السيدة السفيرة Merethe Nergaard سفيرة النرويج
السيدة رئيسة لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة
السيدات والسادة مسؤولي مجلس أوروبا
الزميلات والزملاء
سعيد أن أشارككم افتتاح هذه الندوة التي تتناول إشكالات مركزية في السياق الوطني الراهن المتسم بالإصلاح، سياق يتميز على الخصوص بدعوة جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى بلورة نموذج جديد للتنمية وإلى اعتماد ميثاق جديد متقدم للاتمركز الإداري وتسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة.
واسمحوا لي في البداية أن أشكر وأرحب بشركائنا في كونغريس السلطات المحلية والجهوية بمجلس أوربا، هذا المجلس الذي تجمعه مع المغرب علاقات حوار وتشاور وتعاون نموذجية، والذي يحظى المغربُ بوضع "شريك من أجل الديمقراطية" لدى جمعيته البرلمانية منذ يونيو 2011، تقديراً لمسلسل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية الذي يعتمدها المغرب منذ سنوات، وأيضا لدور البرلمان المغربي كمؤسسة تمثل وتكرس الإرادة الشعبية.
وقد كان حصول المغرب على هذا الوضع - وهو أول بلد يحصل على هذا الوضع -، سنتين بعد إقراره سنة 2009 من طرف الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا، إشارةً قويةً وعربونَ تقدير ٍ واعتراف بنجاعة إصلاحاته ومكانته الدولية وأهمية ما يُنجزه.
وكما تعلمون، فإن الجهوية واللاتمركز الإداري يَحْظَيان باهتمام خاص في المغرب، وهما من أسبقيات الإصلاحات والاختيارات المؤسساتية، إدراكاً من بلادنا لنجاعتهما في البناء الديمقراطي وفي التنمية.
السيدات والسادة
ليس اللاتمركز شعارا، ولكنه ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، إنه مدخل "أساسي" من مداخل إصلاح الدولة، وهو تتويج لمسار ٍ ومسلسلٍ من الإصلاحات المتراكمة، وهو تجسيدٌ لحاجة جعل الإدارة مستجيبة لمتطلبات المجتمع. وهو، على هذا النحو، وسيلةٌ لإشراك المواطنين وجعلهم يساهمون ويستفيدون من خدمات المرفق العام الإداري بسلاسة، وفي نفس الوقت يَلْمَسُون قرب الدولة من انشغالاتهم.
وما من شك في أن الجهوية، باعتبارها إطارا لتمثيلية المواطنين، واللاتمركز الإداري باعتباره تعبيراً عن القرب، يعتبران من مداخل ترسيخ المواطنة، المواطنة الـمُعَبِّئة والمحفزة، المواطنة التي تُكَرِّس الثقة التي هي إِحْدَى قِيم انبثاقِ مجتمعات متماسكة ومتضامنة، يتم في إطارها تقاسمُ السلطة أو تفويضُها على عدة مستويات.
وما من شك أيضا أن هذا التقاسم هو ما يساهم في تقوية المؤسسات ويمنح الدولة القدرة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستوى المحلي الجهوي والوطني، ويجعلها قريبة من المواطنات والمواطنين، وَمُنْصِتَةِ لهم، مستوعبة لحاجياتهم، ومتملكة لاقتراحاتهم البناءة ومعالجة قضاياهم المشروعة.
السيدات والسادة ،
من المواضيع التي يتضمنها جدول أعمال ندوتكم مسألة الحكامة. والأكيد أن الأمر، في هذا الباب، لايتعلق بمنهجية تقنية أو بنظريات ضيقة في التدبير، ولكن بممارسة يومية وبثقافة تتأسس على مبادئ وقيم، وعلى التحفيز والاشراك الذي يعطي المصداقية للمؤسسات وَيُطْلِق الديناميات في المجتمع : مَحَلِّياً، جهوياً ووطنياً.
لقد أقدمت بلادُنا على إصلاحات دستورية، غير مسبوقة ورائدة في المنطقة بأفق تحرري ديمقراطي. وفي هذا السياق، تُمثِّل الجهوية المتقدمة جوهرَ هذه الاصلاحات وتُعْطِي للديمقراطية معناها النبيل. وكما أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الثاني للجهات الذي احتضنه مجلس المستشارين مؤخرا فإن "الجهوية المتقدمة تُعَدُّ مكسباً بالغ الأهمية ينبع من الإرادة الراسخة التي ظلت تحدونا منذ اعتلائنا عرش أسلافنا الميامين لقطع أشواط حاسمة على درب الإصلاح وتحديث مؤسساتنا" .
وقد اقترنت دعوة جلالة الملك إلى تسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة بدعوة جلالته إلى "إخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري... وتحديث برنامج زمني دقيق لتطبيقه".
وسيظل الهدف الأسمى والنبيل هو تلبية تطلعات المواطنين في الشغل والكرامة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والاستغلال الأمثل للإمكانيات المحلية والجهوية، وتكريس التماسك الاجتماعي والتضامن الفئوي والمجالي، وجعل الامتداد المجالي للدولة مُنْتِجاً للدينميات المحلية والجهوية.
وسواءٌ تعلق الأمر بالجهوية المتقدمة، أو اللاتركيز الإداري، فإن السياق الوطني الراهن يتطلب أن تكون الحكامة في كلا الورشين رافعة لنموذج التنمية الجديد الذي دعا جلالة الملك إلى بلورته.
وفي كلا الورشين، لاشك أن المغرب سيربح الكثير في مجال إنتاج النخب المحلية وتمرسها، وفي مجال الحوار وتعميق الممارسة الديمقراطية، وهي رهانات لا يمكن الاستغناء عنها اليوم في سياق التحولات التي يشهدها العالم.
شكرا على إصغائكم.