تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد عبد العزيز عماري النائب الأول لرئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال الندوة الإقليمية حول " تمثيلية النساء في البرلمانات والسياقات المجتمعية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط " .

باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين،

 

صاحبة السعادة السفيرة رئيسة بعثة الاتحاد الأوربي لدى المملكة المغربية

صاحب السعادة سفير المملكة المتحدة

السيد ممثل سفارة الجمهورية الفرنسية

الزميلات ضيفات المغرب من البرلمانات الشقيقة والصديقة

شركاءنا في مؤسسة وستمنستر والتوأمة المؤسساتية

 

 يشرفني أن أفتتح، نيابة عن السيد رئيس مجلس النواب، أشغال هذه الندوة الإقليمية التي تتناول تمثيلية النساء في البرلمانات والسياقات المجتمعية في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والتي تعتبر مناسبة للتفاعل للوقوف على الممارسات والتشريعات والتنظيمات الميسرة لتواجد النساء في مراكز القرار والمؤسسات التشريعية والتمثيلية بالتحديد.

وما من شك في أن تنوع تمثيلية البلدان والمشاركات في الندوة سيغنيها أكثر حيث إننا عمليا أمام تمثيلية أربع قارات وعدة ممارسات في مجال التعاطي مع الشأن النسائي ومدارس في مجال الديمقراطية التمثيلية مما سيسر تلاقحا في الأفكار واطلاعا على أحسن الآليات الميسرة لتواجد المرأة في المؤسسات التمثيلية.

وما من شك أيضا في أن هذا التلاقح والإغناء المتبادل ما كان ليكون لولا إرادتنا الجماعية، إرادة مؤسستنا وانفتاحها، وإرادة شركائنا في مؤسسة وستمنستر للديمقراطية والتوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني الممولة من الاتحاد الأوربي الذين نثني على إسهامهم الإيجابي في هذه الشراكة التي صارت نتائجها تتجاوز الأفق الثنائي لتصبح رصيدا إقليميا يمكن للأصدقاء استعماله والاستفادة منه.

وإلى هذه المؤسسات والكفاءات الساهرة عليها، أتوجه بالشكر الجزيل الذي لا يفوتني أن أخص به رؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية للدول والمؤسسات الشريكة: بعثة الاتحاد الأوربي في الرباط وسفارة الجمهورية الفرنسية وسفارة المملكة المتحدة.

 

الزميلات والزملاء،

السيدات والسادة،

يكتسي الموضوع الذي اختير محورا لهذه الندوة الإقليمية أهمية كبرى في السياقات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية الراهنة، بالنظر إلى الإشكالات والمعضلات التي يطرحها تهميش المرأة في مراكز القرار وفي الهيئات التمثيلية.

 

الزميلات العزيزات،

لقد أحسنتن اختيار موضوع تمثيلية النساء في السياقات المجتمعية، لأن قضية المرأة بالفعل ينبغي أن يتم التعاطي معها ومقاربتها في السياق المجتمعي والسياسي والثقافي لكل بلد ولكل حضارة، إذ الأمر لا يتعلق بالقانون فقط ولكن بالتقاليد والتمثلات الاجتماعية والقيمية والثقافية. فمهما عَظُمَت الإرادة السياسية فإن العمل الذي ينبغي القيام به يتعين أن يتوجه بالأساس إلى العقليات وإلى الثقافة الاجتماعية. فالقطائع لا يمكن أن تنتج النتائج المتوخاة إن لم تنتج عكسها، ما يعني أن مراكمة الإصلاحات والتدرج فيها شرطان أساسيان لزيادة تواجد النساء في مراكز القرار وفي المؤسسات التمثيلية، كما لتمكين النساء من حقوقهن.

لقد كان هذا شأن عدد من الأنظمة السياسية والمنظومات الاجتماعية التي هي اليوم نماذج في اعتبار مكانة المرأة وإنصافها، حيث لم تمارس النساء الحق في الاقتراع والتشريع مثلا سوى في أربعينيات القرن الماضي في عدد من البلدان الغربية. ولعل هذا المنهج، منهج التدرج والبناء على التراكم، هو ما اختارته بلادنا في إطار من التوافق من أجل تمكين النساء من حقوقهن، ومن أجل إصلاح مدونة الأسرة التي تكفل المسؤولية المشتركة والأسرة المتوازنة ومن أجل زيادة تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة، وفي مسألة الجنسية إلخ.

إنه التدرج الذي يُرَصِّد المكتسبات، ويحصنها ويبنيها على أسس متينة: تشريعية ومؤسساتية واقتصادية. وقد يسر الإصلاح التشريعي على سبيل المثال، من خلال اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي واللائحة الوطنية برسم انتخابات أعضاء مجلس النواب من زيادة عدد النساء في المجلس إذ انتقل هذا العدد من نائبتين في الولاية التشريعية 93-97 و 97-2002 إلى 35 في الولاية التشريعية 2002-2007 إلى 34 في الولاية التشريعية 2007-2011 إلى 67 في الولاية التشريعية 2011-2016 إلى 81 أي بنسبة 20.5% في الولاية الحالية. ونفس الشيء في ما يتعلق بالمجالس المحلية والإقليمية والجهوية، حيث تم اعتماد آليات ذكية لضمان تواجد النساء في هذه الجماعات الترابية بكل ما له من أثر إيجابي على فرز نخب محلية جديدة وعلى ثقافة المشاركة المواطنة.

وإذا كان هذا الإصلاح التشريعي الهام قد يسر بلوغ نتائج جد إيجابية، فإنه بالطبع غير كاف وليس في مستوى طموحنا المجتمعي الكبير بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الساعي إلى تكريم النساء وتبويئهن المكانة التي يستحققن في المؤسسات وفي الاقتصاد والمجتمع.

وما تزال هذه النتائج بالطبع دون طموح وسقف وآفاق دستور 2011 الذي ينص على تمتع "الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها"، والذي منع التمييز ضد المرأة ونص على إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

ولعل هذا الطموح الإرادي هو الذي جعل قضية المرأة في المغرب في صلب السياسات العمومية، ليس فقط في ما يرجع إلى صيانة وضمان حقوقها، ولكن كمواطنة تساهم في تنمية وتطوير البلاد وتيسر استقرارها.

 

السيدات والسادة،

على الرغم مما حققته بلادنا من حيث تنصيص الدستور على المساواة تصويتا وترشيحا، و على إنصاف المرأة، فإن تحسين مكانتها في المؤسسات السياسية ليست بالقدر الذي نَطمح إليه، ويظل رهين بقدرة هذا المجتمع نفسه على تمكين النساء من وسائل الاستقلال الاقتصادي، وبقدرتنا، سويا أيضا، على تغيير العديد من التمثلات، والاشتغال على العقليات، وهو ما ينبغي، كما سبق التأكيد على ذلك، أن يتأسس على التراكم وترصيد المكاسب وبعمل بيداغوجي مستمر ودينامي.

وما من شك في أن إحداث مجلس النواب مجموعة عمل للمساواة والمناصفة من عضوات مجلس النواب إعمالا للدستور ولمقتضيات النظام الداخلي للمجلس يعتبر إحدى آليات تقوية المكتسبات النسائية وتعزيزها على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وأحد مصادر اقتراح التشريعات التي من شأنها الرفع من اقتدار المرأة وتعزيز مكانتها في السياسة كما في الاقتصاد والمجتمع.  

إن ضعف تمثيلية النساء في المؤسسات، كما التهميش الذي تعاني منه فئات واسعة من النساء ليس قدرا لا راد له، بل هو واقع ونتاج لمسارات مجتمعية، ما يعني أن تغيير هذا الواقع، ينبغي أن يكون بسياسات عمومية وتشريعات وتوافقات سياسية واجتماعية، إذ الأمر يتعلق بنصف المجتمع وبحقوق تكفلها الشرائع السماوية كما الدساتير والمواثيق الدولية.

أجدد الترحيب بضيفات مجلس النواب من مختلف البلدان الشقيقة والصديقة وآمل أن تمكن أشغال هذه الندوة من الوقوف على أحسن الممارسات الدولية في مجال ضمان تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة.

                           وشكرا على إصغائكم