بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أصحاب المعالي السفراء
السادة القائمين بالأعمال
السيدات والسادة
إنها لحظة متميزة التي نلتقي فيها مع أعضاء السلك الدبلوماسي الافريقي، في هذه المؤسسة التي تجسد الارادة الشعبية للأمة المغربية.
ويطيب لي في البداية أن أرحب بكم جميعا وأن أتوجه بالشكر الجزيل إلى أصحاب المعالي السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي الذين لبّوا الدعوة بالمشاركة في هذا اللقاء، مُتَفهماً ظروف من لم يتمكن من ذلك.
ومامن شك أنكم تعرفون سياق هذا اللقاء، لتبادل الافكار والرؤى ولنصغي إلى بعضنا البعض بشأن القضايا المصيرية لقارتنا.
ويأتي لقاؤُنا هذا في سياق علاقات دولية موسومة بتحولات عميقة، سيكون لها في المستقبل، بالتأكيد، انعكاس كبير على الوضع في قارتنا.
أما السياق الخاص لهذا اللقاء، فيتمثل في متغيرات كبرى جعلت من إفريقيا اليوم مختلفة عن إفريقيا الأمس. حيث أصبحت مقاربات ومفاهيم القرن الماضي متجاوزة، وفي حاجة للتجديد والمراجعة، وفي هذا الإطار شكلت عودة المملكة المغربية إلى عائلتها المؤسسية الافريقية الحدث الأبرز في نهاية شهر يناير الماضي. وقد طبع الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أمام القادة الأفارقة في الدورة 28 لقمة الاتحاد الافريقي أشغال هذه القمة، وتجاوز صداه القارة الى مختلف البلدان. ومن جهة أخرى، يواصل جلالته زياراته إلى عدد من البلدان الافريقية مُجَسِّدا في الميدان جوهر التعاون جنوب-جنوب والتضامن الافريقي الحقيقي.
وسيظل الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمام المشاركين في أشغال القمة 28 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، وثيقة تاريخية مرجعية لمرحلة فاصلة في علاقة المغرب بباقي أشقائه وأصدقائه الأفارقة، إذ شخص جلالته الإشكالات والمعضلات الحقيقية التي تواجهها إفريقيا. كما شكل هذا الخطاب بحق مرافعة أخرى من أجل القارة الإفريقية تُعزز العمل الميداني والزيارات الناجحة بكل المقاييس، التي قام بها جلالة الملك إلى عدد كبير من البلدان الإفريقية، وذلك وفق رؤية تفضل التعاون والشراكة جنوب - جنوب أساسها تَقَاسُمُ الخبرات ووسائل تحويل الإمكانيات إلى ثروات.
وكما تعلمون فإن جلالة الملك قام ب52 زيارة الى 29 بلدا إفريقيا منذ اعتلائه العرش. وهي زيارات أثمرت مئات الاتفاقيات والمشاريع المهيكلة والاستراتيجية بِبُعد تنموي وإنساني وتضامني.
وقد تأكد في الميدان على مدى 17 سنة من الدبلوماسية الملكية بإفريقيا، نُبْل سياسة المغرب الافريقية تُجاهَ قَارَّتِنا، حيث تَبَيَّنَ بوضوح في خطاب أديس أبابا جوهرُهَا ومقاصدُها الانسانية إذ قال جلالته : "ولمن يدعي أن المغرب يبتغي الحصول على الريادة الافريقية عن طريق هذه المبادرات، أقول : إن المملكة المغربية تسعى أن تكون الريادة للقارة الإفريقية".
أصحاب السعادة السفراء
السيدات والسادة
لقد سبق لي ان أكدت في ختام الدورة التشريعية الخريفية لمجلس النواب أن هذه الدورة ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية الوطنية وفي تاريخ العمل البرلماني ببلادنا كدورة عنوانها عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، حيث تزامنت نهاية الدورة مع عودة المغرب الى عائلته المؤسسية الافريقية، وتمت خِلاَلَــها الدراسة مع التصويت على مشروع القانون الذي صادق البرلمان بموجبه على الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي. وتعكس الفعالية والمستوى العالي للنقاش والأجواء التي انعقدت فيها جلسة التصويت على هذا الميثاق، يوم 18 يناير الماضي، الارادة الراسخة لمجموع المؤسسات الدستورية المغربية بقيادة جلالة الملك، وإرادة الأحزاب الوطنية التشبث بجذورنا وبهويتنا الافريقية المتعددة الأبعاد.
وبقدر ما تُعْتَبر هذه العودة تجسيداً للشرعية، مادام المغرب من المؤسسين الأساسيين لمنظمة الوحدة الإفريقية، وانتصارا للمشروعية قاريا ودوليا، بقدر ما تُعْتَبَر تتويجاً للجُهد الملكي في ترسيخ الحضور المغربي في القارة الإفريقية وانتصارا كذلك للعقل الدبلوماسي المغربي، وللحكمة الإفريقية ولمنطق التاريخ وتجسيدا لتحول تَوَّجَ تراكماً في العمل الميداني، وفي مختلف الجبهات وعلى كافة المستويات، من أجل تمتين علاقات الثقة وبناء شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف مع الأشقاء الأفارقة وفق منظور جديد للتعاون جنوب-جنوب.
وتعكس الرؤية المغربية للعلاقات مع باقي البلدان الإفريقية وداخل المنظمات الإفريقية المتعددة الأطراف، سياسة عقلانية تفضل التعاون جنوب-جنوب وتتطلع إلى تأهيل إفريقيا وإعدادها لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية وتمكينها من أخذ مصيرها بيدها والتحكم في قرارها وجعله مستقلا.
أصحاب المعالي
السيدات والسادة
إذا كنا نتوفر بالتأكيد على آليات التعاون البرلماني المتعدد الأطراف، من قبيل الاتحاد البرلماني الإفريقي وبرلمان عموم إفريقيا، فإننا في حاجة أيضا إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البرلمانات الوطنية، خاصة من خلال مجموعات الصداقة البرلمانية التي ينبغي أن تُشَكِّل آليات مُوَاكبة ودعم للعمل الحكومي وبين المجتمعات الافريقية.
وما من شك أننا نحتاج اليوم إلى تجاوز الطابع التقليدي للتعاون البرلماني، من خلال تبادل الخبرات والدعم التقني المتبادل وتنظيم الدورات التكوينية لفائدة أطر البرلمانات الوطنية وتبادل الإقامات البرلمانية des séjours parlementaires، مع وضع شبكةٍ لِـمَكْتَبَات البرلمانات الوطنية وتبادل التجارب في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وفي هذا الصدد، أؤكد لكم أن مجلس النواب المغربي، الذي اكتسب خبرات هامة في مجال التعاون الدولي، وخاصة مع برلمانات بلدان لها تقاليد قديمة في الديموقراطية ومنظمات غير حكومية تشتغل على الصعيد الدولي، على استعداد لإفادة الأشقاء بتجربته المتواضعة، كما يتطلع إلى الاستفادة من خبرات أشقائه التي ستفيده كذلك دون شك.
ومن جهة أخرى، سيكون على البرلمانات الوطنية الافريقية وبرلمان عموم إفريقيا والاتحاد البرلماني الافريقي، الانتقال إلى أشكال جديدة من التنسيق والعمل في المحافل البرلمانية الدولية، من أجل إسماع صوت افريقيا أكثر والدفاع عن مصالحها والتعريف بالأوضاع الحقيقية في القارة وتصحيح الصُّوَر النمطية التي اعتاد البعض على أن يرسمها عن أحوالنا.
ومرة أخرى سيكون انضمام المغرب إلى برلمان عموم افريقيا، أحد مداخل مساهمة البرلمان المغربي في تطوير أعمال هذه المؤسسة القارية، أداءً وإنتاجاً من حيث الأدوارُ والحضورُ الدولي والتأثير في قرارات وتوجهات المجموعة البرلمانية الدولية وتَمَثُّلاتِها، خاصة في ما له علاقة بإفريقيا تاريخاً وحضارةً وإمكانيات بشرية.
إننا عازمون على أن يكون انضمامنا إلى هذه المؤسسة منتجا، وبقيمة مضافة لأدائها. وسنكون قوة اقتراحية من أجل تطوير عمل هذه المؤسسة القارية، وتعزيز حضورها الدولي أكثر.
أصحاب المعالي
تلكم بعض الأفكار والتي حرصت على أن تبادلها معكم متطلعا إلى الإصغاء إلى أفكاركم واقتراحاتكم في شأن المواكبة البرلمانية لعودة الـمغرب إلى عائلته المؤسسية الافريقية.
علينا أن نثق في إمكانياتنا وفي شعوبنا ونتوجه إلى المستقبل. ولعل في تجارب التاريخ ما يثبت ذلك. لقد انطلق الاتحاد الأوروبي كفكرة اقتصادية ولكن بإرادة سياسية قوية في تحويل وسائل الحرب إلى أدوات بناء وعمران. وكانت للواقعية وبعد النظر الأثر البالغ في مسلسل البناء من أجل الاندماج. فلتكن رهاناتنا من أجل المستقبل أولا وأخيراً.
شكراً لكم