تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رشيد العبدي نائب رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال ورشة عمل إقليمية حول : المراقبة البعدية لإنفاذ القوانين المراعية للنوع.

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى اله وصحبه

السيدة رئيسة مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمساواة والمناصفة

السيدة ممثلة مؤسسة ويستمنستر للديمقراطية

السيدات والسادة ممثلي البرلمانات الصديقة والشقيقة

السيدا ت والسادة الحضور الكريم

 

انه لمن دواعي السرور أن اتناول هذه الكلمة نيابة عن السيد الحبيب المالكي  رئيس مجلس النواب ، معبرا لكم عن اعتزاز المجلس باستضافتكم في رحاب  هذه المؤسسة بكل ما ترمز اليه من قيم الديمقراطية والتعددية والانفتاح ، متمنيا لكم مقاما طيبا محمودا في بلدكم الثاني المغرب.

 كما أود أن أعرب لكم عن بالغ السعادة لاستضافة هذه الورشة الإقليمية حول " المراقبة البعدية لإنفاذ القوانين المراعية للنوع"، التي يشارك فيها ثلة من ممثلي برلمانات عربية وافريقية فضلا عن حضور مجموعة من الاساتذة والخبراء والباحثين المغاربة والأجانب ، وهو ما يجعل هذه الورشة دعامة أساسية  لترسيخ النقاش الجاد والمثمر، وفضاء لتبادل الآراء والأفكار والتصورات ومختلف المقاربات الممكنة في قضية نعتبرها  أحد الأولويات الأساسية للسياسات الوطنية.

 ولا تفوتني هذه الفرصة لأنوه بمستوى التعاون والشراكة التي تجمع المجلس بمؤسسة ويستمنستر للديمقراطية ، ودعمها المتواصل في مواكبة العمل البرلماني وتكريس الممارسات الجيدة.

  

حضرات السيدات والسادة

 

ان مقاربة النوع كمفهوم وممارسة وكنهج سياسي لم يكن وليد اللحظة ، بل قامت بلادنا منذ فترة غير يسيرة بسن عدد من الخطوات المهمة في سبيل تعزيز مكانة وحضور المرأة في الساحة الوطنية ،وفي تدبير الشأن العام الوطني والمحلي الى جانب الرجل .

واليوم يحق لنا كمغاربة ان نفتخر بما راكمته بلادنا من مجهودات ومبادرات في تعزيز دور المرأة وتحصين وضعيتها الاعتبارية طيلة العقود الماضية ، وذلك بفضل المجهودات الخيرة والبناءة وتكامل أدوار الدولة والمجتمع في إثراء التراكمات الإيجابية ، وتجديد النظرة  والافق، والمنطلقات والاهداف والتوجهات المستقبلية ، حيث أصبحنا نتحدث عن مقاربة النوع ليس فقط كاجراء تقني او تدبير عرضي له أفق محدود ، بل باعتبارها منظومة واستراتيجية وطنية و محددا أساسيا للسياسات العمومية، بل أحد أولوياتها الرئيسية . كما أضحت المرأة شريكا الى جانب الرجل في انتاج و تدبير وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية ، وتولي مراكز اتخاذ القرار بمختلف مستوياته الوطنية والمحلية .

وضمن هذا الافق الإصلاحي، واصلت بلادنا بنفس الروح والإرادة والطموح مسلسل التحديث والتجديد و الدمقرطة واستيعاب التطورات الجديدة سواء في البنيات الداخلية أو الخارجية  ، وترجمتها في عدد من القرارات والسياسات والخطط الاستراتيجية والتدابير القانونية والتشريعية والمؤسساتية المعززة للنوع الاجتماعي .

وقد توجت هذا المجهود بإصدار دستور جديد للمملكة شكل نقلة نوعية في مسار مقاربة النوع لما تضمنه من مقتضيات قوية في مجال تحصين الوضعية الاعتبارية للمرأة من خلال تدابير تشريعية ومؤسساتية لا يسعنا الوقت للتطرق اليها مكتملة لكن نشير فقط الى بعضها ولا سيما على مستوى تعزيز الحقوق السياسية ، وسن عدد من الإجراءات الضامنة للتمييز الإيجابي للنساء في ولوج المهام الانتخابية، فضلا عن احداث مؤسسات وطنية تعنى بالشأن النسائي ونذكر منها على الخصوص الهيئة الوطنية للمناصفة ومكافحة كل اشكال التمييز.

وفي نفس السياق، نستحضر باعتزاز  ما راكمته بلادنا في مجال المصادقة على الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالنوع الاجتماعي وهي خطوة نابعة من إرادة صادقة وقوية في الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الانسان بكل تجلياتها.

الواقع أن هذه الدينامية التي تعرفتها بلادنا في تعزيز مقاربة النوع هي نهج وورش متجدد باستمرار ، ومن منا لا يتذكر القرار التاريخي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده في يناير 2018 بفتح مهنة "عدل"  أمام النساء ، وهي مبادرة ملكية سامية لها دلالات قوية ورمزية بالغة في ترسيخ حضور المرأة المغربية  في مختلف مناحي الحياة الى جانب الرجل .

 

حضرات السيدات والسادة

 

ما من شك أن توفير شروط نجاح أي سياسة او استراتيجية  او خطة عمل تحتاج الى عدد من المحددات والضوابط المواكبة وهي التي تضمن فعاليتها واستمراريتها وتحقيقها للأهداف المنشودة.

 

ومن هذا المنطلق ، فإن المراقبة البعدية لإنفاذ القوانين أصبحت تحظى باهتمام متزايد ومن مختلف مؤسسات الدولة  وفي طليعتها البرلمان ، اذ لا تتجلى مهمتنا داخل البرلمان في اعداد مقترحات القوانين أو دراسة ومناقشة مشاريع القوانين المحالة من قبل الحكومة سواء على مستوى اللجان النيابية الدائمة  او على مستوى الجلسات العامة، والتصويت عليها، وننصرف الى حال سبيلنا ، وهـــو ما سيجعلــــنا في منتصف الطريق، وقد لا نحقــــق ما نرجوه من تلك القوانين التي صادقنا عليها ، بل ان الأهم هي متابعة ما تحقق من سن تلك القــــــوانين وما لم يتحقــــق، ومـــــا هي العراقيل التي واجهت تنفيذ تلــــــك القوانين وما طبيعتها .

ان تقييم هذه العناصر وغيرها يمكننا من وضع تصور شامل ومتكامل عن الموضوع ، وهو التصور التي سيمكننا مستقبلا من تقييم مدى إمكانية الاكتفاء بتلك القوانين وتحصينها، أو  تعديلها لكونها لم تف بالأهداف المتوقعة او انها لم تواكب سياقات سياسية أو اقتصادية او اجتماعية معينة.

ومن هنا، تبرز هذه المقاربة الجديدة والمتجددة في التتبع البعدي لانفاذ القوانين ، وهي مقاربة كنا في مجلس النواب واعين تمام الوعي بها وأهميتها خلال اعداد النظام الداخلي للمجلس خلال هذه الولاية ، واخذت منا نقاشا مهما ومستفيضا وبناءا، واهتدينا الى سن مقتضيات تمكن من تتبع شروط وظروف تطبيق النصوص التشريعية وتقييم اثارها على المجتمع.

وتفعيلا لهذا التوجه ، تابعنا باهتمام بالغ قيام لجنة نيابية دائمة بالمجلس بمهام تتبع اصدار المراسيم التطبيقية لعدد من القوانين ذات البعد الاجتماعي والتي تهم في عمقها وجوهرها المقاربة المبنية على النوع الاجتماعي .

والى جانب هذا، فإن البرلمان يتوفر على عدد من الاليات الدستورية والقانونية التي تمكنه من مراقبة الحكومة على مستوى تنفيذ القوانين ومدى تحقيقها للاهداف المرتقبة ، ونذكر بهذا الخصوص الاسئلة البرلمانية بأنواعها والمهام الاستطلاعية وجرد وتتبع التعهدات الحكومية  التي تم التعبير عنها خلال الجلسات الاسبوعية للأسئلة الشفهية .

كما يشكل الاختصاص الجديد المخول للبرلمان في عقد جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية ومناقشتها فرصة أخرى للوقوف على جدوى القوانين المؤطرة لمختلف السياسات العمومية وما ان كانت قد حققت الغايات التي رصدت من أجلها.

كما أن التقارير الموضوعاتية التي يعدها المجلس الأعلى للحسابات وتتم مناقشتها داخل لجنة مراقبة المالية العامة تخول للسيدات والسادة النواب التعرف بشكل اكبر عـــلى كل ما يتصل بالمراقبة البعدية للقوانين.

وفي نفس الاطار، فإن دراسة ومناقشة قانون المالية السنوي مناسبة للبرلمان لتسليط الضوء على ميزانية النوع الاجتماعي وما تم إنجازه بهذا الصدد ، ولاسيما أن الحكومة ترفق مشروع قانون المالية بتقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع.

 

حضرات السيدات والسادة

 

ان مقاربة النوع كمفهوم وممارسة وسلوك ونهج تتطلب منا كل من موقعه الحرص على تأطيره وتقنينه بكيفية سليمة ، كما يتعين علينا في الان ذاته أن نحرص سويا على خلق عدد من الاليات التي تمكننا من المراقبة اللاحقة لإنفاذ القوانين وذلك انطلاقا من ممارساتنا البرلمانية ، وتراكماتنا السياسية ، وطبيعة انظمتنا البرلمانية وقواعدنا الدستورية .

ومن المؤكد أن هذه الورشة  وقيمة الشخصيات الحاضرة ستمكننا من الانفتاح على عدد من الأنظمة المقارنة والتعرف على مجموعة من الممارسات الفضلى ستسعفنا –دون شك – في الارتقاء بعملنا البرلماني وتعميق تصورنا لموضوع اصبح محط انشغال ويحظى باهتمام متزايد من مختلف القوى الوطنية والمجتمعية.

وفي ختام هذه الورشة أجدد الترحيب بكم، املا ان تكلل اشغالها بكامل التوفيق والسداد.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.