تعتبر التربية والتعليم عماد التقدم في كل المجالات، و عنوانا للرقي الحضاري والتحرر الإنساني، حيث أبانت التجارب الإنسانية في الغرب، كما في الشرق المتقدم (الصين، اليابان، سنغافورة)، أن النهوض بالتعليم عموما و بالتعليم العالي على وجه الخصوص، شكل عاملا حاسما في تجاوز التخلف والالتحاق بركب الدول المتقدمة. كما أبانت مجموعة من التجارب النقيضة في العديد من البلدان السائرة في طريق النمو أن فشل السياسات التعليمية كان ولا يزال العقبة الرئيسية للنهوض بالإنسان والمجتمع. وفي هذا الصدد ظل التعليم العالي من العناصر الأساسية والمحركة للمنظومة التعليمية الشاملة، لإسهامه الكبير في إسناد التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتوفير الشروط المناسبة للتنمية المستدامة. وعلى الرغم من النقلة النوعية التي عرفها التعليم العالي على عهد حكومة التناوب التوافقي، إلا أن واقع القطاع لازال يعرف مجموعة من الاختلالات الجوهرية، التي وقفت سدا منيعا أمام الارتقاء به، إن على مستوى التدبير الإداري والبيداغوجي أو على مستوى تعزيز البنيات والتجهيزات الأساسية المادية منها والرقمية. وهي اختلالات حقيقية زادت من حدتها وكشفت عن هشاشتها الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تداعيات الأزمة الصحية كوفيد 19 والتي أثرت بشكل ملموس في الحياة الجامعية. فمنظومة التعليم العالي مطبوعة بمؤشرات ومعطيات سلبية، لعل أبرزها ضعف عدد الطلبة الذين يلجون الجامعات بالنظر إلى الكثافة السكانية، والتوزيع غير العادل وغير الموحد للمدارس العليا والجامعات العمومية، والمسارات المتعددة والمشتتة للتكوين الجامعي. بالإضافة إلى أن المنظومة تعاني من نسبة تأطير غير متكافئة بين مختلف المؤسسات الجامعية مما يتعارض مع المقتضيات الدستورية التي تؤكد على الحق في تكوين جامعي جيد يتاح لجميع المغاربة، وأيضا غياب نظرة شمولية للإصلاح البيداغوجي في ظل نظام أساسي فاقد للجاذبية. هذا دون الحديث عن التعثر الذي يشهده البحث العلمي، وتحفيز الابتكار الجامعي، ودون الحديث عن انعدام الشروط الضرورية للحياة الطلابية التي توفر ما يكفي من الحماية الاجتماعية والمنح والإقامات الجامعية. إن واقع التعليم العالي، في اللحظة الراهنة يتطلب رؤية جديدة تستلهم روح المقتضيات الدستورية، ومبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية، وتستحضر غايات النموذج التنموي الجديد، المتمثلة في تكوين وتحفيز الكفاءات اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإنتاج المستمر للمعارف والثقافة، وترسيخ أسس مجتمع الابتكار والمعرفة. وقد التزمت الحكومة في برنامجها الحكومي، برزمة من التدابير التي تهدف إلى تعزيز جاذبية وفعالية التعليم العالي، كالسهر على تطبيق برنامج البكالوريوس، وإعادة النظر في آليات التوجيه، وتنويع كفاءات الجامعات المغربية. كما التزمت بوضع وتفعيل خطة استثمارية لتجديد البنيات التحتية من خلال خلق مركبات جامعية، وتنويع مصادر التمويل المتاحة من أجل دعم التفوق البيداغوجي، وانفتاح أكبر على عالم المقاولات. وبناء عليه، فإننا نسائلكم السيد رئيس الحكومة عن مدى تقييمكم للسياسات العمومية السابقة لاستخلاص العبر اللازمة، و مدى التزامكم في تنفيذ مجموع الالتزامات التي أعلنتم عنها في برنامجكم الحكومي، وأية سياسة عمومية تعتمدونها من أجل الارتقاء بمنظومة التعليم العالي.