تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيدة النائبة خديجة زومي رئيسة لجنة العرائض في ختام اللقاء التواصلي حول الديموقراطية التشاركية تحت عنوان : "تقديم العرائض والملتمسات: من أجل مشاركة ديمقراطية ومواطنة" المنظمة يوم 2 فبراير 2023 بمقر مجلس النواب

 إن الندوة المنظمة من قبل لجنة العرائض بمجلس النواب اليوم 2 فبراير2023 حول موضوع " تقديم العرائض والملتمسات: من أجل مشاركة ديمقراطية ومواطنة " والتي حظيت برئاسة ومشاركة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب والسيدة خديجة زومي رئيسة لجنة العرائض، والسيدات والسادة  أعضاء لجنة العرائض :" السيدة نادية تهامي، والسيدة مليكة الزخنيني، والسيد يونس بنسليمان"، وممثلين عن  مجلس المستشارين و الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان ، وممثل عن الاتحاد الأوروبي، و بحضور السيدات والسادة النواب والسيدات والسادة رؤساء الجامعات والعمداء والأساتذة الجامعيين وبحضور قوي ومتميز للسيدات والسادة ممثلي الهيئات الدولية، وهيئات المجتمع المدني، والخبراء .

وكما تعلمون فإن هذه الندوة تندرج في إطار سياسة انفتاح المجلس على المجتمع المدني ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وجميع الفعاليات المهتمة بمجال الديموقراطية التشاركية ، وفي إطار التزام مجلس النواب بمبادرة الشراكة من أجل برلمان منفتح. كما أنها شكلت فرصة لتبادل وجهات النظر حول خصوصية هذه الآلية الحديثة ، المكملة للديموقراطية التمثيلية، والتي تصب في هدف واحد، وهو تحقيق مطالب وطموحات المواطن والذود عنه وعن مصالحه لدى السلطة العمومية.

  لقد تطرقت الندوة في جلستها الإفتتاحية التي ترأسها السيد رئيس مجلس النواب إلى  أهمية النموذج الديمقراطي المغربي المتأصل على أسس وإصلاحات متراكمة، حرص القانون الأسمى للأمة على دسترة مركز وأدوار وحقوق وواجبات المجتمع المدني، سواء فيما يرجع إلى الديمقراطية التشاركية والمواطنة وتأطير مبادرات المواطنات والمواطنين في هذا الباب أو على المساهمة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وتفعيلها وتقييمها.

ونظرا للمركز المهم الذي يتبوؤه المجتمع المدني في الهندسة الدستورية، إذ يساهم في إثراء الديمقراطية ويضطلع بالأدوار ويمارس الحقوق التي يكفلها له الدستور والتشريعات ذات الصلة، ويؤطر مبادرات المواطنين في مجال العرائض والملتمسات إلى السلطات العمومية والتمثيلية. فإن ما تحقق إلى حدود اليوم لا يرقى إلى مستوى الطموح الوطني المشترك، ولا يعكس دينامية وقوة وامتدادت  المجتمع المدني المغربي، حيث يبقى الرهان الأكبر التغلب على الصعوبات لضخ دينامية جديدة في الديمقراطية التشاركية سواء في ما يخص التكوين والتأطير ، أو المساطر أو المسارات أو التواصل أو المآلات.

وأما الجلسة الأولى : الديمقراطية التمثيلية والتشاركية: رؤى متقاطعة

    قدعرفت هذه الجلسة مداخلات مهمة من طرف الأساتذة والخبراء الحاضرين حيث تناولت أسس ومرتكزات العلاقة بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، وأهمية الديمقراطية التشاركية كمفهوم جوهري يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام والمحلي، كما أنها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والسلطات العمومية بشقيها الوطني والمحلي، وأن من نتائجها التحاور وإيجاد الحلول للمشاريع المقترحة من طرف المجتمع، وأنها طريقة للتقييم والتتبع والمراقبة، وأنها كذلك عملية لترميم الديمقراطية التمثيلية، فالديمقراطية التشاركية تجعل من المواطن العادي في قلب اهتماماتها بإعتبارها شكلا من أشكال التدبير المشترك للشأن العام .

     وتم إغناء هذه الجلسة بالنقاش حول أهمية وسياق التنزيل الدستوري للديمقراطية التشاركية، من خلال المصادقة على القوانين المنظمة للحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية و تقديم ملتمسات في مجال التشريع أمام غرفتي البرلمان، مع التأكيد على أن هذه المقتضيات القانونية عملت على تفعيل مشاركة المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في تدبير الشأن العام من خلال التنصيص على إحداث " لجنة العرائض" لإستقبال مطالب ومقترحات وتوصيات من قبل المواطنين سواء المقيمين بالمغرب أو خارجه ، وهو ما يشكل منعطفا تاريخيا في سبيل توطيد المجتمع الديمقراطي القائم على المشاركة المواطنة والتعددية.

 غير أن الصعوبات العملية التي صاحبت عملية تنزيل القوانين المنظمة للحق في تقديم الملتمسات والعرائض، دعت إلى ضرورة العمل على تقريب هذه الأليات أكثر من المواطنات والمواطنين عبر تعديل هذه النصوص التشريعية لتخفيف شروط تقديم العرائض والملتمسات والدفع في اتجاه رقمنة كُلية لهذه الآلية.

وبالنسبة للجلسة الثانية : الديمقراطية التشاركية في ضوء التجارب المقارنة: الحصيلة والآفاق

     فقد تطرقت لمجموعة من التجارب الدولية خاصة تجربة البرلمان السويسري والألماني والبرتغالي وأيضا البرلمان الفلندي، بحيث تم التعريف بالخصائص والمميزات لكل تجربة  على حدى، وبسط المقتضيات القانونية و التقنية والاجراءات العملية لتقديم العرائض والملتمسات، وكذا طبيعة المطالب الموجهة للحكومة وللمجالس الترابية، وطبيعة الالتماسات الإلكترونية ، وإبراز التقدم المحرز على مستوى  رقمنة العرائض والملتمسات الإلكترونية في هذه التجارب.  كما تم بسط الامكانيات المتاحة للاستفادة من هذه التجارب والأخذ بالمفيد والقابل للتطبيق في المغرب وفق الثوابت الجامعة للأمة.

      وعرفت هذه الجلستان تجاوب وتفاعل كبير من طرف السيدات والسادة النواب والسيدات والسادة ممثلي المجتمع المدني المدعوين لهذه الندوة، بحيث شكل إضافة نوعية نابعة من احتكاكهم اليومي والمباشر بالمواطنين، على أن حضور الاساتذة الباحثين وممثلي مؤسسات التعليم العالي كان له لمسة أكاديمية مؤثرة في النقاش.

وقد تخلل هذا النقاش تساؤلات واقتراحات قيمة من السيدات والسادة الحضور، لامست الإشكالات و المعيقات التالية :

-         حصيلة بلادنا في مجال الديمقراطية التشاركية مازالت دون الطموح المشترك لنا جميعا كمغاربة؛

-         غموض المساطر يشكل أحد أكبر الصعوبات والعوائق التي تحد من الديمقراطية التشاركية؛

-         إشكالية تدبير التواصل بين هيئات المجتمع المدني من جهة والمؤسسات المعنية بالعرائض والملتمسات من أجل التشريع من جهة ثانية،  

-         ضعف التسويق الإعلامي للديموقراطية التشاركية وتقريبها من المواطنين بجميع فئاتهم، حيث تبقى بعيدة المنال عن المواطنين والمجتمع المدني، لعدم دراية أغلبهم بهذه الآلية؛

- إشكالية مدى قدرة المجتمع المدني على استعمال هذه الآلية الديموقراطية؟ وبأية طريقة؟ بالإضافة إلى الشروط القانونية المُقَيِّدة المُتَطلَبَة في مقدمي العرائض والملتمسات والتي تشكل عائقا كبيرا في إشاعة ثقافة المشاركة المواطنة؛

-         إشكال المآلات المطروحة أمام مجلس النواب وقيمتها وفعاليتها في الاستجابة للمطالب المُضَمَّنَة في العرائض المقدمة وملتمسات التشريع؛

-          إمكانية تحسين المسارات الممكنة لتصريف المبادرة والتجاوب معها بفعالية وإيجابية، حتى تفضي لتعزيز الثقة في التعامل مع المؤسسات وتحقيق المشاركة الفعلية مع ضمان التجاوب مع المبادرات.

وانطلاقا من النقاش العميق والتفاعل الإيجابي الذي انحاز لمنطق النقد البناء واقتراح الحلول الممكنة، في صورة بدائل تُجود الأداء وتُقرِبنا من النتائج المَرجوة، فقد أجمع الحاضرون على تبني مجموعة من التوصيات، من أهمها:

-         ضرورة التحديد المفاهيمي للديموقراطية التشاركية وإعطائها بعدا تشاركيا حقيقيا من أجل بلورة نموذج مغربي متميز للديموقراطية التشاركية، دامج لجميع فئات المجتمع؛

-         الدعوة إلى التفكير الجماعي للتغلب على الصعوبات سواء المسطرية أو الصعوبات المتعلقة بالمسارات أو التواصل أو المآلات، وذلك لتبسيط الولوج الى العرائض والملتمسات.

-         تفعيل مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني بشأن الديموقراطية التشاركية؛

-         توسيع قاعدة التشاور مع فعاليات المجتمع المدني واعتماد {برلمان القرب} والنزول نحو الجهات في حملة إعلامية تواصلية؛

-         الأخذ بعين الاعتبار التجارب المقارنة والممارسات الفضلى في مجال الديموقراطية التشاركية عند تنزيل هده الآلية، خاصة فيما يتعلق بتيسير المساطر واشراك النواب البرلمانيين في عرضها على المجلس؛

-         تنظيم برامج للتكوين وأوراش تطبيقية من أجل تقوية قدرات المجتمع المدني لكي يشكل قوة اقتراحية في مجال الديمقراطية التشاركية.؛

-         فتح نقاش  حول تعديل بنود القانونين التنظيميين المؤطرين للحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية وتقديم الملتمسات في مجال التشريع إلى مجلسي البرلمان، واستشراف اعتماد قانون حول التشاور العمومي الذي سيؤطر مسار المبادرة المواطنة ؛

ولعل التجاوب مع هذه التوصيات سيزيد من منسوب الثقة لدى المواطن في المؤسسة البرلمانية وتحقيق المشاركة الفعلية للمجتمع المدني .

وفي ختام هذه الندوة التي أتمنى صادقة أن نكون حققنا الأهداف المتوخاة منها، أشكر الحضور الكريم على الإهتمام وأشُد بحرارة على يدي مسيري جلسات هذا اللقاء المتميز والمتدخلين الأجِلاء.