تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد ادريس اشطيبي، نائب رئيس مجلس النواب في الندوة التي ينظمها مجلس النواب حول موضوع "الهجرة والإدماج"

السيد عبد الكريم إبنو عتيق الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة

السيد ادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان

الزميلات والزملاء،

أصحاب السعادة السفيرات والسفراء                 

السيدات والسادة

 

يسعدني، باسم السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، أن أفتتح أشغال هذه الندوة التي ينظمها المجلس في موضوع "الهجرة والاندماج" إسهاما منه في النقاش الوطني والدولي حول إشكالية وظاهرة تتصدر اليوم الأجندات الدولية والنقاش العمومي في العديد من البلدان وعلى مستوى المنظمات الدولية.

وينظم المجلس هذه الندوة أيضا في سياق النقاش العمومي والمؤسساتي بشأن مشروع الميثاق العالمي حول هجرة آمنة منظمة ومنتظمة والمنتدى العالمي حول الهجرة الذي تحتضنه مدينة مراكش في نهاية السنة الجارية.

وعلى أساس هذه الخلفية يمكن اعتبار سنتي 2017 و2018 عامي الهجرة في المغرب بامتياز إذ تميزتا باختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من طرف الاتحاد الإفريقي رائدا للاتحاد في مجال الهجرة في إفريقيا. ولئن كان تقدير المجموعة الدولية للمقاربة المغربية في مجال الهجرة، هو تقدير للسياسة الجديدة المعتمدة في المملكة وفق رؤية جلالة الملك، في ما يرجع إلى الهجرة واللجوء وسياسة إدماج المهاجرين وتمكينهم من حقوقهم الاجتماعية، فإنه يجسد أيضاً تقديرا لتقاليد مغربية عريقة في مجال الاستقبال والإدماج والتعايش. فبلادنا بلد هجرة بامتياز منذ قرون. لذلك، فإن لا غرابة أن يتم اختيار أرض المملكة من طرف منظمة الأمم المتحدة لاحتضان المنتدى العالمي للهجرة واعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة، منظمة ومنتظمة. ومن صدف التاريخ أن مراكش التي تحتضن هذا الحدث في 2018 هي ذات الحاضرة العالمية التي احتضنت قبل 24 عاما أي سنة 1994، التوقيع على الوثيقة النهائية للاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية المعروفة ب GATT وميلاد منظمة التجارة العالمية. فهل ستصحح المجموعة الدولية أخطاءها وسياساتها بشأن الهجرة وتعتبر أن منطق التاريخ، والعقل، والقيم لايقبل التناقض بين فرض مبادلات اقتصادية وخدماتية حرة ومفتوحة، مقابل وضع كل الحواجز أمام تنقل الأشخاص بل، وتجريم هذا التنقل في العديد من الحالات.

 

السيدات والسادة

 

تسائلنا الهجرة باعتبارها ظاهرة بشرية عالمية عن مدى تحملنا، كمجموعة دولية، المسؤولية المشتركة في تدبيرها، تدبيرُها من حيث التصدي لأسبابها من نزاعات وحروب واختلالات مناخية وبطالة ومجاعاتٍ، والمسؤولية في التعاطي معها كظاهرة إنسانيةٍ وحركاتِ إِخْصَابٍ للمبادلات والثقافات وتجسير للعلاقات بين المجموعات البشرية.

ومن جهة أخرى، فإن المجموعة الدولية، في قضية الهجرة ممتحنة في مدى التزامها بمبادئ ومعايير وقيم حقوق الإنسان، والقدرة على الإدماج، وتَقبُّل الآخر، والتضامن مع الآخر في زمن الأزمات واللحظات التي يكون فيها محتاجاً إلى هذا التضامن. وفي العديد من الحالات فإن إنسانيتنا هي التي تكون ممتحنة.

ومع كامل الأسف، فإن تَمَثُّلاَت الهجرة في السياق الدولي الراهن، هي تمثلات سلبية، إذ أصبحت الهجرة بمثابة فَزاَّعَة حضارية وهُوِّيَاتِية، توظف سياسيا وانتخابيا لربح الأصوات، ويُعَلَّق على مشجبها العديد من المشكلات الداخلية في بعض البلدان، وتكون مَطِّيَةً لإشاعة خطابات الانطواء وكراهية الأجانب واستصدار التشريعات التي تَحَدُّ من تنقلات البشر، خاصة في سياق مطبوع بمخاطر الإرهاب والتطرف.

ويقتضي تصحيح هذه التمثلات الخاطئة، توسيع قاعدة المؤمنين بإيجابيات الهجرة وفوائدها وقيمها المضافة، من دول وتنظيمات سياسية وحركات مدنية، وصنّاع الرأي العام. فالمهاجرون، عكس الصورة النمطية التي تُعْطَى عنهم، بعد أن ساهموا في الماضي في بناء اقتصادات بلدان الاستقبال، يساهمون اليوم في رخائها وازدهارها، ومنهم كفاءات علمية وتكنولوجية، وأدمغة، وأهل ابتكار، وهم سواعدُ في المعامل والاستغلاليات الفلاحية، وفي عديد من الحالات، سواعد في أعمال لا يقوم بها مواطنو بلدان الاستقبال، إنهم علامات نجاح دراسي وعلمي ورياضي وثقافي وإنتاجي.

إن الأمر يتعلق بقوى عاملة، وبطاقاتٍ فكرية وعلمية وبعلامات نجاح، مما يتطلب الكَفَّ عن الخلط بين الهجرة من جهة، والإرهاب والعنف والتطرف من جهة أخرى.

وتقع على البرلمانات في هذه المهمة، مسؤوليات متعددة لجهة إصدار التشريعات الوطنية الضرورية خاصة في ما يرجع إلى ضرورة إعمال مقتضيات الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنتظمة، ولجهة الرقابة على السياسات العمومية في مجال الهجرة. وقد كان موضوع الهجرة محور الدورة 138 لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الذي انعقد نهاية مارس الماضي بجنيف، إذ عكس النقاش الذي شهدته جلسات المؤتمر، وعيا حقيقيا، من جانب المجموعة البرلمانية الدولية، بِرِهانات الهجرات العابرة للحدود في السياق الدولي الراهن.

وتعميقا لهذا النقاش اختار الاتحاد البرلماني الدولي المغرب لاحتضان ندوة برلمانية دولية حول الهجرة ينظمها البرلمان المغربي بتعاون مع الاتحاد في دجنبر المقبل تمهيدا للقمة الحكومية التي ستحتضنها مدينة مراكش.

 

السيدات والسادة

 

ننتمي إلى قارة تكتسي رهانات الهجرة بالنسبة إلى بلدانها أهمية خاصة. ولئن كانت افريقيا لاتشكل إلا نسبة ضعيفة من مصادر الهجرة إلى قارات أخرى. وكما أوضح ذلك جلالة الملك محمد السادس في رسالته إلى القمة الخامسة للاتحاد الافريقي - الاتحاد الأوروبي المنعقدة يوم 29 نونبر 2017 بأبيدجان فإن "الهجرة الافريقية لا تتم بين القارات في غالب الأحيان. فهي تقوم قبل كل شيء داخل البلدان الافريقية إذ أنه من أصل 5 أفارقة مهاجرين 4 منهم يبقون في إفريقيا. والهجرة غير الشرعية لاتشكل النسبة الكبرى، فهي تمثل 20% فقط من الحجم الاجمالي للهجرة الدولية، والهجرة لاتسبب الفقر لدول الاستقبال لأن 85% من عائدات الهجرة تصرف داخل هذه الدول" (انتهى كلام جلالة الملك).

ومع ذلك، فإن افريقيا في حاجة إلى تثمين مواردها البشرية، وإلى توفير كافة أسباب نجاح الصعود الافريقي والاستغلال الأمثل لثرواتها، وتيسير حركية بشرية مفيدة لبلدانها، والحفاظ على طاقاتها العلمية وكفاءاتها والتفكير جيداً في الخسائر التي تتسبب فيها هجرة الأدمغة الافريقية خارج القارة. وفي هذا الموضوع، أيضا فإن المسؤولية مشتركة بين أعضاء المجموعة الدولية لجهة تحويل التكنولوجيا وتحويل الاستثمارات ورؤوس الأموال وفق منطق رابح-رابح الذي ما فتئ جلالة الملك يدعو إليه. فبعد تخلص افريقيا من عدد من المعضلات التي واجهتها في عقود سابقة وتحقيق الانتقالات الديموقراطية، ينبغي اليوم توفير أسباب التنمية المنتجة للشغل الضامن للكرامة.

ومن حسن الحظ أن ثمة من أعضاء المجموعة الدولية ممن يقدر ظروف المهاجرين ويقارب الهجرة وفق منظور إنساني وبسياسات مدمجة. فعدد من بلدان الاتحاد الاروبي، على قلتها، أبانت مثلا خلال أزمات النزوح من الشرق الأوسط وشمال افريقيا وخاصة من سوريا، خلال السنوات الأخيرة عن حكمة وتعقل قلما نشهده  في السياق الدولي الراهن. وقد تميزت ألمانيا، التي تترأس إلى جانب المغرب المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، باعتماد سياسات دامجة وإعمال مقاربات إنسانية جعلتها، إلى جانب قوى أوربية أساسية أخرى، محط تقدير الرأي العام الدولي.

أجدد الترحيب بكم وأشكركم على استجابتكم لدعوة السيد الرئيس الحبيب المالكي الذي يوجد في مهمة رسمية خارج الوطن. وأخص بالشكر أعضاء السلك الدبلوماسي الذين لبوا الدعوة كما أشكر السيد الوزير المنتدب الأستاذ عبد الكريم بنو عتيق على تعاونه وانفتاحه على المجلس في ما يخص القضايا التي تدخل في اختصاص الوزارة، والشكر ذاته أثنيه للسيد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لحضوره معنا كما عودنا دائما، وأثني على مشاركة المنظمات الدولية الحاضرة معنا.

شكراً على إصغائكم.