يشرفني أن أفتتح، باسم السيد رئيس مجلس النواب ونيابة عنه، هذه الدورة التكوينية التي ينظمها مجلس النواب بشراكة مع المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بكندا وعدد من الشركاء الوطنيين والأجانب، والتي تتمحور حول موضوع بالغ الأهمية في العمل البرلماني ويكتسي راهنية كبرى في سياقنا الوطني بل وفي السياقات الدولية.
يتعلق الأمر بتقييم السياسات العمومية الذي انضاف كمهمة واختصاص جديدين للبرلمان بمقتضى دستور 2011 وخاصة الفصل 70 منه، وهو ما عزز ووسع من سلطات المؤسسة التشريعية.
وتعتبر هذه الدورة التكوينية التي ينفتح من خلالها مجلسنا على الممارسات الأجنبية في موضوع التقييم حلقة ضمن سلسلة من التكوينات والندوات التي حرص المجلس على تنظيمها اعتبارا للأهمية الإستراتيجية والحاسمة لهذه الآلية الرقابية التي أوكلها الدستور للسلطة التشريعية ومن أجل إقامة التمييز الضروري، في الممارسة وعلى المستوى المفاهيمي، بين عمليات تقييم السياسات العمومية واختصاصات أخرى منحها الدستور لمجلس النواب من قبيل مراقبة المالية العامة وعمل لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية للجان البرلمانية، والتمييز بين التقييم والتدقيق إلخ...
وكما تعلمون فإن المجلس اختار هذه السنة، ودائما في إطار انشغاله بقضايا العالم القروي، سياسة الطرق في المناطق الجبلية التي تشتغل عليها مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية. وفي ذلك إشارة إلى اهتمام المجلس بهذه المجالات الترابية العميقة والعزيزة من الوطن. وسيتم خلال الدورة الخريفية المقبلة تقديم تقرير مجموعة العمل في هذا الشأن.
الزملاء والزميلات،
السيدات والسادة النواب،
لقد أصبح تقييم السياسات العمومية اختصاصا مركزيا من اختصاصات البرلمان حيث ينص الفصل 70 من الدستور على: " البرلمان يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية" كما ينص الفصل الأول على أن " النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة". ولسنا في حاجة لإثبات أن المدخل إلى الحكامة الجيدة هو التقييم والمراقبة وترتيب الإجراءات الضرورية من ذلك كما أن المحاسبة تتطلب تحديد المسؤوليات.
وما من شك في أن تقييم السياسات العمومية وما ينتج عنها من تقارير وتوصيات وتشخيص لكيفية إنجاز السياسات والبرامج العمومية، كلها عمليات وأدوات لوضع السلطات العمومية والفاعلين السياسيين والرأي العام في صورة هذا الإنجاز وجوانب قوته وجوانب ضعفه أو اختلالاته إن وجدت.
إن الأمر يتعلق بوظيفة بيداغوجية حاسمة بوضع السياسات العمومية والمسؤولين عنها تحت مجهر التقييم، وبدعوة أخلاقية وسياسية لكل سلطة للقيام بما يلزم للاضطلاع بوظائفها.
لقد كان مجلس النواب من المؤسسات التشريعية القليلة في العالم، إن لم أقل الوحيد، الذي وفر لنفسه إطارا مرجعيا لتقييم السياسات العمومية الذي يعتبر بمثابة نظام داخلي لعمليات التنظيم البرلماني إذ يحدد ويحلل على الخصوص الشروط المرجعية للتقييم والسياق والإطار التشريعي والتنظيمي للتقييم، وهدفه، ونطاقه والأسئلة التي ينبغي أن تطرح في إطاره والتوجيهات المنهجية وإشراك المواطنين المستهدفين من السياسة العمومية والجدول الزمني لإنجاز التقييم والمؤهلات المطلوبة في المكلفين بالتقييم.
وقد حرص المجلس، إعمالا للدستور، خلال الولاية التشريعية الماضية على إنجاز عمليتي تقييم شملت الأولى برنامج الكهربة القروية الشمولي (PERG) والثانية البرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب (PAGER). وكان القصد من هذا التقييم، الذي توج بتقريرين هامين، تفعيل مقتضيات الدستور في ما يتصل بمهمة التقييم ووضع الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية من قبل مجلس النواب على المحك وتقدير آثار التدخلات المختلفة لكلا البرنامجين على تنمية المناطق القروية وتقديم توصيات للحكومة واقتراح إجراءات للتحسين واقعية وقابلة للتحقيق في المناطق القروية.
ووفقا للمنهجية المحددة في الإطار المرجعي، قامت مجموعة العمل الموضوعاتية المسؤولة عن تقييم البرنامجين المذكورين بصياغة ثلاثة أسئلة تقييمية، كما قامت بتحديد المعايير المستخدمة في كل منهما لتقييم النجاحات أو صعوبات التنفيذ. وقد أسفرت جميع هاته الأسئلة عن نتائج وتوصيات مدعومة بتحليل النتائج النوعية والكمية.
وركزت هذه الأسئلة على (أ) التماسك الداخلي للبرامج، و(ب) قيمتها الاجتماعية والاقتصادية و(ج) أهمية أهدافها في ضوء المتغيرات.
وكما تعلمون، فإن المتوخى هو تحسين السياسات العمومية وجعلها تنتج آثارا إيجابية على المستهدفين واستخلاص الدروس من أوجه النجاح أو النقص أو الإخفاق في أي سياسة عمومية على أن الهدف العام يكمن، في النهاية، في تحقيق التنمية المتوازنة بالجودة المطلوبة وجعل الإنفاق العمومي مُنْتِجًا للآثار المتوخاة وتحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مجال الخدمات الاجتماعية. ولا شك في أن ذلك يقع في صلب الديمقراطية وأهدافها ومضامينها الاقتصادية والاجتماعية.
الزملاء والزميلات،
السيدات والسادة النواب،
لا تخفى عليكم الفوائد العديدة لتقييم السياسات العمومية في الحكامة وفي جعل الإنفاق العمومي يحقق المتوخى منه وفي تحقيق الشفافية وجودة السياسات العمومية وإلزام المسؤولبين العموميين بالنزاهة وهي أمور من صميم جوهر الدستور والسياق الوطني العام.
توخيا لهذه الأهداف حرصنا في مجلس النواب على تكثيف التكوينات والمهام الدراسية والإطلاع على الممارسات المقارنة. وفي هذا الإطار تدخل هذه الدورة التكوينية التي نفتتح اليوم والتي سيتم في إطارها معالجة عدد من الإشكالات النظرية والعملية المرتبطة بالتقييم ومنها مفهوم التقييم البرلماني وغاياته المعرفية والأداتية والمعيارية، وأهدافه ومعاييره وأساليبه وأنواعه وكيفية إنجازه ومخرجاته.
وأود في الختام أن أشكر الشركاء الذين تعبئوا لإنجاح هذه الدورة: الأساتذة المؤطرون، والمدرسة الوطنية للإدارة العمومية في كندا، والمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالمغرب ومؤسسة ويستمينستر للديمقراطية والتوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني الممولة من الاتحاد الأوربي آملين في أن تكون هذه الدورة أداة لتجويد أعمالنا وجعلها في مستوى حرص وتطلعات جلالة الملك محمد السادس أعزه الله في ما يرجع إلى جعل المؤسسات تقوم بوظائفها بالجودة المطلوبة وتستجيب لتطلعت المواطنين وفي مستوى ما توخاه الدستور من إعمال للحكامة والشفافية والمحاسبة.
أشكركم على كريم الإصغاء