تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

نقطة نظام: في ضرورة إعادة النظر في السياسة الحكومية الموجهة للقطاع الفلاحي

كان لطرح مجموعتنا سؤالا شفويا حول غلاء أسعار الأسمدة الفلاحية، اعتبارات كثيرة، أهمها تذمر عدد كبير من الفلاحين، وخصوصا الصغار منهم، من ارتفاع أسعار البذور والأسمدة ومختلف المستلزمات الفلاحية الأخرى، وهو ما من شأنه أن ينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية.

 وحسب معطيات رسمية، فقد تجاوزت الزيادات %41 في بعض المواد، مقارنة من السنة الماضية، كما عرفت أسعار البذور هي الأخرى ارتفاعا غير مسبوق، مثل الشعير والقمح الصلب واللين والذرة وغيرهما، كما سجلنا تأخرا في صرف الدعم الممنوح للفلاحين، مما يطرح عدة تساؤلات خصوصا ونحن في ظل ظرفية صعبة تتعلق باستمرار ظروف الجائحة وضعف التدخل من طرف الحكومة.

ورغم الإجراءات والتدابير المعتادة التي تم اتخاذها، والمتمثلة أساسا في توفير البذور المختارة، وتعزيز سياسة القرب من الفلاح عبر حوالي 390 نقطة بيع من خلال شبكة التوزيع التابعة للمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، والشبكة الخاصة عبر التعاقد، وتزويد السوق بحوالي 500 ألف طن من الأسمدة الفوسفاطية وتوسيع المساحات المؤمنة في إطار برنامج التأمين الفلاحي بحوالي 200 ألف هكتار إضافية، وذلك تنزيلا لمقتضيات استراتيجية الجيل الأخضر الرامية إلى تأمين 2.5 مليون هكتار في أفق 2030، وتأمين ما مجموعه مليون و200 ألف هكتار من الحبوب والقطاني والزراعات الزيتية في إطار البرنامج المتعدد المخاطر المناخية لهذا الموسم، و50 ألف هكتار في إطار برنامج ضمان تأمين المخاطر للأشجار المثمرة، فإنها تبقى إجراءات محتشمة وغير كافية، وذات نتائج محدودة، وتحتاج إلى وقت أكبر من أجل تنزيلها، ناهيك عن غياب العدالة المجالية، واستحواذ فئة محدودة من كبار الفلاحين علبها عبر الاستفادة المضاعفة، في حين ان صغار الفلاحين ينتظرون إجراءات ملموسة وعاجلة.

لقد عبر العديد من الفاعلين في القطاع، ان هذا الموسم الفلاحي انطلق في سياق يتميز بارتفاع أسعار المستلزمات الفلاحية، خصوصا فيما يخص مواد التسميد، التي تشهد زيادة ملحوظة، وأن سعر القنطار الواحد من مواد التسميد تراوح ما بين 360 و375 درهما.

ويخشى الفلاحون الصغار من أن ينعكس ذلك على كلفة الإنتاج، التي يتوقع أن تكون جد مرتفعة خلال هذا العام، وهو ما من شأنه أن يؤثر على هامش الربح، وهذا الواقع تم تأكيده من طرف عدد كبير من الفلاحين، الذين أكدوا أن أسعار الأسمدة جد مرتفعة بالمقارنة مع السنة الماضية، مشيرين إلى أن هذه الزيادة قدرت بـ 60 في المائة في كل قنطار.

إنه لا يمكن فهم هذه الزيادة بعيدا عن الـتأثيرات الدولية، على اعتبار أن بلادنا تتوفر على مجموعة من المقومات من المفروض ان نكون بمنأى عن هذه الارتفاعات الصاروخية لأسعار الأسمدة الفلاحية، نذكر منها إطلاق المخطط الأخضر بملايير الدراهم، ودور الثروة الفوسفاطية في الحفاظ على استقرار أسعار الأسمدة الفلاحية، مما يحعلنا في وضعية غير مفهومة، كوننا من الدول الأوائل على مستوى الإنتاج، وفي عجز تام عن تقديم منتوج للسوق الوطنية يراعي وضعية القطاع ببلادنا من حيث القدرة الشرائية للمواطنين.

من جهة أخرى، لابد أن نشير إلى مجموعة من الإكراهات، التي تتطلب تدخلا عاجلا من الوزارة الوصية لحماية القطاع الفلاحي، تماشيا مع الأهداف الكبرى المتضمنة في مخطط الجيل الأخضر، وقبله المخطط الأخضر.

فهناك تأخرا للتساقطات المطرية، وهناك تأثيرات كورونا على القطاع الفلاحي، وخصوصا الزراعات المعيشية، وهناك غلاء لأسعار الحبوب بشكل عام، وهي اكراهات لم تتدخل الحكومة بما يلزم للحد من اثارها السلبية، ويمكن تفسير قصور التدخل الحكومي، بغياب إرادة حقيقية لمعالجة هذه الإشكاليات والإكراهات، مما يتطلب إعادة النظر في السياسة الحكومية الموجهة للقطاع الفلاحي، بشكل يقطع مع ممارسات الماضي، ويستحضر البعد الاجتماعي بعيدا عن منطق المقاربة الاستثمارية البعيدة عن المنطق التضامني الذي تحدث عنها المخطط الأخضر كركيزة ثانية تروم المساهمة في تحقيق التنمية المنشودة لملايين المغاربة.