تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تدخل نور الدين مضيان رئيس الفريق في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2016

 بسم الله الر حمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيد الرئيس؛

السيدات والسادة الوزراء

أخواتي، إخواني  النواب المحترمون؛

يسعدني أن أتناول الكلمة، باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2016، لإبداء رأي الفريق في مضامين هذا المشروع وتوجهاته واختياراته، وتقديم الاقترحات الكفيلة بتحسينه وإغنائه، إيمانا منا بالأهمية البالغة التي تكتسيها الميزانية السنوية في تحديد مصير البلاد والعباد لمدة سنة بكاملها، من خلال التوجهات التي رسمتها هذه الميزانية والاختيارات التي جاءت بها في مختلف المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.

وفي هذا السياق، يمكن القول أن مشروع قانون المالية لهذه السنة يستأثر باهتمام الرأي العام الوطني أكثر من غيره، لكونه يبقى آخر ميزانية لهذه الحكومة، آخر ميزانية يصادق عليه مجلس النواب خلال الولاية التشريعية الحالية 2011-2016، أخر ميزانية لتنفيذ مضامين البرنامج الحكومي برمته، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل تقتضيه المرحلة الراهنة:

  •  إلى أي مدى يستجيب هذا المشروع لمتطلبات المرحلة وتحدياتها المطروحة في مختلف الميادين المرتبطة بحياة المواطنين وتقدم البلاد وتطورها ونموها ؟

  •  إلى أي حد يتجاوب هذا المشروع مع انتظارات المغاربة وتطلعاتهم في العيش الكريم، ليس فقط على مستوى نسبة النمو؟ أو نسبة العجز؟ أو نسبة التضخم؟ ولكن بالأساس، من حيث انعكاس مضامين هذا المشروع على مستوى معيشة المواطنين، وقدرتهم الشرائية، وحياتهم اليومية.

  •  إلى أي مدى يساهم هذا المشروع في التنزيل الديمقراطي للدستور:

  

من حيث إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم،

من حيث ضمان استفادة المواطنين، على قدم المساواة، من حقوقهم الطبيعية في العلاج و التطبيب والعناية الصحية؛ الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، الولوج لتعليم نافع؛ السكن اللائق؛ الشغل؛ التنمية المستدامة، بما فيها الماء الشروب والانارة، والعيش في بيئة سليمة.

 من حيث ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بما يكفل وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها

من حيث كذلك معالجة الأوضاع الهشة للأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل إدماجهم في الحياة الاجتماعية.

 

كذلك من حيث تعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد ؛

كذلك من حيث إقرار مبادئ الحكامة الجيدة وضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية والإنصاف في تغطية التراب الوطني، على أساس العدالة الاجتماعية والمجالية.

السيد الرئيس

نناقش مشروع القانون  المالي لهذه السنة، والشعب المغربي قاطبة من طنجة إلى الكويرة، يحتفل بالذكرى الاربعينية للمسيرة الخضراء، مسيرة التحرير والوحدة والنماء، هذا الاحتفال الذي تميز هذه السنة، بالزيارة الملكية الميمونة للأقاليم الجنوبية، التي أطلق منها جلالة الملك محمد السادس خطابه التاريخي بهذه المناسبة.

 هذا الخطاب، الذي نعتبره في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية،تحولا فاصلا في مسار قضية و حدتنا الترابية، من خلال تطبيق الجهوية المتقدمة بهذه الربوع من وطننا الحبيب، بما يضمن للساكنة تدبير شؤونها المحلية بكل حرية، هذا الخطاب الملكي، الذي أسس لمرحلة القطيعة مع الاساليب المعتمدة في التعامل مع شؤون الصحراء، قطيعة مع اقتصاد الريع والامتيازات، بما يضمن تعزيز الحكامة الجيدة والامن والاستقرار بهذه المنطقة،

 هذا الخطاب، الذي يعد انطلاقة لتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية بهذه الأقاليم من خلال تفعيل النموذج التنموي لها، ودعائم أساسية لترسيخ إدماجها بصفة نهائية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي متميز وصلة وصل بين المملكة المغربية وإفريقيا،

 هذا الخطاب الملكي، الذي يعد ترجمة حقيقية لتطلعات وانتظارات أبناء الاقاليم الجنوبية، في إقرار الجهوية وتفعيل النموذج التنموي، لإعطاء الدليل القاطع على مصداقية المغرب في تطبيق مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، لوضع حد نهائي لهذا النزاع المفتعل حول وحدة المغرب الترابية،

 هذا الخطاب، الذي أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشرعية الديمقراطية والشعبية، التي حصل عليها المنتخبون بالصحراء المغربية، تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الأقاليم الجنوبية،

 هذا الخطاب الملكي، الذي شكل انطلاقة لانتفاضة قوية ضد الظلم والقهر والاستبداد بمخيمات تندوف.

السيد الرئيس

نناقش مشروع القانون  المالي، ولا زالت أجواء المسلسل الانتخابي تلقي بظلالها على النقاش السياسي العمومي، هذا المسلسل الذي نعتز، في حزب الاستقلال، باستكماله بعد انتظار طويل على درب دمقرطة الدولة والمجتمع، في ظل دستور 2011، هذا المسلسل الذي شمل الغرف المهنية، والجماعات الترابية من مجالس جماعية قروية وحضرية، ومجالس العمالات والأقاليم، والمجالس الجهوية ، بالإضافة إلى الانتخابات الخاصة بأعضاء مجلس المستشارين؛

وللتاريخ، ومن هذا المنبر، نجدد التأكيد على أن حزب الاستقلال كان حريصا –كعادته على الدوام- على إنجاح المسلسل الانتخابي بما يضمن تعزيز المسار الديمقراطي ببلادنا، بما يضمن تعزيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، بما يضمن تجسيد الاختيار الديمقراطي الذي أصبح بمقتضى الإصلاح الدستوري الجديد إحدى ثوابت الأمة، إلى جانب الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية المتعددة الروافد، والملكية الدستورية، بما يضمن لهذه الانتخابات نزاهتها وشفافيتها لتكون بالفعل أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي؛

لقد حرص حزب الاستقلال على إنجاح هذا المسلسل الانتخابي من خلال المساهمة الايجابية والفعالة في الإعداد لهذه المحطة الانتخابية، بما في ذلك الترسانة القانونية المؤطرة للعمليات الانتخابية كلها ، من خلال تقديم مقترح قانون يرمي إلى إحداث الهيأة الوطنية للإشراف على الانتخابات ومراقبتها، عوض اللجنة المركزية التي  يبقى سندها القانوني مجهولا لحد الآن، ولا تنسجم مع البعد الدستوري للانتخابات بما تقتضيه من حرية ونزاهة وشفافية، وذلك من أجل إعطاء هذه الانتخابات مدلولها الحقيقي على غرار ما هو معمول به في أكثر من 70 دولة في العالم التي اعتمدت نظام الهيأة الوطنية المستقلة للإشراف على الانتخابات، بما يضمن القطيعة مع ممارسات الماضي، لتصبح معه الانتخابات محطة تاريخية أساسية في المسلسل الديمقراطي للبلاد بعيدا عن أي طعن كيفما كان نوعه، بما في ذلك الحياد السلبي للجهاز الإداري، والاستعمال المفرط للمال في التأثير على إرادة الناخبين بعدما اعتبر الدستور في فصله 11 أن "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وأن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام (وليس السلبي) إزاء المترشحين ، وبعدم التمييز بينهم، وعليها اتخاذ الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنين في الانتخابات، وأن كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية يعاقب على ذلك بمقتضى القوانين الجاري بها العمل".

كنا نأمل في حزب الاستقلال أن تجري هذه الانتخابات على أساس لوائح انتخابية جديدة باعتماد بطائق  التعريف الوطنية، دون اللجوء إلى مسطرة وضع ومراجعة اللوائح الانتخابية، ومسطرة التسجيل وإعادة التسجيل، وما قد يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على حق المواطنين في ممارسة حقهم الدستوري في المشاركة السياسية من خلال التصويت والترشح في الانتخابات كما حصل خلال الانتخابات الأخيرة التي عرفت حرمان عدد كبير من الناخبين من التصويت بسبب عدم تسجيلهم في اللوائح الانتخابية والتشطيب عليهم لأسباب تطرح أكثر من تساؤل، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات حتى تحظى بالمصداقية اللازمة على الصعيدين الوطني والدولي، خاصة وأن العديد من الدول  تخلت بصفة نهائية عن هذا النظام المعمول به، والقاضي بضرورة التسجيل في اللوائح الانتخاببة حتى يتمكن الناخبون من التصويت، بينما ذهبت العديد من الدول إلى التسجيل التلقائي لكل من يتوفر على بطاقة التعريف الوطنية، وضمان حقه الدستوري في التصويت والترشح في الانتخابات وقد طالبنا بهذا الأمر لكن الحكومة لم تستجب لأسباب لازلنا نجهلها، ويجب علينا أن نهيء للانتخابات المقبلة من الآن، وألا ننتظر الأسابيع الأخيرة لكي نعد للانتخابات في وقت ضيق. ولابد أن نستخلص الدروس والعبر من الهفوات والثغرات التي شابت الانتخابات الأخيرة.

ولاتفوتني هذه المناسبة دون التأكيد على استغرابنا في حزب الاستقلال لما أقدمت عليه القناة الأولى من نشر بلاغ صادر عن اللجنة المركزية المكلفة بالانتخابات، يضم لائحة لأشخاص تعتبرهم هذه اللجنة متهمين باستعمال المال خلال انتخاب أعضاء الغرفة الثانية،الأمر الذي يضرب في الصميم مبدأ قرينة البراءة، خاصة عندما يتم التشهير بأشخاص توصلوا باستدعاءات قضائية باعتبارهم مجرد شهود،  وهي سابقة في تاريخ الإعلام العمومي المغربي؛

وكيف يعقل أن تقوم هذه اللجنة بالتشهير بلائحة تعنى فقط بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين؟ وكأن العمليات الانتخابية الأخرى لم يشبها أي اختلال، بما في ذلك استعمال المال؟

 ومن هذا المنبر، نؤكد أننا لازلنا متشبتين بموقفنا في الفريق بضروة التعامل مع هذا الموضوع بكل جدية وموضوعية، بما تقتضيه مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، بدل الانتقائية، بأن تشمل عملية التنصت وتفريغ مضمونها جميع العمليات الانتخابية الأخيرة، بما فيها الغرف المهنية، والجماعات الترابية، ومجلس المستشارين، وكذا الأجهزة المسيرة لهذه المؤسسات المنتخبة الجماعية منها والمهنية، وكيف تمت؟

ولا تفوتنا في حزب الاستقلال، هذه المناسبة، دون أن نسجل باعتزاز كبير، الانخراط القوي والمشاركة الواسعة لساكنة الأقاليم الجنوبية لإنجاح هذا المسلسل الانتخابي، ليؤكدوا مدى تشبتهم بالوحدة الترابية، وتمسكهم وحرصهم الأكيد على تمثيلهم بالمؤسسات المنتخبة، حتى يتمكنوا من المساهمة في تدبير  الشأن المحلي والجهوي والوطني، بقناعة وثقة في النفس، كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية.

لقد حرص حزب الاستقلال على تخليق الحياة السياسية، بما في ذلك العمليات الانتخابية، من خلال محاربة جميع مظاهر الفساد الانتخابي عبر تمكين الأحزاب السياسية من ضمان الانضباط الحزبي عندما تقدم بتعديلات ترمي إلى إعطاء الحزب السياسي الحق في وضع حد لانتماء العضو  المنتمي إليه عند تخليه عن الحزب بعدم احترام مواقفه وقراراته وذلك بعد انتهاء مساطير الطعن الحزبية والقضائية، ولكن للأسف المجلس الدستوري رفض هذا المقتضى الذي صادق عليه أعضاء البرلمان بالإجماع، الأمر الذي انعكس سلبا على المنهجية الديمقراطية عند تكوين مكاتب المؤسسات المنتخبة من غرف مهنية وجماعات ترابية، في الوقت الذي نصت فيه القوانين التنظيمية المتعلقة بهذه المؤسسات المنتخبة على جعل التصويت العلني القاعدة المعمول بها في مختلف المقررات التي تتخذها، وكذا أثناء تكوين أجهزتها المسيرة ، بالإضافة إلى فرض التزكية الحزبية سواء أثناء الترشح لمختلف الاستحقاقات، أو بالنسبة لرؤساء الجماعات الترابية والغرف المهنية.  الأمر الذي يطرح مدى جدوى هذه المقتضيات في غياب التنصيص على نظام الانضباط الحزبي.

السيد الرئيس

نناقش مشروع القانون المالي ، في ظل وضعية اجتماعية مطبوعة بالاحتقان الاجتماعي نتيجة غياب حوار حقيقي مع المنظمات النقابية، هذا الحوار الاجتماعي، الذي كان من المفروض ترسيخ مأسسته كما حصل خلال ولاية الحكومة الأخيرة التي ترأسها الأستاذ عباس الفاسي، الأمر الذي أدى بأربع نقابات إلى إقرار سلسلة من الخطوات الاحتجاجية، تبتدئ بتنظيم مسيرة عمالية وطنية يوم 29 نونبر الجاري بمدينة الدارالبيضاء، وتنظيم تجمع عمالي يوم 8 دجنبر بنفس المدينة، وكذا خوض إضراب عام في الوظيفة العمومية والجماعات الترابية يوم عاشر دجنبر، بالإضافة إلى تنظيم اعتصام عمالي بمدينة الرباط، يتوج بشن إضراب عام وطني في القطاع العام والخاص والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والخدماتية والجماعات المحلية وكل القطاعات المهنية. فلماذا هذا التعامل السلبي مع المركزيات النقابية ومطالب الشغيلة وتجاهلها، ضدا على أحكام الدستور وتوجهاته، باعتبارها تساهم في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للأجراء والنهوض بها؟

السيد الرئيس

علينا أن نعترف بأن الاجراءات التي جاء بها مشروع القانون المالي هذه السنة، تبقى بعيدة عن إعطاء البعد الاقتصادي للميزانية مدلوله الحقيقي، بالنظر لضعف الاستثمارات العمومية وكيفية توزيعها على المستوى المجالي.

علينا ان نعترف بأن الاجراءات التي جاء بها مشروع القانون المالي 2016 تظل دون مستوى البعد الاجتماعي للميزانية، من خلال الاعتمادات المخصصة للقطاعات الاجتماعية، بما فيها قطاع التعليم، الذي أجمعت مختلف الدراسات التي قامت بها المؤسسات والهيئات المعنية، بما في ذلك المجلس الأعلى للتعليم، على فشل تدبير السياسة العمومية في هذا المجال الاستراتيجي،  ليظل السؤال العريض الذي أثاره جلالة الملك في خطاب العرش، مطروحا: "هل التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا اليوم، في المدارس العمومية، قادر على ضمان مستقبلهم ؟ ".

بطبيعة الحال، فإن الوضعية الحالية للتعليم لا يمكن أن تجيب عن هذا السؤال، لأن الجواب يكمن في كون المنظومة التعليمية أثبتت فشلها، بشهادة المؤسسات الوطنية والأجنبية، لذلك علينا جميعا كبرلمان وحكومة وفعاليات المجتمع المدني العمل بجهد من أجل إحداث ثورة حقيقية في مجال التعليم والصحة معا، لأن في إصلاحهما وضع اللبنات الأساسية للتنمية المستدامة والحقة بالشكل الذي يستجيب لطموحات وانتظارات المغاربة التي لا يمكن لواقع التعليم الحالي أن يواكبها، خصوصا أن التعليم الابتدائي والثانوي بشقيه ليس إلا عبارة عن حراسة التلاميذ، وليس لتعليمهم وتلقينهم البرامج التعليمية الضرورية بسبب ما تعرفه من غياب للتجهيزات الأساسية و خصاص في الموارد البشرية  وما يشهده العالم القروي من خصاص كبير في كل مقومات المنظومة التعليمية وأعيد التأكيد على أن برنامج محاربة الأمية الذي بذلت فيه الدولة مجهودات كبيرة لا يمكن أن يؤتي أكله في ظل الوضعية الراهنة (فمقابل كل شخص يستفيد من هذا البرنامج يخرج للشارع عشرة أشخاص بسبب التسرب والهدر المدرسيين) ، أما في البادية  فليس هناك تعليم أصلا. 

هذا في الوقت الذي يعتبر فيه التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والانغلاق.

كما أن قطاع الصحة لم ينج هو الآخر من هذا التوجه لمواجهة تردي وضعية المستشفيات وتدني الخدمات المقدمة للمرضى على مستوى التطبيب والعلاج في الوقت الذي لازال فيه المغاربة  يتطلعون الى جعل التغطية الصحية الاساسية حقا دستوريا يستفيد منه جميع المغاربة، فوضعية الصحة نعرفها جميعا وتتجلى في الوضعية الكارثية والمأساوية للمستشفيات والمراكز الصحية بما فيها المستشفيات الجامعية التي تعاني من انعدام التجهيزات ونقص الأطر الصحية ،وهو ما يجعلنا نقر بانعدام الخدمات الصحية ببلادنا، فالمواطنون مع كامل الأسف يموتون بأبواب المستشفيات . 

السيد الرئيس

علينا ان نعترف أن مشروع القانون المالي ، يبقى بعيدا عن التخفيف من    البطالة في صفوف  حاملي الشواهد العليا سواء من حيث المناصب المالية التي جاء بها أو من حيث التحفيزات الممنوحة للقطاع الخاص لاستيعاب العاطلين، الأمر الذي من شأنه تأزيم الوضعية والزيادة في عدد العاطلين بعدما ارتفع معدل البطالة من نسبة 9.6 %سنة 2014 إلى 10.1 % حاليا، بل إن الفصل الثالث من هذه السنة شهد ارتفاعا ملحوظا في عدد العاطلين بما مجموعه 66 ألف بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة  المنصرمة كما سجلت ذلك المندوبية السامية للتخطيط.

علينا ان نعترف أن مشروع القانون المالي، لا يستجيب لمتطلبات التفعيل الدستوري للجهوية المتقدمة بالنظر للاختصاصات الواسعة المخولة للجهات، بما فيها الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، وذلك من خلال الاعتمادات الهزيلة المرصودة للجهات والتي لا تتعدى 4 ملايير درهم موزعة على 12 جهة، في غياب معايير موضوعية لهذا التوزيع، بما يضمن توزيعا متكافئا للموارد، قصد التقليص من التفاوت المجالي.

علينا ان نعترف أن مشروع القانون المالي، لم يأت بإجراءات حقيقية كفيلة بإعادة توزيع ثروات البلاد وخيراتها، بما يضمن العدالة الاجتماعية والانصاف المجالي، اللهم باستثناء الزيادة في الضرائب، خاصة الضريبة على القيمة المضافة، التي تهم جميع الشرائح الاجتماعية، وتضرب في الصميم القدرة الشرائية للمواطنين، بالاضافة إلى تجريم التهرب الضريبي دون توفير الشروط والمعايير اللازمة لحماية الملزمين من التعسف والشطط في استعمال السلطة، خاصة في ظل اقتصاد لازال مطبوعا بالاقتصاد غير المنظم، اقتصاد لازالت فيه المقاولات جد الصغرى والصغرى والمتوسطة،  تشكل 90% ، اقتصاد لازالت فيه الوسائل التقليدية فيما يخص المعاملات التجارية تطغى على التكنولوجيات الحديثة التي يقتضيها مثل هذا المقتضى الجديد، مع العلن أن الفريق الاستقلالي كان ولايزال وسيظل يحارب التملص الضريبي باعتباره فسادا ماليا ينبغي استئصاله بناءا على أرضية صلبة تسمح بتنفيذ هذا المبتغى.

علينا ان نعترف أن مشروع القانون المالي، لم يأت بإجراءات من شأنها تأهيل المقاولات الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة، رغم كونها تشكل، كما أكدنا ، الركيزة الاساسية للاقتصاد الوطني وتساهم بنسبة مهمة في التشغيل.

  علينا ان نعترف أننا نناقش مشروع القانون المالي، في غياب تفعيل مضامين القانون التنظيميي للمالية للخروج من النمط  التقليدي للميزانية والدخول في  الميزنية الاقتصادية وميزانية البرامج بما يضمن النجاعة  والفعالية في التدبير والتنفيذ والشفافية والمراقبة، خاصة البرلمانية منها  على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة.

علينا ان نعترف أننا نناقش مشروع القانون المالي، في غياب إصلاح ضريبي يضمن العدالة الجبائية ويوسع القاعدة الجبائية بدل الزيادة في الضرائب، بما في ذلك إحداث صندوق الزكاة لبناء مجتمع متضامن.

علينا ان نعترف أن مشروع القانون المالي، لم يأت بأي  إجراء ملموس من اجل تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد في مختلف المجالات، خاصة فيما يتعلق باقتصاد الريع ونظام الامتيازات التي يستفيد منها بعض المحظوظين من خلال رخص النقل والصيد في أعالي البحار وغيرها حتى يتم التوزيع العادل للثروة على جميع المواطنين بما يضمن التعادلية الاقتصادية والاجتماعية.

علينا ان نعترف  أن الاجراءات التي جاء بها مشروع القانون المالي، لا تستجيب لمتطلبات التنمية المحلية والقروية والجبلية انسجاما مع الخطاب الملكي خاصة فيما يتعلق بالاعتمادات المخصصة لصندوق  التنمية القروية والمناطق الجبلية في الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وانصاف ساكنة العالم القروي التي لايزال مستوى معيشتها ضعيفا جدا، لازالت محرومة من الانارة العصرية، لازالت  تعاني من ازمة  الماء الشروب، لازالت تعاني من العزلة  وتفشي ظاهرة النقل السري وغيرها من مظاهر الحرمان والهشاشة  التي من المفروض ان تنتهي منذ امد طويل.

هذا الصندوق الذي طرح اشكالية دستورية فيما يخص الآمر بالصرف  في غياب تقديم التوضيحات اللازمة في هذا الموضوع  بما ينسجم مع مقتضيات الدستور، خاصة وان الحكومة  لحد الآن لم تقدم اي مشروع متوازن ولا اية خطة استراتيجية على اساس برنامج محدد لتنمية هذه المناطق  انسجاما مع التوجيهات الملكية، مع العلم ان هذا الصندوق سبق دعمه ولأول مرة في عهد حكومة الاستاذ عباس الفاسي وتم تكوين لجنة مكلفة  باعداد استراتيجية خاصة بتنمية هذه المناطق، الأمر الذي دفع الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية الى تقديم مقترح قانون يرمي الى إحداث وكالة التنمية القروية والمناطق الجبلية.

علينا أن نعترف أن اصلاح صندوق المقاصة لم يكن اصلاحا شاملا، سواء من حيث دعم القدرة  الشرائية للمواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود منهم، أو من حيث تحقيق الاهداف المتوخاة من هذا الاصلاح وضمان استفادة الشرائح الاجتماعية المستهدفة من دعم هذا الإصلاح، بل كان اصلاحا قائما على الحلول السهلة المتمثلة في إلغاء الدعم عن بعض  المواد الاستهلاكية المدعمة، بما فيها المحروقات، في أفق إلغاء هذا الدعم بصفة نهائية.

وسنبقى في حزب الاستقلال متمسكين بأن الزيادة في أسعار المواد الواسعة الاستهلاك تعتبر خطا أحمر من شأنه زعزعة الاستقرار والمس بالسلم الاجتماعي.

علينا أن نعترف أن الحكومة تفتقد لتصور واضح لمعالجة صناديق التقاعد، بما يضمن صيانة المكتسبات وبعيدا عن الحلول السهلة التي من شأنها المس بالقدرة الشرائية للأجراء

علينا ان نعترف أن دمقرطة المجتمع تنطلق من المحافظة على الهوية الوطنية والقيم الدينية والاجتماعية والثقافية، حيث شكلت معركة الهوية على الدوام إحدى المعارك النضالية لحزب الاستقلال، عندما تصدى حزب الاستقلال للمحاولات الاستعمارية لطمس الهوية الوطنية وإقبار مقومات الإنسية المغربية، ابتداءا من رفض الشعب المغربي للظهير البربري (16 ماي 1930)، ليظل الدفاع عن مقومات الانسية المغربية حجر الزاوية في الكفاح الوطني، إيمانا منا في حزب الاستقلال بأن المعركة التحررية لن يكتب لها النجاح إذا ما تم طمس الهوية الوطنية والمس بالدين الاسلامي، بالنظر للعلاقة الجدلية القائمة من جهة بين الإنسية والهوية وبين الديمقراطية من جهة أخرى، خاصة في ظل المخاطر التي تطرحها مسألة الهوية التي أصبحت عرضة لإكراهات العولمة والاستيلاب الفكري، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الحديثة التي تقدم للشباب زخما هائلا من المعلومات ذات الحمولة الثقافية التي قد يشكل جزء منها تهديدا للانسية المغربية.

وهنا لابد أن نقف عند ظاهرة تجنيد أعداد من الشباب المغربي للانضمام للحركات الارهابية وما تطرحه من سؤال محوري حول مردودية التأطير الديني والتحديات المطروحة لمواجهة "الاستيلاب الديني والفكري".

علينا أن نعترف أن البعد الدستوري للتعددية اللغوية كما جاء في الفصل الخامس من الدستور الذي بمقتضاه تم ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية لم يترجم على أرض الواقع ما دام المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لم يخرج إلى حيز الوجود من أجل حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا، ما دام القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية، لم ير النور بعد ونحن على بعد بضعة اشهر من نهاية هذه الولاية التشريعية، التي من المفروض أن تتم خلالها المصادقة على جميع القوانين التنظيمية طبقا للفصل 86 من الدستور.

 وفي هذا السياق أيضا، نتساءل عن الجدوى من إصدار المجلس الوطني لحقوق الانسان توصية تدعو الى المساواة بين الرجال  والنساء في الارث بشكل يتنافي مع احكام القرآن الكريم وضدا على دستور البلاد الذي جعل  من الاسلام دينا للدولة، الامر الذي يطرح تساؤلا عريضا عن دور هذه المؤسسة الدستورية ؟ وكيف تسمح  لنفسها بزرع الفتنة في البلاد، ما دامت هذه الفتاوى تمس مشاعر المغاربة المتمسكين باحكام الشريعة الاسلامية والقيم الدينية والاجتماعية  المتعارف عليها منذ قيام الامة المغربية.

وفي نفس السياق كذلك، لابد من التأكيد على أن العلاقة بين المؤسسات الدستورية في البلاد ينبغي أن تحكمها مبادئ وأحكام الدستور وتوجهاته وكذا القواعد الديمقراطية، بدل آليات التحكم والهيمنة كممارسات سياسية كنا نعتبرها قد ولت بدون رجعة، في ظل العهد الجديد، في ظل الاصلاح الدستوري الجديد، ولكنها بكل أسف لازالت تطبع الحقل الدستوري والسياسي، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على المسار الديمقراطي والحياة السياسية بالبلاد، ذلك أنه بدلا من أن يساهم الدستور في الاصلاح والتغيير المنشودين، لازالت الوثيقة الدستورية لم تحقق الاهداف الاساسية المتوخاة منها مادام الدستور ليس غاية في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لدمقرطة الدولة والمجتمع.

السيد الرئيس

انطلاقا من هذا المنظور، تعامل الفريق الاستقلالي بكل مسؤولية -انطلاقا من التزامه السياسي – مع هذا المشروع، من خلال مناقشة مضامينه على مستوى اللجان النيابية الدائمة، مناقشة بناءة وهادفة، وكذا تقديم تعديلات تستهدف إغناء هذه المضامين وتحسينها، إيمانا منه بأن الميزانية السنوية، يجب أن تكون أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية المستدامة في شموليتها، يجب أن تكون وسيلة لإعادة توزيع ثروة البلاد وخيراتها على مختلف الشرائح الاجتماعية والمجالات الترابية، بما يضمن العدالة الاجتماعية والمجالية، يجب أن تكون في خدمة الإنسان المغربي كيفما كان مركزه الاجتماعي وأينما وجد في ربوع المملكة، بعيدا عن المنظور الضيق للتوازن المالي.

كنا نأمل أن تتعامل الحكومة مع هذه التعديلات التي تقدم بها الفريق بايجابية أكثر  نظرا لأهميتها ، لكنها قبلت بعضا منها فقط مما جعلنا نصوت بالامتناع على الجزء الأول من الميزانية.

 والله ولي التوفيق

والسلام عليكم ورحمة الله