السيد رئيس الفدرالية العالمية للسلام،
السيدة رئيسة الجمعية الدولية للبرلمانيين من أجل السلام،
زميلاتي زملائي الأعزاء،
يشرفني أن أفتتح أشغال هذا اللقاء الذي نؤسس من خلاله فرع البرلمان المغربي في الجمعية الدولية للبرلمانيين من أجل السلام في العالم.
ويطيب لي في البداية أن أرحب بضيوفنا. وأخص بالذكر السيد Thomas Walsh رئيس الفدرالية العالمية للسلام والسيدة Erna Hennicot-Schoepges الرئيسة المشاركة للجمعية الدولية للبرلمانيين من أجل السلام، ومجموع الضيوف من الفدرالية والجمعية الذين يؤكد حُضُورُهُمْ التقديرَ الذي يُولُونه لبلادنا ودورها الإقليمي والدولي في إرساء السلم، وفي الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة التي تدافع عنها الفدرالية.
نُطلقُ الفرع المغربي للجمعية الدولية للبرلمانيين من أجل السلام في سياق ما أَحْوجَ العالم، اليوم، فيه إلى ترسيخ وتثبيت قيم السلم والتسامح والتعاون والاعتدال، وما أحوجه كذلك إلى المدافعين عن هذه القيم والمبادئ. ومن صُدَفِ التاريخ أن إطلاق الفرع المغربي يتزامن مع الذكرى 100 لنهاية الحرب العالمية الكبرى الأولى؛ ففي مثل هذا الأسبوع من سنة 1918، وضعت الحرب الكونية أوزارها؛ ولكن السلام لم يكن لِيَتَحَقَّقَ إلى الأبد. فعلى مدى قرن من الزمن حصلت أحداثٌ كبرى وتحولات عميقة غيرت وجه العالم، إذ وقعت الحرب العالمية الثانية التي خلفت دمارا هائلا خاصة في أوربا وحصدت أرواح حوالي 60 مليون إنسان، واندلعت حروب أخرى كثيرة مُدَمِّرة، وتمت تصفية الاستعمار، كما انتهت الحرب الباردة.
ولئن كان وجه العالم قد تغير، واسْتَتَبَّ السلم في عدد من أرجاء العالم، خاصة في أوربا، وهي القارة التي شهدت الحربين الأولى والثانية، فإن حروبا أخرى مدمرة ونزاعاتٍ مزمنة، ما تزال اليوم تُقَوِّضُ السلم الإقليمي وتتسبب في آلاف القتلى، وفي عمليات تهجير ونزوح جماعي وتفقير لملايين البشر، متسببة على هذا النحو في اندلاع نزاعات أخرى ومآسي جديدة وفي تهديد الاستقرار في بلدان أخرى.
فعلا انتهت الحرب الباردة بين الشرق والغرب في صيغتها الأولى، إلا أننا ما نزال نعيش أجواء حروب ثقافية أو يُقالُ إنها ثقافية وحضارية، يُغذِّيها الجهل بثقافة الآخر والتعصب للذات وللهوية، كما تغذيها الطائفيات القاتلة وكراهية الأجانب، وهي ظواهر وحالات تحاول أن تجد مبرراتها في أعمالَ عُنْفٍ وتَطَرُّف تُرْتَكَب باسم دين بعَيْنِه وثقافة بعينها فيما هذا الدين وتلك الثقافة بريئان من هذه الأعمال الشنيعة.
وتُؤَجِّج هذه الظواهرُ الخطاباتِ العنصرية في حق المهاجرين في بلدان الاستقبال، ويتم استغلالها سياسيا وانتخابيا، وتُعْتَمَدُ على خلفيتها التشريعات التي تحد من استقبال الأجانب وتُقَيِّد حقوقهم.
وفي مواجهة هذه التوترات ينبغي أن نعكس المعادلة، من خلال التوجه إلى جذور معضلات عالم اليوم. فالهجرة واللجوء ليستا نَزْوَةً، أو تعبيرا عن حب في المغامرة، وإنما هي بحث عن الأمن الذي يفتقده الناس في بلدانهم، أو البحث عن الرزق الذي تعذر عليهم الحصول عليه جَرَّاءَ الجفاف أو التصحر أو الفيضانات، أو عن الشغل الذي لم يَجِدُوه جرَّاء محدودية موارد بلدانهم وضعف تنميتها، أو عن الحقوق التي لا تتوفر في بلد انهارت فيه الدولة أو ضعفت مؤسساتها، أو لا تتوفر على الإرادة لِكَفالة حقوق الجميع في التعبير والتنظيم والتأطير. ومن جهة أخرى، فإن النزاعات هي نتيجة إما للظلم او إرادة الهيمنة أو الاحتلال أو التحكم في الموارد. وفي جميع الحالات فإن الذي يكون موضوع تهديد هو السلم الإقليمي والعالمي، أي الإنسان بِغَضِّ النظر عن جنسه أو لَونه أو دينه أو ثقافته أو انتمائه.
وما من شك في أن للفدرالية العالمية للسلام وذراعها البرلماني دورا حاسما في مواجهة هذه التهديدات والدعوة إلى السلم وتسوية النزاعات بالطرق السلمية والتصدي لأسبابها.
وما من شك أيضا في أنها تتوفر على الرصيد الاعتباري، وعلى المهارات، وعلى الوزن المدني من أجل المساهمة الحاسمة في بناء جبهة عالمية من أجل السلم والاعتدال، وتوسيع دائرة المدافعين عن هذه القيمة عبر العالم، باعتبارها شرطا لا مَحيدَ عنه للتنمية والتقدم.
ولستُ في حاجة إلى إقناعِكُم، بأن التضامنَ من أجل التنمية وتَيْسير الاستفادة من التقدم الذي تحققه البشرية من مكاسب تكنولوجية وعلمية وابتكارات (وبشكل من الأشكال ما تراكمه من ثروات) سيدعمُ جهودَ إقرار السلم الإقليمي والعالمي.
السادة الرؤساء
زميلاتي زملائي
السيدات والسادة
إنني من المقتنعين بأن حركتكم، باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الدبلوماسية العالمية، ستتقوى بإطلاق فرع المغرب للجمعية الدولية للبرلمانيين من أجل السلام في العالم، الذي يعد مرتكزا أساسيا من مرتكزات الدبلوماسية المغربية. فقد كانت مساهمة بلادنا دائما حاسمةً في بناء السلم العالمي وفي الدعوة إلى الاعتدال وتسوية النزاعات بالطرق السلمية ومكافحة الإرهاب والتطرف والانتصار لِقِيَم السلم والتسامح والتعايش. ففضلا عن مشاركتها المتميزة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلم في عدد من مناطق النزاع، واحتضانها لعدة مبادرات لتسوية النزاعات، كانت المملكة المغربية مساهما أساسيا في ترسيخ مبادرات تحالف الحضارات التي رعتها الأمم المتحدة منذ 2005.
وليس هذا على بلادنا بغريب بفضل موقعها الجغرافي وتاريخها العريق وتنوع نسيجها الحضاري. وكما سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد ذلك، فإن » التاريخ يشهد للمغرب أنه بشخصيته المنفتحة، كان له إسهامه المشهود في تمكين هذا النسيج الحضاري الخصب والخلاق من الانتقال بواسطة قنوات شتى صوب ثلاث اتجاهات كبرى (...) الأول نحو أوربا عبر شبه الجريرة الإيبيرية (...) والآخر نحو العمق الإفريقي والثالث في اتجاه أمريكا اللاتينية... «
ومن صُدف التاريخ، أيضا، أن إطلاق الفرع المغربي يصادق احتفال المملكة المغربية بالذكرى 43 للمسيرة الخضراء التي كانت مسيرة سلام من أجل الوحدة الترابية للبلاد ورسالة ذات معاني كبرى إلى العالم.
السيد الرئيس،
الزميلات والزملاء
تقع البرلمانات في قلب الدفاع عن السلم ومستلزماته، ليس فقط بحكم سلطاتها التشريعية والرقابية والتمثيلية، ولكن بفضل دينامية وحيوية واستقلالية الدبلوماسية البرلمانية التي تنجزها والشبكات التي تتوفر عليها.
وعندما ندافع عن السلم، فإننا ندافع عن مستقبل البشرية، ومستقبل العالم. وبفضل نبل هذا الهدف، فإن مبادرتكم لا شك ستكون نبيلة.
أجدد الترحيب بكم وأشركم على حسن الإصغاء