السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي،
السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي،
السيد الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث والعلمي،
الزميلات والزملاء رئيسات ورؤساء الجامعات،
السيدات والسادة عضوات وأعضاء مكتب مجلس النواب،
السادة رؤساء الفرق النيابية
السيدة والسادة رؤساء اللجان النيابية
الزميلات والزملاء النواب،
السيدات والسادة
تغمرني سعادة كبرى باللقاء الذي يجمعنا اليوم، لقاءٌ أَعْتَبِرُه استثنائيا لأنه يجمع، هنا تحت قُبة مجلس النواب، بكل ما يرمز إليه المكان وما يجسده من سيادة شعبية وبكل حمولاته السياسية وما يحيل عليه من استقرار مؤسساتي ومن تعددية وبناء ديمقراطي، يَجْمَعُ، بين ممثلي الشعب المغربي المنتخبين من جهة، ونخبةٍ علميةٍ وثقافيةٍ مُتَمَثِّلَةِ في رؤساء ورئيسات الجامعات من جهة أخرى.
واسمحوا لي في البداية أن أرحب بكن وبكم باسمي الخاص وباسم مكتب مجلس النواب وكافة مكوناته، وأن أشكركم على استجابَتِكُمْ لدعوتِنا لحضور مراسيم التوقيع على اتفاقية التعاون بين المجلس والجامعات الوطنية، وقبل ذلك على تفاعُلِكم الايجابي مع مبادرةِ المجلس بِبِنَاءِ علاقاتٍ جديدةٍ بين المؤسسة التشريعية والأوساط الجامعية وأوساط البحث العلمي.
وأشكر السيد وزير السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والسيد الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث والعلمي على تعاونهما ودعمهما اللا مشروط لهذه الشراكة المؤسساتية.
إننا بتوقيعِ هذه الاتفاقية، إِذْ نُؤَطِّرُ تعاوَنَنَا وتفاعُلَنا ونَمْنَحُه بُعْداً مؤسساتياً بما يَكْفَلُ له الاستدامةَ والنجاعةَ، نفتحُ آفَاقَ جديدة أمام البحث الوطني ونُوَسِّعُ حقلَ اهتمامه الى الشأن البرلماني، والى إشكالياتٍ رُبَّما جديدة في برامِجِه من قبيل : الديمقراطية التمثيلية والتشاركية في السياقات الراهنة، ودور الأحزاب في التأطير في ضوء مَيْلٍ عالمي الى العزوف عن السياسية، وتقييم السياسات العمومية. وفي المقابل سيستفيد المجلس من خبراتِ الجامعة المغربية ومعارفِها وانتاجاتِها. وبذلك فإننا نُؤَسِّسُ لتقاليدَ جديدة في العلاقة بين المؤسسة التشريعية ومكوِّن أساسي في المجتمع قِوامُها الانفتاحُ والمأسسةُ والتأطيرُ القانوني الذي يحدد الالتزامات المتبادلة في إطار المسؤولية المشتركة.
السيدات والسادة،
لئن كانت الاستشارةُ العلميةُ لفائدة البرلمانات ضروريةً، فإنها في الحالة المغربية، وفي السياق الوطني الراهن حاجةٌ مستعجلةٌ لعدة أسباب : فهي في المقام الأول تُوَفِّرُ للفاعل السياسي، والبرلماني بالتحديد، الرؤيةَ لكي يتصرفَ ويتخذَ القرارات المناسبة على أساس المعرفة، وعلى أساس المعطيات الموضوعية وعلى أساس الإحصائيات، وعلى أساس الممارسات المقارنة. وإنها ضروريةٌ أيضاً لأَن الفاعل البرلماني ليس في جميع الحالات متخصصا في كل القضايا والقطاعات والمجالات التي يُشَرِّعُ فيها أو يراقبُها أو يُقيِّمُها. فأنتم تدركون مَشَارِب البرلمانيين وخلفياتهم المهنية وحجم المهام الموكولة إليهم، في الوقت الذي يجدونَ فيه أنفسَهم أمام قضايا مختلفة وَمُطَوَّقِينَ بأسئلةٍ أمام باقي السلطات (خاصة التنفيذية) وبتساؤلاتِ وتطلعاتِ الرأي العام. ومَا مِنْ شَكٍّ في أن رؤيةَ البحث العلمي ستُسْنِد البرلمانيين في التوفر على المعلومات الناجعة والتي تكونُ في السياق وتُجيبُ على أسئلة بعينها. فالمعلومات في شكلها الخام وافرةٌ ومتاحةٌ، ولكن المعلومة الناجعة تحتاج الى قدرة خاصة على الانتقاء والتنقيب والترتيب والتصفية والملاءمة. إنها مثلُ حَبَّةِ الذهب في ركام من الأتْرِبَة الوافرة. فإذا كانت السلطة التنفيذية مثلا تتوفر على إمكانيات كبرى للبحث والحصول على المعلومات والولوج الى مصادر المعلومات، وعلى الهياكل التقنية والإدارية الضرورية، فإن إمكانيات البرلمان محدودة في هذا المجال.
وفي سياق أصبح فيه الناخبات والناخبون، والرأي العام، والإعلام، مع ثورة تكنولوجبا المعلومات أكثر إلحاحا، وفِيمَا يُشَكِّلُ تدفقُ المعلومات سببا آخر يتطلبُ التواصلَ أكثر مع المجتمع، فإنه لا مناص من الاستشارة العلمية خاصة في سياق ما يمكنُ أن نُسَميه بأزمة الديمقراطية التمثيلية، في الشمال كما في الجنوب، والتي من عَلاَمَاتِها بروزُ التيارات الشعبوية والقوميات الضيقة وازدهارُ النزعات الانطوائية وبعض المطالب بما يسمى الديمقراطية المباشرة.
وأود في هذا الباب أن أثني على جهود السيدات والسادة أعضاء المجلس في البحث، والاعتماد على الذات وعلى قدرتهم على التغلب على النقص المسجل في مجال الإسناد، وهو ما ينضاف إلى الأعباء التي يتحملونها في مجال تمثيلية المواطنين والاشتغال في الدوائر وفي اللجان النيابية الدائمة. وإن ما يدعو إلى الاطمئنان في هذا السياق هو أن أكثر من 74% من أعضاء المجلس لهم مستوى تعليمي عالي، فيما أن 1.27% فقط لا يتوفرون على أي مستوى دراسي. ونفس الثناء ينبغي أن يسجَّل في حق عدد من أطر المجلس المتمرسين الذين ينتجون يومياً خبراتٍ ودراسات تشكل زاداً يومياً لاشتغال المجلس ولإغناء النقاش العمومي الوطني.
الزميلات والزملاء
السيدات والسادة
تزدادُ حاجتُنا في المغرب الى الاستشارة العلمية في السياق الإصلاحي الوطني الذي يوجد مجلس النواب في صُلْبِه، وخاصة منذ 2011، تاريخُ المصادقة من خلال الاستفتاءِ العام على الدستور المعدل الذي وَسَّعَ من صلاحيات مجلس النواب، بتوسيع مجال القانون وتكريس البرلمان كمصدر وحيد للتشريع، وأضاف إلى اختصاصات التشريع ومراقبة العمل الحكومي، اختصاصا مركزيا جديدا يتمثل في تقييم السياسات العمومية، وكَرَّسَ الديمقراطيةَ التشاركية والمواطنةَ حَقّاً دستوريا يمارسُه المواطنون والمواطنات خَاصة من خلال العرائض إلى السلطات العمومية التنفيذية والتشريعية، ومن خلال الملتمسات من أجل التشريع إلى البرلمان، وأخيرا من خلال دسترةِ عِدة مؤسساتٍ وإحداثِ هيئاتٍ ومجالسَ للحكامة، مَجْلِسُنَا مطالبٌ بمناقشةِ تقاريرها وترتيب اعتماد ما يَلْزَمُ من خطوات تشريعية ورقابية بشأن السياسات والقضايا التي تتناولها.
وتتطلب هذه الاختصاصات الجديدة إمكانياتٍ بشرية أكثر، وذات تكوين جيد، وتتطلب تأطيرا أوسعَ وأجْوَدَ، وتتطلبُ إسناداً قويا لأعضاء البرلمان.
في هذا السياق تندرجُ الاتفاقية التي نُوَقِّعُها اليوم، والتي تجدُ سَنَدَها التشريعي في النظام الداخلي لمجلس النواب الذي حرصنا على أن تتضمنَ مقتضياتُه الشراكة مع الجامعات العمومية، وفي مقتضيات القانون الأساسي المتعلق بتنظيم التعليم العالي، كما تجدُ مرتكزَها التنظيمي في قرارات مكتب المجلس، وفي قرارات مجالس الجامعات الموقعة على الاتفاقية.
وتتوخى الاتفاقية تقديمَ وتوفيرَ خدمات علمية من جانب المؤسسات الجامعية لفائدة مجلس النواب؛ وتشجيعَ البحث العلمي في مجال العمل البرلماني؛ وتنظيم ملتقيات وندوات ومؤتمرات علمية مشتركة ؛ وتوفير تداريب بمجلس النواب لفائدة الباحثين بسلكي الماستر والدكتوراه.
ونـأمل على هذا النحو أن نُقِيمَ جُسورَ علمية بين المجلس والجامعة المغربية، وان تُسْعِفَ هذه الخطوة التي قطعناها اليوم في تكسير حاجز لاَ مْرِئيٍ لاَ نَدْرِي جميعُنا من أَقَامَهُ، وكيف بَقِيَ قائما مُكَرِّساً نوعاً من الانغلاق من الطرفين. إننا، بتوقيع هذه الاتفاقية، نفتح اليوم آفاق جديدة أمام الجامعة بمختلف مكوناتها، وأمام المؤسسة التشريعية.
وإذا كان الرابح الأول هو الوطن، فإن الاستفادة ستكون متبادلة، إذ سَيَتَيَسَّرُ للمجلس الاستفادةُ من خبرات الجامعيين وانتاجاتهم من أطروحات وكتب ودراسات فيما ستستفيد الجامعة مما سيوفره المجلس من ولوج لرصيده من الوثائق والكتب والمجلات، ومما يحتضنه من لقاءات دراسية وندوات ومما يوفره من تداريبَ مُؤَطَّرَةٍ، وطبعا من طلباتٍ على الخبرة والاستشارة.
لقد حَرِصْنَا على أن تكون جميعُ الجامعاتِ العمومية المغربية طرفا في الاتفاقية الى جانب وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إعمالا لمبادئ الإشراك والشفافية وتكافؤ فرص المؤسسات الجامعية، وبالأساس إعمالا للبعد المجالي والجهوي لتعاوننا. وبالتأكيد فإن لكل واحدة من المؤسسات الأطراف في الاتفاقية بما تفيد فيه أكثر، وبالتأكيد أن هذا التنوع سيكون مصدرَ إغناءٍ لشراكتِنا إذا نحن تَجَنَّبْنَا التكرار، ونَوَّعْنَا حقولَ الشراكة بتنوع حاجيات المجلس، وحاجيات الديمقراطية، التي هي في نهاية المطاف حاجياتُ المجتمع في قوانينَ جيدةٍ، ملائمةٍ للسياقات الجديدة وفي رقابةٍ متعددةِ المداخل ومنتجةٍ للأثر، وفي عملياتِ تقييمٍ للسياسات العمومية، تقييمٌ يجعل هذه السياسات منتجةً، ذَاتَ مردوديةٍ وتُسْعِفُ في تجويدِ التدخلاتِ العمومية وتساعدُ جميعَ السُّلَطِ في إعمالِ مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
السيدات والسادة،
تندرج الشراكة التي نُدَشِّنُهَا اليوم مع الجامعات المغربية في إطار استراتيجيةٍ طموحةٍ يُنَفِّذُها المجلسُ لتجويدِ أعماله وتكريس الانفتاح على المجتمع. وفي إطار خطة عمله أحدث المجلس المركز البرلماني للأبحاث والدراسات والذي سيقوم بإعداد الدراسات والأبحاث المتعلقة بالعمل البرلماني التي من شأنها دعم السيدات والسادة النواب في النهوض باختصاصات ومهام ووظائف المجلس.
وفي إطار برنامج عمل المركز، سَيُعْهَدُ بإنجاز مجموعة من الدراسات والأبحاث للأساتذة الباحثين والخبراء طبقا لمجموعة من المعايير والضوابط والمساطر والشروط العلمية والموضوعية التي من شأنها ضمانُ الجودة في مختلف الأعمال العلمية التي يمكن أن تساعد المجلس في النهوض بمهامه.
ومن جهة أخرى، وتكريسا لاستدامة شراكتنا، سيعمل مجلس النواب على تنظيم ندوة علمية سنوية بشراكة مع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وبحضور القطاعات الحكومية المختصة، وكذا تنظيم ندوات موضوعاتية بشراكة مع مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي المعنية في إحدى المؤسسات الجامعية وذلك بمبادرة منه أو بطلب من إحدى الجامعات الأطراف في هذه الاتفاقية.
وتشجيعاً للبحث في الشأن البرلماني سنُطلقُ مبادرةً متميزةً ذاتَ بُعْدٍ بيداغوجي تتمثل في جائزة البحث العلمي في مجال العمل البرلماني والتي سَتُمَكِّنُ من تتويج أحسن بحث يتعلق بالعمل البرلماني، ونشر الأعمال العلمية المنجزة في هذا الإطار، وهي مبادرةٌ حَرِصْنَا على إدراجِها في النظام الداخلي للمجلس كي تأخذَ بُعْداً مؤسساتياً. وبالموازاة مع ذلك سنطلق مجلةً علمية مُحْكَمَةً ستكون منبراً لنشر مقالات ودراسات وتقاريرَ بشأن العمل البرلماني، ويُمْكِنُ أن يساهمَ فيها، إلى جانب مكونات المجلس، الأساتذةُ الباحثون والخبراء المختصون الممارسون في مجالات العمل البرلماني.
السيدات والسادة،
نتطلع إلى أن تكون الشراكة التي نضع أُسُسَهَا القانونية اليوم بدايةَ ديناميةٍ جديدةٍ في العلاقات بين المجلس والأوساط الأكاديمية. وإننا على يقين من أن الانفتاح المتبادل سيفتح آفاق واسعةً للبحث الجامعي في الشأن البرلماني، وقضايا الديموقراطية. فمجال البحث في هذا الحقل مايزال بِكْراً وفي بداياته، وجامعتُنا مدعوةٌ إلى إحداث وحدات بحث وتكوين في القانون البرلماني، والمسطرة التشريعية والديمقراطية التمثيلية في السياق الراهن، وتقييم السياسات ومراقبة المالية العامة وتحليل الميزانية ودور البرلمانات في العلاقات الدولية، وهي حقول واعدةٌ في مجال البحث. وعلى الرغم من أن ديموقراطيتَنا ماتزال فَتِيَةً وصاعدة، فإن ماراكمتْه، في النظرية والممارسة والمساطر، يوفِّرُ أرضية خصبة للبحث، في الوقت الذي تتطلب التحديات الجيوسياسية التي تواجهها منطقتنا وقارتنا والعالم، الخبرة والاستشارة العلمية التي تُسعفُ الفاعل السياسي والبرلماني في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالح بلادنا.
إنكم تدركون مكانة المعرفة، والمعلومة في عالم اليوم وفي القرار السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، مما لا يسمح بمزيد من التأخر في هذا المجال، ومما يستدعي استدراك ما أضعناه من وقت على هذا الطريق. وما نُدَشِّنُهُ اليومَ لا يمكنُ أن يُخْتَزَلَ إلا في باب مصلحة الوطن العليا. إنها خطوةٌ واعدة تندرجُ في سياق إسنادِ وتعزيز ديناميات الإصلاحات الكبرى التي دشنتها بلادنا منذ عشرين عاماً تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس الحريص والراعي للبناء الديمقراطي في مختلف تجلياته ومفاصله، والحريص أيضا على أن يلمس المواطنون والمواطنات ثمرات الإصلاح والتنمية.
شكرا على حسن إصغائكم.