تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رئيس مجلس النواب الأستاذ لحبيب المالكي خلال اليوم الدراسي المنظم من طرف اللجنة الموضوعاتية للمساواة والمناصفة حول موضوع : ميزانية النوع الاجتماعي.

13/02/2018

كلمة السيد رئيس مجلس النواب

 الأستاذ لحبيب المالكي

خلال اليوم الدراسي المنظم من طرف اللجنة الموضوعاتية

للمساواة والمناصفة

حول موضوع : ميزانية النوع الاجتماعي.

 

السيد الوزير المحترم؛

السيدة الوزيرة المحترمة؛

السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للمرأة؛

السيدة رئيسة اللجنة الموضوعاتية للمساواة والمناصفة؛

السيدات النائبات والسادة النواب المحترمين؛

الحضور الكريم؛

 

سعيد جدا أن أفتتح هذا اليوم الدراسي المنظم من طرف اللجنة الموضوعاتية للمساواة والمناصفة بمجلس النواب، والمتمحور حول موضوع هام يرتبط بأهم آليات تفعيل مبدأ النوع الاجتماعي، موضوع يهدف إلى مناقشة السبل الكفيلة بتفعيل القواعد القانونية المرتبطة بجندرة الميزانية وإضفاء طابع النوع الاجتماعي في تدبير المالية العمومية.

 

إن مفهوم النوع الاجتماعي لم يعد مجرد مقاربة سياسية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية؛ بل أصبح في دستور 2011 مبدأ دستوريا يتوخى توسيع نطاق المساواة، ليشمل كافة الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

 

على هذا الأساس، يشكل دستور 2011 تحولا متقدما، مقارنة مع الدساتير الأخرى، حيث نص الفصل 19 منه على التزام الدولة بالسعي نحو تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، وبإحداثها، تحقيقا لهذه الغاية، هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، هيئة حدد القانون الصادر أواخر السنة الماضية مهامها وكيفيات تشكيلها وسير أشغالها.

 

وفي الحقيقة، فإن هذا التحول في مفهوم النوع الاجتماعي والرقي به إلى مصاف المبادئ الدستورية لم يكن في المغرب مجرد وليد ظرفية زمنية محددة، بل جاء كنتيجة لمجموعة من التراكمات المتعددة التي حققتها بلادنا منذ الحركة الوطنية في عهد الحماية التي كانت تطالب بحق المرأة في التعليم، لتتطور في بداية الثمانينات وتنحو بالمغرب نحو مقاربة النوع الاجتماعي من خلال المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وإصلاح مدونة الأحوال الشخصية، ولتتوج آنذاك بمبادرة المغرب الخاصةبالمصادقة على توصيات المؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد ببكين سنة 1995.

 

ومنذ ذلك التاريخ، تمت مواصلة المجهودات لاستعمال كافة الآليات والأدوات الكفيلة بتمكين المرأة من حقها في المساهة في جهود التنمية والاستفادة من ثمارها؛ بما فيها آلية الميزانية العامة المستجيبة لمفهوم النوع الاجتماعي، باعتبارها أهم الضمانات الأساسية لتقريب المسافات بين السياسات العمومية وبرامج إنجازها، وكذا باعتبارها من أهم الأدوات المساعدةلقياس مدى احترام الحكومة للالتزامات الدستورية والقانونية الملقاة على عاتقها، ومراقبة مدى تعميمها لاستفادة مختلف الشرائح الاجتماعية من الموارد العامة ، استفادة قوامها تحقيق المساواة وتقليص الفوارق بين الجنسين.

 

وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير أن المغرب وضع أول ميزانية للنوع سنة 2002، بحيث مكنت عملية تطبيق هذه الميزانية من تقوية آليات تتبع وتقييم السياسات العمومية على ضوء الالتزامات التي تم التعهد بها لتعزيز المساواة بين الجنسين.

 

وتطبيقا لبعد النوع في الميزانية العامة، نصت المادة 39 من القانون التنظيمي لقانون المالية على ضرورة أن يؤخذ بعين الاعتبار معيار النوع في تحديد الأهداف والمؤشرات التي تقترن بالبرامج الوزارية والمحددة وفق غايات المنفعة العامة، وكذا في تحديد مؤشرات قياس نتائجها التي تخضع للتقييم قصد التحقق من شروط الفعالية والجودة؛ كما نص على ضرورة تضمين هذه الأهداف والمؤشرات في مشروع نجاعة الأداء المعد من طرف القطاع الوزاري وتقديمه للجنة البرلمانية المعنية.

 

وفي نفس الإطار، نصت المادة 48 من نفس القانون التنظيمي على ضرورة إرفاق مشروع قانون المالية السنوي بتقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع.

 

وتعتبر هذه الأحكام القانونية الواردة بالمادتين 39 و 48 من القانون التنظيمي لقانون المالية والمرتبطة بالنوع الاجتماعي، آلية جديدة في منظومة المالية العمومية، ليس فقط من زاوية تدبيرها، وإنما أيضا من زاوية ممارسة الرقابة البرلمانية عليها بصفة خاصة،  وكذا من زاوية تقييم السياسات العمومية المرتبطة بتنزيل الالتزامات الحكومية في شقها الذي يهم النوع الاجتماعي.

 

ولهذه الاعتبارات، فإن مجلس النواب، مكوناته، أصبح واعيا بالتحول الجديد في آليات الرقابة على قوانين المالية السنوية، انطلاقا من هذه المقتضيات الواردة بالدستور والقانون التنظيمي لقانون المالية، من خلال ضرورة استثمار ليس فقط تقرير الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع، وإنما أيضا كافة الوثائق المرفقة به وتقارير مؤسسات الحكامة؛ بغية التأكد من مدى تنفيذ الحكومة لتعهداتها الدستورية والقانونية المرتبطة بمبدأ المساواة بين الجنسين، وكذا من مراقبة مدى عملها على تعميم الاستفادة المتساوية بينهما.

 

وفي هذا الإطار، ينبغي التأكيد أن مساهمة مجلس النواب في تكريس ميزانية النوع الاجتماعي، تترجمها مقتضيات النظام الداخلي الجديد للمجلس،الذي خصص الباب السابع للمساواة والمناصفة والذي وضع عدة قواعد ترتبط بتكريس مبدأ النوع الاجتماعي، وتفعيل آليات الرقابة عليه من خلال التنصيص صراحة  على ضرورة إدراج قضايا المساواة والمناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز ضمن قضايا تقييم السياسات العمومية؛ الأمر الذي يشكل وسيلة مهمة من أجل استثمار النائبات والنواب لتقرير الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع في ممارسة خاصة الرقابة البرلمانية على تعهدات الحكومة في البرامج والمشاريع القطاعية في شقها المرتبط بالنوع الاجتماعي.

 

 

السيد الوزير المحترم؛

السيدة الوزيرة المحترمة؛

السيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للمرأة،

السيدات النائبات والسادة النواب المحترمين؛

 

إن تكريس مبدأ النوع الاجتماعي ومكافحة كل أشكال التمييز بين الجنسين، لا يعتبر فقط مجرد موقف مفردة غير مترجمة على أرض الواقع؛ بل هي قناعة راسخة ومتواصلة هدفها إدماج المرأة في التنمية وتمكينها، بالمساواة مع الرجل، بكافة الوسائل التي تسمح لها بذلك؛ ونستشهد بالقرار الملكي الذي فتح في وجه النساء ممارسة مهنة العدول بعد أن كانت حكرا على الرجال؛ وهو الأمر الذي يجعل بلدنا رائدا متميزا في تكريس مبدأ النوع الاجتماعي في جميع تجلياته.

 

هذا، وينبغي في الختام، التأكيد أن إنجاح جندرة الميزانية أو ما يسمى بميزانية النوع الاجتماعي، يتطلب تظافر مختلف جهود مؤسسات الدولة من حكومة وبرلمان، وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وباقي مؤسسات الحكامة، كل من موقعه وحسب مجالات تدخله، اعتبارا لكون الأمر يتطلب ملامسة مساواة واقعية بين الرجل والمرأة في الاستفادة من كافة الحقوق الدستورية والحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها من طرف المملكة المغربية.

وإذ نرحب بكافة الحضور الكريم، ونحن على يقين أن هذه اليوم الدراسي المخصص لمناقشة الإشكاليات المرتبطة بميزانية النوع الاجتماعي، سيساهم في إغناء وتعزيز مختلف المجهودات التشريعية والرقابية الرامية إلى النهوض بأوضاع المرأة، وتكريس مساواتها مع الرجل فيما يخص المساهمة المشتركة في جهود التنمية ومحاربة الفوارق الاجتماعية، والاستفادة من نتائجها؛ مساواة قوامها تكافؤ الفرص في الاستفادة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة، خاصة في المجالات التي لم يتم تناولها بعض بالتنظيم أو تلك التي ستظهر بفعل المتغيرات التي سيشهدها مجتمعنا

   

 

والسلام.