تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

21-02-2012 كلمة السيد كريم غلاب رئيس مجلس النواب بمناسبة اختتام دورة أكتوبر للسنة التشريعية 2011-2012

     

 

  

كلمة السيد كريم غلاب رئيس مجلس النواب بمناسبة اختتام دورة أكتوبر للسنة

 التشريعية 2011-2012

 

 

بسم الله الرحمان الرحيم  والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه.

السيد رئيس الحكومة،

السيدة والسادة أعضاء الحكومة،

حضرات السيدات النائبات المحترمات،

حضرات السادة النواب المحترمين،

 

يقتضي المقام، ونحن نختتم هذه الدورة، أن أعبر لكم جميعا عن سروري الصادق واعتزازي الكبير باللحظات التي عشناها جميعا، والتي كانت لحظات تأسيسية لمرحلة جديدة في تاريخ العمل التشريعي المغربي، وفي تاريخ مجلس النواب ببلادنا، وأساسا بما تمخض عنها من حصيلة إيجابية دالة لا شك أنكم تدركون جميعا قيمتها النوعية والجهد الذي بذل في بلورتها والتوصل إليها. وذلك ما يستحق الشكر والامتنان والتقدير.

 

ونحن إذ نستعيد هذه اللحظات الثمينة، فإنما لنؤكد على اقتناعنا الكامل بسلامة مسارها، وبحيوية مجراها الدستوري والتشريعي والسياسي، وبالروح الوثابة التي طبعت الأشغال والنقاشات والحوارات. ولعلكم تذكرون أنه مباشرة بعد انتخاب رئيس مجلس النواب، انكب مجلسنا على استكمال بناء هياكله. وهكذا، فقد تم انتخاب مكتب المجلس، وتم أيضا تكوين الفرق النيابية. وبعد ذلك، شرعنا في إعداد النظام الداخلي للمجلس وإعمال أحكام الدستور الجديد للمملكة. وفي هذا الإطار، ينبغي القول بأن اللجنة التي تشكلت من السادة رؤساء الفرق النيابية قامت بمجهود جبار وفي زمن قياسي حتى نصل إلى مشروع يستجيب للحد الأدنى الضروري للعمل والتخاطب والتواصل فيما بيننا في ظل مقتضيات الدستور الجديد، وواضح أننا مقتنعون بأن أفق الاجتهاد والتطوير لهذا النظام الداخلي ما زال مفتوحا إن شاء الله.

 

خـلال هذه الدورة أيضا، تفضل  رئيــس الحكومة بتقديم البرنامج الحكومي، فجرت مناقشة جدية حيوية ومستفيضة لكل جوانبه، وتم تفصيل الحديث حول بنائه وفلسفته وتوجهاته ومرجعيته. كما نوقشت رهاناته والتزاماته وآفاق وإمكانيات تنفيذه. وتولى السيد رئيس الحكومة الرد والتوضيح على مجمل الآراء والأفكار والمقاربات والتساؤلات. ثم جرت المصادقة النهائية على هذا البرنامج الحكومي، وفي الجوهر تــم التنصيب الدستوري الكــــامل لهذه الحكومة التي كـــان صاحب الجـــــلالة الملك محمد السادس نصره الله  قد عينها بتــــاريخ 3 يناير 2012. ولقد كان هذا الحدث، بكل صدق وكل موضوعية، لحظة ديمقراطية بامتياز، سواء عل مستوى العلاقة بين المؤسسة التشريعية والجهاز التنفيذي كسلطتين دستوريتين، أو على مستوى الحوار الجاد المثمر بين الفرق النيابية المختلفة، في الأغلبية والمعارضة، والنقاش الذي ارتقى إلى مستوى المرحلة التاريخية التي تعيشها بلادنا وأمتنا، حيث اكتسى طابع المسؤولية الوطنية والأخلاقية التي يقتضيها الواجب باهتمامه أساسا بالجوهري في الاختيارات الحكومية الجديدة وطريقة تنفيذها.

 بعد ذلك، واصل مجلسنا استكمال تكوين أجهزته، وذلك بانتخـاب رؤساء اللجن.   كما انكب مكتب  مجلس  النـــواب -وبتعاون مع رؤساء الفرق-على اتخاذ جملة من القرارات والترتيبات التي يمكنها أن توفر الأسباب والإمكانيات الضامنة لانطلاقة جديدة لعمل مجلسنا، سواء ما يتصل بتشكيل الشعب الوطنية في المنظمات الدولية والقارية والجهوية أو تشكيل اللجن الدائمة.

كما شرع مجلسنا في ممارسة الوظائف المنوطة به دستوريا في مراقبة العمل الحكومي عبر الأسئلة الشفوية التي حرصنا جميعا على أن تشكل أداة لحوار عميق وشامل حول القضايا الكبرى والآنية التي تستأثر باهتمام مجتمعنا والرأي العام الوطني، وذلك حتى يظل المجلس باستمرار ذلك الفضاء الديمقراطي الذي يعكس ويتفاعل بانتظام مع انشغالات أمتنا.

 وبموازاة مع ذلك استأنف مجلسنا نشاطه الدبلوماسي من خلال استقبال عدد من الوفود البرلمانية في إطار تعزيز علاقات الصداقة والتعاون على الصعيد الثنائي، ومشاركتنا في اجتماعات برلمانية على الصعيدين الدولي والجهوي، واستضافة اجتماع المكتب والمكتب الموسع للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط التي أتشرف برئاستها، وذلك في إطار التحضير لدورتها المقبلة التي ستحتضنها بلادنا في نهاية شهر مارس.

كما كانت لمجلس النواب من خلال أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة مع البرلمان الأوروبي مساهمة بارزة في الدفاع عن المصالح العليا لبلادنا سياسيا واقتصاديا وهو ما توج في الأيام الأخيرة بالتصويت الإيجابي للبرلمان الأوروبي على اتفاقية التبادل في المجال الفلاحي.

  

حضرات السيدات والسادة،

 

إن مجلس النواب يحذوه طموح كبير، وتحركه روح الأمل  والثقة والصدق، روح الالتزام الوطني والأخلاقي، لكي يرفع من وتيرة أدائه، ويطور عمله، ويسعى نحو تحقيق أهدافه ومقاصده، وذلك تجاوبا مع انتظارات الشعب المغربي الكريم، وتنفيذا لأحكام ومقتضيات الدستور الجديد الذي رسم معالمه وحدد فلسفته صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الساهر الأمين على روح الدستور وسلامة تنزيله وتنفيذه.

 

ومن هذا المنطلق، فإن رئاسة مجلس النواب لتعتبر نفسها، بمعية مكتب المجلس، في خدمة هذا الأفق الوطني الجديد، في ظل دستور جديد، وبروح جديدة. وسنكون على أتم الاستعداد – وأقولها باقتناع وإيمان وصدق-لنتقبل كل المقترحات والأفكار والملاحظات التي من شأنها أن تطور العمل، وتعزز الثقة في المؤسسة التشريعية الوطنية وفي مجلس النواب بالأخص، وأن تسهم في صناعة الأمل، وفي تمثل التجارب البرلمانية والأنظمة الديمقراطية الناجحة في العالم، ولم لا في أن تستحضر البعد التاريخي للعمل البرلماني في المغرب، حتى نرسي النموذج المغربي على قاعدة التراكم الخلاق المنتج الذي يعزز المكاسب ويقوي المنجز التاريخي الإيجابي، ويتفادى العناصر والمنطلقات والنتائج التي اتسمت في الماضي بالسلب أو بالقصور والمحدودية والتعثر.

 

لقد التزمنا سويا لكي نعود، عقب اختتام هذه الدورة وفي الفترة ما بين الدورتين، بالانكباب من جديد على موضوع نظامنا الداخلي بالمزيد من الفحص والتدقيق والتطوير والإحاطة بمجمل ديناميات عملنا الداخلي. وهذا -بلا شك- سيتطلب منا جميعا الانخراط في سيرورة مختلفة من العمل بل في إيقاع آخر أسرع وأكثر استماعا للتجربة البرلمانية والخبرة القانونية والتقنية. بمعنى أننا مطالبون بإصلاح عميق شامل للنظام الداخلي، وذلك باستحضار كل مستلزمات العمل البرلماني التي عبر عنها السادة النواب المحترمون والسيدات النائبات المحترمات.

 

وإننا، ونحن نختتم هذه الدورة المباركة بمنجزها وبتطلعاتها الطموحة، ندرك مدى جسامة المسؤولية التي نتحملها بحول الله تعالى, ونجدد صادق التزامنا الوطني لنعمل بكل نزاهة، ولنراكم الإيجابي، ونحتكم أساسا إلى نظامنا الدستوري وأنظمة وضوابط مؤسستنا التشريعية، ولنتعاون ونتحاور ونتكامل في كل ما يخدم المصالح العليا لبلادنا وشعبنا.

 

إن الحقيقة الواحدة الممكنة هي تلك التي نحرص على نسبيتها مثلما نحرص على أن نبلورها بجهد جماعي، وروح جماعية. ونجمع فيها تجاربنا التاريخية وخبراتها العلمية والمعرفية والتقنية والميدانية، ونتبادل في إنتاجها الرأي والأفكار، وننصت لبعضنا البعض بصوت هادئ، صوت العقل والتبصر والحكمة والنزاهة. وإننا في ذلك لنقتدي بتوجيهات العاهل الكريم الذي يتطلع مع شعبه الوفي، بكل مكوناته الحية، لبناء نموذج ديمقراطي  مغربي يشرك الجميع في الأفكار والقرار، ويعطي المثال الأنجح والأفضل على السلم والأمن والاستقرار، ويضمن أسباب وآفاق التدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشفاف، النزيه، والنظيف فكرا وممارسة، والذي يولي العناية والأهمية لتكافؤ الفرص واقتسام الخيرات والثروات الوطنية، ويعزز الثقة في أنفسنا، وفي إمكانياتنا الذاتية وفي نسقنا السياسي والتشريعي.

 

وختاما، إسمحوا لي بأن أعبر عن شكري الصادق الجزيل لجميع رؤساء الفرق النيابية، ولكافة النائبات المحترمات والنواب المحترمين، ولأعضاء مكتب مجلس النواب على ما بذله الجميع من جهد حتى نؤدي مهامنا على الوجه المطلوب. كما أتوجه بالشكر والتقدير إلى السيد رئيس الحكومة وكافة السادة الوزراء وضمنهم بالأخص السيد وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، ولا يفوتني بالمناسبة أن أخص بالشكر مكونات المشهد الإعلامي الوطني ونساء ورجال الصحافة اللواتي والذين شملوا المجلس بعنايتهم واهتمامهم ومواكبتهم المهنية. والشكر موصول إلى جميع السيدات والسادة أطر وموظفي وموظفات مجلس النواب على مواظبتهم وتفانيهم في خدمة هذه المؤسسة والإخلاص لمبادئها وقيمها وضوابط عملها.

 

                   وفقنا الله جميعا لما فيه خير أمتنا وبلادنا.

                                      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.