تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد الرئيس في افتتاح اشغال اليوم ل: التكوين وتبادل الخبرات الدولية حول الموازنة القائمة على النجاعة

17/12/2014

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

حضرات السيدات والسادة

يطيب لي بداية أن أرحب بكافة المشاركين والمشاركات في هذه الدورة التكوينية المنظمة بشراكة مع البنك الدولي ، معربا عن إعتزازنا في مجلس النواب باحتضان هذه الورشة الهامة التي ستسعفنا بدون شك ببعض الأفكار والمقاربات التي ستكون مرجعا لنا لتجديد الرؤى، وتقوية الأداء، وتطوير آليات ومناهج العمل تماشيا مع مستجدات الواقع الدستوري والسياسي الجديد ، ومواكبة التحديات والرهانات المطروحة.

حضرات السيدات والسادة

 إن اختيار المغرب الإرادي ولوج نادي الدول الديمقراطية ، والتطلع بثبات إلى بناء دولة القانون والمؤسسات ، وتجديد هياكل الدولة ووظيفتها، والانخراط بكل جد ومصداقية في مختلف التحولات العالمية أملت علينا جميعا فتح أفق جديد لتقوية قدراتنا الذاتية ،  ولا سيما في المجال الميزانياتي ، فالكل لديه اقتناع أن الميزانية العمومية ليست مجرد أرقام وحسابات ومعطيات تقنية فحسب ، بل تجسد في عمقها ودلالاتها توجهات الدولة واختياراتها الكبرى ، وتعتبر أيضا وسيلة لتنزيل السياسات الوطنية ، والاستراتيجيات القطاعية ، ومدخلا أساسيا لضمان التنمية المستدامة ، وتحقيق تطلعات المواطنات والمواطنين في العيش الكريم.

والواقع أن البرلمان المغربي، وبعد دستور سنة 2011  الذي شكل منعطفا حاسما في التوازن بين السلط ، وخول للمؤسسة البرلمانية مكانة مهمة في النظام السياسي المغربي ، ومكنها من اختصاصات نوعية سواء على مستوى التشريع أو مراقبة عمل الحكومة أو تقييم السياسات العمومية جعلتنا أكثر اقتناعا بحاجتنا المستمرة إلى تقوية قدراتنا الذاتية ، وتجويد ممارساتنا البرلمانية ، وإحداث طفرة نوعية في مناهج اشتغالنا ، وطرق تدبيرنا ،وإعطاء روح جديدة لعملنا البرلماني وجعلها مواكبا للحظة السياسية ، و سيرورة التاريخ وخصوصية الولاية التشريعية الحالية باعتبارها ولاية مؤسسة ورائدة ، وفي مستوى الاوراش التي فتحتها بلادنا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والحقوقية والطاقية والبيئية وغيرها من الاوراش والمشاريع المفتوحة.

ومع إدراكنا أن الممارسات البرلمانية على الصعيد العالمي سجلت تطورا نوعيا في مجال الرقابة البرلمانية من خلال تقوية اليات مراقبة البرلمان للحكومة وتنويعها ، فإن المغرب لم يخرج عن هذا المنحى ، إذ عرفت التجربة المغربية منذ أول دستور للمملكة سنة 1962 عددا من الاليات الرقابية وترسخت مع مرور مختلف المحطات الدستورية، وشهدت دينامية خاصة مع توالي الولايات التشريعية.

 ولنا أن نفتخر كمغاربة بالأفق الجديد الذي فتح معالمه الدستور الجديد ولا سيما في مجال تقوية الرقابة البرلمانية للمالية العمومية ، إذ لم تعد المؤسسة البرلمانية مقتصرة على الدراسة والتصويت على الميزانية العامة للدولة ، بل أضحت مشاركتها أكثر قوة وعمقا بدءا من تحضير الميزانية ومناقشتها وتتبع تنفيذها .

ومع هذا ، فإننا نؤكد في الآن نفسه إلى حاجتنا إلى منظومة مالية متطورة ومنفتحة وفعالة ، منظومة مالية تستنبط جذورها من التربية المغربية الخالصة ، وتستمد أسسها ودعائمها من  الممارسات والتجارب الدولية الناجحة ، منظومة مالية تترجم توجهات الدولة الإصلاحية ، وتسعى إلى إرساء ركائز تنمية قوية ومستدامة ، وتهدف إلى تعزيز البعد الترابي في تدبير الميزانية من خلال دعم مسار اللامركزية الترابية واللاتركيز الإداري.

وتجسيدا لهذا المنظور الإصلاحي ، فقد عشنا على امتداد الأشهر القليلة الماضية تجربة متميزة في مسيرة عملنا البرلماني من خلال  الدراسة والتصويت على  مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية ، الذي جاء في نطاق تنزيل بعض مقتضيات الدستور ، وتأهيل بنيتنا التشريعية المالية، وجعلها مواكبة لمسلسل البناء الديمقراطي ، والدينامية الجديدة التي انخرطت فيها بلادنا تحت القيادة النيرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

والواقع أن هذا الإطار القانوني الجديد لإعداد الميزانية ودراستها من قبل البرلمان وتتبع تنفيذها والتي كانت محل مشاورات بين مختلف المكونات السياسية والمتدخلين ،ستفتح لنا أفقا جديدا لتدبير الميزانية ، وإقرار جيل جديد من أساليب التدبير الميزانياتي القائم على تقوية فعالية التدبير العمومي، وتعزيز جودة الخدمات العمومية من خلال الاعتماد على البرمجة المتعددة السنوات ، وربط النفقة العمومية بتحقيق النتائج مع وضع مؤشرات القياس ،الأمر الذي سيمكن من تحديد الحاجيات والأولويات ، والانتقال من التدبير المبني على الوسائل إلى التدبير القائم على النتائج ، فضلا عن تقوية شفافية المالية العمومية ، وتطوير نظام المحاسبة العامة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة .

حضرات السيدات والسادة

إذا كنا في البرلمان المغربي وخصوصا في مجلس النواب قد عرفنا تراكمات نوعية في مجال مراقبة ميزانية الدولة طيلة الخمسين السنة الماضية ، فإننا نعتبر أن هذا الورش مازال مفتوحا وسيبقى مفتوحا على كل الفرضيات والمقاربات الكفيلة بتطويره ، وتقوية أداءه ،والرفع من 

فعاليته، ومن المؤكد أن هذه الدورة التكوينية التي نحتضنها اليوم لخير دليل على هذه الإرادة الصادقة ، والرغبة المتواصلة في تأصيل ثقافة النقاش والحوار والإطلاع على التجارب الدولية ، والممارسات الفضلى التي ستشكل لنا دعامة قوية في مسار عملنا النيابي وأفقه المستقبلي.

مرة أخرى أجدد الترحاب بالحضور الكريم ، ونهنئ أنفسنا بتنظيم هذا اللقاء الدراسي الهام ،متمنيا لأشغاله كامل التوفيق والنجاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.