تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة الأستاذ الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال الدورة الخامسة للجنة البرلمانية المشتركة بين مجلس النواب و الجمعية الوطنية لكبيك.

09/01/2018

السيد الرئيس والزميل المحترم Jaques Chagnon رئيس الجمعية الوطنية لكبيك،

الزميلات والزملاء أعضاء اللجنة المختلطة،

السيدات والسادة،

سعيد أن أفتتح معكم أشغال الدورة الخامسة للجنة البرلمانية المختلطة بين مجلس النواب المغربي والجمعية الوطنية لكبيك.

واسمحوا لي في البداية الترحيب بالسيد الرئيس Jaques Chagnon وأعضاء اللجنة من الجمعية الوطنية لكبيك ومن يرافقهم من سامي الأطر، وأثني على هذا الإطار الثنائي وأثمن مقتضيات الاتفاقية التي تجمع مُؤَسَّسَتَيْنَا التشريعيتين.

السيد الرئيس،

الزميلات والزملاء،

يجسد انتظام دورات هذه اللجنة المختلطة الإرادة القوية للسلطات السياسية في مُؤَسَّسَتَيْنَا التشريعِيَتَيْـن من أجل تكريسها كإطار للتشاور والحوار الـمُمَأْسَس، ومختبر لإنضاج الأفكار والاقتراحات الكفيلة بتعزيز التعاون بين كبيك والمملكة المغربية، وكندا والمملكة المغربية بشكل عام، ومواكبة عمل المؤسسات الأخرى الهادف إلى الرقي بالتعاون الثنائي إلى مستوى الإمكانيات التي يتيحها والتحديات التي تواجهنا معا في عالم كثير التقلبات.

ويجسد تشبثنا بترسيخ هذا الحوار  المؤسساتي والتبادل المنتظم وتنويع مواضيعه، تلكم الإرادة السياسية الراسخة التي تَحْذُونا في التوجه بعلاقاتنا الثنائية إلى مستقبل واعد. كما يعكس ما نتقاسمه من آمال ومن قيم إنسانية نبيلة متمثلة، في جزء منها، في الديموقراطية والتعددية الثقافية والسياسية وصيانة حقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة والحرية والإنصاف والتسامح والاعتدال في التعاطي مع العلاقات الدولية والجنوح إلى السلم والتعاون وإعمال الحوار في تسوية القضايا والمنازعات الدولية.

وبالتأكيد، فإن هذه القِيَم المشتركة ما كانت لِتَعْظُمَ وَتَتَرَسَّخَ أكثر لَوْلاَ أنها لم تَجِد الوِعَاء والتُّربَة الخصبة التي تُنْضِجُها وتُجَدِّدُ يُنُوعَتَهَا مُتَمَثِّلةً في الثقافة واللغة الفرنسيتين، بكل حموليتهما الإنسانية والتاريخية والحضارية. فقد عرف إقليم كبيك كيف يحافظ على خصوصيته اللغوية وهويته الثقافية في محيط تسود فيها لغة أخرى لها من الإمكانيات والرافعات ما يمكنها من الانتشار والترسخ كما عرف كيف يكون، كما باقي أقاليم كندا، أرض استقبال وإدماج.

وتجسد هذه القدرة على الصمود والتشبث بالهوية الثقافية والخصوصية، عمق وقوة وتَجَدُّرَ ثقافة إقليم كبيك وقُدرتِه على التعايش ومُسَايَرة التحولات الجَارِفة التي يشهدها العالم كما يجسد قدرة كندا على تدبير التنوع والاستفادة منه.

هذا الترسخ الحضاري، والقدرة على تدبير الاختلاف، هو ما يُمَيِّزُ أيضاً المغربَ الذي يستقبلكم اليوم، حيث التنوع الثقافي واللغوي يُغَذِّي ويُثْرِي الهوية والوحدة الوطنية التي تشكلت برصيد من الروافد الحضارية : الأمازيغية والعربية الإسلامية والحسانية واليهودية والأندلسية والإفريقية، والتي أفرزت الوطنية المغربية العريقة التي هي اليوم، كما كانت عبر التاريخ، نموذجا في الاستيعاب وقبول الآخر والانفتاح والتبادل والتعايش والتعدد ورفض الفكر الأحادي.

السيد الرئيس

الزميلات والزملاء

لئن كنتُ أَسْهَبت في الحديث عن هذه الميزات الإيجابية البناءة في نَمُوذَجَيْنا الثقافيين والحضاريين، فلأن ما نعيشه في عالم اليوم من تعصب ورفض للآخر، وانطواء وتطرف، والذي يفرز إيديولوجيات، في الغرب كما في الشرق، يسائل النماذج الثقافية، ونماذج القيم، والتمثلات السائدة، تمثلات تشق طريقها إلى عقول الناس عبر ما تيسره وسائط الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، صَائِغةً على هذا النحو أنماط تفكير عقيدتها النظرة الأحادية لكل شيء ومحتواها لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الفتن.

وضمن الجهد الإنساني المتعقل الرصين، الـمُدْرِك للعواقب المدمرة للفكر الإقصائي، تقع على البرلمانات مسؤوليات كبرى، اليوم أكثر من الأمس، من أجل ترسيخ قيم التعايش والتبادل والتسامح. وفي هذا الإطار يدخل الجهد المشترك للجمعية الوطنية لكيبك ومجلس النواب المغربي بهذا الحوار المؤسساتي المنتظم.

في هذا السياق، وعلى هذه الخلفية، كان اختيار مواضيع الدورة الخامسة للجنة المشتركة، اختيار توخينا منه، باتفاق مشترك، أن نكون قَرِيبِين من انشغالات مواطناتنا ومواطنينا، ومن الأسئلة المقلقة التي تواجه البشرية، وأن نكون في سياق انشغالات العالم والتحديات التي يواجهها.

فسواء تعلق الأمر بالبرلمان الرقمي أو الديموقراطية المواطنة والتشاركية، فإن الأمر يتعلق بالشفافية ومساهمة المواطنين، باعتبارهم ناخبين، أي فاعلين، ومستهدفين من السياسات العمومية، في تدبير الشأن العام، وتقويم هذا التدبير وهذه السياسة التي لهم فيها آراء واقتراحات قد تُغْفِلُها عَيْنُ الـمُدبِّر أو عين السياسي. وإلى ذلك، فإن هؤلاء المواطنين والمواطنات هم من يشكل الرأي العام الذي أصبحوا من صُنَّاعِه بفضل تكنولوجيا المعلومات والاتصال. وينبغي للسياسيين، على رأسهم البرلمانيون، ألا يُغفلوا هذه الآراء. وعلى السلطات التنفيذية أن تُصغي إليها وتستحضرها في تخطيط السياسات وتنفيذها، وعلى المؤسسات التشريعية أن تستوعبها وتُصَرِّفَها في أعمالها الرقابية ومبادراتها التشريعية.

السيد الرئيس

ليس من الفوائد الكبرى لهذه التكنولوجيا تسريع العمل والإنتاج والخدمات والتواصل، فحسب، ولكن من حَسَناتِها الأساسية أيضا، إشاعة الشفافية في المعاملات وتعرية الاختلالات التدبيرية وما يخالف القانون وما يُضر بالجماعة. أما على البرلمانات فأفضالها عديدة، منها تيسير إشراك المواطنات والمواطنين في الرقابة، من خلال العرائض، وفي التشريع من خلال الملتمسات من أجل التشريع وتلقي آرائهم في مشاريع ومقترحات النصوص التشريعية المعروضة على البرلمانات، وهو ما من شأنه تجويدها في كثير من الحالات.

وقد أدرك المغرب أهمية هذه الديمقراطية التشاركية والمواطنة فعمل على دَسْتَرَتِها وتنظيمهَا إذ يلزم الفصل 13 من الدستور "السلطات العمومية بإحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها" فيما ينص الفصل 14 على حق  المواطنات والمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، وينص الفصل 15 على حق المواطنات والمواطنين في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.

وتفعيلا لهذا الاصلاح الدستوري الهام، حرصنا في مجلس النواب على تضمين النظام الداخلي للمجلس بابين كاملين بشأن العرائض والملتمسات من أجل التشريع، التي يتقدم بها المواطنون إلى المؤسسة التشريعية. وجاء ذلك في سياق تعديلات جوهرية وعميقة أدخلناها، على أساس التوافق بين جميع مكونات المجلس، على النظام الداخلي على النحو الذي جعل مقتضياته بشأن الديموقراطية المواطنة والتشاركية تتلاءم مع الدستور وأيضا مع القانونين التنظيميين بشأن الملتمسات من أجل التشريع والعرائض المقدمة إلى السلطات العمومية والتمثيلية.

 السيد الرئيس

الزميلات والزملاء

 

تجسيداً لاهتمام مؤسستينا التشريعيين بالقضايا الدولية الراهنة ولحجم التحديات التي تواجهها البشرية جراء الاختلالات المناخية، وقع اختيارنا على موضوع التغيرات المناخية والطاقات المتأتية من مصادر متجددة كمحور ثان لأشغال هذه الدورة، ليس فقط بحكم أن البرلمانات مطالبة بالقيام بأدوارها التشريعية والرقابية من أجل حماية البيئة ومستقبل الأرض، ولكن أيضا لكونها تقع في قلب المؤسسات التي عليها أن تضطلع بأدوار بيداغوجية، ووظائف سياسية، على المستويات الوطنية والقارية والدولية من أجل التصدي للاختلالات المناخية ونتائجها الكارثية على الإنسان والطبيعية.

وبالموازاة مع الديناميات والمبادرات التشريعية للبرلمانات من أجل البيئة والتنمية المستدامة، برزت على الأصعدة القارية والعالمية، من نوع جديد، دبلوماسية برلمانية مناخية حرة مدافعة عن البيئة، مؤثرة في القرارات الحكومية وداعية إلى التنفيذ الأمثل للالتزامات والتعاقدات الدولية من أجل الـمناخ. ويستحق الموقف الكندي، في هذا الإطار، كل التقدير. فقد أظهرت الحكومة الكندية من خلال التزامها السياسي والمادي في قمم المناخ، وأبانت المؤسسات التمثيلية الوطنية والاقليمية الكندية من خلال مواقفها السياسية ومبادراتها التشريعية، كما الشعب الكندي، من خلال تعبئته ضد تلويث الكوكب الأرضي، عن مواقف غاية في النبل ساهمت في التوصل إلى اتفاق باريس في 2015 وأجندة مراكش في 2016.

ومن جهته يوجد المغرب، في قائمة البلدان التي تتصدر الدفاع عن البيئة وتتصدى للاختلالات المناخية. وقد كان مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار من أجل المناخ (COP22) المنعقد بمراكش في 2016، محطة بارزة في هذا الالتزام المغربي من أجل الأرض الذي نجسده على المستوى الوطني في سياسات وطنية إرادية بشأن تحقيق الانتقال الطاقي وإنتاج الطاقة النظيفة من مصادر متجددة، كما يتمثل ذلك في المشاريع الاستراتيجية للطاقة الشمسية والريحية، وفي الاقتصاد الأخضر وتعبئة المياه والحفاظ عليها واعتماد مبدأ الاستدامة في المشاريع الإنمائية.

وبالموازاة مع ذلك، يجسد المغرب التزاماته البيئية إزاء المجموعة الدولية من خلال مبادرات ملموسة، لا تنحصر في رفع مساهمته في خفض نسبة الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض. فقد جعل المغرب من تحقيق "العدالة المناخية لإفريقيا" هدفا مركزيا في سياسته الدولية ويعمل حتى يكون هذا الشعار بكل ما يختزله من حمولة إنسانية  يتصدر الأجندة الدولية ليس فقط في ما يتعلق بالمناخ والبيئة ولكن في كل المفاوضات متعددة الأطراف ذات الصلة بالتنمية والتمويل والسكان والهجرة والنزوح وغيرها من المنتديات.

وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بمبادرة المغرب الاستراتيجية في مجال التنمية الفلاحية الإفريقية المسماة مبادرة "ملاءمة الفلاحة الافريقية Triple A، التي أطلقتها المملكة بمناسبة قمة المناخ في مراكش، والـمشروع الطموح المتمثل في بيوت المزارعين بإفريقيا.

ومواكبة لهذا الجهد، وفي إطاره، احتضن مجلس النواب في 27 أكتوبر 2017 لقاء برلمانيا إفريقيا عال المستوى أسفر عن اعتماد إعلان الرباط تحت عنوان "المناخ والتنمية المستدامة، من الاتفاقيات إلى التفعيل: رؤية البرلمانيين الأفارقة"، وهو وثيقة برلمانية افريقية في غاية الأهمية، أحيلت على المنظمات البرلمانية الدولية ورئاسة الدورة 23 لمؤتمر المناخ، المنعقد ببون، حيث حظيت هذه لوثيقة باهتمام كبير من طرف المؤسسات والأشخاص.

السيد الرئيس

في إطار الجهود المشتركة الكندية المغربية من أجل التنمية المستدامة، كان بَلَدَانَا من ضمن 18 بلداً و60 منظمة دولية أطلقت في مؤتمر باريس حول المناخ COP 21 مبادرة "الائتلاف العالمي من أجل البناء والتنمية" الذي يهدف إلى الحد من انبعاث الغازات الدفيئة.

ويعكس هذا الانتماء إلى الأفق الإنساني والدفاع عن الاستدامة البيئية، الثقة القائمة بين بلدينا يعززها تواجد جالية مغربية هامة ونوعية بكندا، وكبيك خاصة، ومبادلات ثقافية واقتصادية واستثمارات كندية استراتيجية بالمملكة.

هذا الجهد، وهذه الثقة، السيد الرئيس الزميلات والزملاء، هو ما نسعى اليوم إلى مواكبته وتعزيزه وترسيخه من موقعنا كمؤسسات تمثيلية.

مرة أخرىأجدد الترحيب بكم وأتمنى لأشغالنا كامل النجاح.

 

 

وشكرا على حسن إصغائكم.