تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول الهجرة

06/12/2018

الرباط، مقر مجلس النواب 6 دجنبر 2018

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه الأكرمين

 

 

السيدة رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي

السيد رئيس مجلس المستشارين

السيدات والسادة رؤساء البرلمانات الوطنية

السادة أعضاء الحكومة

أصحاب السعادة السفراء

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة

يسعدني أن أفتتح أشغال الملتقى البرلماني الدولي الذي نعقدُه قُبَيْلَ المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة، منظمة ومنتظمة الذي تحتضِنُه مدينة مراكش يومي 10 و11 دجنبر 2018، شاكراً للاتحاد البرلماني الدولي ولرئيسَتِه الزميلة Gabriela Cuevas Barron،  ولأعضاء اللجنة التنفيذية اختيارَ المغرب لاحتضان هذا اللقاء البرلماني.

ويَسُرُّني في البداية أن أرحب بكم، وأشكركم على تلبية دعوَتِنَا من أجل مناقشةِ إشكاليةِ الهجرة التي باتَتْ انشغالاً مَرْكَزِياً في السياق الدولي الراهن وتَرْهَنُ العلاقات الدولية، للبرلماناتِ دورٌ حاسمٌ في تدبيرِها ومتابعةِ ما تَطرَحُه من إشكالياتٍ ومُعْضِلاَتٍ، وفي معالجة أسبابها الحقيقية والبِنْيَوِية.

وأود بالخصوص أن أنوه بجهود السيدة رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي من أجل حقوق المهاجرين، وأُثْنِي على نضالِها من أجل قضيةِ الهجرة ومن أجل احترام حقوق الإنسان عامةً وحقوقِ ضحايا النزاعاتِ المسلحة واللاجئين بالتحديد، وهي جهودٌ دوليةٌ وكفاحٌ لامْرأةٍ ساهمتْ منذ صِغَرِ سِنِّهَا في تحقيق الانتقال السياسي والديمقراطية التي تنعم بها بلادها المكسيك.     

 

إننا، الزميلات والزملاء، السيدات والسادة، في ما يرجع إلى قضية الهجرة، أمام اختيارٍ حضاري في القرن الواحد والعشرين، أي أمام سؤال، بأبعادَ إنسانيةٍ وثقافيةٍ وأخلاقيةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ، بل ووجوديةٍ، سؤال يُمْكِنُ تلخيصُه في : أيُّ حضارةٍ تُرِيدُ المجموعةُ الدولية بناءَها؟ وأيُّ حضارةٍ تريد الدولةُ القُطْرِيَةُ بِناءَها في العصر ما بعد الصناعي والتكنولوجي، وفي عصرِ ما بعد العولمة؟ وأيُّ علاقاتٍ دوليةٍ نريد؟ وأي أفُقٍ نَسْلُك: أُفُقُ الانفتاحِ والتفاعلِ وحرية ِالتنقل، أو أفُقُ الانطواء والانغلاق والقَوْمِيات الضيقة؟

وإذا كانت الخطابات والسياسات المناهضة للهجرة تجتهدُ لإعادةِ تَشْكِيلِ ثقافةِ التعايشِ والتحررِ والانفتاحِ التي شكلت أساسَ الديمقراطيات المعاصرة بِحُمُولاتها القَيْمِيَةِ والحقوقية، فإن المجموعةَ الدوليةَ، والضميرَ العالمي مُمْتَحَنَان في مدى الالتزامِ بمبادئِ ومعاييرِ حقوق الإنسان والقدرةِ على الادماج وقبولِ الآخر والتضامن في زمن الأزمات، بل إن إنسانيتَنا هي الـمُمْتَحَنةُ اليوم في قضية الهجرة.

ولِحُسْنِ الحظ، فإن الاتجاهَ العام وميزانَ القوى في هذه المسألة بالذات؛ يميلُ نَحْوَ التحرر والانفتاح ويعكسُ وَعْياً جماعياً بفوائدِ الهجرة. والدليلُ على ذلك هو هذا العزمُ والتصميمُ الذي تُبْديه المجموعة الدولية من أجل المصادقة على الميثاق العالمي من أجل هجرةٍ آمنة ومنظمة ونظامية، والدليلُ أيضا هو مُلْتَقَانَا هذا الذي يجسدُ إرادةً شعبيةً في ترسيخ حريةِ تنقلِ الأشخاص عبر العالم.

 

السيدات والسادة الرؤساء

السيدات والسادة

قد نختلفُ في مقارباتنا لظاهرة الهجرة، وتدبيرِها، ولكننا نَكَادُ نَتَّفِقُ على أن عَوْلَـمَةَ ظَاهرةِ الهجرة وَحِدَّةَ التَّحَديات والـمُعضلات التي تطرحُها تجعلُها اليومَ في صَمِيمِ السياسات العمومية، ومقاربتُنا، وتدبيرُنا لَهَا، يُحَدِّدانِ إلى حَدٍّ كبير نظرةَ كُلٍّ مِنَّا لِـمُستقبلِ العالم، و نظرتَنَا للآخر.

لقد ارتبطت الهجرةُ دائماً بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي بذلكَ ظاهرةٌ تاريخيةٌ، ترتبطُ اليوم بالسياقات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، تُؤثِّرُ فيها وتَتَأَثَّرُ بها، كما ترتبطُ، في جزءٍ كبير منها، بالظروف الاقتصادية وبالاختلالات المناخية الحَادَّة. لا يتعلقُ الأمرُ، إذن، بحركاتٍ آنيةٍ أو ظرفيةٍ عابرةٍ، ولكن بظاهرةٍ بِنْيَوية تُشَكِّلُ جزءً من النظام العالمي المعاصر، ظاهرةٌ مرشحة للاستمرار، بل وللتوسع والاستفحال، باستفحالِ أسبابِها وجذورِها.

وإذا كانتْ العواملُ والتحولات الديموغرافية تساهم، اليومَ، في تطورِ حركاتِ الهجرة وتؤثرُ في التوازنات الجيوسياسية، فإن العالمَ مرشحٌ لأن يعيش، في غُضُونِ الثلاثينَ عاماً المقبلة طفرةً ديموغرافية بكل معاني الكلمة (حتى لا نقول صدمة)، بكل ما لهذه الطفرة من انعكاساتٍ في مساراتِ الهجرة وحجمِها ونتائجِها. طفرةٌ من سِماتِها صُعُودُ افريقيا كقوة ديموغرافيةٍ هائلة، إلى جانب آسيا، مقابل تراجع ديموغرافي في بلدان الشمال. ومعنى ذلك أن الحاجيات ستكونُ أكبر، غير أنها ليست مستحيلةَ التحقق.  فإفريقيا حسب كل المؤشرات، بإمكانياتِها ومواردِها الهائلة، هي قارةُ المستقبل، وقارةُ الصعود Un continent émergent ،  ولكنها بالتأكيد في حاجةٍ إلى الإنصاف من جانبِ المجتمع الدولي، والى العدالةِ المناخية، والى الاستثماراتِ الاستراتيجية والى شراكاتٍ مفيدةٍ لكل الأطراف. فَمَا من قارة نهضت وحيدةً دون خُطَطِ تنميةٍ دولية.     

لقد كانت الهجراتُ عبر التاريخ، رَوَافِدَ لبناء الحضارات والتطور والتقدم والتَّلاَقح الحضاري ولِلْمُثَاقَفَةِ الـمُثْرِيَة، كما أنها حركاتُ إخصابٍ وأداةُ تَجْسيرٍ للعلاقات بين المجموعات البشرية. وبالتأكيد، فإنها تشكلُ اليومَ، وستُشَكِّلُ في المستقبل، فُرَصاً ثمينةً للازدهار المشترك عندما تكونُ منظمةً وخاضعةً للضوابط الضرورية. فالمهاجرون ليسُوا عِبْءً على مجتمعاتِ الاستقبال، كما تُرَوِّجُ لذلك الخطاباتُ الانطوائية، ولكنهم، سَوَاعِدُ، وكفاءاتٌ علميةٌ، تقنيةٌ، فنيةٌ ورياضية. إنَّـهُم يساهمون في بناء بلدان الاستقبال، وفي الدينَامياتِ التي تشهدُها، كما أنهم رافدٌ مهمٌ في تنمية البلدان الأصلية. ويُعَلِّمُنا التاريخ أن حضاراتٍ عظيمةً وقوى كُبْرى، بل وْدُوَلاً، هي ثمراتُ الهجراتِ وتلاقُحٍ بشري.

 

السيدات والسادة

يشكل اعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية حدثاً دولياً فاصلاً ويُدَشِّنُ لمرحلة مهمة في العلاقات الدولية، يكاد لا يُضَاهِيهِ سِوى اعتماد ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 (الذي نحتفل بعد ثلاثة ايام بمرور 70 عاما على صدوره)، والعهود الدولية اللاحقة لهما. وإن من إيجابيات الميثاق العالمي حول الهجرة كونُه يستندُ في ديبَاجَتِه على مجموع المواثيق الدولية ومَقَاصِدِها، ويُذَكِّرُ بها ويُدمجُها في مقتضيَاتِه، بقدرِ إدماجِه واستحضارِهِ للأجيالِ الجديدة من انشغالاتِ وقضايا المجموعة الدولية ومن حقوق الإنسان، وخاصةً الحق في البيئة السليمة والتصدي لأسبابِ وانعكاساتِ الاختلالاتِ المناخية. وهو على هذا النَّحْوِ، آليةٌ شاملةٌ، ومتوجهةٌ إلى المستقبل، ويمكنُ اعتبارهُ من الإنجازات الأممية الحاسمة خلال الألفية الثالثة. إنه تتويجٌ لمسار شاقٍ وطويلٍ من التفكير والنقاش والتفاوض والدراسات والاستشارات، برعاية الأمم المتحدة، مما أنتج وثيقةً، وإن كانت غير مُلزِمة، فإنَّ لَهَا سلطةً سياسيةً وثقافيةً وبيداغوجية ورمزية. وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بأهمية المساهمة البرلمانية التي أَطَّرَها وصاغها الاتحاد البرلماني الدولي والتي ضَمَّنَها في عدة وثائق منها على الخصوص الإعلان المتعلق بتعزيز النظام العالمي للمهاجرين واللاجئين المعتمد في مارس 2018،  والقرار المتعلق بتعزيز التعاون البرلماني في مجال الهجرة وإدارتها في ضوء اعتماد الاتفاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية المعتمد في أكتوبر 2018 .

لقد أَسَّسَ الميثاق على التراكم وَتَوَّجَ عدةَ آليات دولية حول الهجرة واللجوء، ونص على إحداث آليات للتتبع ووضع أهدافاً واضحةً. وإن ميثاقاً من هذا القبيل لا يمكنُ إلا أن يكونَ موضوعَ دعمٍ قوي وتأييدٍ واضح وتقديرٍ كبير من جانبنا.       

وبالتأكيد، فإن مصادقة الحكومات على الميثاق تجعلُ البرلماناتِ أمام مسؤوليةٍ وامتحانٍ كبيرين.

فعلى البرلماناتِ الوطنية، كما على المنظماتِ البرلمانية المتعددة الأطراف، تقعُ مسؤوليةٌ كبرى في التَّرافُعِ من أجل التصدي لأسباب الهجرة، وفي مقدمتها تحقيقُ التنمية في البلدان الأصلية ومواجَهَةُ انعكاساتِ الاختلالات المناخية وترسيخُ البناء الديموقراطي المؤسساتي وتيسيرُ التماسك الاجتماعي وتخفيفُ الفوارق الترابية والاجتماعية.

وتقع على البرلمانات أيضا مسؤوليةٌ كبرى، اليوم، وفي المستقبل، في كَفَالَةِ إعمال مقتضياتِ الميثاق العالمي من أجل هجرةٍ آمنة ومنظمة ونِظامية الذي ستصادقُ عليه الحكومات في مراكش، وخاصة من أجل بلوغِ أهداف الميثاق الثَّلاَثَةِ والعشرين (23)، والتي تشكل جوهر الميثاق، ويَتَقَاطَعُ فيها ما يتعلقُ بأسبابِ ودوافعِ الهجرة وحقوق المهاجرينَ والسياساتُ الكفيلةُ بجعلِ الهجرةِ منتجةً ومفيدةً.

وما من شك في أن النهوضَ بهذه المهمة من جانب المؤسسات التشريعية يمتدُ من التشريع إلى مراقبة العمل الحكومي وتقييم ومراقبة السياسات العمومية وتَبَيُّنِ آثار السياسات الوطنية في مجال الهجرة، ليس فقط على أوضاع المهاجرين، ولكن على التَمَثُّلاَتِ التي تُقِيمُها بعض الحكومات، وبعض المنظمات والمجموعات عن الهجرة. وكرافعة لكل هذا، نحن مطالبون كممثلين، للشعوب، بالقيام بدورٍ بيداغوجي في ترسيخ ثقافة جديدة في ما يخص الهجرة والمهاجرين، والتصدي للخطابات والنَّزَعَاتِ الانطوائية والعنصرية التي تستغلُ الهجرة لتحقيق مكاسبَ سياسية وانتخابية، وتستعملها كفزَّاعة حضارية وهُوِيَّاتِيَّة لتكريسِ وإشاعةِ خطاباتِ كراهيةِ الأجانب والتعبئة من أجل استصدار التشريعات التي تَحُدُّ من تنقلاتِ البشر خاصةً في سياقٍ مطبوعٍ بمخاطرِ الإرهاب والتطرف اللَّذَيْنِ يتم الخلط بينهما وبين الهجرةِ و المهاجرين عن جهلٍ بالثقافات الأخرى، أو عمداً لتحريض الرأي العام ضد الظاهرة.

وما من شك، أيضا، في أنَّ الرهانَ على وقف التدفقات الهجروية من خلال تشديد القوانين وإغلاق الحدود، أو حتى بناء الجدران، رهانٌ يصطدم بقوة الواقع، لأن الأمر يتعلق بدينامياتٍ اجتماعية ملازمةٍ للاجتماع البشري، لها أسبابُها وجذورُها التي علينا كحكومات وبرلمانات وهيئاتٍ سياسية ومدنية، ومؤسسات اقتصادية، عمومية وخاصة، ومنظمات متعددة الأطراف، التصدي لها. فالمهاجرون الذينَ يَقْطَعُون المسافات ويَعْبُرُون البِحَار في مغامرةٍ بالحياة، يُقُومُونَ بذلك بدافِعِ الحاجةِ إِمَّا إلى الشغل الضَّامن للكرامة، أو إلى الأمن الذي لا يتوفر في بلدهم الأصلي جَرَّاءَ الحروب أو النزاعات المزمنة أو افْتِقَادِ سُلطةِ الدولة، أو إلى الأمنِ الغذائي بعد أن تسببت الكوارثُ المناخية الناجمة، في جزء كبير منها عن الاختلالات المناخية، في فقدانهم لمصدرِ الرزق.

إننا مُطَالَبُونَ، في المقام الأول، بتيْسِيرِ التنمية في البلدان مَصْدَرَ الهجرة من خلال تحويلِ الاستثمارات ورؤوس الأموال من حيثُ تتوفرُ بكثرة، ونقلِ التكنولوجيا، ودعمِ التربية والتكوين، قصدَ توفيرِ الشغل خاصة للشبابِ الـمُتَطَلِّع إلى الشغل والكرامة، وهو الذي يَرْصُد ويُتَابِعُ بفضل تكنولوجيا المعلومات، الغِنَى والرخاء الذي تنعمُ به مجتمعاتٌ أخرى.

إننا مُطَالَبُونَ، أيضا، بتسوية النزاعات بالطرق السلمية والوقاية منها من خلال دبلوماسية متعددة الأطراف والمداخل، أساسُها عالمٌ متعددُ الأقطاب ونظامٌ دوليٌ عادلٌ، يجسدُ التنوعَ و تَعَدُّدَ المصالح، دبلوماسيةٌ ينبغي أن تُرَافِعَ وتَنْهَضَ بحلول جديدةٍ مستدامةٍ وجذريةٍ لمعضلاتِ عالمِ القرن الواحد والعشرين، لا تكتفي برد الفعل وبالحلول الظرفية والآنية، بل تتوجه الى جُذورِ المشكلاتِ وتقترحُ الحلولَ الهيكليةَ المستدامةَ وتَحْرِصُ على إِعْمالِها.

إننا مُطَالَبُونَ بالعمل على جعلِ الجميع يحترمُ البيئة والوفاء بالالتزامات التي تَعَهَّدَت بها المجموعة الدولية في ما يخص خَفْضَ نِسَبِ الانبعاثات المسببة لارتفاع درجةِ حرارةِ الأرض، وخاصة الوفاء بالالتزامات التي تم التَّعَهُّدُ بها في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة – الإطار بشأن التغيرات المناخية خاصة مؤتمر باريس (COP 21) ومؤتمر مراكش (COP 22)، ومؤتمر بُون (COP23) في ما يرجع إلى دعم الصندوق الأخضر، وتحقيق الانتقالات الطاقية والتحفيز على الاستثمار في الاقتصاد الأخضر. وما من شك في أن مصداقيَّتَنَا جميعاً ستكون مُسَاءَلةً إذا لم يتم الوفاء بما تم التعهد به.

وتؤكد الأحداثُ في عدد من مناطق العالم الارتباطَ العضوي والعلاقةَ السَّبَبِية بين الاختلالات المناخية والتحديات الأمنية التي تتحولُ من تحدياتٍ محليةَ الى مخاطرَ إقليمية ودولية كَمَا حَذَّر من ذلك اجتماعٌ لمجلس الأمن الدولي في 11 يوليوز 2018 خُصِّصَ لموضوع صَوْنِ السلم والأمن الدَّوْليين في علاقة بالاختلالات المناخية.

وإذا نحن تَمَكَّنَا معاً من تحقيق هذه المهام، فسنَكونُ قد تَصَدَّيْنا لجزء كبيرٍ وعَوِيصٍ من جذورِ المشكلة، وخَفَّفْنَا من حجم مآسي الهجرة، وَوَفَّرْنَا لفئات عريضةٍ من الناس أسبابَ الاستقرار عِلْماً بأن كثيراً من المهاجرين لا يُطالبونَ ولا يرغبونَ سوى في تَأمِينِ أسبابِ البقاء.

 

السيدات والسادة الرؤساء

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة

إن المغرب، الذي يُرَحِّبُ اليوم بممثلينَ للمجموعة الدولية، من حكومات وبرلمانات ومنظمات دولية للتداول في قضايا الهجرة، كما هو الشأن هنا اليوم في الرباط وغدا في مراكش، هذا المغرب المتشبثُ بتقاليده في حسن الاستقبال، سيظل يرافعُ ويدافعُ عن مقاربة جديدة في مجال الهجرة، تجمع، كما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس بين الواقع والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف.

وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بالسياسة الجديدة التي اعتمدها المغرب في مجال الهجرة منذ 2013، سياسةٌ واقعيةٌ وإنسانية، مكنت إلى اليوم من تسويةِ أوضاعِ أكثر من 50 ألف مهاجر ومهاجرة، أغلبهم من بلدان افريقية شقيقة، وتمكينهم من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية كاملة، هذا بالطبع إلى جانب احتضانه آلاف الأشقاء الأفارقة الذي دخلوا البلاد بطريقة قانونية وهم إما طلبةٌ أو أطرٌ في القطاع الخاص أو عمال إلى جانب أشقائهم المغاربة. إنها سياسة إرادية دامجة وثابتة، وتعتمد التضامنَ أولا وأخيراً.

 

الزميلات والزملاء

السيدات والسادة

إننا في ما يرجع إلى قضية الهجرة، إزاء تحدياتٍ حقيقية، ليس من المستحيلِ رَفْعُها إذا توفرت الإرادة السياسية، وإذا نحن غَلَّبْنَا منطقَ الانفتاح على منطقِ الانطواء، ومنطقَ الاستيعاب والقَبول على منطقِ الرفض، ومنطق العيش المشترك عوض القوميات الضيقة.

واسمحوا لي أن أعيدَ معكم التساؤلَ عَمَّا إذا لم يكنْ الانغلاقُ الذي تزدهرُ خطاباتُه لدى البعض، يناقضُ واقعَ العولمة وتحرير التجارة العالمية والأسواق. فحريةُ تنقل البضائع والخدمات، لا تستقيم، وهي عُرضَةٌ للتقويض مَالَمْ تُوازِيهَا حريةُ تنقل الأشخاص. إنني أتساءل معكم، أيضا، عَمَّا الذي سنُوَرِّثُه للأجيال المقبلة : عالمٌ متسامحٌ ومتضامنٌ ومتعايشٌ في تنوعه واختلافاته، أَمْ عالمٌ من التَّوتُّراتِ وتعميق الفوارق. إن الضمير العالمي هو المُمْتَحَنُ في كل هذا. فَلِنَتَوَجَّه إلى جذور المشكلات والـمُعْضلات وإعمالِ الحلول الجذرية الحقيقية عوضَ التعاطي الظرفي مع إشكالات إنسانية تاريخية، مسؤوليتُنَا مشتركةٌ إزاءَها. وما من شك في أن حضوركم اليوم الكمي والنوعي، الذي تُثْنِي عليه معاً، يُجَسِّد تعبئَتنا الجماعية من أجل هذا الهدف ومن أجل قضية الهجرة في شموليتها.

أجدد الترحيب بكم وأشكركم على حسن الإصغاء.