تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمــــة الأستــاذ الحبيــب المالكــي رئيــس مجلــس النــواب في تخليد يوم إفريقيا العالمي.

24/05/2018

السيد الوزير المنتدب

أصحاب السعادة السفراء

السيدات والسادة أعضاء مكتب المجلس و رؤساء الفرق و اللجان النيابية

السيدات والسادة،

 

أرحب بكم جميعا وأشكركم على تلبيتكم دعوتنا. وأود أن أؤكد لكم أن سعادتي تتجدد، وأنا ألتقي بكم مرة أخرى، هنا في مقر مجلس النواب، حول قضيةٍ غايةً في النُّبْل، وفي مناسبة أُرِيدَ لَهَا، أن تُذَكِّر الأفارقة والإفريقيات، والعالم أجمع، ليس فقط بتاريخ إفريقيا ولكن، بمكانتها ودورها الحالي والمستقبلي.

وَلَئِنْ كان هذا اللقاء يتم بمناسبة يوم إفريقيا العالمي، فإنه تكريسٌ لتقليد دَشَّناه منذ انتخابِنا على رأس مجلس النواب، إذ أنه قبل حوالي 14 شهراً، وبالضبط يوم 9 مارس 2017، اجتمعا هنا في هذه القاعة، في إطار لقاء تواصلي معكم، أصحاب السعادة السفراء، لقاءٌ مفتوح أَثَرْنَا فيه، بشكل موضوعي عدداً من قضايا قارتنا ودور الدبلوماسية البرلمانية في مُقارَبتِـها والدفاع عن مصالح إفريقيا. وأكدنا أن الاتصال والتشاور سَيَطْبعان علاقاتنا. 

و بالفعل، منذ ذلك اليوم، احتضن مجلس النواب، بحضور عدد منكم، ورؤساء مجالس برلمانية وطنية إفريقية ورؤساء منظمات برلمانية إفريقية متعددة الأطراف، عدة لقاءات مؤسساتية وأخرى لمناقشة قضايا مصيرية بالنسبة لقارتنا، منها اجتماعات الاتحاد البرلماني الإفريقي، والجمعية الجهوية لإفريقيا في الجمعية البرلمانية للفرنكفونية، ومنها ندوات حول "الهجرة والإدماج" و"الاندماج الإفريقي" و"تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدان الإفريقية" فضلا عن اللقاء التشاوري البرلماني حول موضوع "المناخ والتنمية المستدامة" عشية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار حول التغيرات المناخية Cop 23 الذي انعقد في برلين. وتقع هذه المواضيع في قلب انشغالات إفريقيا اليوم وتتصدر الأجندة القارية كما الأجندات الوطنية، كما تقع في قلب مرافعاتنا عن قضايا القارة في المنتديات البرلمانية الدولية.

وبالموازاة مع ذلك كَثَّفنا في مجلس النواب التشاور مع البرلمانات الوطنية الإفريقية والمنظمات البرلمانية الجهوية وخاصة مع برلمان المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية الذي أبرمنا معه اتفاقية تعاون ونظمنا معه ندوة حول الاندماج الإفريقي.

وبالتأكيد، فإن دور مجلسنا والتزامه من اجل القضايا الإفريقية سيتواصلان بنفس التصميم، بل سيتعززان بعد ان أصبح البرلمان المغربي، منذ أيام، عضوا كامل العضوية في برلمان عموم إفريقيا وهو الإطار المؤسساتي الذي سيكون انضمامنا إليه قيمة مضافة وسنعمل على المساهمة في تقويته وتكريس دوره كواحد من مؤسسات الاتحاد الإفريقي.   

وَلَئِنْ كانت كثافة هذه الأنشطة، وجودة النقاش الذي شهدته تعكسان الاهتمام الخاص الذي توليه المملكة المغربية ومؤسساتها، ومنها مجلس النواب، لقضايا إفريقيا، فإنها تجسد ذلك الدور الاقتراحي المتزايد للدبلوماسية البرلمانية الإفريقية في مقاربة قضايا القارة والمشكلات التي تواجهها، والدفاع عن مصالحها الحيوية وتقديم اقتراحات لرفع التحديات التي تواجهها في مختلف المجالات.

 

أصحاب السعادة

السيدات والسادة

يصادف يوم إفريقيا العالمي الذي نخلده في 25 مايو من كل سنة، ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية. وهو الحدث الذي تَوَّجَ حصول غالبية البلدان الإفريقية على استقلالها بَعْدَ كفاحٍ مَريرٍ وشَاقّ أَدَّتْ فيه شعوبُنا ثمنا غاليا، كِفاحٌ قادَتْه نُخَبٌ وقياداتٌ سياسية ينبغي اليوم أن نستحضر المبادئ والأفكار التحررية والوحدوية التي آمنت بها، قادة من قبيل جلالة المغفور له محمد الخامس ومن بعده المغفور له الحسن الثاني،  ولحبيب بورقيبة وكوامي نكروماوباتريس لومومبا                   وجمال عبد الناصر وأحمد سيكوتوري وليوبولد سيدار سنغور وهوفييت بوانييه وأميلكار كابرالAmilcar Cabral.

وعلى الرغم من أن مكاسب الاستقلالات الوطنية شكلت مراحل فاصلة في التاريخ الإفريقي المعاصر، فإن القارة، مع كامل الأسف، استمرت على مدى أكثر من 30 سنة مسرحا للحرب الباردة، فعلى أرضها دارت حروب كانت هي ضحيتها بالدرجة الأولى، حروب سياسية، وفي أحيان كثيرة حروب مدمرة. لقد كانت إفريقيا مسرحاً لحروب الآخرين أَخذتْ شَكْلَ نزاعاتٍ داخلية وحروب عابرة للحدود، فأضاعت، جراء ذلك، عقودا من الزمن وأدت ثمن ذلك غاليا إذْ اسْتُنْزِفَتْ خيراتُها وتمت عرقلة تطورها. وَعِوَضَ أن تُوَّجِه جهودها من أجل التنمية كان عليها أن تُواجه تبعات النزاعات والأزمات.

وقد خلفت هذه النزاعات والحروب أوضاع كارثية في عدد من بلدان القارة لا داعي لذكرها بعد أن أصبحت من الماضي، ولكن من الضروري استخلاص الدروس منها حتى لا تتكرر مع الأجيال الحالية والمقبلة . 

ومع نهاية الحرب الباردة، وبالتحديد مع مطلع الألفية الثالثة، انْبَعَثَ الوعي الإفريقي من جديد وأدْرَكَتْ إفريقيا أن مستقبلها يكمن في الوحدة، وفي التعاون جنوب-جنوب وفي تحكم الأفارقة في مصيرهم وفي خيراتهم. وواكب هذا الوعي، بَل وتَجَسَّد في، عمليات انتقال ديموقراطي في غالبية البلدان الإفريقية وأضحى الإقتراع العام (مهما ما يمكن أن يلاَحَظَ عليه، من عيوب أو يشوبَه من طعون) قاعدةَ العمليات السياسية وطريق إفريقيا إلى بناء المؤسسات، وفي صلبها المؤسسات التمثيلية التي تعتبر تجسيداً، وفي نفس الوقت مرتكزات، لحماية دولة القانون وجعل الشعوب مُشارِكةً في القرار العمومي.   

ومن الطبيعي أن يؤدي الاستقرار وتطبيع الحياة السياسة وإطلاق عمليات الإصلاح والبناء المؤسساتي وجعل الانتخابات قاعدة في الحياة السياسية بمشاركة الأحزاب السياسية، وبيقظة المجتمع المدني الإفريقي، وبروز نخب إفريقية جديدة مؤمنة بالديمقراطية، إلى أوضاع إيجابية جديدة. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الجديد آفاقا جديدة في مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ففي إفريقيا اليوم أكثر من بلد يحقق معدلات نمو برقمين، وفي إفريقيا توجد أكثر نسب من النساء اللائي ينشئن مقاولات، وإفريقيا تتوفر على ثروات بشرية هائلة، وتملك الأراضي الصالحة للزراعة التي تسمح بقيام قطاع زراعي يضمن الأمن الغذائي لشعوب إفريقيا ولعدد من شعوب العالم ويحقق التراكم الضروري لتطوير قطاعات اقتصادية جديدة. وباختصار، فإن القارة تتوفر على كل المؤهلات لتكون قوة اقتصادية ولتكون قارةَ المستقبل. ولعل ما يؤكد ذلك، كون قارَّتِنا اليوم في قلب تنافس دولي حاد. فجميع القوى الكبرى التقليدية، والقوى الصاعدة مَأْسَسَتْ، اليوم آليات حوار أو "تعاون" مع إفريقيا إما في صيغة لقاءات سنوية على مستوى القمة، أو في صيغة منتديات أو حوارات إلخ، إذ يبلغ عدد هذه القمم والمؤتمرات والحوارات إحدى عشر (11).

وإذا كانت إفريقيا في قلب، هكذا رهاناتٍ دولية كبرى، فإن رهانَ دولها، ينبغي أن يكون على كيفية تحويل مؤهلاتها وإمكانياتها إلى ثروات، وإلى أسلحة اقتصادية واستراتيجية من أجل مواجهة التحديات، وفي مقدمتها تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة المنتجة للشغل الضامن لاستقرار السكان في بلدانهم وللكرامة، التنميةُ الضامنة للانسجام والتماسك الاجتماعيين، ومنها أيضا التصدي للتحديات الجديدة المتمثلة في الخطر الإرهابي والاختلالات المناخية وربح رهان التربية والتعليم والتكوين، واستيعاب الرأسمال البشري الإفريقي في الاقتصادات الوطنية ووقف نزيف هجرة الأدمغة الإفريقية.

وتحتاج إفريقيا من أجل ذلك إلى تسريع خُطَطَ للتَّصنيع تحافظ على البيئة وعلى الاستثمار الأمثل لإمكانياتها الهائلة في مجال الفلاحة والصيد البحري، وتحتاج أيضا إلى تطوير الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم بما هو استثمارٌ في المستقبل، بقدر حاجتها إلى التجهيزات الأساسية الكبرى بما يُيَسِّر المواصلات بين بلدانها وفي داخل البلد الواحد.

من التحديات المطروحة على إفريقيا اليوم ولوج عهد التكنولوجيا وتخفيف الهوة الرقمية مع باقي القارات مع ما يفتحه ذلك أمام شبابها واقتصادها وخدماتها من آفاق واعدة ومع مايوفره من فرص شغل جديدة.

لقد حققت قارتنا إنجازاً عظيماً على طريق التنمية والازدهار والمبادلات بتوقيع أكثر من 40 بلداً، في مارس الماضي بكيغالي، على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الافريقية التي تعتبر مكونا رئيسيا في الأجندة الافريقية 2063، مَامِنْ شأنه تَيْسِير تنقل البضائع والخدمات والاستثمارات بين البلدان الأطراف في الاتفاقية مع كل الثمار التي يمكن للاقتصادات القُطْرية أن تَجنيها من هذا التحرير الذي يتطلب قيامَ أقطاب اقتصادية جهوية وتعميق وتوسيع التعاون جنوب-جنوب من أجل تمكين قارتنا من الاستفادة من مزايا تحرير التجارة العالمية خاصة من خلال تطوير قطاعات تصديرية وقادرة على المنافسة الدولية.

في هذا الأفق، تقع استراتيجية المغرب الافريقية، وسياسته في القارة، سياسةٌ مبنيةٌ على الصدق والتضامن وتفعيل التعاون جنوب-جنوب، وجعل الإنسان الإفريقي في قلب التنمية، سياسةٌ يرعاها ويحرص على تنفيذها جلالة الملك محمد السادس أعزه الله الذي يشكل الاختيار الافريقي بالنسبة له اختياراً استراتيجيا ثابتا وصادقاً.

 

السيد الوزير

أصحاب السعادة

السيدات والسادة،

 

عندما نخلد "يوم إفريقيا" فإننا لا نقوم بذلك من أجل الاحتفال، ولكن لتذكير الشعوب الإفريقية وخاصة الأجيال الصاعدة بتاريخ القارة، وبأهمية، بل، وضرورة التعاون الافريقي، وأساساً بأهمية الإيمان بمستقبل القارة، وبإمكانياتها وبقدرات شعوبها. وهو مناسبة أيضا للنخب الافريقية، في السياسة كما في الاقتصاد والثقافة، لتتذكر مسؤولياتها في ربط الماضي الكفاحي بالحاضر حيث يتم بناء مستقبل القارة على النحو الذي يجعلها فاعلاً أساسياً، بل ومركزيا في التوازنات الجيوستراتيجية، وفي القرار الدولي وفي المؤسسات الدولية. إنها مناسبة أيضا لتذكير العالم بالظلم الذي لحق إفريقيا في مراحل عديدة من التاريخ، وبأن السياق الدولي الراهن يتناقض مع نظام دولي غير عادل، خاصة في حق إفريقيا، قارة المستقبل.

                                                                                                                              شكرا على إصغائكم