الأربعاء 11 ماي 2011
السادة رؤساء الجمعيات البرلمانية،
السادة المندوبين المحترمين،
ضيوفنا الأجلاء،
أيها الحضور الكرام،
يطيب لي في البداية أن أرحب بكم جميعا على أرض المملكة المغربية آملا أن تشكل هذه الدورة، التاسعة عشرة، للجمعية الجهوية لإفريقيا المنضوية تحت الجمعية البرلمانية للفرنكفونية، خطوة أخرى على طريق تعزيز حوارنا الأفريقي-الأفريقي كأشقاء وكأصدقاء، وبالتالي تأهيل إطارنا هذا لحوار أفريقي فرنكفوني يتمثل ذاكرتنا الإفريقية المشتركة والرصيد الحضاري والثقافي لقارتنا السمراء. كما ينخرط في أفق العصر الحديث بكل ما يمثله من قيم ومبادئ إنسانية رفيعة وما يؤطره من مواثيق ومعاهدات كونية.
وأغتنم هذه المناسبة لأؤكد ابتهاجنا العميق في مجلس النواب، في برلمان المملكة المغربية، بل فرح الشعب المغربي بكونكم شرفتم بلادنا بهذا اللقاء على أرضنا الطيبة الكريمة المضيافة في لحظة نوعية تعزز فيها بلادنا مكاسبها الديمقراطية، وذلك بالانشغال الوطني الراهن بتجديد وإصلاح نظامنا الدستوري الذي أعلن عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطاب تاريخي أثار اهتمام أصدقائنا في العالم ونوهت بمضامينه ورهاناته الجادة دول كبرى نعتز بصداقتها وبلدان افريقية وعربية وإسلامية شقيقة وصديقة نقتسم معها وحدة المصير المشترك.
ولاشك أن هذا اللقاء سيتيح لنا فرصة أخرى لتطوير عملنا وتأهيل الفضاء البرلماني الإفريقي ليلعب دورا أكثر حيوية وأقوى تأثيرا، خصوصا في إرساء المزيد من الممارسات الديمقراطية وقيم الحوار والسلم والأمن والاستقرار وتقوية أسس الدولة المدنية الحديثة، دولة الحق والقانون في القارة الإفريقية، سواء في البلدان الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية أو الناطقة بغيرها من اللغات المحلية والكونية.
وسوف لا يتأتى لنا أن ننهض بدورنا الكامل، الحقيقي، الجدي ما لم نفكر في أفضل الصيغ لتغيير صورة البرلماني الإفريقي وتحسين الآليات التي تتيح له دورا أكبر في التشريع والمراقبة.
سوف لا يتأتى لنا ذلك ما لم ننجح في العمل المتواصل من أجل إشراك البرلمانيين في إدارة الأزمات الإفريقية واقتراح الحلول المنبثقة من أرض الواقع الملموس والمعبرة عن إرادة الشعوب الإفريقية، ذلك لأن البرلماني الإفريقي يظل أكثر خبرة بالواقع وأكثر إطلاعا على خصوصيات المجتمع وتركيبته الإثنية والديموغرافية ونسقه السوسيو ثقافي ومعطياته السياسية والاقتصادية المعيشة.
سوف لا يتأتى لنا ذلك ما لم نقو مساهمة البرلمانات الإفريقية على مستوى التعاون الدولي، وما لم نبذل جهدا في تأنيث برلماناتنا الإفريقية حتى لا نلغي مكونات مجتمعاتنا.
سوف لا يتأتى لنا ذلك أيضا ما لم نتبادل الخبرات بيننا، ووثائق العمل الضرورية، ونحسن أداءنا الإعلامي والتواصلي المشترك. ولنا أن نحلم هنا بقناة تلفزية برلمانية إفريقية ناطقة بالفرنسية أولا، ثم بلغات أخرى لاحقا، وبالعمل على نشر مجلة علمية برلمانية إفريقية تساهم في بناء خطاب موحد حول تجربتنا وأفقنا.
حضرات السيدات والسادة،
سوف يتدارس اجتماعنا عددا من المواضيع على قدر كبير من الأهمية، في مقدمتها الوضعية السياسية والاجتماعية بقارتنا، وإذا كنا نسجل باعتزاز التقدم الحاصل في عدد من البلدان في ميدان الحكامة وتعزيز الديمقراطية والمشاركـة الشعبية، وتجـــــاوز عوامـل الأزمة والتــوتر، كما هو الشـــــأن في النيجــــر وغينيـــــا والكوت ديفوار ومصر وتونس، فإن مجهودا جبارا ينتظرنا للمزيد من نشر قيم الديمقراطية، وثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون جنوب جنوب، بهدف استثمار المؤهلات البشرية والطبيعية المتنوعة التي تتوفر عليها قارتنا في إطار برامج للتنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية.
إن قارتنا رغم المشاكل المطروحة عليها سواء تعلق الأمر بقضايا البيئة أو الخصاص في الخدمات الاجتماعية والتجهيزات الأساسية، وانتشار بعض الأمراض والأوبئة في عدد من المناطق، والتي تتطلب تفعيل وتعميق التعاون الإفريقي لمجابهتها، إن قارتنا رغم ذلك تتوفر اليوم على إمكانيات هائلة للتنمية في العديد من الميادين، الأمر الذي جعل العديد من الباحثين والمتخصصين يعتبرون أن مستقبل العالم مرتبط في جزء كبير منه باستثمار مؤهلات إفريقيا في الفلاحة والصيد البحري والثروات المنجمية والموارد البشرية، ولذلك علينا أن نجعل من هذه اللقاءات والاجتماعات لممثلي شعوب إفريقيا فرصة لبحث أفضل السبل الكفيلة بتطوير آليات التعاون بين بلداننا، والنهوض بقارتنا والتجاوب مع طموحات شعوبنا.
أيتها السيدات،
أيها السادة،
إننا في برلمان المملكة المغربية معتزون بهذا الحدث لأنه يجدد لقاءنا بعمقنا الإفريقي. وأستسمحكم أن أغتنم هذه المناسبة لأنوه بالتوجه الخارجي الإفريقي للمغرب الذي يؤكد باستمرار، وبصورة منتظمة ومتواترة، على تمتين العلاقات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية. ونحن نعتز على الخصوص بمبادرات ملك المغرب، جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في تقوية هذا النهج الذي أسس له جلالته ودعمه ويدعمه شخصيا. ويكفي أن نشير إلى كون جلالته قام بعشرين زيارة لثلاثة عشر بلدا إفريقيا. يكفي أن نشير إلى أن المغرب يتوفر حاليا على خمس وعشرين تمثيلية دبلوماسية يمثل بعضها في نفس الآن عدة بلدان إفريقية متجاورة. كما نسجل بتقدير تزايد الاهتمام الاقتصادي المغربي بإفريقيا، إذ ينبغي التنويه في هذا السياق لا فقط بدور الجهات الحكومية المغربية المكلفة بالشأن الاقتصادي والتجاري الخارجي، وإنما أيضا بدور القطاع الخاص المغربي الذي يقوم بدور هام جدا في هذا المجال.
لقد لاحظنا في السنوات العشر الأخيرة تنمية دور المغرب في مجالات التعاون الثنائي، وبالأخص التعاون متعدد الأطراف مع عدد من البلدان الإفريقية تتكامل فيها إرادات وخبرات مغربية مع دعم أوروبي لتنفيذ مشاريع إستراتيجية في هذا البلد الإفريقي أو ذاك. هذا دون أن ننسى المجهود المغربي في مجال تكوين الأطر الإفريقية، إذ إن عددا وافرا من الطلاب الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء، يتراوح عددهم ما بين 8000 و 9000 طالب وطالبة، يتابعون دراساتهم العليا وتكويناتهم المتخصصة في المعاهد والمدارس العليا ومعاهد التكوين.
ولم تتردد المملكة المغربية مطلقا في تمكين الأشقاء والأصدقاء الأفارقة من الاستفادة من التجارب المغربية، لاسيما منها تلك المتعلقة بالتنمية البشرية حتى إن صاحب الجلالة ملك المغرب بادر إلى تأسيس مؤسسة خاصة أوكل إليها هذا الأمر، وهي المؤسسة العلوية للتنمية البشرية في إفريقيا.
أريد أن أقول ببساطة على سبيل الختم إن إفريقيا، القارة، التاريخ، الحضارة، الراهن والمصير، توجد في قلب الاهتمام المغربي. والمغرب الذي تميز دائما على مستوى نسيج هويته وشخصيته الثقافية والاجتماعية بتمازج عدة عناصر عربية أمازيغية أندلسية، يدرك بعمق وباعتزاز أهمية العنصر الإفريقي في هذا النسيج الغني المتعدد. كما أن الثراء اللغوي للمغرب، لمما يقوي الشخصية المغربية وانفتاحها العلمي والمعرفي والثقافي على اللغات الإنسانية الأساسية.
أتمنى لأشغال مؤتمرنا أن تكلل بالنجاح، وللجمعية البرلمانية للفرانكفونية التوفيق في مشاريع عملها ومطامحها.
كما أتمنى لكم مقاما طيبا في بلدكم الثاني المغرب.
وشكرا لاهتمامكم .