تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الرباط 2008/05/22 : خطاب السيد مصطفى المنصوري خلال الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر البرلماني الأفريقي حول "أفريقيا والهجرة

21/05/2008


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبي المرسلين وآله وصحبه

 السيد الوزير الأول،السيدات والسادة الوزراء،السيد رئيس المجلس الأعلى للحسابات،

 معالي السادة السفراء،

السيد رئيس اللجنة التنفيذية للإتحاد البرلماني الإفريقي،السيد الأمين العام للإتحاد البرلماني الإفريقي،

 السيد الأمين العام للإتحاد البرلماني الدولي،

 السادة رؤساء وأعضاء الوفود البرلمانية الإفريقية،

السادة ممثلو المنظمات الدولية،

 السيدات والسادة النواب والمستشارين،

السيدات والسادة الخبراء والأكاديميون،

 أيها الحضور الكريم،

يطيب لي في مستهل هذه الكلمة أن أعبر باسم البرلمان المغربي بمجلسيه عن سعادتنا الغامرة باستضافة أشغال المؤتمر البرلماني الإفريقي حول الهجرة، متوجها بأخلص عبارات الشكر والإمتنان إلى كافة المشاركين من الدول الإفريقية الشقيقة والأوروبية الصديقة ومن المنظمات الدولية المتخصصة الذين كلفوا أنفسهم عناء الحضور معنا للمساهمة في هذه التظاهرة البرلمانية الهامة ، وأخص بالذكر في هذا المقام ممثلي الإتحاد البرلماني الإفريقي في شخص رئيس اللجنة التنفيذية والأمين العام للإتحاد البرلماني الدولي والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة العمل الدولية والمفوض السامي لحقوق الإنسان على حضورهم ودعمهم، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في استجماع الشروط والظروف الملائمة لإنجاح مؤتمرنا هذا.

حضرات السيدات والسادة،

إن أي متتبع موضوعي للأحداث الكبرى التي باتت تحرك الساحة الدولية وتؤجج تفاعلاتها، لا يسعه إلا أن يسلم بالأهمية القصوى لانعقاد هذا المؤتمر في بلادنا، ليس فقط لجهة موضوعه الذي يهم ملايين المواطنين الأفارقة الذين يغامر المئات بل الآلاف منهم يوميا بأغلى ما يملكون من حياتهم وأمنهم وحتى أرزاقهم طمعا في الوصول إلى موقع آخر يؤمن لهم وضعا أفضل، بل أيضا لتوقيته الخاص حيث ينعقد في زحمة سلسلة من المؤتمرات التي التأمت هنا وهناك قصد التفكير الجماعي في إيجاد الحلول المناسبة لمختلف المشاكل التي تطرحها هذه التظاهرة الإنسانية المحايثة للإنسان منذ القدم.

ومن ضمن هذه المؤتمرات لابد من الإشارة إلى المؤتمر الوزاري الأورو-إفريقي حول الهجرة والتنمية الذي احتضنته بلادنا خلال شهر يونيو من سنة 2006 والذي توج بإعلان هام شددت فقراته على ضرورة وضع شراكة أورو-إفريقية حول الهجرة والتنمية وذلك لتدبير أمثل لتدفقات وموجات الهجرة في إطار من روح المسؤولية المشتركة، وأساسا من خلال النهوض بالتنمية ووضع آليات مالية كفيلة بتشجيعها.

ومن هذا المنطلق فإن الأمل الذي يحدونا جميعا هو أن يكون هذا المؤتمر محطة متميزة تتوج بالإتفاق على خطة عمل حقيقية قابلة للتطبيق تندرج في هذا التوجه الرامي في عمقه إلى محاصرة ظاهرة الهجرة في بلدان المصدر عبر اجتثاث الأسباب المؤدية والمحفزة عليها.

 وهذا الأمل نابع من الشعار الذي اعتمد لهذه الدورة وهو: "الهجرة في إفريقيا: التحديات، مشاكل وحلول" ومن محاور النقاش وورشات العمل المقترحة لتصريفه، فهي ستساهم لا محالة في ابتكار وإثراء المقاربات الجديدة التي تسعى إلى تطويق آفة الهجرة من جميع جوانبها القانونية والسياسية والأمنية وكذا الحقوقية والإنسانية.

وفي هذا الإطار لابد من التنويه بالمبادرات المشتركة التي أقدمت عليها العديد من الدول سواء داخل القارة الإفريقية أو في نطاق التعاون القائم بينها وبين الدول الأوروبية والهادفة إلى إيجاد أجوبة مقنعة وفعالة للإشكالات الإنسانية والأمنية التي تطرحها معضلة الهجرة بإلحــــــــاح شديد ،

غير أن النتائج المترتبة عن هذه المبادرات لم ترق في واقع الحال إلى المستوى الذي نطمح إليه ويتناسب مع الحجم المهول للظاهرة، إذ غالبا ما اقتصرت على تسيير دوريات لمراقبة الحدود البرية والبحرية وتنسيق التعاون الأمني وجمع المعلومات والمعطيات لتفكيك الشبكات الإجرامية العاملة في مساعدة الأفراد على الهجرة وعبور الحدود.

وأمام الضعف المسجل على مثل هذه الخطوات، التي ساهمت بلادنا بفعالية مشهود بها في كثير منها باعتبارها دولة العبور وستتاح الفرصة لأعضاء الوفد المغربي لتسليط الضوء عليها، فإنه لا مناص من التفكير في وضع استراتيجية إفريقية متناسقة لتدبير هذا الملف خاصة مع الدول الأوروبية باعتبارها الجهة والقبلة التي يتردد عليها أكثر المهاجرين الأفارقة ولكون الهجرة تشكل رهانا أساسيا في العلاقات بين الجانبين.

ولضمان نجاح هذه الإستراتيجية ينبغي أن يتركز مضمونها على شقين اثنين، الأول يلقي على كاهل المجتمع الدولي خاصة أصدقائنا الأوروبيين مسؤولية المؤازرة والدعم الحقيقي في إطار من الشراكة المتقدمة والمسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل ، أماالشق الثاني والأهم فيستهدف مساعدة بعضنا البعض لمباشرة وترسيخ إصلاحات في العمق تطال جميع الميادين لاسيما منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمحاربة أسباب الظاهرة التي تتلخص أساسا في افتقادالأمن والاستقرار وطغيان الحاجة والفقر وندرة فرص العــمل.

وفي هذا الصدد أود أن أعرب عن استعداد بلادنا التام لتبادل الخبرة والتجربة في ميدان التنمية الاجتماعية مع الدول الإفريقية الصديقة التي تربطنا معها علاقات عريقة وقوية ودائمة جرى نسجها عبر قرون، وترجمت في العديد من المبادرات الهادفة وبرامج التعاون الثنائي والإقليمي.

حضرات السيدات والسادة،

إذا كان جانب الهجرة غير الشرعية يشغل حيزا كبيرا من انشغالاتنا واهتماماتنا كبرلمانيين أفارقة، فلأنه ينطوي أكثر على مآسي إنسانية هي بمثابة وصمة عار في جبين البشرية وهي في بداية الألفية الثالثة، ومع ذلك يتعين علينا أن لا نهمل الجانب الآخر المرتبط بما يعانيه المهاجرون الأفارقة في وضعية قانونية من شتى أصناف التمييز والإقصاء في كل المجالات داخل دول الاستقبال التي يساهمون بسواعدهم وعقولهم في تنميتها وتقدمها وازدهارها.

وبهذه المناسبة نجدد الدعوة إلى هذه الدول من أجل إعمال المبادئ والمعايير التي أقرتها واعترفت بها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. فإذا كان من حق هذه الدول أن تقنن وتنظم دخول الرعايا الأجانب إلى أراضيها فإنها ملزمة في ذات الوقت بالحرص على أن تكون التدابير المتخذة في هذا الإطار متناغمة ومنسجمة مع حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا بما يصون ويحفظ كرامة المـــــهاجر،

وارتباطا بوضعية الجاليات الإفريقية المستقرة في الخارج لابد لنا بهذه المناسبة أن نثير قضية على قدر كبير من الحساسية والخطورة وتتعلق بظاهرة هجرة الأدمغة التي تستنزف طاقاتنا وكفاءاتنا العلمية من خلال إغرائها بالعديد من التشجيعات والتحفيزات المادية ، وهذه آفة آخذة في الإستفحال وترتب آثارا سلبية على دينامية التنمية الاقتصادية والنهضة العلمية في بلداننا التي هي في أمس الحاجة إلى مجهودات كافة أبنائها. ولذلك أصبح من الضروري البحث جديا بالتعاون مع دول الاستقرار عن الصيغ العملية الكفيلة بتشجيع هذه الفئات المنتجة للعودة إلى أوطانها والمساهمة في تقدمهــا وازدهارها.

كما أن   التحولات  الإقتصادية  التي  يشهدها  العالم  حاليا ، خصوصا مع ارتفاع أسعار البترول و المواد الأساسية ، انعكست

سلبا على فئات واسعة من شعوب الدول النامية  عموما و شعوب  إفريقيا  على الخصوص ، هذه الفئات  أصبحت تواجه  ظروفا  معيشية  صعبة تتمثل  في غلاء المعيــشة و استفحال  الـفقر و الأمراض، الشئ الذي يؤدي إلى  إضطرار السكان للتنقل إلى جهات  بعيدة بحثا عن ظروف مناسبة  لحياة أفضل،و هو مايشكل عاملا  إضافيا لتكريس ظاهرة الهجرة و استفحالها.

إن نوعية التحديات التي ينطوي عليها موضوع الهجرة تجعل منه إشكالية متنوعة الأسباب ومنفتحة على تعددية الحلول والمقاربات، ولعل الجانب الذي لم يستأثر بعد بالاهتمام الكافي من قبلنا كمشرعين أفارقة هو المتعلق بالبعد التشريعي للظاهرة حيث لازالت هناك الكثير من مظاهر النقص والفراغ وعدم الملائمة بين التشريعات الوطنية، وهذا يستلزم منا تكثيق العمل وإحكام التنسيق البرلماني من خلال إضفاء طابع الديمومة والانتظام على مثل هذه التظاهرات البرلمانية وإنشاء مرصد إفريقي وموقع إلكتروني موضوعاتي يعنيان بتتبع الظاهرة في كل مستوياتها وتعقيداتها وتجلياتها ولا سيما التشريعية والتنظيمية منها.

حضرات السيدات والسادة،

علينا أن ندرك جميعا أن الهجرة إذا ما قننت ونظمت تشكل عاملا هاما في إضفاء مضمون إنساني رفيع للعلاقات بين شعوب العالم، مثلما تسهم في ضخ حركية إيجابية في دواليب الاقتصاد العالمي وزيادة دخله بنسب مهمة. نحن مطالبون أيضا، وخاصة الدول المتقدمة، بالوعي بأنه كلما أغلقت الحدود في وجه الناس وسدت الآفاق أمامهم إلا وعظمت فرص النزوح إلى الهجرة غير الشرعية، وكما يقال إما أن ترحل الثروات إلى البشر وإما أن يرحل البشر إلى الثروات.

وفي الختام، أجدد الترحيب بضيوفنا الكرام متمنيا لهم مقاما سعيدا بين ظهرانينا، وآمل أن يسفر مؤتمرنا هذا عن نتائج وتوصيات تكون في مستوى التحديات الجسام التي يطرحها موضوع الهجــــرة الشــــائك.

شكرا على حسن إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.