Aller au contenu principal

كلمة السيد رشيد العبدي ، نائب رئيس مجلس النواب بمناسبة اللقاء الإقليمي حول موضوع "إدماج المهاجرين كمدخل للتصدي لظاهرة التطرف : أي دور للبرلمانات والجمعيات العاملة في مجال الهجرة"

السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم

السيد Andrea Rigouri منسق الشبكة البرلمانية حول سياسات الهجرة

صاحبة السعادة سفيرة الاتحاد الافريقي لدى المملكة المغربية

الزميلات والزملاء،

السيدات والسادة

 

سعيد بأن أتقاسم معكم لحظات افتتاح هذا اللقاء الاقليمي الذي يتناول موضوعاً يكتسي راهنية كبرى في السياقات السياسة والجيوسياسية والإنسانية والاقتصادية الحالية، ويؤثر إلى حد كبير في العلاقات الدولية.

وأود أن أرحب بزملائنا وأصدقائنا في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وأشكرهم على اختيارهم بلادنا لاحتضان هذا اللقاء مجسدين مرة أخرى روح الشراكة والتعاون التي تجمع الجمعية البرلمانية في أروبا وبرلمان المملكة المغربية التي تحظى بوضعية شريك من أجل الديموقراطية لدى هذه الجمعية.

 

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة،

 

لقد أحسنتم باختياركم هذا الموضوع للقائنا ؛ ذلكم أن 2018 يمكن اعتبارها سنة الهجرة بامتياز. فقد تميزت على الصعيد الافريقي بتقديم صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله الذي اختاره قادة الدول الافريقية في 2017 رائداً للاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة، وثيقة "الأجندة الافريقية حول الهجرة"، خلال قمة الاتحاد الافريقي الأخيرة بأديس أبابا والتي تم اعدادها - كما قال جلالته - وفق مقاربة شمولية وتشاركية، وهي ثمرة للتشاور الدائم لجلالته مع العديد من رؤساء الدول كما أنها تتضمن أفكاراً ومقترحات المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والباحثين في أفريقيا، كما أبرز ذلك جلالة الملك.

ومن جهة أخرى ستكون 2018، سنة انعقاد المؤتمر العالمي حول الهجرة الذي اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة المغرب لاستضافته والذي سيتوج باعتماد ميثاق عالمي لهجرات آمنة.

 

الزملاء والزميلات

السيدات والسادة

 

إننا في هذا المحور، في الواقع، أمام موضوعين، أو موضوع مركب، شاءت الأحداث الدولية أن يتم الربط بينهما تارة على نحو ايديولوجي وتعسفي وغير موضوعي، وتارة بشكل انتقائي، إذ أن التطرف والتشدد والعنف مظاهر لايليق سياسيا ولا تاريخيا، أن يتم ربطها بدين بعينه أو حضارة بذاتها، أو ثقافة معينة.

وما من شك في أن تدارسنا لهذا الموضوع سيسعفنا، وسيساعد المجهود الدولي في الإحاطة بظاهرة التطرف في علاقتها بالهجرة العابرة للحدود، والمساهمة في النقاش الدولي الرصين وغير المتسرع في التعرف عليها في جذورها وأسبابها وسياقاتها وسبل التصدي لها. ومامن شك أيضا في أن لقاءنا سيمكننا من تبديد سوء الفهم بشأن ظاهرة التطرف، وأساسا بشأن علاقتها بالهجرة.

وأود من أجل ذلك أن أمهد لنقاشنا بعدد من الأسئلة، وبإثارة عدد من التمثلات التي علينا تفكيكها، من موقعنا كبرلمانات تملك حق التمثيلية المؤسساتية والشرعية الانتخابية ولها من السلطات السياسية والاعتبارية والمؤسساتية ما يؤهلها لتقترح السياسات والتشريعات لدرء مخاطر التطرف.

أولى القضايا، ألخصها في كون التطرف كفكرة وكأيديولوجية ليس وليد سياق الهجرة ولايرتبط بالمهاجرين. فعدد هؤلاء الذين هم في أوضاع قانونية عبر العالم يتجاوز 240 مليون نسمة. وثمة بلدان يشكل الهاجرون أكثر من ¼ سكانها وتعيش أوضاع أمنية عادية وترفل في الازدهار الاجتماعي والاقتصادي بل وهي نماذج في جودة الحياة. ومعنى ذلك أن المهاجرين في بلدان الإقامة هم جزء من النسيج الاجتماعي، جزء إيجابي، فاعل ومنتج للخيرات وللقيم الايجابية.

القضية الثانية : تتمثل في أن المخيال الجماعي، في بلدان الاستقبال كما في البلدان الأصلية، يغفل، أو يتغافل، جوانب النجاح والتميز في الهجرة. فبعد أجيال المهاجرين الأولى التي ساهمت مثلا في إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب الثانية، تُحقق، اليوم، نخب علمية واقتصادية وثقافية ورياضية نجاحات باهرة، وهي نجاحات بالطبع غالبا ما تحسب لبلدان الاستقبال، على العكس تماماً عندما يتعلق الأمر بحالات معزولة تمارس أعمال مدانة ومنحرفة، التي تنسب للمجتمعات والثقافات الأصلية.

القضية الثالثة : تتمثل في أن الفكر المتطرف اليوم، في سياق العولمة، والتطور اللافت لتكنولوجيا المعلومات أصبح معولماً، وتتم صناعته أكثر في الفضاءات الافتراضية وتداوله من خلال شبكات المعلومات التي لاحصر لها. ومعنى ذلك مرة أخرى أن هذا الفكر لايرتبط بسياق بعينه.

القضية الرابعة : تتمثل في الاستغلال السياسي لظاهرة التطرف والإرهاب لتأليب الرأي العام ضد المهاجرين في عدد من مجتمعات الاستقبال وتوظيف الظاهرتين في الحملات الانتخابية وفي زرع ثقافة كراهية الأجانب والتعصب والانطواء، وتقسيم المجتمعات حسب الأعراق.

القضية الخامسة : وتتمثل في أن ثقافة التطرف لدى عدد جد قليل من المهاجرين تتغذى من خارج سياقها، من أحداث، وبؤر توتر ونزاعات من خارج مجتمع إقامة المهاجرين، تؤججها علاقات دولية غير عادلة وفي حالة أخرى ظلم تاريخي مسلط على شعوب بعينها، وهو ما يتخذ ذريعة لصناعة التطرف الذي يدعي مواجهة تطرف آخر غالبا ما يكون أقوى وأشرس.

القضية السادسة : تتمثل في مدى نجاعة سياسات إدماج المهارجين في مجتمعات الاستقبال، ودور السياسات العمومية للبلدان الأصلية في تأطير مهاجريها المقيمين في بلدان أخرى.

 

الزملاء والزميلات

السيدات والسادة

 

هذه بعض الإشكالات التي تثيرها ظاهرة الهجرة ومجتمع المهاجرين في علاقتهما بالتطرف. ومع كامل الأسف، فإن بعضها، يوجد في أصل صناعة تمثلات خاطئة، وسلبية عن المهاجرين في مجتمعات الاستقبال، تمثلات ترى في المهاجر مشروع متطرف، أو متطرف محتمل، منافس على مناصب الشغل، مكلِّفِ اجتماعيا، وتهديداً للتوازنات الديموغرافية في بلدان الاستقبال.

وعلى عكس هذه التمثلات الخاطئة، فإن الهجرة كانت دوماً قيمة مضافة في المجتمعات وأثرت مجتمعات الاسقبال وجعلتها أكثر تنوعا، تنوع كان واحداً من أسباب تقدمها وازدهارها.

وفي سياق معولم، فإن حركات الهجرة لن تتوقف، كما أن المجموعات البشرية التي تهجر بلدانها أو تنـزح عنها، لاتقوم بذلك دون أسباب حاسمة، فالبشر يهاجرون إما بحثا عن شغل، أو كرامة، أو بحثا عن الأمن واتقاءً لقوة النار والسلاح في عدد من بؤر التوتر، أو بسبب الجفاف الناجم عن الاختلالات المناخية. وتلكم كلها أسباب لا مسؤولية للمهاجرين والنازحين فيها، بل هم ضحاياها.

إننا إذن أمام ظاهرة اجتماعية تقف وراءها أسباب موضوعية وسياقات جيوسياسية أو ظروف مناخية. وعوض أن نبحث عن كيفية التخلص من المهاجرين، فقط لأن بضع عشرات منهم ارتكبت أعمال مدانة ومرفوضة، أو بضع مئات اعتنقت فكراً شارداً ومتشدداً، عوض ذلك ينبغي البحث عن قنوات الإدماج الايجابي للمهاجرين في سياقات بلدان الاستقبال.

في هذه المهمة، تقع على البرلمانات، مسؤوليات خاصة انطلاقا من اعتماد التشريعات الملائمة، وحث الحكومات على إعمال السياسات العمومية الدامجة ووصولا إلى نشر ثقافة التعايش والتسامح واحترام الحق في الاختلاف، وقبول الآخر، والاعتدال ودرء خطابات كراهية الأجانب وتصحيح التمثلات الخاطئة عن المهاجرين.

وفي المقابل ينبغي التحلي بالحزم في التصدي للفكر المتطرف والمتعصب ولثقافة العنف، أولا بتأطير المهاجرين دينيا، والتذكير بأهمية وضرورة التعايش بين الأديان والثقافات، وثانيا بالاستباق الأمني وإجهاض المخططات التي تستهدف استقرار مختلف بلدان العالم، في إطار القانون، وثالثا من خلال تنمية بشرية ضامنة للشغل والدخل في البلدان الأصلية للتخفيف من تدفقات الهجرة والقضاء على الأوضاع الذي يتخذها منظرو التطرف ومدبرو الأعمال الارهابية ذريعة لغسل أدمغة بعض الشباب.

وأعتقد أن للمملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، في كل هذا رصيداً غنيا من التخطيط والتنفيذ والاستهداف ؛ على أن الديموقراطية ودولة المؤسسات تظل الإطار الذي ينبغي أن يحتضن الجميع، والذي على الجميع احترامه والانضباط إليه، إذ لاينبغي أبداً وليس مقبولا، ولا مستساغا استعمال الديموقراطية وتوظيفها، لتقويض الديموقراطية ومؤسسات الدولة، أي دولة، التي على الجميع الحفاظ على مرتكزاتها وهيبتها.

 

أجدد الترحيب بكم وأشكركم على اختياركم المغرب لعقد هذا اللقاء، كما أرحب بالضيوف، وبالمتدخلين في هذا اللقاء الذي يعتبر هاماً في السياقات الراهنة.