السيدة كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي
السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،
أصحاب السعادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية
السيد رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج
السيد المدير العام للبنك الإفريقي للتنمية
السيد رئيس النادي الدبلوماسي المغربي
الزملاء والأصدقاء الأساتذة المشاركين معنا
الزميلات والزملاء النواب،
يجسد تنظيم هذه الندوة انخراط مجلس النواب في النقاش المؤسساتي والعمومي على مستوى القارة الإفريقية الذي يواكب الانبثاق الإفريقي، كما يجسد التزام مؤسستنا بالمساهمة في العمل من أجل قيام إفريقيا الجديدة المتقدمة والمتماسكة والمتضامنة.
واسمحوا لي أن أرحب بضيوف المجلس المشاركين في هذه الندوة، وخاصة السادة السفراء وبالسيد المدير العام للبنك الإفريقي للتنمية والحاضرين معنا.
يكتسي موضوع هذه الندوة راهنية كبرى، وأهمية خاصة في السياق القاري والدولي الحالي، لأن الاندماج الإفريقي لم يعد اختيارا فقط، بل أصبح ضرورة. فإفريقيا إما أن تكون موحدة متضامنة متماسكة، تخاطب عالم التكتلات بمنطق المصالح المتبادلة أو تُضَيِّع الفُرص التاريخية المتاحة أمامها اليوم. فطموحنا أن تصبح قارة المستقبل.
وليس ما تعيشه إفريقيا اليوم من ديناميات اقتصادية ومؤسساتية، بالحدث العابر. إن الأمر يتعلق بتحولات عميقة من خلال مشاريع تُؤَّشِّر بالفعل على قيام إفريقيا جديدة، وذلك كنتيجة موضوعية لعدة عوامل : فالقارة اليوم هي موضوع تنافس دولي، مصدره الغرب كما الشرق، إذ أن جميع القوى والتكتلات الاقتصادية والجيوسياسية تظهر اليوم من خلال محركاتها، أهمية إفريقيا الاقتصادية، خاصة في السياق الدولي الحالي، المتميز بعولمة شاملة. فإلى جانب ما توفره العولمة من إمكانيات في مجال المبادلات، فإن التاريخ المعاصر يعلمنا أن ما من أمَّةٍ نهضت وحققت ما هي عليه القوى الكبرى اليوم، بالانغلاق والانطواء على الذات. إن هذا الدرس هو ما ينبغي لإفريقيا أن تتعلم منه بناء استراتيجيات اقتصادية تتجاوز الأبعاد والإطارات الوطنية وتخطط على أساس رؤية قارية منفتحة على العالم ومتوجهة إلى حيث يمكن بناء الشراكات المتينة وفق منطق الربح المشترك.
ومن جهة أخرى، يعلمنا التاريخ أن تَحَقُّق الاندماج الإفريقي ينبغي أن يتم على أساس التراكم وحسن توظيف واستثمار فرص التكامل، والتأسيس على الحلقات الناجحة في التكتل الإقليمي الإفريقي الذي تعتبر المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) أحد نماذجه المتميزة والواعدة والتي يمكن الاعتماد عليه.
نعلم جميعا أن إفريقيا تتوفر على إمكانيات بشرية وطبيعية ومواد اقتصادية وخيرات هائلة. كما نسجل أن قارتنا تخلصت من عدد كبير من النزاعات الداخلية والعابرة للحدود، وحققت العديد من بلدانها انتقالاتٍ مؤسساتية سلمية، وهي بصدد بناء الديموقراطية ودولة المؤسسات، فيما أصبح الاختيار الديموقراطي أفقا للانتقالات السياسية. تلكم عوامل أخرى تيسر الاندماج الإفريقي واشراك الشعوب في هذا المسلسل الذي يحتاج إلى الحوار والتوافق كي يترسخ ويتمَّ تَمَلُّكُه من طرف الشعوب.
السيدات والسادة،
ونحن نتابع الأحداث السياسية والاقتصادية في إفريقيا، ونتفاعل معها من موقعنا كممثلين للشعب المغربي، تتأكد لنا القيمة المضافة الكبرى والدور الحاسم الذي يلعبه المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس في القارة الإفريقية. ولئن كان حضور بلادنا في القارة الإفريقية جد مؤثر من خلال تعزيز علاقاتها الثنائية مع عدد كبير من بلدان القارة، فإن عودة المملكة إلى عائلتها المؤسسية، الاتحاد الإفريقي، أعطى دفعة جديدة للعمل الإفريقي المشترك سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وأمنيا، وأطلق ديناميات حاسمة في العمل القاري.
ويندرج هذا العمل في إطار رؤية شمولية واضحة جوهرها الواقعية وتعبئة طاقات القارة وإمكانياتها من أجل الاستجابة لحاجيات شعوبها في مجال التجهيزات الأساسية والاستثمارات والصحة والتكوين وإنتاج الغذاء. ويظل الهدف بالطبع هو ضمان كرامة المواطن الإفريقي والمساهمة في بناء إفريقيا الجديدة الواثقة من إمكانياتها ومن ذاتها، وتحقيق التنمية التي تنقل القارة من النماذج الاقتصادية الريعية إلى نمط مبنى على الإنتاج والعمل والاستحقاق.
وما أحوج القارة إلى هذا النموذج اليوم، من أجل رفع التحديات التي تواجهها، ومن بينها، ومن أبرزها، ظاهرة النزوح والهجرة التي تتصدر هذه الأيام التقارير الإخبارية وتقارير المنظمات الدولية على إثر الكشف عن معاملة مشينة ومقيتة، وعن واحد من أسوأ أوجه الاتجار في البشر من طرف جماعات مسلحة بليبيا ضحيته شباب ونساء وأطفال من بعض بلدان إفريقيا.
وعوض تقديم حركات الهجرة كمادة إعلامية، ينبغي التعاطي السياسي المسؤول مع جذورها وأسبابها ودوافعها. فالذين يغادرون بلدانهم بحثا عن ظروف عيش آمن أو دخل مادي يضمن الكرامة، إنما يقومون بذلك مضطرين، إما بسبب النزاعات المسلحة أو الظروف المناخية الصعبة أو الفقر أو البطالة. و قد حلل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الرسالة الملكية السامية التي وجهها إلى قمة الاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأروبي المنعقدة في نهاية شهر نونبر بأبيدجان، هذه الأسباب مستنكرا تعرض عدد من المهاجرين في ليبيا لأفعال مقيتة، كما حرص جلالته على تصحيح العديد من التمثلات الخاطئة المتعلقة بالهجرة ومنها نسبة الهجرة غير القانونية من مجموع حركات الهجرة العالمية (5/1)، وعائدات الهجرة، والتمييز بين بلدان العبور وبلدان الاستقبال إلخ. وأكد جلالته على ضرورة "وضع تصور جديد لمسألة الهجرة من خلال التعاطي معها كموضوع قابل للنقاش الهادف والرصين وكحافز على الحوار البناء والمتميز".
وفي هذا السياق، لا يفوتني أن أثمن مقاربة جلالته بصفته رائد الاتحاد الإفريقي لموضوع الهجرة وحرصه على تقديم الرؤى الاستباقية والأفكار الخلاقة والواقعية التي سَتُبْنَى عليها خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة.
السيدات والسادة
تواجه قارتنا عددا من التحديات التي من المستحيل على أي بلد أن يواجهها منفردا، أو في إطار الأحلاف التقليدية المبنية على الإيديولوجية. فإلى جانب الهجرة، هناك انعكاسات الاختلالات المناخية، ومحاربة الهشاشة والإقصاء أو البطالة والتكوين والتعليم والصحة وتوفير البنيات الأساسية من طرق وسكك حديدية وموانئ، وتجهيز المدن إلخ.
وفي مواجهة هذه التحديات، ومن أجل ربح رهان التنمية، لابد من العمل المشترك، إذ لا مستقبل لاستراتيجيات إنمائية حبيسة البعد الوطني والحدود القُطرِية، وهذا هو منطق العصر ومنطق السوق. فالأفق الجهوي والقاري المفتوح على العالم وتوفير البيئة الجاذبة والملائمة للاستثمارات والعمل وفق منطق المصالح المشتركة والمنفعة القارية، هو الذي يمكن أن يخلق مؤسسات اقتصادية وخدماتية رائدة، تُحْدِثُ من حولها ديناميات مقاولاتية محلية ووطنية دامجة ومنتجة للثروة . كما أن مشاريع البنية الأساسية القارية والعابرة للحدود، من طرق سيارة وسكك حديدية وموانئ ومطارات من شأنها أن تُيَسِّر التواصل بين البلدان وتنقل الأشخاص والبضائع فضلا عن دورها التحديثي وإشعار المواطن الإفريقي بولوج عهد جديد ونشر ثقافة جديدة جوهرها الشعور بالانتماء الى إفريقيا والافتخار بهذا الانتماء.
ولئن كانت تحتاج إلى التطوير لتستوعب المستجدات والحاجيات والتغييرات الدولية، فإن المؤسسات القارية الإفريقية، تعتبر إطارا للحوار و للعمل المشترك ولإعداد واعتماد مخططات الاندماج الاقتصادي.
ويقع البعد البرلماني والمؤسسات البرلمانية في قلب البناء الإفريقي، وهو ما نحرص عليه في مجلس النواب والبرلمان المغربي عامة. فحرصنا على الدفاع عن قضايا القارة ثابت وأكيد، وجَسَّدْنَاهُ ونُجَسِّدُه في العديد من المبادرات والإجراءات الملموسة من احتضان المؤتمرات والملتقيات القارية والجهوية من أجل الترافع عن قضايا القارة والدفاع عن مصالحها في المنتديات البرلمانية الدولية، ومن ذلك مثلا، اللقاء البرلماني التشاوري الإفريقي حول التغيرات المناخية الذي احتضنه مجلس النواب يوم 27 أكتوبر الماضي وتُوِّجَ بإعلان الرباط من أجل العدالة المناخية لإفريقيا ورُفِعَ الى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة-الإطار حول المناخ Cope 23 المنعقدببون الشهر الماضي والى رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي. وسيظل وثيقة مركزية في الترافع الافريقي من أجل العدالة المناخية.
ونحرص على تعزيز التشاور والتنسيق والتعاون البرلماني على المستويات الثنائية والمتعددة الأطراف ومأسسة الحوار البرلماني من خلال اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون كما حصل الشهر الماضي مع برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
ويظل مرجعنا في هذا العمل وفي مبادراتنا، سياسة المغرب الإفريقية المبادرة والجريئة والمبنية على البحث عن الربح المشترك والشراكة المنتجة وتفضيل التعاون جنوب-جنوب وإنجاز ما من شأنه تيسير قيام إفريقيا الجديدة ويلبي حاجيات شعوبها، تلك السياسة التي يرعاها في الميدان ويحرص عليها برؤية افريقية، جلالة الملك محمد السادس.
وبالتأكيد، فإن إفريقيا باتحادها وتلاحمها، ستوجه رسالة إلى باقي التكتلات القارية والجهوية والشركاء الأجانب والمستثمرين الاستراتيجيين بأنها منفتحة وواعدة ومؤهلة لشراكة متوازنة منتجة للثروات، وأنها قارة الإنتاج والتصدير والإبداع، عوض تلك الصورة النمطية البالية بأنها قارة موضوع إسعاف أو دعم من أجل التنمية على أهمية هذا الدعم وقيمته. وأعتقد أن السياق القاري الجديد والنخب الإفريقية الجديدة، تنتصر لهذا التوجه.
شكرا على إصغائكم