تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رشيد العبدي نائب رئيس مجلس النواب في المائدة المستديرة حول دور المرأة البرلمانية في تعزيز التعاون جنوب - جنوب

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه الأكرمين

 

السيد الرئيس،

السيدة الرئيسة،

السيدات والسادة الحضور الكرام،

 

يشرفني أن أتناول الكلمة في افتتاح هذه المائدة المستديرة، نيابةً عن السيد رئيس مجلس النواب الذي يوجد في مهمة خارج المغرب، وذلك للترحيب بضيوف بلادنا وضيوف مجلسنا مسؤولي وأعضاء منتدى النساء بإفريقيا، ولنتوجه إليكم وإليكن بالتحية والامتنان على إتاحة الفرصة لحضور ومتابعة أشغال هذا اللقاء حول موضوع حيوي راهن وأساس، وهو : دور المرأة البرلمانية في تعزيز التعاون جنوب – جنوب، والذي ينعقد ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمنتدى النساء بإفريقيا.

ولعل مما يسعدني ويشرفني أيضا  أن هذا اللقاء يجمع في العمق بين موضوعين هامين بالنسبة إلينا في مجلس النواب، وفي المملكة المغربية، وأقصد المرأة ووضعَها الاعتباري كبرلمانية فاعلة، وكإفريقية لها دور في تقوية التعاون والحوار والتضامن بين بلدان الجنوب. كما أقصد قارتَنا الأفريقية كموضوع يلقي بظلاله السمراء على هذه المائدة المستديرة وانشغالاتها ورهاناتها الفكرية والثقافية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة.

والواقع أن اختيار هذا الموضوع بأبعاده المتعددة ينبثق من عمق الانشغال الكوني والأفريقي الراهن بدور المرأة، وتحديدا المرأة الفاعلة في الحقل البرلماني وفي عمق الممارسات الديمقراطية، في مدّ الجسور، وتعزيز سُبل الثقة بين بلدان الجنوب، بعضِها مع بعضٍ، وتنشيط دبلوماسية موازية شعبية على أسس جديدة وقيم ومبادئ إنسانية، واستنادا على مواثيق ومعاهدات أممية متعددة، خصوصا ما يهم بناء شبكات أفريقية فعالة قائمة على إيلاء الاعتبار اللازم للنساء والشباب، وبالأساس في واجهات العمل البرلماني داخل بلداننا، وفي المنتديات البرلمانية الإقليمية والجهوية والدولية.

وبالنسبة إلينا في المغرب، لاشك أننا جميعا أصبحنا ندرك معنى وقيمة وأثر خيار المملكة الاستراتيجي في دعم وتقوية كافة أوجه التعاون جنوب – جنوب. وهو ما دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، بل وظل جلالته يُلحُّ عليه تقريبا في كافة خطبه ورسائله السياسية في عدد من المنتديات والمناسبات الأفريقية والعالمية ساعيًا إلى إقناع الجميع بأن أفريقيا باتت تشكل مستقبلا إنسانيا. ومن ثم شكلت عودة المغرب إلى الحظيرة الافريقية إشارة ثمينةً في هذا الاتجاه.

وعلي أن أشير في هذا الصدد   إلى حرص مجلس النواب في ولايته الحالية، ولأول مرة في تاريخ الحياة البرلمانية في المغرب، على إحداث مجموعة موضوعاتية حول الشؤون الأفريقية. كما عمد المجلس إلى التنصيص على هذه المجموعة في نظامه الداخلي. وليست مصادفة أيضا أن مجلسنا هذا سارع إلى تشكيل مجموعة موضوعاتية حول المناصفة والمساواة بين الجنسين.

وقد لا أحتاج إلى التذكير بالأدوار الفعلية الملموسة التي نهضت بها البرلمانيات المغربيات شأن زملائهن البرلمانيين في حقول التشريع، ومراقبة العمل الحكومي، وتقييم السياسات العمومية، وفضلا عن حضورهن البارز في مجال الدبلوماسية البرلمانية كأعضاء في وفود برلمانية، وشعب ومجموعات صداقة، وفي ترؤس بعض هذه الوفود والمجموعات بل في تَحَمُّلِ مسؤوليات قيادية داخل بعض المنظمات البرلمانية الجهوية والدولية، في لجنها التنفيذية ولجنها الموضوعاتية  والتنظيمية والدراسية.  ولكن الأهم في ذلك كُلِّهِ هو ما أَبْدَتْهُ البرلمانيةُ المغربية من انخراط نضالي في الدفاع عن حقوق المرأة ودورها التنموي كما نَصَّتْ عليه خُطَطُ الأمم المتحدة، سواء في علائق المرأة بالسِّلْم والأمن، أو بحقوق الإنسان ومناهضة التمييز، أو التنمية الاجتماعية وقضايا السكان والتنمية، وخصوصاً التأكيد على مبدأ تعزيز المساواة على أساس النوع (الجنس). هذا دون أن أَنسى ما ظَلَّتِ  البرلمانيات تَخْدُمْنَهُ على مستوى الشراكة الجديدة لتنمية قارتنا الأفريقية وضمان المشاركة التامة للنساء الأفريقيات في كافة المشاريع التنموية داخل القارة، وفي اتجاه مدّ الجسور التنموية جنوب-جنوب.

         ويقتضي المقام في هذه المائدة المستديرة أن أقول إن معركة المرأة البرلمانيات هي جزء لا يتجزأ من معارك كافة النساء الأفريقيات، بكل أشكالها وفي كافة الحقول والمجالات. كما أنها معركة لا تزال في بداياتها، وذلك بالنظر إلى حجم المصاعب والمُثَبِّطات والعراقيل بل والمخاطر التي تعترض النساء والفتيات في حياتهن اليومية، وفي أماكن عملهن وتحركهن، وفي التزامهن السياسي والحقوقي، وحتى على مستوى نمائهن الجسدي والنفسي.

         إن دور المرأة البرلمانية الأفريقية في تعزيز الدبلوماسية البينية جنوب-جنوب كأولوية في حوار هذه المائدة المستديرة لا يمكنه أن يمنعها من توسيع التأمل وتعميق النظر في معيقات نهوض المرأة في قارتنا بهذا الدور. فالقضايا متداخلةٌ، ومتعددة الأبعاد، وتتصل بمكانة المرأة في المجتمع، ومكانتها في الحقل السياسي، وحجم حضورها في الفضاء البرلماني. كما تتصل بطبيعة النظرة السائدة في مجتمعاتنا تجاهها، وبما لا يزال سائدا لدى فئات وشرائح واسعة من الذكور، وأحيانا من بعض فئات وشرائح النساء أنفسهن، من اقتناعات سلبية ترفض أي دور للمرأة في العمل وفي القيادة والمساهمة في مشاريع الإصلاح والتغيير والبناء المؤسساتي على أسس ديموقراطية، حديثة وعقلانية.

إنَّ من يستعمل عقله ومنطقه وحسه الإنساني قد لا يكون بالضرورة في حاجة إلى كل هذا التراكم الهائل من المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية التي تكرم المرأة وتثمن حقوقها وأدوارها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكي يقتنع – على الأقل – بأن أمه أو زوجته أو أخته أو جدته أو عمته أو خالته تمثل قيما معينة أو تعبر عنها ؛ وبأن حياتنا البشرية ستكون بلا معنى بدون هذه القيم، وبدون هذا الحضور النسوي الخلاق الذي كرمته كافة الأديان والحضارات والثقافات.

         مع ذلك، فإن حجم التحولات المعاصرة التي تبدو النساء في قلبها وممن يحركها. لا يمكنه إلا أن يبعث على الأمل في أن العالم الراهن وكذا عالم المستقبل لا يمكنهما مواصلة الطريق بدون نساء، وبدون فعاليتهن وحضورهن وأدائهن وكلمتهن وإبداعهن ومتخيلهم وروحهن الوثابة المؤثرة في الأنساق التربوية والروحية والأخلاقية والثقافية واللغوية والاجتماعية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.