بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
السيدة والسادة الوزراء ،
السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المعيَّن، المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة،
حضرات السيدات والسادة النواب،
أيها الحضور الكرام،
يسعدني أن نلتقي اليوم بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الثانية من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحالية، طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور، وكلنا ثقة في أن نجعل من هذه الدورة محطة أخرى من محطات عملنا المشترك على طريق إثراء رصيدنا البرلماني وتحصين مكاسبه بما يمكننا من المزيد من تقوية المسار الديموقراطي الوطني، وتطوير نموذجنا البرلماني المغربي الذي يلفت الانتباه بتميزه في المنطقة، والذي أضحى يمثل أساسا صلبا من أسس الدولة العصرية، الدولة المواطنة الحريصة على قيم التعدد، والاختلاف، والمشاركة، والمساواة، والانفتاح، والحوار، والتوافق الخلاق.
وإذ تنعقد هذه الدورة، أياما قليلة بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة السيد سعد الدين العثماني، والتي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بتعيينها، لايسعني سوى أن أهنئ السيد رئيس الحكومة وكافة أعضاء الحكومة الجديدة الذين اختيروا لتحمل الأمانة وأداء هذه المسؤولية الوطنية الجسيمة آملاً لهم ولـَهُنَّ النجاح والتوفيق في مهامهم حتى يكونوا في مستوى انتظارات الأمة المغربية جديرين بالثقة المولوية السامية. ولي اليقين أن العلاقات بين مؤسستنا التشريعية والحكومة الجديدة ستتم في إطار من الاحترام الكامل لمقتضيات الدستور، وأن التعاون فيما بيننا سيتم بحرص مشترك على احترام صلاحيات كل مؤسسة من المؤسستين، التشريعية والتنفيذية، وفي أفق من الحرص المشترك على خدمة المصالح العليا لبلادنا وشعبنا.
وتصادف هذه الدورة الذكرى العاشرة للمبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء المغربية حكماً ذاتياً من أجل إيجاد حل نهائي لنزاع مفتعل طال أمده. ففي مثل هذه الأيام من شهر أبريل 2007 أقدمت بلادنا، بقيادة صاحب الجلالة، على الانخراط في دينامية إيجابية وبناءة بطرح مقترح نظام للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية. تلك المبادرة التي لفتت اهتمام العالم، وحظيت بتقدير وتثمين عدد من الدول الوازنة، وذلك برهانـها الديموقراطي وارتكازها على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية.
وبخصوص هذا الانشغال الوطني المركزي، لابد أن أشيد بالروح المسؤولة التي أبداها الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس، في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن، حول الصحراء المغربية، وذلك بتشديده على ضرورة الانسحاب الفوري والكامل للعناصر الانفصالية من المنطقة العازلة (الكركرات) مبدياً إحساسه بقلق عميق بخصوص وجود عناصر مسلَّحة من جبهة البوليساريو فيها، وتجاه التحديات التي يمثلها هذا الوجود غير المشروع في هذه المنطقة العازلة.
كما ركز التقرير على الوضع الإنساني السيئ في مخيمات تندوف من خلال تفشي أمراض متعددة، خصوصا لدى النساء والأطفال من جراء سوء التغذية وممارسة العنف بأشكال مختلفة. ومن ثَـمَّ علينا أن نتفاعل مع التقرير الجديد في إطار مهامنا الدبلوماسية البرلمانية وطبقاً لمقتضيات النظام الداخلي، التقرير الذي يأتي في سياق عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وما نتج عن هذا الحدث من تحول في المشهد السياسي العام في القارة الإفريقية.
السيدة والسادة الوزراء،
السيدات والسادة النواب،
عرفت الفترة الفاصلة بين الدورتين حركية على مستوى العمل البرلماني، إذ حرصنا على إنجاز عدد من الأوراش التي تتوخى تطوير عمل مجلس النواب، وتطوير مناهجه وأدواته التشريعية والرقابية والديبلوماسية.
وهكذا، فعلى مستوى عقد الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية ومناقشتها، عمل المجلس على إحداث اللجنة الموضوعاتية المكلفة بإعداد التقرير. على أساس تحديد موضوع التقييم، المتعلق بالتنمية القروية في المناطق الجبلية.
وقد حرصنا على توفير كل المعطيات ومصادر المعلومات الـملائمة لأعضاء اللجنة قصد إنجاز هذا التقييم، وذلك عبر طلب إعداد دراسة من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في هذا الموضوع طبقا لمقتضيات المادة 214 من النظام الداخلي للمجلس، مع الاستئناس والاستفادة من كل الدراسات المتوفرة على الصعيد الوطني حول المناطق الجبلية.
وحرصت شخصيا، بـمعية مكتب المجلس، على توفير الشروط والوسائل الضرورية لأعضاء اللجنة قصد إنجاح هذا الورش الذي يكتسي أبعاداً مجالية واقتصادية واجتماعية وبيئية مؤثرة في بناء مغرب الغد.
واقتناعا من مجلس النواب بمكانة القضية النسائية كأحد الأولويات الـمجتمعية، عملنا - خلال هذه الفترة الزمنية - على إحداث مجموعة العمل المؤقتة حول المساواة والمناصفة تتولى دعم مكانة المجلس وتعزيز دوره في مجال المبادرات التشريعية، ومراقبة العمل الحكومي، والمساهمة في تقييم السياسات العمومية والديبلوماسية البرلمانية ومختلف الأنشطة البرلمانية الأخرى ذات الصلة بمواضيع المساواة والمناصفة.
هذا وبالرغم من الوقت الوجيز الذي كان متاحا، أمكننا خلق حركية مهمة على المستوى الديبلوماسي، واستطاع المجلس أن يعزز عدداً من المكتسبات، ويواصل حضوره ومشاركاته وامتداداته وإشعاعه على المستوى الدولي، وذلك بفضل الروح الوطنية العالية والالتزام القوي والثابت الذي أَبَانَ عنه السيدات والسادة النواب في مختلف مهامهم الديبلوماسية، متمثلين في ذلك الجهد الملكي في انتظام الحضور المغربي والمبادرات الميدانية والعمل الملموس لجلالته في مختلف الجبهات وعلى كافة المستويات من أجل توطيد علاقات الثقة وتعزيز روابط التعاون والشراكة والتضامن سواء في الإطار الثنائي أو مُتَعَدِّدِ الأطراف دفاعا عن المصالح العليا للبلاد، والانتصار للقضايا الدولية العادلة والمشروعة، وذلك في إطار التشبث بالقيم والمبادئ الانسانية الكونية التي تتقاسمها بلادنا مع كافة الشعوب والأمم.
تجسيدا لهذا الأفق، شهدت هذه الفترة استضافة البرلمان المغربي للمؤتمَر الرابع والعشرين للاتحاد البرلماني العربي الذي عرف مشاركة نوعية من طرف البرلمانات الوطنية العربية، واتسمت أشغاله بروح من التوافق حول عددٍ من القضايا التي تعرفها الساحة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني الشقيق في معركته التاريخية من أجل استرجاع أراضيه وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس. وأملنا أن نرقى بالاتحاد البرلماني العربي لنجعله بالقول والفعل في مستوى انتظارات وتطلعات شعوبنا العربية.
وعلى مستوى علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي، كانت لنا زيارة عمل مثمرة الى بروكسيل، أجرينا خلالها اتصالات على مستوى عالٍ في البرلمان الأوروبي، وبالأخص مع زميلنا السيد Antonio Tajani، رئيس هذه المؤسسة الوازنة، حيث تم التطرق إلى عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وكذا الآفاق الجديدة للتعاون، خصوصا بعد رجوع بلادنا الى الاتحاد الأفريقي، والتي ستقوي – لامحالة – العلاقات بين الشمال والجنوب، وكذا الدور المحوري الذي تلعبه بلادنا في العلاقات الثلاثية الأوروبية –المغربية –الأفريقية بما يعود بالنفع على استقرار وأمن المنطقة وآفاق تنميتها الاقتصادية والسياسية والثقافية.
نعيش اليوم وضعا جديداً بعد تعيين الحكومة الجديدة، فإننا نستشعر حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، وندرك بوعي جماعي برنامج العمل المكثف الذي ينتظرنا، مما يجعلنا مرة أخرى، خلال هذه الدورة، ندرك أننا سنعيش عدداً من الأزمنة البرلمانية في زمن واحد، فبعد تشكيل الحكومة، ينتظرنا عمل كبير نتطلع إلى انجازه بأقصى درجات الانضباط والالتزام.
واستناداً إلى مقتضيات الدستور، سنكون على موعد مع تقديم البرنامج الحكومي الذي سيتقدم به السيد رئيس الحكومة في بداية الأسبوع المقبل. كما ستتبعه بعد ذلك مناقشة داخل المجلس، ثم التصويت عليه وفق مقتضيات الدستور، الذي يجعل هذا الاختصاص من الصلاحيات المخولة لمجلس النواب. كما سينشغل مجلسنا بدراسة ومناقشة وكذا التصويت على مشروع قانون المالية الذي ستتقدم به الحكومة استناداً إلى القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد. وسنكون مطالبين، في إطار استكمال البناء الدستوري، بالمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية التي تمت إحالتها على المجلس أواخر الولاية التشريعية الماضية.
وفي السياق ذاته، فإن الأجندة التشريعية خلال هذه الدورة ستتطلب منا –بدون شك- المزيد من الجهد والمثابرة لدراسة مجموعة من مشاريع القوانين والتصويت عليها، خصوصا المرتبطة بعدد من المؤسسات الوطنية المنصوص على إحداثها في الدستور، فضلا عن مشاريع القوانين التي ستتم إحالتها من طرف الحكومة الجديدة.
وارتباطا بذلك، يتعين علينا كممثلين للأمة أن نبلور دورنا كاملا في جعل مقترحات القوانين أحد الروافد الأساسية والمركزية للترسانة القانونية والتشريعية الوطنية، والالتزام بالمقتضيات الواردة في الدستور والنظام الداخلي للمجلس.
أما على صعيد المراقبة البرلمانية، فإننا نتطلع خلال هذه الدورة، إضافة الى ممارسة المجلس لاختصاصه الرقابي في نطاق مبدأ التعاون والتوازن بين السلط، إلى تبني رؤية، متجددة لتفعيل آليات العمل الرقابي، وتحسين جاذبية الجلسات، خصوصا على مستوى تجنب تكرار الأسئلة القطاعية، والأسئلة الشهرية الموجهة الى السيد رئيس الحكومة المتعلقة بالسياسة العامة، والتنسيق في هذا الشأن مع مجلس المستشارين في نطاق الانسجام والتكامل الوظيفي بين المجلسين.
شكرا لإنصاتكم الكريم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.