تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خطاب السيد النائب رشيد العبدي نائب رئيس مجلس النواب في افتتاح الندوة الجهوية حول المرأة في السياسة.

السيد نائب رئيس مجلس المستشارين

صاحبة السعادة سفيرة الاتحاد الأروبي

السيدات والسادة البرلمانيين

 

 

يسعدني غاية السعادة أن أفتتح معكم، ومعكن، أشغال هذه الندوة الجهوية التي تنظمها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في إطار برامج التعاون مع بلدان جنوب حوض المتوسط بدعوة من البرلمان المغربي حول موضوع "النساء في السياسة : الطريق إلى المساواة".

وتعتبر هذه الندوة حلقة جديدة في التعاون والمبادلات بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا التي يحظى المغرب لديها بوضع "شريك من أجل الديمقراطية" منذ يونيو 2011 تقديراً لمسلسل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي أطلقها على الخصوص منذ حوالي عقدين، وعربون تقدير واعترافا بنجاعة إصلاحاته ومكانته الدولية.

وأود أن أثني على هذه المبادرة من جانب الجمعية وأشكر رئاستها ومكتبها وكافة مسؤوليها على اختيارهم المغرب لعقد ندوة في غاية الأهمية في السياقات الاجتماعية والسياسية الراهنة، سياقاتٌ تعتبر النساء من ضحاياها في عدد من مناطق العالم وخاصة في بعض بلدان جنوب وشرق المتوسط حيث تتسبب النزاعاتُ وانهيارُ مؤسساتِ الدولة والصراعات الطائفيةُ والقمعُ السياسي في عملياتِ نُزوحٍ وتهجيرٍ جماعية تُعَدُّ النساءُ والأطفالُ أكبرُ ضحاياها.

وإلى النزاعات، تنضافُ انعكاساتُ الاختلالاتِ المناخية التي تُعَرِّض فئات عريضة للفقر والهشاشة. وبالتأكيد، فإن الفئات الأكثر تضرراً من هذه الظواهر، هي من الأطفال والنساء.

وتؤثر كل هذه السياقات على أوضاع النساء، وتجعلهن في أوضاع تبعية أكثر، وفي أوضاع الحاجة والعَوَز. وإذا كانت المجتمعات تحتاج إلى سياسات عمومية لتحسين أوضاع النساء والتخفيف من تبعيتهن الاقتصادية، فإنها تحتاج إلى تجديد الوعي بالمسألة النسائية من أجل الدفع بالنساء إلى معترك الفعل السياسي المؤسساتي.

 ويستفاد من نظرة سريعة على تواجد النساء في البرلمانات الوطنية (المجالس السفلى) أن نسبتهن تظل دون مكانتهن الاجتماعية، إذ تتراوح ما بين 0% و 61.3%.  و لا تتجاوز هذه النسبة 40% في المائة سوى في 13 بلداً، وتتراوح ما بين 30% و40% في 35 بلدا، وما بين 20 و 30% في خمسين بلداً وما بين 10% و20% في 61 بلدا وما بين 1% و10% في 27 بلداً. ومعنى ذلك أننا مانزال بعيدين عن هدف المناصفة المنشودة، وأن أثرَ تراكمِ الوعي السياسي، ولَئِن كان له الأثرُ الواضحُ في تغييرِ تركيبة النوع الاجتماعي في المجالس البرلمانية، فإنه لا ينهي هذه الإشكالية المزمنة. ففي الأغلبية الساحقة في البلدان العريقة في الديمقراطية تقل نسبة النساء في البرلمانات عن 40% فيما يتصدر بلدٌ إفريقي البلدان التي في برلمانها أكبر نسبة من البرلمانيات (61.3% في رواندا - هذا البلد الذي يسجل واحداً من أعلى نسب النمو في العالم وتخلص تبعات نزاعات كانت كلفتها كبيرة) .

وتُسائِلُنا هذه النسبُ عما إذا كان من العَسْفِ الفكري أن نُلْغيَ في سياساتِنَا وتدابيرِنَا تلك العلاقة الجدلية بين التمكين السياسي والتمكين الاقتصادي، وبالأساس ارتباط هاتين الضرورتين بمهمة أساسية أخرى ينبغي الاشتغالُ عليها ثقافياً واجتماعياً ونفسياً. يتعلق الأمر بالعمل من أجل تغيير التَّمثُّلات الاجتماعية للمرأة والأحكام المسبقة وأحكام القيمة الراسخة في الوعي واللاوعي الفردي والجمعي للناس.

إننا في حاجة إلى تغيير نظرة المجتمع إلى النساء، وفي بعض الحالات إلى تغيير نظرة النساء للنساء اللائي هُنَّ مستهدفاتٍ ليس فقط بالاقصاء السياسي. وينبغي أن يَنْدَرِجَ هذا الجهدُ في إطار الجهود الشاملة من أجل تحديت المجتمعات ودمقرطتها. وينبغي للسلطات العمومية، كما للأحزاب السياسية، ولصناع الرأي العام ووسائل الإعلام، أن تُدرك أن ضُعْفَ تمثيلية المرأة في المؤسسات السياسية، بما فيها الاحزاب والبرلمانات والحكومات، هو تعطيل لطاقات مبدعة مفكرة تشتغل في أحايين عديدة أكثر من الرجال. وأكثر من ذلك هو إهدارٌ لحق إنساني أساسي ولمبادئ التكافؤ والانصاف.

لقد تم، من أجل تمثيلية أكبر للنساء في المؤسسات السياسية، اعتمادُ التشريعات واتخاذُ التدابير التي يَسَّرَت ولوج العديد من هن إلى هذه المؤسسات كما هو الحال بالنسبة لآلية التمييز الإيجابي المعتمدة في المغرب منذ 2002 والتي مكنت من رفع عدد النساء في مجلس النواب من سيدتين في الولاية التشريعية 1993-1997 وإلى 35 في الولاية التشريعية 2002-2007 ثم 67 في الولاية التشريعية 2011-2016 و81 خلال الولاية الحالية. وقد تأتى ذلك بفضل إصلاح جوهري للنظام الانتخابي المعتمد في 2002 واعتماد نظام اللائحة الوطنية في سياق اصلاحات كبرى كانت قضايا المرأة في قلبها.

ومع ذلك، فإن آليات التمييز لم تحقق الغاية النبيلة والاستراتيجية منها، ألا وهي أن يَسْتَبْطِنَ المجتمعُ اختيارَ النساء، ويُطَّبِع مع هذا الاختيار، بأن يكون التصويتُ على النساء، لا تصويتاً على مؤشر النوع الاجتماعي ولكن على القيمة والقيمة المضافة المحتملة والقوة الاقتراحية الكامنة في النساء وعلى الفكرة السياسية التي تحتضنها.

وبالتأكيد فإن ذلك يحتاج إلى التراكم وتجديد التشريعات، ولكنه يبدأ من الأسرة والمدرسة والفضاء العام أي من التربية والتنشئة، من الفرع الحزبي إلى قيادته، ومن بيداغوجية النموذج، الذي نحن مطالبون كمؤسسات تمثيلية أن نَكُونَه.

أجدد الترحيب بكم وأتمنى لأشغالكم كامل النجاح.