تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيدة النائبة خديجة الزومي رئيسة لجنة العرائض في الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي بمجلس النواب تحت عنوان "مداخل التنمية في المجالات الجبلية" بتاريخ 22 يونيو 2023

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

السيدات والسادة النواب المحترمين،

السيدات والسادة ممثلي الائتلاف المدني من أجل الجبل

السيدات والسادة

أيها الحضور الكريم،

إنه لشرف كبير أن أفتتح أشغال هذا اليوم الدراسي حول التنمية المجالية تحت عنوان "مداخل التنمية في المجالات الجبلية" الذي تُنظمه لجنة العرائض بمجلس النواب المغربي، ويسعدني حضرات السيدات والسادة في بداية هذه الكلمة أن أُرَحِّبَ بِكُمْ، مسؤولات ومسؤُولي هيئات المجتمع المدني، وبضيوفنا الكرام في رحاب مجلس النواب المغربي، لفعاليات هذا اليوم الدراسي الذي يندرج في إطار انفتاح المجلس على هيئات المجتمع المدني وسعيه الدائم للنهوض بالديمقراطية التشاركية في إطار مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة.

السيدات والسادة،

إن منظمات المجتمع المدني تعتبر شريكًا في تفعيل الديموقراطية التشاركية والمواطنة وِفْقَ ما يَكْفَلُه دستورُ المملكة من تكامل بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية، بحيث يستند هذا التكامل في أساسه المعياري على الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور الذي ينص على قيام النظام الدستوري للمملكة على "أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية".

وإذ نثني في هذا الصدد على دينامية ويقظة هيئات المجتمع المدني بالمغرب في الترافع من أجل قضايا التنمية المحلية والمستدامة وقضايا العدالة المجالية والاجتماعية وبعملها الميداني المتسم بالقرب والتنوع وأيضا الدينامية المجتمعية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها في إثارة الانتباه إلى الأدوار الدستورية للمجتمع المدني.

وإذا كانت هذه الديناميةُ تستحقُ التقديرَ والثَّناء، فإن ما يَكْفَلُه لها الدستُور، والتشريعاتُ ذات الصلة من حقوق وواجباتٍ، يحفزها أكثر للقيام بمهامَّ مجتمعية جديدةٍ. فهي بِمَنْطُوقِ الفصل 12 من الدستور مطالبةٌ بالمساهمة "في إطار الديموقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات الحكومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها".

وإذا كان الفصلان 14 و15 يَكْفَلَان للمواطنات والمواطنين حَقَّ تقديم ملتمساتٍ في مجال التشريع، وحق تقديم عرائض إلى السلطات العمومية، بما فيها التمثيلية، فإن هيئات المجتمع المدني مدعوةٌ إلى تأطير مبادرات المواطنين في هذا المجال، والمساهمة في تفعيل مقاصد دستور المملكة، وتيسير المشاركة، وإغناء التشريع الوطني، خاصة وأنكم تتمتعون بمِيزَةِ القرب، وبتَعَدُّدِ مجالات اشتغالكم، ولَكُمْ القدرة على تَشْبِيك علاقاتكم في الميدان.

السيدات والسادة

لقد نَجَحَتْ بلادُنا في الانتقال من دَسْتَرَةِ الديمقراطية التشاركية بإقرارِها في الدستور، إلى تأطيرِها تشريعيّاً بإقرارِ القانونين التنظيميين بشأن العرائض والملتمسات من أجل التشريع، وتَضْمِينِها في النظام الداخلي لمجلس النواب، ثم إلى إصدار النصوص التنظيمية لهذا الإصلاح المؤسساتي والمجتمعي الهَامْ. وقد حَرَص مجلس النواب على تشكيل اللجنة المعنية بتلقي عرائض وملتمسات المواطنين إعمالا لأحكام الدستور والقانون التنظيمي ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس ذات الصلة، وتوفير الهياكل الإدارية لذلك.

 وما من شك في أن المجتمع المدني بما يجسده من تنوع وتعددية تساهم في نشر قيم التطوع والتضامن وثقافة التسامح، والتنشئة على قيم المُوَاطَنَة، سيكونُ دعامةً أكثرَ فعاليةً ونجاعةً للمؤسسات، وسَيكُونُ رَافِداً للديمقراطية المؤسساتية ومَصدرَ إثراءٍ لها، خاصة من خلال تأطيرِ مبادراتِ المواطنات والمواطنين في إعدادِ وتَبَنِّي وإيداعِ العرائض والملتمسات من أجل التشريع.

وكما أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، فإن "المغرب في حاجة لكل أبنائه ولجميع القوى الحية والمؤثرة وخاصة هيئات المجتمع المدني التي ما فتئنا نشجع مبادراتها الجادة اعتبارا لدورها الإيجابي كسلطة مضادةٍ وقوةٍ اقتراحيةٍ تساهم في النقد البناء وتوازن السلط" انتهى كلام جلالة الملك.

السيدات والسادة

لقد رَاكَمَ المجتمع المدني المغربي خبراتٍ كبيرة اكْتَسَبَهَا من الْتِزَامِه لعقود بالعمل في مختلف الواجهات الحقوقية والثقافية والإنمائية والاجتماعيَّة والبيئية، وفي ترسيخ القيم المواطِنة مما يسَّرَ دَسْتَرَة أدوارِه، ووظائفِه ومكانتِه وحقوقِه.

وفي إطار التفاعل وفتح النقاش حول قضايا التنمية والعدالة المجالية، واعتبارا لخصوصية وأهمية المناطق الجبلية بالمغرب ليس فقط ككتل مادية بل كرموز وطنية تشكلت حولها عناصر عديدة من التاريخ والهوية المغربية، إذ تؤدي أدوارا اقتصادية وبيئية وثقافية، وبالنظر إلى ثنائية الغنى في الموارد والعجز في التنمية التي لازمتها طوال عقود، وتماشيا مع الاهتمام الدولي المتزايد بضرورة حماية الجبال نظرا لكون الجبال مصدرا وفيرا للموارد الحيوية من مياه وتنوع بيولوجي وتأثيرها على المناخ والتوازنات البيئية، وفي نفس الوقت طبيعتها الهشة لما تتعرض له هذه الموارد من تهديد بفعل الاستنزاف إضافة إلى التغييرات المناخية والكوارث الطبيعية وتدهور الغابات.

فإن لجنة العرائض بمجلس النواب انطلاقا من مهامها الدستورية في استقبال عرائض ومبادرات المواطنين، تسعى من خلال هذا اليوم الدراسي أن تخلق  فضاء للحوار والنقاش حول أهم القضايا المجتمعية وعلى رأسها  إشكالية تنمية المناطق الجبلية بالمغرب، وإيمانا منها بأهمية الترافع المدني وأيضا بأهمية التفاعل الايجابي من مجلسنا الموقر في ملامسة موضوع بناء نموذج تنموي وطني يستجيب لحاجيات المواطنين، ويلائم الخصوصيات المجالية للجبل ، و يستجيب بشكل ناجع لمتطلبات التنمية المستدامة للمناطق الجبلية وساكنتها ويتدارك العجز التنموي المسجل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي.

وهنا لابدا أن أستحضر خطاب صاحب الجلالة نصره الله وأيده في خطابه السامي الذي وجهه يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017 بمناسبة ترؤس جلالته لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية على أنه "إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية."

ومن هذا المنبر، أجدد الدعوة إلى هيئات المجتمع المدني بمختلف أطيافها لاستعمال حقوقها الدستورية وإطلاق مبادرات مواطنة في مجال الديموقراطية التشاركية باعتبارها إحدى ركائز المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام، وإذ أرحب بمسؤولات ومسؤولي الإتلاف الوطني من أجل الجبل ، أدعوكم إلى إثراء هذا اليوم الدراسي بالنقاش وابتكار الحلول والاقتراحات  والمساهمة في إِعْمَالِ الديمقراطية التشاركية ببلدنا، وكلي ثقة  أن النقاش سيفضي إلى نتائج وتوصيات مثمرة ستساهم في بناء تصور  واضح ومتوافق حوله للحد من الفوارق المجالية وتقوية التضامن بين جهات المملكة الشريفة.

وفي الأخير أشكر الجميع على المشاركة والمساهمة الايجابية في إنجاح أشغال هذا اليوم الدراسي الذي ننتظر منه أن يقدم مساهمة نوعية من خلال مقاربته بشكل موضوعي للإشكاليات والأسئلة العميقة المرتبطة بالتنمية الجبلية والعدالة المجالية في بلادنا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى.