يعتبر موضوع السيادة الغذائية أحد أهم التحديات المطروحة على بلادنا، خاصة مع استمرار موجة ارتفاع أسعار المواد التي تعرفها السوق الوطنية، هذه الموجة التي تمادت الحكومة في تبريرها وإرجاع الأسباب الرئيسية فيها إلى الشروط والعوامل الخارجية المرتبطة بمخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالانعكاسات السلبية للأزمات الجيو-استراتيجية التي كان آخرها الحرب الروسية الأوكرانية، بصورة تغيب الأسباب الداخلية وتؤكد بشكل غير مشروط على نجاعة توجهات أدوات السيادة الغذائية التي اعتمدها المغرب قبل أكثر من عقد من الزمن. هذا الطرح الحكومي الذي بينت محدوديته العديد من التفسيرات الأخرى، والتي كان أخرها موقف مجلس بنك المغرب، الذي أكد بأن المغرب تعرض لصدمات العرض الداخلية على بعض المواد الغذائية مما أدى إلى استمرار تسارع التضخم. ورأي المندوب السامي للتخطيط الذي أكد بأن السبب الرئيس للتضخم لا يعود إلى ارتفاع الطلب، بل إلى عدم كفاية العرض في السوق الداخلية، خاصة العرض الفلاحي. كما سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في مذكرته "نقطة يقظة" أن أكد على استعجالية إعادة تنظيم سلاسل التسويق وتقنين دور الوسطاء باعتبارها من مواطن الهشاشة والاختلالات التنظيمية والوظيفية لمنظومة تسويق المنتجات الفلاحية وأحد أسباب ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية الأساسية. إن هذه التحليلات المختلفة تتقاطع مع المؤشرات التي طرحها تقرير عالمي حديث لمنظمة الأمم المتحدة يحذر فيها من مواصلة انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد لمنحاه التصاعدي بمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، ومن ضمنها المغرب. وهي مؤشرات تطرح اليوم بحدة موضوع السيادة الغذائية بالمغرب، وتضع السياسة الحكومية على المحك في مدى قدرتها، وهي ترفع شعار الدولة الاجتماعية، على تأمين حاجيات المغاربة من المواد الغذائية عبر آليتين أساسيتين تتمثلان في الرفع من الإنتاج الوطني للمنتوجات الفلاحية وتوفير المخزون الكافي للمواد الغذائية لتفادي أية أزمة محتملة قد تهدد الأمن الغذائي في بلادنا. وتضع أيضا الحكومة أمام المسؤولية الملقاة على عاتقها في تفعيل التوجهات الاستراتيجية لبلادنا، وخاصة دعوة جلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، إلى إحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، بما فيها المواد الغذائية، هذه الدعوة التي لم نلمس أي تجاوب حكومي معها، ذلك أنه لا يستقيم أبدا الحديث عن سيادة غذائية في غياب مخزون استراتيجي للمواد الغذائية التي تشكل أساس النظام الغذائي للمواطن المغربي، والتي تأتي الحبوب على رأسها، خاصة أننا نستورد معظمها، وهو الوضع الذي بات يفرض على بلادنا اليوم، تجويد وتطوير جميع الأدوات التي تضعها لضمان سيادتها الغذائية، بدءا من الاهتمام اللازم بالبحث العلمي والحفاظ على البذور المحلية وتجويدها، وتمتين العلاقة بين المنتجين والمستهلكين بجعلها علاقة مباشرة، وغيرها من التدابير اللازمة لضمان السيادة الغذائية. لكل هذه الاعتبارات، نسائلكم السيد رئيس الحكومة المحترم، عن التدابير التي اتخذتموها لتطوير المردودية الإنتاجية وتعزيز السيادة الغذائية الكفيلة بالاستجابة لجل حاجيات المغاربة؟ وعن الإجراءات المؤسساتية والتدبيرية التي اتخذتموها من أجل تأمين المخزون الاستراتيجي الغذائي؟