تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب في الندوة التي ينظمها البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أروبا حول موضوع : "النساء والعمل السياسي: الطريق إلى المناصفة"

السيدريكدايمز Rik Daems،رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا،

ضيوفنا وضيفاتنا أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوربا،

صاحبة السعادة السفيرة كلوديا وييدي Claudia Wiedey،سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب،

السيدة أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،

السيد ادريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج،

أصحاب السعادة السفيرات والسفراء،

زملائي وزميلاتي البرلمانيين،

السيدات والسادة.

نلتقي في إطار هذه الندوة التي تتناول موضوعاً يَكْتَسي أهمية خاصة في سِياقنا الوطني المتميز بالاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية ومحلية وجهوية وما يجري فيه من نقاشٍ مؤسساتي وعمومي بشأن حضور النساء في المؤسسات المنتخبة وبشأن المسار الطويل إلى تحقيق المناصفة بين النساء والرجال في هذه الهيئات، بعد أن اعتمدت بلادُنا العديد من الآليات التشريعية ومنها آلية التمييز الإيجابي لتيسير حضور النساء في المؤسسات المنتخبة، وبالنتيجة، بطبيعة الحال، في الهيئات التنفيذية.

واسمحوا، الزميلات والزملاء، أن أذَكِّرَ، بأن المغربَ الذي يَسْعَدُ اليوم بالترحيب بكم، واستقبالكم رغم سياق الجائحة، راكم العديد من الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والسياسية على مدى حوالي ثلاثة عقود، كانت المسألةُ النسائية وإشكاليةُ النوع الاجتماعي وحقوق المرأة والمسؤولية المشتركة داخل الأسرة، في صُلبها.

وتتقاطع هذه الإصلاحات والتشريعات الوطنية المغربية مع أولويات الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وآلياتها الحقوقية، وخاصة منها الاتفاقية المتعلقة بمحاربة العنف المنزلي الممارس ضد النساء والوقاية منه، و الاتفاقية المتعلقة بصيانة حقوق الانسان والحريات الاساسية، و الاتفاقية المتعلقة بالولوج الى الوثائق العمومية و اتفاقية مجلس أروبا بشأن الوقاية من الارهاب والآليات الأخرى المتعلقة بمحاربة الجرائم الالكترونية ومحاربة الرشوة و حقوق الاطفال و حماية المعطيات الشخصية و مكافحة الاتجار بالبشر.

وفي المسألة النسائية بالذات، فَلَئِنْ كانَ حقُّ التصويِتِ وحقُّ التَّرشُّح، وحق تَقَلُّدِ المناصب المدنية والعسكرية حقا متأصِّلًا مكفولا للمرأة منذ أول دُستور يُصادق عليه الشَّعب المغربي من خلال الاستفتاء في مطلع الستينات من القرن الماضي، فإن طُمُوحَنا الوطني الجماعي الثابت هو تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء، والاقرار الفعلي لتَمَتُّعِ النساء والرجال بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المنصوص عليها في الدستور، كما هو واردٌ في الفصل 19 من القانون الأسمى للبلاد، الذي ينص أيضا على إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز لإعمال هذه الحقوق.

وتعتبرُ هذه الدسترةُ الواضحةُ والصريحةُ لحقوق الجميع تتويجا لإصلاحات عميقة وجوهرية وبنيويةٍ بمنطقٍ تَحَرُّرِيٍ منفتحٍ وتقدميٍ حداثٍي، تمثلت في تشريعات وتدابير حررت طاقات النساء ويسَّرتْ تَبويئَهُنَّ مسؤولياتٍ سامية وتُوَاجُدِهِن في مراكز القرار التمثيلي والتنفيذي، وفتحت أمَامَهُنَّ آفاقَ المناصفةِ والمساواة. وفي مجلس النواب أحدثنا منذ سنوات مجموعةً موضوعاتيةً معنية بالمناصفة والمساواة تتمثل فيها مختلف المكونات السياسية للمجلس. وهذه مناسبةٌ لأُثْنِي على جُهْدِها الاقتراحي واجتهاد أعضائها من أجل ترسيخ ثقافة المساواة.

لقد اعتمدت بلادُنا، بحرصٍ شخصي من جلالة الملك محمد السادس أعزه الله، مدونة الأسرة من خلال منهجية التوافق واشراكِ الأحزاب السياسية والهيئات المدنية والعلماء والمثقفين من مختلف الاتجاهات، مما أَثْمَرَ مدونةً خضعت لمسطرة التشريع وصُودِق عليها بالإجماع، واعْتُبرَتْ وَقْتها (وماتزال) خطوةً متقدمةً وجريئةً في العالَمَيْن العربي والإسلامي. وتلى ذلك إصلاحُ قانون الجنسية على النحو الذي يَكْفَلُ لأَبْناء المرأة المغربية من زوجٍ أجنبي الحصولَ على الجنسية المغربية، ثُم مصادقةُ المغرب على عدد من الآليات الدولية المتعلقة بحقوق النساء، والمصادقة على عدد من القوانين التي تُجَرِّمُ وتعاقِب على ممارسة العنف ضد النساء، فيما تُعْتَبَر كفالةُ حقوق النساء والتمكين الاقتصادي لهن، مقتضياتٍ الْتِقَائِيةً في عدد من القوانين والآليات التنظيمية.

وقد يسَّرت آليات التمييز الإيجابي في ما يخص انتخاب أعضاء مجلس النواب، على سبيل المثال، ابتداءً من 2002، ضمانَ تواجدِ 35 سيدة في مجلس النواب، بعد أن كان عدد النساء لا يتجاوز اثنتين خلال الولاية التشريعية 1993-1997، وخمس سيدات خلال الولاية التشريعية 1997-2002. ومَكَّنَ التمييزُ الايجابي اليوم من انتخاب 70 سيدة على الأقل من خلال اللائحة الوطنية مما رفع العدد الإجمالي للنساء في المجلس إلى 81 سيدة أي بنسبة% 21  من مجموع أعضاء المجلس.

وتنص آليات تشريعية أخرى على كفالة انتخاب نسب هامة كحد أدنى من النساء في كل جماعة ترابية، مما يُوَسِّعُ من قاعدة النُخب النسائية المحلية المنتخبة، ومما يشكل مَشْتَلاً لإنتاج النُّخب النسائية.

وبالتأكيد، فإنه بفضل الإصلاحات والتعديلات التي تم اعتمادُها مؤخرًا على القوانين الانتخابية، ستتعزز تمثيليةُ النساء في البرلمان وفي الجماعات الترابية، المحلية والإقليمية والجهوية.

يتعلق الأمر، إذن، بإصلاحاتٍ إرَادية بعدةِ مداخل وآليات لتيسير تواجد النساء في مراكز القرار، إصلاحاتٌ تحققت على أساس التوافق والإنضاج يقودُها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ورعاها قَبْلَه والدُه المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثَراه حيثُ الْتَقَت الرؤيةُ والإرادة الملكية مع مطالب القوى السياسية الوطنية والديموقراطية ومطالب المجتمع المدني خاصة النسائي منه، الذي أُثْني على ديناميتِه والتزامِه بالعمل في حقول عديدة بدءً من التربية والتأطير، ووصولًا إلى المساهمةِ في التنمية المحلية ومروراً بالدفاعِ عن حقوق الإنسان في أبعادِها المختلفة وعلى مدى أجيالها العديدة.

 لقد اضطلع العديد من هيئات المجتمع المدني والجمعيات الوطنية طيلة تاريخ المغرب المعاصر بأدوار حاسمة في التنشئة الاجتماعية كانت قضايا المرأة في صلبها.

وإنَّ مِن ثمراتِ كل ذلك تَبَوُّأَ كفاءاتٍ نسائية مُقْتَدرة مسؤولياتٍ كبرى على رأس العديد من المؤسسات، ومنها المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة وحقوق الإنسان من قبيل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (الذي تحضر رئيسته إلى جانبنا في هذه المنصة).

 

الزميلات والزملاء،

السيداتوالسادة،

ما من شك في أن الطريق إلى المناصفة ما يزال طويلا، إذ الأمرُ لا يرتبط فقط بالإقرار بذلك في الدستور وفي التشريعات المتفرعة عنه وبالقرارات السياسية على أهميتها، ولكن بالأساس بالثقافة المجتمعية، بِتَمثُّلات المجتمع لقضايا وحقوق النساء، بتمكين النساء من وسائل الاستقلال في التفكير والقرار، ومن وسائل الرُّقي الاجتماعي والتفتح، أي من التعليم والتكوين والولوج إلى المعرفة.

ويعكس اختيارُنا سَوِيًّا، في البرلمان المغربي وفي الجمعية البرلمانية لمجلس أروبا، موضوع النساء والسياسية ليكون محور أولَ فعالية نفتتح بها أنشطة مشروع الشراكة بيننا والمدعوم منه الاتحاد الأوروبي، انشغالَنَا المشترك بهذه الإشكالية، وطموحَنَا المشترك أيضا من أجل بلوغ المناصفة والمساواة، وبالأساس من أجل ترسيخ وتأصيل ذلك وجعل المجتمعات تَسْتَبْطِنُها وتَتَمَلَّكُها وتُؤمِنُ بها.

إنني من المقتنعين أَشَدَّ الاقتناع بعطاء النساء ومَهَارَاتِهِنَّ وكفاءتهن وقدرتهن على القيادة وتحقيق النجاح حيثُما كُنَّ مسؤولاتٍ، وحيثُمَا كُنَّ : في الحقلِ، أو المعمل، أو في البيت أو المقاولة أو الإدارة أو الجمعية أو الحزب السياسي. وإنني من المقتنعين أيضا بأنه حيثما كانت النساء، تكون الشفافية أكثر، ولكنني من المقتنعين أيضا بأنه ينبغي أن نُؤَسِّسَ، في هذا المسار الشاق إلى المناصفة والمساواة، على التراكم وَأَلَّا نَسْمَح بالتراجع عن أي مكسب، أو بالنكوص.

وتعتبرُ هذه الندوة فرصةً للتعرف على بعضٍ من هذه المسارات، وعلى ممارسات مختلفة في مجال التمكين السياسي للنساء. ومَامِنْ شكٍ في أن هذا التّفاعل سَيُسْعِف في ابتكار آلياتٍ جديدة لهذا التمكين، وأساسا في ترسيخ فكرة المساواة بناءً على الوعي بها، والإيمان بها، أولًا من قبل النخب السياسية والثقافية والاقتصادية، وثانيا من طرف المجتمع.

وتُعَلِّمُنَا الممارساتُ المقارنة بما فيها الأوروبية، حيث التقاليد الديموقراطية العريقة، أن الطريق إلى المساواة يتطلب جهدًا يوميا، وإقناعًا متواصلا، وإِعْمَالَ توعيةٍ ممتدةٍ في المجال وفي الزمان، وتتوجَّهُ إلى صُلْبِ الإشكالية : أي مسألةُ الحقوق في مختلف أبعادِها، والعدالة والحرية باعتبارها جوهر الديموقراطية نظامًا وممارسة ومؤسساتٍ، حيث تجهد النساء على العطاء بتصميم وإرادة وأَنَاةٍ. وللشهادة، فقد وقفتُ، وأنا رئيسًا، لمجلس النواب على هذا الاستنتاج حيث وجدتُ في زميلاتي البرلمانيات كل الدعم واكتشفت فيهن مناضلاتٍ وطنياتٍ مُجِدَّاتٍ ومُلتزمات حقيقيات، ونفس الشأن في التنظيمات السياسية الوطنية.

في الختام، أشكر زميلي العزيز السيد ريك دايمز Rik Daems رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أروبا وكافة الزملاء أعضاء الجمعية الذين تحملوا عناء السفر لنتقاسم معًا لحظاتِ التفكير هاتِهِ احتفالًا بمرور عشر سنوات على حصولِ البرلمان المغربي على وضع شريك من أجل الديموقراطية لدى الجمعية، معتبرًا أننا اليوم ندشن من خلال مشروع الشراكة هذا، لمرحلة جديدة من التعاون والحوار والدعم المتبادل.

والشكر موصولٌ أيضًا على شريكنا العريق الاتحاد الأروبي ممول المشروع والمُمَثَّلِ هُنا بصاحبة السعادة السفيرة كلوديا وييدي Claudia Wiedey التي أُثْنِي على تعاونها ودعمها وتواصلها المستمر.

والشكر أيضا لعضوات وأعضاء الشعبة البرلمانية المغربية في الجمعية البرلمانية لمجلس أروبا الذين أثني على عطائهم ومثابرتهم في القيام بدور المُجَسِّرِ لعلاقاتنا.

مرحبًا بكم مرة أخرى وشكرا على إصغائكم.