرب وملكه على رأس الوفد في نيروبي، لأن الله سبحانه وتعالى هدانا إلى أن نشرك الشعب المغربي بأجمعه من خلال زعمائه السياسيين حتى يطلعوا على هدفنا وعلى استراتيجيتنا.

وحينما ألقينا خطابنا الذي أعلنا فيه قبول مبدأ تقرير المصير وإيقاف النار، لم نفاجأ ونحن في نيروبي بأية مظاهرة ولا أي احتجاج في المغرب، الشي الذي جعلنا أكثر حرية، وهناك في الديمقراطية وتناول السياسة الخارجية في حرية وبكامل السيادة، الذي جعلنا نقبل بأكثر حرية في نيروبي الثاني على إيضاحات وتفسيرات علما منا بأن البعض في الكل، وأن المغرب إن قبل الكل فمن باب التبعية أن يقبل البعض ، وسيبقى موقفنا من نيروبي الأول ونيروبي الثاني ـ مادام شعبنا مجمعا على ما قررناه جميعا من قضيتنا الصحراوية ـ هو الموقف الذي اتخذناه في نيروبي، ولن يصدنا عنه أي صاد، ولو أدى ذلك إلى خوض الحرب قرونا وقرونا.

لماذا هذا ؟ لأن في قضية الصحراء، من ألفها وهو المطالبة بها، إلى الشروع في تحريرها بمسيرتها، إلى الحلول محل المستعمر، وذلك بالبناء والتعمير والحضارة والتعليم، إلى اختيار طريقة التحرر على الصعيد الدولي. في جميع هذه الخطوات كان التشاور وكان الحوار، ولو شعرت في أية خطوة من خطواتنا أن هناك تلكؤا أو ترددا لما أقدمت على الخطوة التي بعدها، إلا بعد استشارة الجميع

وهكذا نرى أن من الأول إلى الأخير ظهر الشعب المغربي كرجل واحد كجندي واحد، لا فرق بين جنودنا هناك وبين مدنيينا هنا، كلمتنا واحدة، وصفنا واحد

ولنرجع إلى حدث أقرب وهو حدث مؤتمر فاس، ماذا كان موقف المغرب في مؤتمر فاس؟ كان موقف المغرب هو الآتي: قد أعطينا الدليل على أننا لا نهاب الحرب والاستشهاد، وحينما طلبنا من جنودنا البواسل أن يذهبوا أولا إلى الجولان وثانيا إلى سيناء، لم نفرض عليهم السير إلى هناك فرضا ولا قهرا، بل طلبنا المتطوعين وطلبنا في أول الأمر ستة آلاف، فأتانا أزيد من خمسة وعشرين ألف متطوع، معنى هذا أن أولئك الجنود الذين هم من الشعب وإليه، اقتنعوا بأن الحرب واجبة إذذاك لحماية ما يجب أن يحمى، وللابقاء على ما تبقى من رأس مال العرب جغرافيا وأرضيا وسياسيا، وأظهرنا بهذه الكيفية أننا إذا كان الوغى فنحن نخوض الوغى، ولكن الحرب ليست غاية في حد ذاتها فالحرب وسيلة، إما وسيلة نبيلة لنيل الحق، وإما وسيلة دنيئة لاغتصاب الحق، ونظرا لفضيلة الحرب التي خضناها لاسترجاع الحق كنا في آن واحد مستعدين للحوار علما من العدو نفسه أن المغرب الذي يحاور ومستعد أن يحاور، هو الأول عند الاقتضاء وعند المسير العام العربي سيوجد على الحدود وعلى التخوم ملبيا بذلك رغبة الأمهات والآباء والشباب والكهول والشيب، ملبيا رغبة المغرب و إرادة على جميع المستويات من السن ومن الطبقات الاجتماعية، فكان موقف المغرب إذن هو الآتي:

إلى حد الآن كنا نطالب دائما دون تخطيط، فلتكن لنا الشجاعة نحن واخواننا العرب أن نتقدم بتخطيط منصف للجميع وأن نشرحه لمن بيدهم الحل والعقد وأن نفضح الخصم والعدو، وفي آن واحد أن نستمع إلى من أوحت إليه مخيلته بشيئ حتى إن لم يتلاءم مئة في المئة مع مخططنا، على الأقل يسد ثغرات مهمة من رغباتنا ورغبات الشعوب المعنية بالأمر، الأول هو تحرير لبنان، وفي الأخير إرضاء المطامح المشروعة للشعب الفلسطيني، وقد كلف المؤتمر ثلة من الملوك والرؤساء أن يذهبوا إلى عواصم خارجية حتى يطرحوا العروض العربية وحتى يستمعوا إلى العروض الأخرى، وإذذاك سيتبين للجميع مدى الثقة التي تبعد بيننا أو سيظهر كذلك بذلك الحوار الجسور الذي من شأنه أن يقرب بين وجهتي نظرنا، فقبل المغرب كعضو في الجامعة العربية وكرئيس للمؤتمر أن يكون الناطق الرسمي لتلك الثلة من ذلك المنتخب من الدول العربية لإيضاح موقفه وموقف العرب، وطلب التوضيحات من مخاطبيه .

ولم أكن أقدم شخصيا على مسؤولية كهذه لو لم أكن على علم تام بما يجري في صدور وأفكار المغاربة وذلك بكيفية مباشرة، لأنني أرى في وجوههم ما أرى وأسمع منهم حين أمر في وسطهم ما أسمع، ولكن بكيفية غير مباشرة كذلك وهي بواسطة منتخبيهم وهم أنتم، فلما علمت ما هو الحد الأدنى وما هو الحد الأقصى لحدية التصرف المغربية في تناول سيادته وسياسته الخارجية قبلت باسم المغاربة جميعا أن أتحمل أنا وإخوتي هذه المأمورية المشرفة النبيلة والصعبة في آن واحد.

وهكذا ترون حضرات النواب، أن الديموقراطية ليست موقوفة على المشاكل الداخلية أو الجهوية أو البلدية للبلاد، بل هي بالعكس تسهل علينا جميعا هل ندخل في السوق الأوربية المشتركة فيما إذافتحت أبوابها أمام المغرب أو لا ندخل؟ هل نختار ضلعا أو شبرا أو طرفا من الحوار بين الشمال والجنوب؟ هل ننتمي إلى هذه الكتلة الاقتصادية الإجتماعية أو ننتمي إلى ما يقابلها؟

اصبحت اليوم، كما تعلمون، المشاكل متداخلة جدا بعضها في بعض، لكل اختيار نقدي أو اقتصادي أو حتى تربوي وتكنلوجي يؤدي بنا من باب التبعية إلى حرية في تصرفاتنا الخارجية، وإلى حوار مستمر حر ديموقراطي مع جميع طبقات الشعب، وبالتالي مع جميع ممثليه.

فلهذا حضرات النواب، اقرأ وأسمع تدخلاتكم في البرلمان وفي اللجن، وإن كنت سأواخذ عليكم شيئا فسأواخذ عليكم عدم اهتمامكم بنشاط المغرب من الناحية الخارجية .

فإذا قرأت شيئا في الصحف، قرأت فقط المغرب قد قصر في كذا، المغرب قصر في كذا، ولكن إياكم أن تنسوا ان المباريات في الميدان الخارجي لا يرى منها إلا السدس أو العشر، أما ما هو أهم وما هو أخطر فهو الذي لا يرى.

فإذا أنتم لم تسألوا الوزير المسؤول عن السياسة الخارجية ولكن في ساحة ضيقة وفي أمن و أمان من جهة السر، فلن تتمكنوا من الاطلاع على أهمية المباراة، أولا، وثانيا: عليكم أن تعلموا أن الفرق التي تظهر في المباراة في السياسة الخارجية جلها وأهمها لا يظهر ، ولا يمكنكم أن تتعرفوا على خطواتنا في سياستنا الخارجية إزاء العرب، وإزاء إفريقيا، وإزاء العالم الثالث، وإزاء الدولتين العظيمتين، وإزاء اوربا، إلا إذا أخذتم على أنفسكم أولا في السر والكتمان، وثانيا من باب التبعية، أن تطلبوا من المسؤولين في الحكومة المغربية عن السياسة الخارجية أن يطلعوكم على حقيقة المباراة وعدد الفرق في المباراة وعلى الأهداف لتلك المباراة .

واعلموا ـ رعاكم الله ـ أن اختياراتنا منها ما هو لا رجعة فيه، ومنها ما هو قابل بل يفرض المراجعة، إما كل سنتين وإما كل ثلاث سنوات، والسياسة الخارجية من تلك الميادين، نعم لنا أسس قارة ، ولكن ما عدا تلك الأركان القارة هناك ميادين شتى علينا أن نراجعها حسب مصلحة المغرب أولا، ومصلحة حلفائه وأشقائه الذين تضامن معهم إما على المستوى العربي وإما على المستوى الاسلامي وإما على المستوى الافريقي لذا أريد أن تتناولوا وأن يتناول المغرب من خلال تناولكم الحرية وكامل السيادة في تصرفاته في ميدان سياسته الخارجية، وهذا جانب مهم جدا من جوانب الشورى والمشورة والأخذ بالرأي وتبادلهما.

تحدثت لكم آنفا عن اختياراتنا فيما يخص حل مشكل الصحراء، وأنا فخور جدا وحامد الله سبحانه وتعالى، ولن تكفيني حياتي كلها لأداء الشكر، والحمد لله على ما أغدق علي من نعم، وما حباني به من ثقل التوفيق والاجتهاد المصيب، إنني أحمد الله سبحانه وتعالى أن أظهر للجميع أن قضية الصحراء ليست قضية الحسن الثاني، وأن قضية الصحراء هي قضية المغاربة كلهم، وعلى أننا إذا كنا نقول نحن أكثر الناس رغبة في إنهاء هذه الحرب في إطارها الافريقي القانوني الذي اتفق عليهم الجميع، فنحن أصلب الناس على متابعة هذه الحرب إذا لم تحترم المشروعية الافريقية.

وبهذه المناسبة أوجه تحياتي واحترامي باسمكم وباسم المغرب جميعا إلى جنودنا في الصحراء، القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات الاحتياطية على ما يبذلوه يوميا من جهد جهيد، وعلى ما يظهرونه يوميا من استعداد مستمر لا انقطاع له، للتضحية بالنفس والنفيس في سبيل قضيتنا الوطنية، كما أنني من هذه المنصة الوطنية المغربية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها أقدم كذلك تحياتي واحترامي للشعب المغربي الذي لولا سنده في فلاحته وفي ثقل ضرائبه وفي شغله وفي عمله اليومي، وفي صبره وتصديه ما كان في إمكان أية حكومة كانت أن تبقى دافعة هذا الدفع في المجهود الذي تدفعه.

وقبل الختام أريد أن أجمع في صعيد واحد أرواح شهدائنا في الصحراء وأرواح الشهداء في لبنان من اللبنانيين والفلسطينيين، وأن نقرأ على أرواحهم جميعا الفاتحة.

( قراءة الفاتحة )

والسلام عليكم ورحمة الله