كلمة السيد كريم غلاب، رئيس مجلس النواب في الندوة الإقليمية حول :تطور العلاقة بين
المواطن(ة) والبرلمان في المنطقة العربية
05 يونيو 2013
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة و السلام على رسول الله وآله وصحبه
السيد عبد الواحد الراضي، رئيس الاتحاد البرلماني الدولي،
السيد الدكتور محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين،
السيدة ريبيكا غرينسبان، المديرة المساعدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي،
السيدات والسادة الضُّيوف من المسؤولين والخبراء،
السيدات النائبات والمستشارات والسادة النواب والمستشارين،
أيها الحُضُورُ الكرام،
قد لا أكون في حاجةٍ إلى التعبير عن السرور الذي يغمرني الآن وأَنا أرحب بكم في افتتاح هذه الندوة الإقليمية المخصصة لتَدَارُس موضوع حيوي في حياتنا البرلمانية، وهو تطور العلاقة بين المواطن(ة) والبرلمان في المنطقة العربية. وهو سرورٌ عميقٌ نابعٌ من مشاعر صادقة تتداخل فيها أبعاد الأُخُوة والصداقة والزَّمَالَة البرلمانية مثلما تُعَبِّرُ عن التقدير الذي لَدَيَّ شخصياً لكم جميعاً، إِخوةً وأَصدقاء، من داخل المغرب ومن خارجه، وبالأَخص الشُّعُور بالامتنان تُجَاهَ اختياركم للمملكة المغربية لإطلاق التقرير البرلماني العالمي في المنطقة العربية، وذلك من خلال مناقشة مستويات العلاقة بين المواطنين والمؤسسة البرلمانية باعتبارها أساسَ وجَوْهَرَ الديموقراطية التمثيلية.
إننا نقدر عاليا في المغرب، وفي البرلمان المغربي، القيمة الرمزية لاجتماعكم بين ظهرانينا واختياركم للرباط مكاناً لهذا الحدث، وهي من جانبكم إشارة كريمة نثمنها بل ونوليها الاعتبار الذي تستحقه ممتنين شاكرين.
ولعل ما يزيد هذا اللقاء قيمةً أنه ينعقد بعد أن تم إعداد التقرير البرلماني العالمي من طرف الاتحاد البرلماني الدولي بتعاون وشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا التقرير الثمين والعميق الذي تمحور حول الطبيعة المتغيرة للتمثيل البرلماني، والذي أُسْنِدَ أمرُ إِعداده إلى السيد غريغ باور الاخصائي المعروف في حقل القضايا البرلمانية بمؤلفاته وإسهاماته الجدية في إِثراء الفكر الديموقراطي المعاصر والتقصي العلمي حول الممارسات الاستراتيجية والمؤسساتية، التشريعية والسياسية، في الشرق الأوسط وإفريقيا ومنطقة البلقان، والذي يشرفنا اليوم بحضوره الشخصي وبإسهامه في هذه الندوة الدراسية الإقليمية.
إن الفصولَ الخمسةَ التي تشكل المتْنَ الرئيسي لهذا التقرير العلمي تمنحنا فرصةً جديةً لكي نفكر في طبيعة العمل الذي نقوم به كبرلمانيين وكفاعلين في الحقل السياسي، في مفهوم هذا العمل ومرجعياته النظرية، الفكرية والسياسية والقانونية والأخلاقية، وفي الممارسات البرلمانية المختلفة داخل البرلمان وفي الدائرة الانتخابية وفي الفضاء العمومي.
يوفر لنا هذا التقرير مرآة أقرب إلى الواقع المعقد لمهمة البرلماني وما طرأ عليها من تغيرات جذرية من حيث التصورات والأوضاع الاعتبارية، وذلك خلال نصف قرن من الممارسة والتفاعل والتكيف مع مستجدات الحياة المعاصرة وفي ظل ظهور أجيال جديدة من الأفكار الديموقراطية والاجتهادات النظرية في العلوم السياسية والدستورية.
وفي تقديري الخاص، فقد نجح هذا التقرير في رسم الملامح الكبرى لعلاقة البرلمان والمجتمع، وعلاقة البرلمان والتعبيرات الإعلامية والتواصلية الجديدة، وضبط جملة من المصاعب وكذا بعض الأنواع المختلفة من سوء الفهم السائدة حول وظيفة البرلمان ومهامه وأدواره وحدود استجابته لآفاق الانتظار الجماهيرية، وما يخضع له البرلماني من ضغوط وإكراهات يومية وهو يتوزَّع بين ضرورة حضوره بين ناخبيه في دائرته الانتخابية وحرصه على الحضور الدائم المنتظم داخل المؤسسة البرلمانية، في الجلسات العامة وفي اللجن وفي اللجن الرقابية وفي المهام الأخرى التي توكل إليه داخل البلاد وخارجها.
إن قراءة هذا التقرير، وقد وَفَّرَ لنا الأَصدقاء في الاتحاد البرلماني الدولي، مشكورين، نسخاً منه بأكثر من لغةٍ بينها اللغة العربية، لَتُعَدُّ واجباً مِهَنياً وفكرياً وثقافياً، لا من طرف البرلمانيين وحدهم بل من طرف جميع المعنيين بالشأن البرلماني في المغرب. خصوصاً وأن هذا التقرير يقدم الكثير من الأمثلة الملموسة من تجارب برلمانية نقتسم معها بعض أوجه التشابُه والتقارب، سواء في البلدان الأسيوية أو الأفريقية أو الأمريكية اللاتينية وحتى في بعض أعرق التجارب البرلمانية والديموقراطية في أوروبا وأمريكا.
إن هذا التقرير يعترف بوضوح بكونه لا يدَّعي تقديمَ تقييم نهائي، كامل وشامل للحالة البرلمانية الكونية الراهنة، وإنما يحاول أن يُبرز مختلف التحديات والمبادرات الهادفة إلى تعزيز التمثيل البرلماني. وفي هذا السياق، ركَّزَ التقرير – كما لاحظنا – على عَدَدٍ من الإصلاحات والابتكارات التي نَفَّذَتْها عدةُ برلمانات لكي ترتقيَ بعملها، وتُحسِّنَ وتيرةَ الأَداءِ والإنتاج، وذلك لتكون في مستوى التوقعات والانتظارات الجماهيرية، وحتى تُحقِّقَ شعبيةَ التمثيلِ البرلماني في عالم معاصر بَاتَ أكثر اقتناعاً بضرورة التوفر على مؤسسة برلمانية تعبّر عن الإرادة العليا للأمة وتنبثق من اختيارها الحرّ الشَّفَّاف. وحسب الاتحاد البرلماني الدولي، يتوفر 190 بلداً (من أَصْل 193) على شكلٍ من أشكالِ المؤسسة البرلمانية العاملة يزيد عَدَدُ الممثلين فيها عن 46.000 مُمَثِّلاً مع العِلْم بأَن وُجُودَ برلمانٍ لا يُعَدُّ في العديد من البلدان والأنظمة والسياقات مرادفاً بالضرورة لحياة ديموقراطية حقيقية. ولكنَّ الأَساس أن الجميع تقريباً أصبح مقتنعاً بأَن المؤسسة البرلمانية يظل وجُودُها ضرورياً لفكرةِ الدولة الحديثة وقابِليَّتِها لتمثيل المصلحة العامة.
حضرات السيدات والسادة،
إن بلادنا لم تتردد مطلقاً، مباشرةً بعد تحقيق استقلالها الوطني، في إعادة بناء نظامها السياسي على أساسٍ من الخيار الديموقراطي والتمثيل البرلماني القائم على التعددية الحزبية ونبذ نظام الحزب الوحيد. هذا الأفق الذي تطلب الكثير من الزمن والعمل والجهد والعناء والتوتر والصراعِ والاختلافِ وترتيبِ الاختلاف والإِنضاج إِلى أَن وصل إِلى الصورة التمثيلية التي يُحْظى بها المغرب اليوم.
لقد اجتاز العمل البرلماني في المغرب على امتداد نصف قَرْنٍ من عُمْرِهِ الكثير من التحديات السياسية والاجتماعية. وقد ظل يراكم الإِصلاحات الهيكلية والإدارية والقانونية، ويتخَطَّى المراحل والتعقيدات وحالات العجز الديموقراطي. وها نحن اليوم في وضع جدِّ إيجابي تبدو فيه المؤسسة البرلمانية متلائمةً مع مجمل التغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية، قادرةً على الاستجابة لمتطلبات الإصلاح الدستوري الجريء الذي تحقق في دستور 2011، بفضل مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله والتجاوب الخَلاََّق مع الإِرادة الشعبية في التحديث والبناء الديموقراطي.
ومع ذلك، فنحن واعون تمام الوعي بأَن الأفق الرحب والسقف العالي اللذين أَتى بهما الدستور الجديد يتطلبان المزيد من تأهيل وتطوير المؤسسة البرلمانية والارتقاء بأَدائها إِلى مستوى الأدوار الجديدة التي أُنيطت بها في هذا الدستور، خصوصاً على مستوى التشريع ومراقبة الحكومة والحضور الدبلوماسي المُشِعِّ والمُقْنِع في العَالَم، وكذا على مستوى التفاعل مع قضايا المجتمع وانشغالات الناس وانتظاراتهم.
وفي هذا الإطار، نَنْكَبُّ راهناً على تأهيل وتطوير عمل مجلس النواب. وقد وضعنا لهذه الغاية خطةً استراتيجيةً دقيقة وتفصيلية تحدد التصور الشامل للنهوض بعمل مجلسنا، وكذا الأَهدافَ المتوخاة منها، ومراحل التنفيذ ووسائله المادية والبشرية، لكي يصبح عملاً ملموسا وأكثر مهنية ونجاعة.
إِنها خريطة طريق تحدِّد مُجْمَلَ المستلزمات القانونية والسياسية والأخلاقية والعَمَلية لتفعيل مقتضيات الدستور الجديد للمملكة، مثلما تَستَحْضِرُ المعايير الدولية الخاصة بالعمل البرلماني الجيد والجدِّي. وهكذا، فقد حددنا خمسةَ مَحاوِر، ثلاثة تَخُصُّ المهام التشريعية للمجلس، وتجويد آليات وإِمكانيات مراقبة العمل الحكومي وتأهيل النشاط الدبلوماسي البرلماني ؛ ومحوران آخران لهما طابع أفقي وَيَهُمَّان تأهيل القدرات المؤسساتية والعملية لمجلس النواب من جهة، وبناء سياسة انفتاح المجلس على محيطه الخارجي واستراتيجية التواصل.
وما دمنا في سياق هذه الندوة بصدد مناقشة تطور العلاقة بين المواطن والبرلمان، يهمني أَن أشير بالخصوص إلى سياسة الانفتاح على المحيط الخارجي، إِذْ تضمنت هذه الخطة تصوراً لعدة أوراش تهم الجانب الإعلامي من خلال التلفزة والإذاعة والصحافة المكتوبة، وذلك بالعمل على إحداث قناة برلمانية، وإنتاج وبث برامج تثقيفية وتربوية وتحسيسية حول الديموقراطية والممارسة البرلمانية ومفاهيم وتعبيرات الثقافة السياسية ذات الصلة بالنشاط البرلماني، وتقوية وتنظيم وتأطير العلاقة مع الصحافة، فضلاً عن مأسسة العلاقات مع المؤسسات التربوية والتعليمية والجامعية والهيآت المهنية والدراسية والعلمية ومنظمات المجتمع المدني ذات الاهتمام المشترك، ووضع أفق للعمل الجدي لتحسين صورة المؤسسة البرلمانية، والانفتاح المستمر والمنظم مع المواطنين والمواطنات ومواكبة انتظاراتهم من مجلس النواب، وكذا الارتقاء بدور المجلس في إنتاج وتداول المنشورات والمراجع السمعية البصرية المتعلقة بعملنا البرلماني.
وختاماً، آمُلُ أن يتاح لنا، خلال هذَيْن اليومين من الحوار، أَن نَتمثَّل أكثر وأعمق قضايا التمثيل البرلماني في منطقتنا العربية، والتوقعات الشعبية وأساليب الاستجابة لها، وآفاق إغناء العمل البرلماني من خلال الحضور في الدائرة الانتخابية، واستثمار تقنيات ووسائل الاتصال الحديثة، وأنواع وآفاق الشراكة بين البرلمان والمؤسسات الأخرى ذات الاهتمام المشترك. كما أتمنى أن تُكَلَّل هذه الندوة بالنجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.