بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد رئيس مجلس المستشارين
السيد رئيس الدورة 22 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن التغيرات المناخية(Cop 22)
السادة رؤساء المؤسسات البرلمانية القارية ورئيسات البرلمانات الجهوية والوطنية،
السيدات والسادة رؤساء الوفود
السيدات والسادة السفراء
السيدات والسادة،
سعيد بأن ألتقي من جديد مع زملاء أشقاء في منتدى أردناه جميعا أن يكون محطة أخرى للتشاور ولتعبئة جهودنا المشتركة للترافع من أجل المصالح الحيوية للقارة الإفريقية. وتزداد سعادتنا، وتتقوى حماستنا، لأننا نجتمع من أجل مصير قارتنا ومن أجل قضايا حيوية ملموسة في غاية الأهمية حيث يتعلق الأمر بتمكين بلداننا من مواجهة الاختلالات المناخية الناجمة عن حضارة العهد.
ويسعدني، بداية، أن أرحب بالزملاء والزميلات الذين لبوا دعوة البرلمان المغربي : على المستوى القاري والجهوي والوطني.
أرحب بكم في الرباط عاصمة المملكة المغربية المصنفة تراثا عالميا، علما بأن البيئة ومكوناتها والمناخ هم في الأصل تراث وإرث إنساني.
لقد دعونا في البرلمان المغربي إلى هذا اللقاء التشاوري عشية الدورة 23 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة - الإطار حول التغيرات المناخية (cop 23) التي ترأسها فيجي وتحتضنها بون بألمانيا، إدراكاً منا لحجم التحديات التي تواجهها قارتنا جراء الاختلالات المناخية، ووعيا منَّا بضرورة الترافع البرلماني من أجل مصالح شعوبنا، وإسهاما منا أيضا في الحركة العالمية العازمة على تفعيل استراتيجية تهدف إلى إنقاذ الإنسانية جمعاء.
ويجسد تنظيمنا لهذا اللقاء التشاوري الذي ينبغي أن يُتَوَّجَ بوثيقة تعكس الموقف الإفريقي الـمُطالب بضرورة إقرار عدالة مناخية بالملموس، التزام المغرب الثابت من أجل حقوق القارة وتقدمها. وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بقمة العمل الإفريقية الأولى التي دعا إليها وترأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله يوم 16 نونبر 2016 على هامش الدورة 22 لقمة المناخ في مراكش، والتي توجت ببيان ختامي هو بمثابة رؤية استراتيجية لما ينبغي القيام به لفائدة إفريقيا في مواجهة انعكاسات الاختلالات المناخية.
وقد كانت هذه القمة حلقة في سلسلة المبادرات المغربية الملموسة في القارة المجسدة في مشاريع الشراكة والتعاون المؤطرة بما يزيد عن 1500 اتفاقية وبروتوكول، أكثر من ألف منها وقعت منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش.
وتجسد هذه الترسانة من الاتفاقيات والتعاقدات الحرص المغربي الثابت على تفضيل التعاون جنوب-جنوب، و التعاون المنظم والمتفاوض بشأنه والإرادي مع إقران الكلام بالفعل.
الزميلات والزملاء،
السيدات والسادة
نجتمع اليوم من أجل هدف مركزي مشترك، هو الترافع من أجل إفريقيا، من أجل مصالح الشعوب الإفريقية، ومن أجل مستقبل إفريقيا. نجتمع من أجل العدالة المناخية لإفريقيا، الذي ينبغي أن نحمله كمبدإٍ قارٍ في اتصالاتنا ومفاوضاتنا ومبادراتنا على الصعيد الدولي. نجتمع ونحن ندرك مسؤولياتنا كبرلمانيين في ما يرجع إلى التصدي للاختلالات المناخية من خلال اختصاصاتنا التشريعية والرقابية وفي مجال تقييم السياسات العمومية.
وبعد اتفاق باريس التاريخي الذي توج الدورة 21 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة -الإطار للتغيرات المناخية، وبعد اعتماد خطة العمل الدولية في الدورة 22 بمراكش، لاتزال بلدان قارتنا تتطلع إلى عدالة مناخية حقيقية وإلى الوفاء بالالتزامات المالية لفائدة إفريقيا حتى تتمكن من مواجهة الاختلالات المناخية. إن الأمر يتعلق بحق أساسي دشن لجيل جديد من حقوق الإنسان والشعوب.
الزملاء والزميلات،
إذا كانت قارتنا قد تمكنت من تحقيق التقدم في عدد من المجالات وتجاوز عدد من الصعوبات التي واجهتها خلال عقود من قبيل النزاعات الداخلية والعابرة للحدود في عدد من البلدان، فإن راهنها ومستقبلها لا يزالان مرهونين بثقل معضلات الحاضر.
فقارتنا الافريقية التي لا تتجاوز مساهمتها في 4% من مجموع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ( 40 في المائة منها مصدرة دولة واحدة)، فهي الأكثر تضررا من هذه الاختلالات المناخية الذي تسبب فيها الآخرون الذين استفادوا من التصنيع وما ينجم عنه من تلويث وإضرار بالبيئة وإجهاد للتربة واستغلال مفرط للثروات البحرية.
أما مظاهر هذه الانعكاسات على إفريقيا، فإنها لا تحتاج إلى كبير عناء للإثبات : تراجع الغطاء الغابوي، و توسع رقعة التصحر ونضوب عدد من منابع المياه من بحيرات وأنهار أو تقلص مخزوناتها وإجهاد التربة، وجفاف هيكلي، وأحيانا فيضانات مهولة.
وإلى جانب كون هذه الظواهر الطبيعية تدفع فئات واسعة من السكان إلى الفقر وتحرمها من مصادر الدخل، خصوصا في الوسط القروي، فإنها تتسبب في موجات نزوح جماعي وهجرة إلى المدن وأخرى عابرة للحدود وللقارات، مع تداعيات ذلك على التعمير وعلى الاستقرار الاجتماعي والأمن.
وتعتبر النساء والأطفال وسكان المجالات القروية الفئات الأكثر هشاشة وتعرضا للتداعيات السيئة للاختلالات المناخية، فيما يتعرض المزارعون لخسائر فادحة جراء ضياع المحاصيل ما يدفع عدداً كبيراً منهم إلى البطالة و الهجرة و الفقر.
و تهدد انعكاسات الاختلالات المناخية على الفلاحة، الأمن الغذائي في القارة ،و هو الهش أصلا، كما أن من شأنها كبح الديناميات التي قد تشهدها قطاعات أخرى.
و إذا كان التعويل على الفلاحة رهانا مركزيا في دفاعنا عن مصالح قارتنا، فإن مرد ذلك إلى الدور الحاسم و المركزي للقطاع في الأمن الغذائي و التشغيل و استقرار الساكنة.
و بالطبع، فإن هذا الرهان لا ينبغي أن ينسينا الدور الحاسم الذي يمكن أن يقوم به إنتاج الطاقة من المصادر النظيفة، الشمسية خاصة. وأمام العجز الكبير في تزويد الساكنة في عدد من بلدان القارة بهذه المادة الحيوية، ينبغي أن نربط هدف تعميمها بإنتاجها من مصادر متجددة.
وضمن ما تحتاجه إفريقيا من تجهيزات أساسية، تحتاج الى بنيات تعبئة المياه والحفاظ عليها و تعميم الماء الشروب على السكان فيما تشكل المحيطات التي تحيط بالقارة مصدرا استراتيجيا للغذاء و للتشغيل و لضخ ديناميات جديدة في أنشطة خدماتية وتجارية.
ويبقى التمويل الحلقة المفقودة في مجموع الاستراتيجيات التي يمكن تنفيذها في هذه القطاعات، فإن ذلك رهين بتوفر الإرادة السياسية لدى القوى الكبرى و المانحين الدوليين الذين عليهم أن يدركوا أن الأمر يتعلق بالاستثمار في المستقبل المشترك و باقتصاد جديد يساعد على إنقاذ الإنسانية.
و قد أسفرت المفاوضات بشأن التغيرات المناخية و خطط العمل بشأن الحد منها عن تحديد عدد من آليات التمويل، أهمها " الصندوق الأخضر من أجل المناخ" الذي تم التعهد بضخ 100 مليار دولار فيه لتمويل الدول النامية ضحية الاختلالات المناخية.
و مع كامل الأسف، فإن تموين هذا الصندوق يبقى دون الطموحات، إن لم نقل لم ينطلق بعد.
و مرة أخرى سيكون التضامن الدولي و الالتزام وقيمة التعاقد السياسي و الأخلاقي ممتحنا أمام معاناة ملايين الأفارقة فيما يتكرر من جديد سؤال المسؤولية الأخلاقية إزاء مستقبل الأرض و الحياة.
الزملاء و الزميلات،
السيدات و السادة
أمام هذه النتائج، لا ينبغي التراجع فما تحقق في باريس في 2015 و مراكش 2016 يفتح باب الأمل، ويحفزنا على المضي قدما، و على التصميم، على العمل في الواجهة البرلمانية و في المنظمات الدولية على جعل العدالة المناخية لإفريقيا ، بكل ما تختزله من حمولة إنسانية، يتصدر الأجندة الدولية ليس فقط في ما يتعلق بالمناخ و البيئة و لكن في كل المفاوضات متعددة الأطراف ذات الصلة بالتنمية و التمويل و السكان و الهجرة و النزوح وغيرها من المنتديات.
ومن باب تحصيل الحاصل، التأكيد على تصميم المغرب الثابت والقوي على مواصلة إعمال التضامن الإفريقي الملموس ومواصلة بناء الشراكات المثمرة لكل الأطراف الإفريقية ووضع تجاربه وخبراته رهن إشارة الأشقاء الأفارقة. وكما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس في افتتاح قمة العمل الإفريقية المنعقدة على هامش مؤتمر مراكش للتغيرات المناخية فـ "إن منظورنا للتعاون جنوب-جنوب واضح وثابت : فبلدي يتقاسم ما لديه، دون مباهاة أو تفاخر".
ومن المشاريع التي تعتبر رائدة وتكتسي أبعاد اجتماعية وإنمائية استراتيجية مبادرة تكييف الفلاحة الافريقية التي أطلقها المغرب عشية الدورة 22 لمؤتمر التغيرات المناخية بمراكش، والتي تتوخى الحفاظ على البيئة والتربة وتمويل المشاريع وتحسين المداخيل وزيادة المحاصيل وتطوير أساليب الإنتاج. وكما أكد ذلك جلالة الملك في خطابه أمام القمة الاتحاد الافريقي المنعقدة في نهاية يناير 2017 بأديس ابابا "... لا الغاز ولا البترول بإمكانه تلبية الحاجيات الغذائية الأساسية. أليس الأمن الغذائي أكبر تحد تواجهه القارة الإفريقية ؟ وهذا هو جوهر المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية، التي تعرف بمبادرة "Triple A"، التي أطلقناها بمناسبة قمة المناخ "كوب 22". إنها مبادرة تمثل جوابا جد ملموس وغير مسبوق، لمواجهة التحديات المشتركة المترتبة عن التغيرات المناخية. فمباشرة بعد إطلاقها، حظيت هذه المبادرة، بدعم قرابة ثلاثين بلدا".
وإلى هذه المبادرة تنضاف المشاريع المهيكلة التي تنجزها مؤسسات مغربية استراتيجية من أجل تطوير الفلاحة في عدد من البلدان الإفريقية ومنها مثلا مشروع بيوت المزارعين التي ستعمم على عشرة بلدان افريقية في غضون 2020.
وستكون خبرات المغرب وتجاربه مفيدة للبلدان الإفريقية الشقيقة في مجال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة وخاصة الطاقة الشمسية. ونفس الأمر بالنسبة لتعبئة الموارد المائية والاستغلال الامثل والعقلاني للثروات البحرية التي لاشك ان لعدد من البلدان الشقيقة تجارب متقدمة فيها.
الزملاء و الزميلات،
السيدات و السادة
إذا كانت قارتنا قد حققت انتقالات في عدد من المجالات، فإن الاختلالات المناخية تعمق الهشاشة . وما من شك في أن قارتنا في حاجة إلى تمويلات استراتيجية لرفع التحديات الناجمة عن هذه الاختلالات. انها واحدة من مهامنا التي ينبغي أن نترافع بشأنها ونوحد جهودنا من أجل مستقبل إفريقيا، إفريقيا الجديدة الناهضة، والتي هي في قلب منافسة دولية على مواردها وإمكانياتها وأسواقها وفرص الاستثمار فيها. وليس مطلب العدالة المناخية لإفريقيا، استجداء لمساعدات، بل هو مشروع شراكة من أجل المستقبل، وجبر ضرر جماعي عما تعرضت له القارة جراء تلويث الكوكب الأرضي، لا تتحمل فيه شعوب قارتنا المسؤولية ومع ذلك فإنها تؤدي ثمن سلوكات الآخرين.
إن مسؤولياتنا كممثلين لشعوبنا، حاسمة في بلوغ أهداف قارتنا، التي هي أهداف عادلة ومشروعة.
شكرا لكم