شارك السيد الحبيب المالك رئيس مجلس النواب على رأس وفد برلماني مغربي في أشغال الدورة 40 لمؤتمر الاتحاد البرلماني الافريقي التي انعقدت يومي 9و10 نونبر 2017 بالعاصمة البوركينابية واغادوغو. وقد ألقى السيد الرئيس بالمناسبة نص الكلمة التالية :
السيد رئيس اتحاد البرلمان الإفريقي
السيد رئيس الجمعية الوطنية لـبوركينافاصو
السيدات والسادة رؤساء البرلمانات ورؤساء الوفود
السيدات والسادة السفراء
الزميلات والزملاء البرلمانيين
السيدات والسادة
تغمرني سعادة كبيرة وأنا أشارك زملائي وزميلاتي في البرلمانات الإفريقية أشغال المؤتمر الأربعين للاتحاد البرلماني الإفريقي. و أرى من واجبي في البداية أن أشكر الجمعية الوطنية لبوركينا فاصو وحكومة وشعب هذا البلد المضياف الطيب الـمُجِدّ والـمُحب للعمل، على كرم الضيافة وحسن التنظيم.
وأغتنم هذه المناسبة لأترحم على صديقنا الراحل Salifou Diallo الرئيس السابق للجمعية الوطنية لبوركينا فاصو رجل الدولة الذي ناضل من أجل وحدة بلده وكان مؤمنا بوحدة إفريقيا.
وأود أيضا أن أثمن عاليا حسن اختيار المواضيع التي تبحثها هذه الدورة والتي هي في صميم التحديات التي تواجه قارتنا، وتَرْهن حاضرها ومستقبلها وتتطلب منا، كأفارقة، أجوبة سياسية وتخطيطا مُحْكماً وتصميماً على مواجهتها.
فالسيادة الوطنية للدول الإفريقية هي حجر الزاوية والركيزة التي يبنى عليها السلم والاستقرار والأمن وهي شروط لا محيدَ عنها لتحقيق التنمية والديمقراطية. فما من حضارة قامت، وما من تَقَدُّمٍ تَحَقَّقَ، وما من رخاءٍ تَمَتَّعَت به الشعوب، عندما تكون السيادة الوطنية مُنتَهَكَةً أو مختَرَقَةً أو يهددها الانفصال والنزعات العرقية والطائفية، أو عندما تندلع النزاعات وتعم الفوضى أو عندما تسود نزعات الهيمنة لدى بعض القوى.
ولنا في تجارب التاريخ العديد من الأمثلة. فقد أدركت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أن لا خيار أمامها سوى بناء السلم والوحدة على أساس احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامة ترابها الوطني، وحولت أدوات الحربإلى أدوات لبناء الحضارة، وحل الحوار المتمدن والمتحضر محل المدافع والبنادق، وتم توجيه جهود التسلح الزائد والإنفاق الحربي إلى الإنفاق على البناء والتطوير والتنمية من أجل تحقيق الرخاء والسعادة.
وما تزال هذه الفلسفة السياسية هي السائدة، في اللحظات التاريخية الفارقة في القارة. وما حالة التفاف أوروبا في رفض انفصال كاتالونيا إلا نموذجاً للسياسة الأوروبية التي صارت عقيدة مقدسة. فكل مس بالنظام الإقليمي الأوروبي الحالي هو مس بالاتحاد في نظر الأوروبيين الذين أدركوا أفْضَالَ الوحدة على حياتهم وتاريخهم وسيادتهم.
وفي إفريقيا، عَانَيْنَا عناءً تاريخيا مزمنا من نزعات الانفصال والنزاعات الداخلية والحروب العابرة للحدود، وهو ما كانت تغذيه التدخلات الأجنبية والأحلاف الدولية.
أما اليوم، وقد تخلصت قارتنا من النزاعات الداخلية والنزاعات العابرة للحدود، وانصرفت الغالبية الكبرى من بلدان القارة إلى بناء المؤسسات واعتماد الانتخابات وسيلة للتنافس السياسي، فإن تثبيت سيادة الدول ووحدتها الترابية، ينبغي أن يشكل قاعدة وأساس افريقيا الجديدة، القارة الصاعدة القوية بدولها القوية.
ويثبت السياق الإقليمي الراهن، كم تكَـلِّفُ الدول الفاشلة الشعوب وما هي كلفة هذا الفشل، بالنسبة للسلم والاستقرار وتداعياته الإقليمية والقارية : أو لَيْسَ العنف العابر للحدود و الإرهاب والنزوح الجماعي والتهجير. في جزء منه، نتيجة انهيار الدولة في بعض بلدان الجوار ونتيجة إضعاف الدول ؟
وفضلا عن كلفة تعطيل الإنتاج والخدمات الاجتماعية، وفضلا عن الإنفاق الحربي والمآسي الإنسانية لهذا الانهيار، ستواجه الدول ضحية النزاعات أو المتنازعة الكلفة الاجتماعية التي تؤديها الأجيال الناشئة على شكل سوء تغذية أو مجاعة، أو انعدام الخدمات الطبية، وانتشار الأمية في عالم سريع التطور. وإلى ذلك ينضاف غياب التعاون الإقليمي وإغلاق الحدود.
السيد رئيس الاتحاد البرلماني الإفريقي
السيد رئيس الجمعية الوطنية لبوركينافاصو
السيدات والسادة السفراء
الزملاء والزميلات
السيدات والسادة
تقع إفريقيا اليوم في قلب تنافس دولي قوي، حافزُه إمكانيات بلدانها وثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية الهائلة وأسواقها الواعدة وآفاق النمو التي تفتحها اقتصاداتها الصاعدة. وبالتأكيد فإن مسؤوليتنا كممثلين للشعوب هي الحرص على أن يتم البناء الاقتصادي، والصعود الإفريقي الجديد على النحو الذي يَخْدُم مصالحَ القارة وشعوبها وأن تستفيد القارة من إمكانياتها، وبالتأكيد أيضا، فإن الاستثمارات الوطنية والأجنبية والمبادلات والازدهار والإنتاج وإطلاق ديناميات جديدة مجددة في الإقتصادات الإفريقية لن يحصل دون أمن واستقرار، وهو مالا تضمنه سوى دول قوية ذات سيادة وطنية، السيادة الوطنية التي تكون عنوانَ اقتدار ودافعاً إلى التعاون.
وفي هذا الصدد، تكتسي التكتلات الجهوية في إفريقيا أهمية استراتيجية، وتستحق منا التقدير والتثمين ومنها بالطبع المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية التي يستضيفنا واحد من بلدانها المؤسسين، والتي تنبثق كمجموعة واعدة ومتضامنة.
الزملاء والزميلات،
يجسد إدراج التحديات الناجمة عن الاختلالات المناخية من جفاف ومجاعة و نقص في الغذاء ونزوح جماعي وتصحر في جدول أعمال مؤتمرنا وعيا إفريقيا متقدماً بالإشكاليات الحقيقية التي تواجهها قارتنا. وقد كنا قبل أيام، وبالتحديد يوم 27 أكتوبر 2017، علىموعد مع لقاء برلماني إفريقي تشاوري، احتضنته عاصمة المملكة المغربية الرباط شاركت فيه المنظمات البرلمانية الإفريقية المتعددة الأطراف، القارية والجهوية، وعدد من البرلمانات الوطنية، وتوج بوثيقة صدرت تحت عنوان "إعلان الرباط"، الذي يتضمن رؤية البرلمانيين الأفارقة للعدالة المناخية من أجل إفريقيا. وكما اعتبر عدد من الزملاء فإن هذه الوثيقة تعتبر بمثابة رؤية البرلمانيين الأفارقة للتحديات التي تطرحها الاختلالات المناخية وتتضمن عناصر المرافعات التي ينبغي أن نقوم بها كنخب افريقية من أجل درء مخاطر كبرى ليست شعوبنا مسؤولة عن أسبابها.
ولست في حاجة إلى إعادة التأكيد على استنتاجٍ هو مَحَطَّ إجماعِ السياسيين علماء ومهنيين، ومفاده أن الفلاحة في قارتنا هي الضحية الأولى للاختلالات المناخية وأن المزارعين وسكان البوادي هم من الفئات الأكثر هشاشة في القارة، والـمُعَرَّضُون أكثر للتفقير والتهجير لأسباب مناخية. استدراكا لذلك، طالبنا في إعلان الرباط بتخصيص الاعتمادات اللازمة من الدعم الدولي المرصود لإفريقيا خاصة من الصندوق الأخضر للمناخ في مواجهة الاختلالات المناخية للفلاحة الإفريقية.
وتكتسي الفلاحة في إفريقيا أهمية استراتيجية. فهي النشاط الاقتصادي الذي يشغل أكبر عدد من السكان النشطين ويضمن دخلا كريما للأسر ويساهم في تأمين حاجيات القارة من الغذاء والتي ستتضاعف بحوالي ثلاث مرات في غضون الثلاثين عاما المقبلة مما يجعل الأمن الغذائي أحد الرهانات الأساسية الراهنة والمقبلة بالنسبة لقارتنا.
ومن جهة أخرى، تعتبر الفلاحة إحدى وسائل التخفيف من آثار الاختلالات المناخية (بفضل التشجير، والحفاظ على التربة ومكافحة زحف التصحر وتعبئة الموارد المائية).
وقد أدركت المملكة المغربية حجم هذه الرهانات، مستفيدة من تقاليد عريقة في الزراعة ومن سياسة زراعية رائدة مكنت من إحداث تحول نوعي في القطاع. و انطلاقا من مسؤولياته الإنسانية والقارية، أطلق المغرب عشية الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة- الإطار (cop22) المنعقد بمراكش مبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية .Initiative de l’Adaptation de l’Agriculture Africaine
وبفضل أهدافها النبيلة المتمثلة أساسا في تنفيذ مشاريع ملموسة في مجال تحسين تدبير التربة وترشيد استعمال الماء والتعاطي اليقظ مع المخاطر المناخية، وبفضل الحلول التمويلية المبتكرة التي تقترحها، تحظى المبادرة اليوم بدعم أكثر من نصف الدول الإفريقية ووكالات الأمم المتحدة المختصة، وعدد من المنظمات العاملة في مجال التنمية والدعم التقني بعد أن كانت في صلب مناقشات الدورة 22 لمؤتمر المناخ بمراكش.
وما من شك في أن المغرب، الرائد العالمي في مجال الفوسفاط، والذي ينجز مشاريع شراكة نموذجية استراتيجية في هذا المجال مع عدد من البلدان الإفريقية الشقيقة، لن يبخل بتجاربه وخبراته ومهاراته في مجال حيوي بالنسبة لقاراتنا التي تتوفر على الإمكانيات الطبيعية والثروات البشرية لتصعد كقوة زراعية عالمية. فإفريقيا مرشحة وبإمكانها ان تكون خزانا استراتيجيا للغذاء ما دامت تتوفر على ملايين الهكتارات من الأراضي القابلة للفلاحة وهو ما يعززه قدرة الإنسان الإفريقي على تدبير الندرة وعلى العمل .
الزملاء والزميلات
في كلا الإشكاليتين اللتين تم اختيارهما محورين لهذا المؤتمر، يطرح عليا كممثلين لشعوبنا سؤال كبير : أَيُّ دولةٍ نُريد : دول هشة قابلة للتقزيم والتقسيم وبالتالي تكون لقمة سائغة وهدفاً للأطماع ؟ أم دول قوية ذات سيادة بمؤسسات قوية ومتعاونة ومتفاعلة مع محيطها؟ وما الذي سنورثه للأجيال القادمة من بيئة عيش ومحيط طبيعي. إنه سؤال الاستدامة الذي ينبغي أن يظل يستفزنا جميعا ؟
الأمر بيدنا - وما من شك في أن للبرلمانات الإفريقية، ولاتحادنا هذا - الدور الحاسم في تعزيز البناء الدولتي Etatique والمؤسساتي، ونشر ثقافة التعايش ودرء أسباب عدم الاستقرار .
شكرا على كرم الإصغاء.