تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيدة النائبة عزوها العراك في الاجتماع الذي ينظمه الاتحاد البرلماني الدولي بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة على هامش انعقاد الدورة 63 للجنة وضعية المرأة بالأمم المتحدة.

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على خاتم المرسلين

السيدة  رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي

السيدة رئيسة منظمة الأمم المتحدة للمرأة

السيدات والسادة رؤساء الوفود البرلمانية وممثلي البرلمانات

حضرات السيدات والسادة

أيها الحضور الكريم

 

يسعدني أن أُعبر لكم على اعتزازنا البالغ بالمشاركة في هذا اللقاء الذي يُنظِّمُه الاتحاد البرلماني الدولي بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على هامش انعقاد الدورة 63 للجنة وضعية المرأة بالأمم المتحدة.

إذْ هي فرصة لتجديد أواصر التواصل بيننا والعمل على التفكير بروح جماعية ووعي مشترك وأفق موّحد حول الانشغالات والتحدّيات التي يطرحها موضوع المساواة بين الجنسين في أبعادها المختلفة، والوقوف عند المنجزات والتراكمات الإيجابية التي سجّلناها في بلداننا ، وكذا رصد المعيقات والاختلالات والنواقص التي تُواجه مسار إدماج المرأة في الحياة العامة بكل تفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها ، فضلا عن استشراف معالم المستقبل وما ينبغي علينا القيام به بين بُلداننا وقارّاتنا التي يمكننا أن نتكامل فيها، وذلك انتصارا لقيم المساواة والتضامن.

وفي غمار هذا الحدث المهم، نأمل أن يُتوّج لقائنا بخلاصات وأفكار تُسعِفنا في توضيح المعالم وتوفير بعضا من الشروط الموضوعية لرسم خريطة طريق مستقبلية من شأنها أن تُكرِّس الوضعية الاعتبارية والحقوق الكونية للنساء والفتيات وجعلهن أكثر نشاطا وحضورا وقوة وفعالية في الحياة العامة .

حضرات السيدات والسادة

إن هذا الموضوع  الذي نتناوله اليوم بالرغم مما قد يبدو عليه من كونه غير  جديد  في النقاشات العمومية سواء داخل الفضاءات البرلمانية، أو في مختلف أدبيات وخطابات السلطات العمومية والمجالس المنتخبة ،  لكن استطيع أن أؤكد لكم أنه في عمقه وأبعاده وأفقه يظل دائما موضوعا متجدّدا ويحظى بأهمية متزايدة ومتواصلة، ذلك أن الاهتمام والعناية بالعنصر النسوي والفتيات تعتبر أحد المداخل الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي ومواطن  يمكن من تعزيز  معالم دولة حديثة منخرطة في عصرها الرحب ، دولة قادرة على استيعاب واستثمار كل طاقاتها البشرية في تحقيق التنمية المنشودة .

وهنا أستطيع القول وبكل اعتزاز أن ما قامت به بلادنا في هذا الاطار يشكل تجربة نموذجية يمكن أن نتقاسمها معكم، كما نضعها رهن إشارة أشقائنا وأصدقائنا في مختلف الفضاءات البرلمانية ولا سيما في إطار تعزيز علاقاتنا جنوب –جنوب.

وفي هذا الإطار، يمكن القول أن المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال العقدين الأخيرين استطاعت أن تُرسِّخ لنموذج اجتماعي تشكل  فيه المرأة إحدى أهم الدعامات الأساسية .

وهكذا، وبعد إطلاق بلادنا لجيل من الإصلاحات الجوهرية الداعمة لوضعية المرأة كمدونة الأسرة،  وقانون الجنسية، والقانون الجنائي، ومدونة الشغل وغيرها من المكتسبات القانونية المهمة، وكذا المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بادرت بلادنا مجددا بنفس الروح والإرادة والطموح والانفتاح لاعتماد جيل جديد من الحقوق، وهي الحقوق التي تمّ تأطيرها دستوريا خلال المراجعة دستور سنة 2011، في إشارة لها دلالتها الرمزية القوية والتي تؤكد مرة أخرى أن بلادنا منخرطة في تعزيز منظومة النساء والفتيات وتمكينهم من الاستفادة من كافة الحقوق الدستورية وفي طليعاتها الاستفادة من منظومة الحماية الاجتماعية، وكذا الولوج إلى الخدمات الأساسية في مجال التعليم والصحة والسكن والشغل والتنمية المستدامة.

كما نودّ أن نقف عند ورش الجهوية المتقدمة الذي انخرطت فيها بلادنا باعتبارها ركيزة أساسية لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتوفير البنيات التحتية الأساسية لفائدة الساكنة المحلية ضمنها مشاريع وأوراش  تستهدف بشكل مباشر النساء والفتيات.

حضرات السيدات والسادة

ما من شك أننا كممثّلين لشعوبنا في المؤسسات التمثيلية البرلمانية نضع القضية النسائية والفتيات في قلب انشغالاتنا اليومية، وذلك انطلاقا من مسؤوليتنا الدستورية وواجبنا السياسي وانخراطنا في تأطير مختلف النقاشات الوطنية والمجتمعية ذات الصلة، ولنا واجب الدفاع عن كل القضايا العادلة والمشروعة لشعوبنا وفي طليعتها كل ما يرتبط بتعزيز مكانة النساء والفتيات وتقوية وُلوجِهن إلى برامج الحماية الاجتماعية وإلى الخدمات الأساسية في مجال التعليم والصحّة والسكن والتنمية المستدامة .

وبناء على ذلك، فإن دورنا في البرلمان ليس كما قد يتصوره البعض في متابعة الأوراش التي تُعدُّها وتُنفّذُها الحكومة فقط، بل مهمتنا تتجاوز هذا الإطار حيث خولنا الدستور عددا من الآليات الدستورية التي من شأنها المساهمة في رسم معالم السياسات العمومية ومختلف البرامج الوطنية بالإعداد والتتبع والمراقبة والتقييم .

وفي هذا الإطار، كانت لنا مناسبات عديدة سواء خلال الولاية التشريعية السابقة أو الحالية للبرلمان في دراسة ومناقشة عدد من مشاريع ومقترحات القوانين المرتبطة ذات الصلة بالموضوع، نذكُر من بينها مدونة التغطية الصحية الأساسية ونظام الضمان الاجتماعي وتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، ومُدوَّنة التعاضد فضلا عن بعض النصوص المرتبطة بالمؤسسات الاستشارية كالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز  وغيره من النصوص المهمة .

وفي السياق ذاته، خول لنا الدستور مجموعة من الآليات التي بمقتضاها نواكب عمل الحكومة بالتتبع والمراقبة حيث سجّلنا خلال هذه الولاية التشريعية توجيه عدد من الأسئلة المرتبطة بحقوق المرأة والفتيات ومدى استفادتها من الخدمات الأساسية ولا سيما في العالم القروي.

واستنادا للاختصاص الجديد للبرلمان في مناقشة وتقييم السياسات العمومية، عَمَد مجلس النواب المغربي إلى اختيار مواضيع متصلة في عمقها وجوهرها بالقضية النسائية والأجيال الصاعدة ضِمنها تقييم برنامج الكهربة القروية، والبرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، وكذا محور مساهمة البرنامج الوطني للطرق القروية الثاني في فك العزلة عن المجال القروي والجبلي.

وخلال الأسابيع الماضية ناقش المجلس موضوع صندوق التماسك الاجتماعي المخصص للدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشّة الحاضنات لأطفالهن اليتامى.

وفي نفس الإطار، فإن حدث دراسة ومناقشة قانون المالية السنوي مناسبة للبرلمان لتسليط الضوء على ميزانية النوع الاجتماعي وما تمَّ إنجازه في هذا الصدد، ولاسيما أن الحكومة تُرفق مشروع قانون المالية بتقرير حول الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع.

وتجسيدا لهذا التوجّه الإيجابي، نص النظام الداخلي لمجلس النواب على عدد من الأدوات القانونية التي من شأنها تعزيز هذه المقاربة، نذكر من بينها المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالمناصفة والمساواة والتي جاءت لتقوية المكتسبات النسائية في كل المجالات وتعزيزها على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية وغيرها من الميادين .

فكما لاحظتم، حضرات السيدات والسادة فإن التجربة البرلمانية المغربية لاشك أنها تتقاطع مع عدد من التجارب والممارسات  في المؤسسات البرلمانية الحاضرة معنا اليوم.  ومع ذلك نقول أننا مازلنا في بداية المسار وأن الطريق لازالت صعبة ومليئة بالتحديات والرهانات والإنتظارات، لذلك ينبغي توحيد الجهود بما يمكننا من إعادة القيمة الاعتبارية  للنساء والفتيات، وضمان  حقوقهن كاملة انتصارا لقيم المساواة والانصاف والعدالة الاجتماعية في أسمى صورها.

وفي الختام لا يسعُني إلاَّ أن أشكُر  كافة الفعاليات التي سَهِرت على تنظيم هذا الاجتماع الذي آمل أن تُكلّل أشغاله بكامل التوفيق والنجاح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.