تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد عبد العزيز عماري النائب الأول لرئيس مجلس النواب الجمعية العامة الـ139 للاتحاد البرلماني الدولي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه

 

السيدة الرئيسة،

السيد الأمين العام،

زميلاتي، زملائي الرؤساء ورؤساء الوفود،

الحضور الكرام،

 

أتشرف، باسم مجلس النواب، في المملكة المغربية، أن أحييكم جميعا -زميلاتي زملائي الرؤساء ورؤساء الوفود والأعضاء -في هذه الدورة 139 للاتحاد البرلماني الدولي حيث نلتقي مرة أخرى لنتبادل الرأي في جملة من القضايا والانشغالات التي تهمنا كفاعلين سياسيين وكبرلمانيين نمثل إرادة بلداننا ونعبّر عن ضمائر شعوبنا الحية.

أود بداية باسم برلمان المملكة لمغربية أن أجدد لكم الدعوة للمشاركة في المؤتمر البرلماني الذي سننظمه بالرباط يومي 6 و7 دجنبر 2018 بتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي، وذلك بموازاة مع المنتدى الدولي حول الهجرة والتنمية، والمؤتمر الدولي حول الهجرة، المقرر عقدهما بمراكش خلال شهر دجنبر 2018. ويهدف هذا المؤتمر البرلماني كما تعلمون إلى بلورة مساهمة برلمانية دولية في مواكبة وتفعيل الميثاق العالمي للهجرة على الصعيد البرلماني.

لقد أحسنت رئاسةُ الاتحاد البرلماني الدولي باختيارها لموضوع حيوي، علينا أن نناقشه، خلال هذه الدورة، والذي يتعلق بنوعية وطبيعة القيادة البرلمانية ودورها في تعزيز السلام والتنمية في عصر التجديد والابتكار العلمي والمعرفي مع ما يواكبه من تغيرات تكنولوجية قوية وشاملة ومتنوعة تبعث على الإعجاب، بل على الدهشة والتساؤل، وربما على القلق أحياناً.

والواقع أننا سبق وناقشنا مراراً في مؤتمراتنا ومنتدياتنا البرلمانية الدولية قضايا التنمية والتنمية المستدامة ودور الفاعل البرلماني في تحريك آليات العمل التنموي.

وإذا كان السلام في أبسط معانيه يدل على النجاة، والخلاص، والسلامة، والأَمان، فإن علينا أن نفكر في السلام كمصطلح أولاً، ونحن نتباحث في قضايا السلام العالمي اليوم في مختلف المنتديات الدولية والجهوية والوطنية.

إذ أن السلام ليس مجرد حاجة طارئة في عالمنا المعاصر، وإنما هي ثقافة إنسانية انتصرت لها الحضارات والأديان والعقائد والنظم الفكرية والأخلاقية والتعبيرات الثقافية والأدبية والفنية. ولكنها أساساً ثقافة تشريعية ودستورية وقانونية، وهي أيضا حكامة جيدة وإدارة سلمية للتعددية، وتفعيل للحوار، وترتيب عقلاني ديموقراطي للاختلافات، أي أنها جزء لا يتجزأ من عملنا كبرلمانيين نمثل سلطة التشريع والمراقبة والتقييم في بلداننا ودولنا، وإلى حدّ ما في السياسة الدولية.

ومن هنا الدور القيادي الموكول إلى المؤسسة البرلمانية في المساهمة في تحقيق أساسيات المساواة والعدالة بين الأفراد وبين الجماعات، وكذا بين المناطق الجغرافية. كما أن لنا دورا كبرلمانيين في ترشيد الحكم وأنظمته على أساس من الممارسة الديموقراطية، والمحاسبة، ونهج سبل الإصلاح والبناء المؤسساتي، وتوفير الخدمات الاقتصادية والثقافية والتربوية والتعليمية والصحية، وفرص الشغل، وحماية حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها كونيا.

وفي هذا السياق، ينبغي أن يتحمل الاتحاد البرلماني الدولي دوره المركزي في عالمنا المعاصر كمنظمة أنشئت لأغراض السلام والأمن والصداقة بين الشعوب.

إننا مؤمنون بالقيمة النوعية لمنظمة عتيدة كالاتحاد البرلماني الدولي، والذي أثْرَى الفضاء البرلماني في الكثير من دول العالم المعاصر بخبراته ومعارفه وكفاءاته ومساعداته الملموسة والجدية.

لكن علينا أن نبرز المزيد من مبادرات وقرارات ومواقف الإنصاف في هذه المنظمة، خصوصاً على مستوى قضية الشرق الأوسط ودعم الشعب الفلسطيني في مطالبه المشروعة العادلة وحقه في تحقيق استقلاله الوطني وبناء دولته الوطنية على أساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وحماية مدينة القدس ومقدساتها ومركزها من الغطرسة الإسرائيلية.

إن الذكاء العلمي من طبيعته أن يدافع عن السلام لأن من طبيعته أن يخشى الحرب. ولكن السلام ليس فقط هو غياب الحرب، كما قال بعض الفلاسفة، ولكنه أولاً وقبل كل شيء فضيلة وحالة حضارية وإنسانية وأخلاقية تحتاج إلى عدالة يقظة وثقة في المجموعة الدولية وفي الضمير الإنساني. وقد صدق من قال إن السلام ليس نقيضَ الحرب بل هو نقيضُ الخوف.

ومن هُنا ندرك حجم السؤال الكبير المطروح علينا في عملية إِنتاج السلام والأمن والاستقرار لتَشْعُرَ شعوبنا فعلا بقيمة المنتجات العلمية والتطورات التكنولوجية الهائلة في تحسين ظروف حياة كريمة، ومعنى وضرورة نقل الكفاءات العلمية والتقنية عبر الحضارات، وكذا تحسين مستويات وشروط الثقافة الرقمية والتعبيرات الافتراضية في معاملاتنا الحديثة والحد من مخاطرها وانعكاساتها السلبية على تَماسُك الأُسر وتربية الأَجيال الجديدة.

والواقع أننا بِتْنا اليومَ أكثر قَلَقاً من انحرافات بعض الأبحاث العلمية، وانعكاسات بعض المبتَكَراتِ التكنولوجية المعاصرة على حياتنا وأخلاقنا واستقرارنا. وللأسف، هناك شعوبٌ وبلدان لم تعرف من نِعْمة التطور التكنولوجي سوى التكنولوجيات العسكرية المدمرة التي تقتل المئات والآلاف من المدنيين الأبرياء بمجرد الضغط على زَرٍّ صغير، وتدمر العُمران، وتُخَرِّب المنشآت المدنية والحضارية والدينية والروحية والرمزية.

واليوم، علينا أن ندرك أن تحقيق السلام في العالم بدون معالجة مشتركة للمعضلات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بات شبه مستحيل. فلطالما أكدت مؤتمرات ومنتديات متعددة بأن السلام الحقيقي ليس مجرد غيابٍ للنزاعات المسلحة في وقت تعاني فيه الملايين من سكان العالم ويلات الجوع والفقر والأمراض والأمية والكوارث الطبيعية والجريمة المنظمة والاتجار في البشر والهجرات السرية.

إن حالة اللاحرب ليست سلاماً فعليا إذن، والمطلوب هو كيف ينجح العالم اليوم في تحرير المليارات المخصصة للأسلحة والتسابقات التكنولوجية المدمرة لاستعمالها على الوجه المقبول في خدمة أغراض التنمية والبناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمزيد من التحكم في التغيرات العلمية والتقنية إنسانيا وأخلاقيا.

من هُنا رهاننا كبرلمانيين على روح التضامن الكوني، وعلى الخطة الأممية للتنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدها المحفل الأممي في سبتمبر 2015 باعتبارها حدًّا أدنى يمثل عقلانية وحكمة البشر، والتي تنخرط بلادنا في أفقها، وتلتزم بمرتكزاتها الخمسة (السلام، الإنسان، كوكب الأرض، الرفاه، والشراكات)، وتساهم في العمل على تحقيق أهدافها وغاياتها.

تلك إرادتنا وتطلعنا في المملكة المغربية واقتناعنا المشترك الذي نقتسمه مع شركائنا وأصدقائنا في العالم.

                                                                                   والسلام عليكم.