تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مراكش 03/04/2013 : كلمة السيد كريم غلاب،رئيس مجلس النواب في الندوة المشتركة الجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي

04/04/2013

 

كلمة السيد كريم غلاب،رئيس مجلس النواب في الندوة المشتركة الجمعية البرلمانية

 للحلف الأطلسي

 

03 ابريل 2013

 

السيد رئيس مجلس المستشارين،

السيد رئيس الجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي،

السيد الأمين العام للحلف الأطلسي،

السادة الوزراء والسفراء،

أيها الحضور الكرام،

           

يقتضي الـمَقَامُ أَولاً أن نرحب بكم جميعاً في المملكة المغربية، في مدينة مراكش، وبهذا اللقاء الدولي الهام الذي ينعقد في ضيافة المغرب وتحت رعاية عاهِلِهِ الكريم صاحب الجلالة الملك محمد السادس نَصَرَهُ الله متمنياً لكم إِقامةً طيبة وتوفيقاَ في تحقيق المقاصد والرهانات التي تتوقَّعُونها من هذا الحوار الجماعي، وهذا التواصل المنفتح على مختلف المرجعيات والتجارب وزوايا النظر.

ولا أستطيع أن أُخْفِيَ عنكم الاحساس الذي يغمرنا في المغرب بمناسبة هذا الحدَث. عَلَيَّ أَنْ أقول إِننا نَعْتَبِرُهُ إِشارةً قويةً من شركائنا وأصدقائنا في هذه المنظمة الدولية، الهامة المؤثِّرة، تُجَاهَ بلادِنا وشَعْبِنا بل تُجاهَ شَخْصِ جلالة الملك بما يمثله من قيم التَّبَصُّر والإيمان العميق بالإِرادة الدولية في سَعْيِها الحثيث نحو صيانةِ مبادئ السلْمِ والأَمن والاستقرار. وإِِننا لَنَشْكُركم على هذه الالتفاتة الرمزية الثمينة والكريمة، وإِننا أَيضاً لَنُقَدِّرُها التقدير الكبير الصادق. ومن هُنَا حِرْصُ عاهل البلاد على أن يُسْبغ على هذا اللقاء رعايتَهُ الملكية السامية، وهو تقليد لا تحظى به إِلاَّ التظاهرات الوطنية والدولية التي تَخْلُقُ الحَدَثَ الاستثنائي، وتَسْتَأْثِر بالاهتمام والانشغال والانتباه.

وإِنها لَمُنَاسبة لنُعَبِّر أَمامكم وفي حضوركم عن النظرة الايجابية التي نَمْلِكُها في البرلمان المغربي تُجَاهَ الجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي التي توفِّر المواكبة البرلمانية  للحلْفِ وبرامجه وديناميته.

والأكيد أن تفاعل الجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي مع المستجدات السياسية على الصعيد العالمي ظل حاضراً باستمرار في مختلف دوراتها واجتماعاتها، بدليل اختيارِكم الموفَّق للموضوع المركزي لهذا اللقاء، أي "التحولات السياسية والأَمْنِيَة في شمال أفريقيا : الانعكاسات على السِّلْم والتعاون في الجهات الأُورُومتوسطية وعَبْر الأطلسية"، وكذا اختيارِكم لزَمَنِهِ ومكانِهِ الملائِمَيْن، بكل ما يتضمنه ذلك من إشاراتٍ قَوِيةٍ آمُلُ أَن نُدركَها جميعاً، وأَن نَتَمثَّلَها جميعاً، وأَن نشتغل ونتحرك على ضوئها وفي أُفقها.

ويأتي هذا اللقاء في سياقِ التحولات السياسية التي مَسَّت منطقة شمال أفريقيا بالخصوص وجانباً من منطقة الشرق الأَوسط والخليج العَرَبي، وأستحضر هُنَا الحِرَاك المجتمعي في كُلِّ من تونس، وليبيا ومصر واليَمَن وسُورْيا. وما عبَّر عنه الشَّارع من مطالب، وما جَسَّدَهُ في هذه الجهات والبلدان إلى حَدِّ الإِطاحةِ بأنظمةٍ وتصعيد أُخْرى فيما سُمِّيَ إِعلامياً بربيعٍ عَرَبي لم تتوقَّف حتى الآن امتداداتُهُ وعَوَاقبُه المختلفة.

والواقع أَن ما حدَثَ من تحولاتٍ سياسيةٍ عميقةٍ وما يَظَلُّ يحدُثُ حتى الآن في سُورْيا هو تعبير حقيقي عن نهايةِ مرحلةٍ تاريخيةٍ معاصرة في جل دول المنطقة العربية جَنُوبَ وشَرْقَ البحر الأبيض المتوسط، مرحلةٍ اتسمت بأَشكالٍ مختلفة يجمَعُ بينها، في النهاية، انعدامُ الشرعية بل وتعمقت الوضعية مع تنامي مظاهر الاستبداد والتلاعب بقوانين ونتائج الانتخابات.

وإِلى جانب هذه التحولات السياسية، عاشت جل دول المنطقة ولا تزال حتى اليوم تعبيرات ومؤشرات عن تحولات أخرى مست أَمن واستقرار شعوبها، خصوصاً في ظلِّ تنامي الإِرهاب والتطرف الفكري والجريمة المُنَظَّمة وتهريب الأَسلحة والبَشَر. وإن النموذج الذي تقدمُه منطقة الساحل الأفريقي أو ما عاشَتْه بلادٌ مستقرة آمنة ذاتُ سيادةٍ كجمهورية مالي لَجَديرٌ بالتحليل الفاحص السريع والمقاربة الاستراتيجية الشاملة، في نفس الآن، لـِمَا ينبغي القيامُ به، وما ينبغي الحرصُ عليه، وما ينبغي الإِعداد له.

كما أن استمرار النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية أصبح أكثر من أي وقت مضى يشكل أيضا تهديدا للسلم والأمن في منطقة شمال إفريقيا والمنطقة المتوسطية والأطلسية برمتها، بالنظر للارتباط الذي أصبح واضحا بين الجماعات الانفصالية بتندوف وشبكات تهريب الأسلحة والبشر والجريمة المنظمة في منطقة الساحل، الأمر الذي يقتضي حلا عاجلا لهذا النزاع المفتعل عبر حل الجهوية الموسعة بأقاليمنا الجنوبية، ذلك الحل الذي اعتبرته المنظومة الدولية حلا جديا وذي مصداقية.

حضرات السيدات والسادة،

إن الضمانة الأَساسية للاستقرار هو الذُّهَابُ قُدُماً في الممارسة الديمقراطية وترسيخِ ثقافتِها وقيمِها على مستوى الدول والمجتمعات، وبناء دولة المؤسسات، وتعميق وتوسيع الإِصلاحات السياسية والدستورية مُتَضَافرةً بطبيعة الحال مع الحد الأَدنى من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واللغوي، وإِشاعة ما يكفي من فضاءاتٍ حُرَّةٍ لممارسةِ الفكر والإِعلام والإبداع.

وقد أعطى المَغْرِبُ مثالاً متميزاً على هذا النهج وعلى إِمكانيةِ تحقيقِ تطورٍ ديمقراطي وتنميةٍ سياسيةٍ اعتَبَرَهَا بعضُ الملاحظين الموضوعيِّين، بالنَّظَر إِلى ما شَهِدَتْه المنطقة من انفجاراتٍ وهَزَّات كُبْرى، بمثابةِ ثورة هَادِئةٍ، خصوصاً حين نجح المغرب وملك المغرب في بلورة نص دستوري جديد تضمن خطواتٍ إصلاحية جريئة وقوية وواثقة استوعبت أهم المطالب والتطلعات الشعبية، وتجاوبت مع إِرادة الشباب والنساء والفاعلين في الحقول الحقوقية والثقافية واللغوية في المزيد من الانفتاح والتعدد والتسامح.

أريد أن أقول إِن المقاربة الاستباقية التي نهجها المغرب باعتماد نظام سياسي رفَضَ مبكراً منطق الحزب الوحيد، ونَهْجِ مبدأ الإِشراك والتشاور والتَّوافُق بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، هي التي ظلت صَمَّامَ أمان للكيان الوطني وتماسُكه وضمان استقراره ورسوخ قِيَمِهِ في الواقع وفي النفوس.

وبالتالي فإن مواجهةَ مختلفِ الأخطار الأَمْنِية لاتَتِمُّ إلاَّ بالإِصلاح المتواصل المتفاعل والمتجاوِب مع تحولات الواقع، وكذا بالإِمعان في توفير شروط وأُسس البناء الديمقراطي.

وبهذا المعنى فإِننا نتابع بتقدير التطور الجوهري في البنيات السياسية للحلف الأَطلسي وحرص أجهزته على بناءِ تصورٍ جديد للأمن في العالم يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة، خصوصاً منها السوسيو ثقافية لضمان أمنٍ لأوروبا وللفضاء المتوسطي وللعالم. ومنْ ثَمَّ نعتبر أنفسنا معنيين بهذه الروح الجديدة. هذه الروح التي تقتضي الإنصات بحكمة وتبصر لتحولات الواقع المعاصر وتضافُر الجهود بين بلدان الشمال والجنوب، خصوصاً بلدانَنا المُطِلة على البحر الأَبيض المتوسط          والمحيط الأطلسي، وذلك كي يَظل هذا الفضاء الجيوسياسي الهام بحيرةَ سلامٍ وأَمن يوفر كل أسباب الاستقرار والرخاء المشترك والتنمية المستدامة المتوازنة.

ختاما، أُجَدِّد تحياتي لهذا اللقاء، وأشكركم بامتنان على مَنْحِنا هذه اللحظة الرمزية الرفيعة. وأتمنى لأشغالكم كل التوفيق والنجاح.

شكراً لكم. والسلام عليكم.