تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بووانو: استقلالية النيابة العامة موضوع شائك يحتاج إلى نقاش هادئ وعميق

أكد عبد الله بووانو رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، أن مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية، جاء بإيجابيات كثيرة، وتضمن ضمانات لاستقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وأوضح بووانو الذي كان يتحدث في اجتماع للجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان يوم الأربعاء 7 يناير 2015، أن وزير العدل والحريات الحالي أعطى جرعة مهمة لقطاع العدالة من حيث التخليق، ومن حيث قيادة الحوار الوطني الذي أسفرت خلاصاته عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي يُعد أرضية مهمة للعمل ببرنامج واضح المعالم.

وبخصوص موضوع النيابة العامة، أبرز رئيس الفريق في الاجتماع نفسه الذي خصص لمناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش هادئ يحيط به من جميع الجوانب خدمة للمجتمع وللدولة وليس للوزير أو الحكومة، مثيرا سؤال المحاسبة في ارتباط باستقلالية هذا الجهاز عن وزير العدل.

وقال بووانو إن من شأن المرور إلى استقلالية النيابة العامة بسرعة وبغير دراسة متأنية، أن يجني على المجتمع، وعلى اصلاح القضاء المنشود والذي قطع أشواطا مهمة، طارحا للنقاش عددا من الأسئلة المتعلقة بحدود هذه الاستقلالية، وحدود تحقيق التوازن والتعاون فيما بين السلط الثلاث اللذان ينص عليهما الدستور .

وفيما يلي النص الكامل لمداخلة رئيس الفريق:

 

مداخلة د. عبد الله بووانو رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان يوم الأربعاء 7 يناير 2015

-مناقشة مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية-

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآلهه وصحبه،

السيد الرئيس، السيد الوزير، السادة الأطر، السيدات والسادة النواب، هذا يوم بالطبع تاريخي لبلادنا ومؤسساتنا ومجتمعنا، اليوم سنكون سعداء بمناقشة مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهذا الموضوع إن كان من أولويات للدولة المغربية، وكذلك للمجتمع وللهيئات السياسية والحقوقية، التي ناضلت خلال عقود، فإن من بين الأولويات التي ناضلت عليها هو إصلاح القضاء، وفي ثنايا إصلاح القضاء كان الموضوع الأكثر جدلا هو استقلالية القضاء.

طبعا المغرب مر بدساتير متعددة، منذ 1962، لكن لم ترسم السلطة القضائية كسلطة إلا مع دستور 2011، وهذا الموضوع كان محل خطابات متعددة لجلالة الملك، ولعل أشهرها هو خطاب 20 غشت 2009، وكان كذلك محل مذكرات أحزاب سياسية أثناء مراجعة الدستور، وأنا راجعت البارحة على الأقل 8 مذكرات لأحزاب موجودة بالبرلمان، تتعلق بالإصلاحات الدستورية في ما يتعلق بهذه النقطة، واحدة واحدة، ووجدت بالفعل بأن كل الأحزاب السياسية الممثلة اليوم في البرلمان سجلت وطالبت واقترحت أمورا كثيرا في ما يتعلق بإصلاح القضاء، وجميعها ركزت على ثلاثة أمور مشتركة في ما بينها.

أول هذه الأمور هو المجلس الأعلى للقضاء، والذي كانت فيه ملاحظات كثيرة ومتعددة، وعلى رأسها رئيس هذا المجلس، أي حضور وزير العدل من عدمه، فكانت محل اقتراحات من طرف الأحزاب السياسية، وكذلك مسألة الاستقلالية، التي نالت في هذه المذكرات حظا وافرا من الملاحظات والاقتراحات، والموضوع الثالث هو وضعية القضاة، والتي شهدت ملاحظات واقتراحات كذلك من طرف هذه الأحزاب السياسية، ومن طرف الهيئات الحقوقية كذلك، والتي هي بالعشرات، التي أثناء مراجعة الدستور طالبت بما طالبت به.

بعد الخطاب الملكي لعشرين غشت جاء خطاب 9 مارس الشهير، والذي جاءت معه هذه المذكرات، وكلنا استبشرنا خيرا مع الخطاب، ولكن ازداد استبشارنا ونحن نصوت على دستور 2011، والذي جاء، لا أقول متقدما فقط، ولكن ثوريا بالنسبة لمطالب الهيئات السياسية والحقوقية، في هذا الجانب المتعلق بالسلطة القضائية.

فلأول مرة ستصبح السلطة القضائية حقيقة سلطة ثالثة، وهذا شرف للمغرب، لبلدنا ومجتمعنا، وشرف كذلك لهيئاتنا العاملة في الحقلين السياسي والحقوقي.

بعد هذا جاء البرنامج الحكومي في 26 يناير 2012، والذي جعل من بين أولوياته إصلاح منظومة القضاء، إلى جانب تنزيل الدستور في الجوانب المتعلقة بتنزيل القواعد والقوانين المرتبطة به، وكذلك هناك اقتراحات كثيرة في البرنامج الحكومي من أجل تفعيل هذا الجانب الدستوري، وكذلك من أجل إصلاح منظومة العدالة.

بعد ذلك، وبعد تنصيب الحكومة بأربعة أشهر، تحرك السيد وزير العدل والحريات، بمقترح عقد حوار وطني حول إصلاح منظومة العدالة، وأنا لا أريد أن أقف على المسار الذي عرفه هذا الإصلاح منذ 2002 الأقل، حين عايشناه، وعايشنا مجموعة من الوزراء الذين كانوا يبذلون مجهودات من أجل الإصلاح، منهم من قدم بعض الإصلاحات في بعض القوانين، ومنهم من أعد بعض المسودات في إصلاح عدد من القوانين، لكن كلها لم تصل لما كنا نطمح إليه.

في 8 ماي 2013، تم تعيين الهيئة العليا للحوار الوطني من طرف جلالة الملك، وزارة العدل والحريات، في شخص الأستاذ مصطفى الرميد تحرك طولا وعرضا في جميع أرجاء الوطن، وأظن أن هذا الموضوع كان محل نقاش كبير في هذه اللجنة أثناء المناقشات الفرعية لميزانية وزارة العدل منذ 2013، ولعل آخرها هو هذه السنة.

ميثاق وطني يحدد الأهداف والأولويات والبرامج والوسائل وآليات التفعيل والتنزيل، اليوم حق لنا أن نفتخر بثلاثة أمور:

أولا، أنه مع هاته الحكومة، وتطبيقا لمبدأ الإشراك والتشاركية والحوار، أنجزت من الناحية المنهجية عملية غير مسبوقة، من حيث هذاالنوع من الحوار، ومن حيث الناس الذين مسهم هذا الحوار، أو شاركوا في هذا الحوار، والذين هم بالآلاف. ومن حيث النوعية، جميع الفئات شاركت في هذا الحوار، وأظن أن هذا مكسب للمغرب، أنه من الناحية المنهجية كسبنا هذا الرهان، وكسبنا معه كذلك نتائج مهمة على مستوى الوثيقة التي بين أيدينا، وهي "الميثاق الوطني"، وبالتالي فإن هاته الحكومة والحكومات التي ستليها لديها أرضية للعمل، ولها برنامج واضح المعالم لكي تسير عليه.

في القطاعات الأخرى غالبا ما كنا نتكلم عن الاستراتيجيات والمخططات مثل المخطط الأخضر، واستراتيجية أليوتيس واستراتيجية التسريع الصناعي، اليوم لدينا استراتيجية لإصلاح منظومة العدالة، وها هو الميثاق بين أيدينا، وهو في غاية الأهمية.

النتيجة الثالثة المهمة، التي بين أيدينا كذلك، هو هاته النصوص التي بدأت تخرج تباعا وعلى رأسها هذا القانون التنظيمي 100/13، الذي يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو خارطة طريق، وإرث، فيه عدد من الجوانب التي كنا نحن في البرلمان، لا أقول نصرف عليها أموالا لكي نصوغها ونصل إليها، ولكنها كانت تأخذ منا وقتا، واليوم لدينا خارطة طريق بين أيدينا بكل التوصيات والآراء التي كانت في هذا الحوار. 

ولكن هذا لا يمنعنا، السيد رئيس الجلسة، والسيد الوزير، من أننا في البرلمان كذلك نتأهب لعقد يوم دراسي حول هذا القانون، والذي طبعا لن يوقف النقاش، ونحن بدأنا النقاش اليوم، ولكن هذا لا يمنع أنه في قضية من القضايا، أو في المشروع برمته، أن نعقد يوما دراسيا، وأعتقد بأن رئيس مجلس النواب بصدد التنسيق مع مجلس المستشارين لكي يكون هذا اليون في مستوى هذا القانون.

هذا في ما يتعلق بالسياق الذي جاء فيه مشروع القانون هذا.

ثانيا، نعلم جميعا بأن الإصلاح عملية شاقة وكبيرة، وتحتاج إلى إرادة ومسؤولية، وتحتاج مع الإرادة إلى الصبر، وإلى رجل دولة يمكن أن يتحمل كل الضربات وكل المقاومات لكي يتقدم بالإصلاح. وأن أظن أن هذه هي المناسبة لكي نقف على عدد من المعارك التي خضتم، وطبعا كلما كان هناك إصلاح فهناك طرف متضرر منه، لأن الإصلاح مثل الماء أينما حل لا بد أن يلقى نوعا من المقاومة، خصوصا أن التربة ليست واحدة، حتى يمكن أن تستفيد منه كلها.

ولذلك كانت هناك محاولات لتقويض عملية الإصلاح، وللأسف الشديد، كان هناك عدد من الهيئات، أثناء الحوار، وهو مستمر، شاركت في الحوار بطرقها الخاصة عن طريق الاحتجاج، وعن طريق الاعتصام والوقفات، وعن طريق إيقاف عدد من جلسات المحاكم في بعض الأحيان. وللأسف الشديد هذا وقع، ولذلك فإن هذا الميثاق خرج ما بين فرث ودم، لبنا صافيا، نتمنى أن نستفيد منه.

الإنجازات التي تحققت، بالنسبة إلي، إلى جانب القوانين التي بين أيدينا، إيجابية، كبيرة وهامة، وأقف على ثلاثة عناوين:

اليوم نحن نتكلم عن الدستور، وبالتالي نتكلم عن القوانين التي يجب تنزيلها، والحكومة أنجزت مخططا تشريعيا، وأنتك السيد الوزير ضمنتم في الميثاق كذلك خارطة ومخطط لتنزيل القوانين المتعلقة بالإصلاح، وهذا كله مهم.

 ولكن إلى جانب هذا الجزء، عندما نتكلم عن تنزيل الدستور نتكلم عن القوانين، وكذلك عن المبادئ، واليوم شئنا أو أبينا، أقول بكل تجرد، في ما يتعلق بالاستقلالية، اليوم، حق لبلدنا أن يفتخو، لأنه مرت على هذه الوزارة أسماء سياسية، لا يمكن أن نطعن في عملها، ولكن مرت ومع ذلك ملاحظات تتعلق بقضية الاستقلالية، وتدخل الجهاز التنفيذي في عدد من القضايا الرائجة، للأسف الشديد، اليوم نحن نطمئن أنه عاى الأقل من ناحية الاستقلالية عن الجهاز التنفيذي، وعدم تدخله في القضايا المعروضة أمام المحاكم، إلى جانب الجوانب الأخرى التي كنا نشتكي منها، سواء تعلق الأمر بالاختطافات أو التعذيب، وهي كلها أمور كانت تشوه سمعة بلدنا، ولا أحد كان يفتخر بهذا الجانب.

 وبالفعل كان هناك ربط للمسؤولية بالمحاسبة، عندما تأتون إلى البرلمان نسائلكم، سواء من خلال الأسئلة الشفوية، أو من خلال استدعائكم لهذه اللجنة للمثول أمام النواب، ونسألكم حول السياسات المتبعة، ونحصل على أجوبة. ولكن ليس فقط ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل محاسبة مسؤولين لديهم مسؤوليات في الجهاز القضائي.اليوم، هناك عدد من القرارات التي اتخذت كان فيها ربط للمسؤولية بالمحاسبة.

ثانيا، في ما يتعلق بقضية التخليق، فعندما نتكلم عن الفساد، هناك قطاعات بعينها نتجه إليها، سواء تعلق الأمر بالأمن أو الجماعات المحلية، أو الداخلية، أو غيرها، وكان من بينها قطاع العدل، ولا يزال. ولكن في موضوع التخليق، أعتقد أنه كانت هناك جرعة مهمة في ما يتعلق بمهام المجلس الأعلى للقضاء، وفي ما يتعلق بالاختلالات أو الإخلالات التي يمكن أن تكون قد وقعت من طرف الممارسين للقضاء، وعلى رأسهم القضاة، سواء كانوا يتبعون النيابة العامة أو لا يتبعون لها، وهذا الأمر كان مثار جدل عند البعض، هل تنشر تقارير المجلس الأعلى للقضاء أم لا. ولكن أظن أنها ساهمت مساهمة مقدرة في عملية التخليق، وبالتخليق جرت محاكمة عدد من المسؤولين الذين كانت تثار حولهم الشبهات، ولا أقول كنا نتمنى أن تتم محاكمتهم، لأننا لا نتمنى لأحد ذلك، سواء كان برلمانيا أو وزيرا أو مسؤولا، إلا إذا ارتكب ما يستوجب ذلك، فيلزم تحقيق العدالة، وهذا ما لمسناه في عدد من القضايا.

وعلى كل حال، أنا أرى أن الشعب المغربي، والمواطنين المغاربة أرجعوا نسبا من الثقة لهذا القضاء، وبدؤوا يثقون بأن مطالبهم وشكاواهم يمكن بالفعل أن تلقى الإجابة بتتبعها، وهذا من بين الإنجازات التي يمكن أن نفتخر بها، إلى جانب عملية الحكامة في القطاع، والتحديث، إلى غير ذلك.

ثالثا، اليوم نحن أمام مشروع قانون تنظيمي مهم جدا، يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو أول نص لتنزيل الحوار وتنزيل الميثاق والإصلاح، وهو كما سماه البعض، باكورة الإصلاح، وقانون مؤسس لعملية الإصلاح، وثورة حقيقية غير مسبوقة، وهو مشروع قانون مر من عدة تصفيات، خاصة تصفية الحوار الوطني، واليوم أصبح بين أيدينا نص ينزل مقتضيات الدستور خاصة الفصول 107 و113 و115 و116.

هذا النص جاء بعدة إيجابيات أذكرها على التوالي، أولها، تنزيلا للدستور ومقتضايته، جاء محققا لضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهذا مطلب تاريخي للهيئات السياسية والحقوقية، وللمجتمع بصفة عامة، واليوم النص بين أيدينا وفي بنوده ومواده عدد من المقتضيات التي تضمن استقلالية السلطة القضائية.

مشروع القانون الذي بين أيدينا يعمل على تنظيم آلية انتخاب القضاة، بما فيهم تمثيلية النساء، ولأول مرة سيكون لدينا قانون ينظم هذه العملية. صحيح أنه كان لدينا مجلس أعلى للقضاء، وكانت فيه أعراف وتقاليد ونظم يشتغل بها، ولكن اليوم لدينا قانون ينظم سير هذا المجلس من كل الجوانب.

هذا النص يتضمن كذلك تقوية الضمانات المخولة للقضاة بمناسبة تدبير المجلس لوضعيتهم، وفي السابق كانت هناك شكاوى متعددة، من أن قرارات المجلس الأعلى للقضاء غير قابلة للطعن، إلى غير ذلك. واليوم هناك ضمانات للقضاة في هذا الصدد.

هناك أيضا تعزيز ضمانات مسطرة التأديب، وهذه الضمانات اليوم بنص القانون التنظيمي، وليس قانون عادي، وهناك كذلك تحديد للجهة القضائية المختصة بالبث في الطعون، وخاصة المتعلقة بالانتخابات التي تهم بعض فئاتهم، وهذا مهم جدا، لأنه لم يكن سابقا.

هناك أيضا تفعيل دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتخليق القضاء، وهذا الجانب الذي كنا نشتكي منه عالجه مشروع القانون الذي بين أيدينا، وهناك كذلك حماية استقلال القاضي ضمن عدة تدابير وفصول ومواد. ثم هناك مساهمة المجلس في تحسين وضعية القضاة.

 ونفتح قوسا هنا، حيث أن مشروع القانون التنظيمي هذا، وهو يمر من مسودات متعددة، قبل أن تتم المصادقة عليه في المجلس الوزاري، تتبعنا كفاعلين سياسيين ما نشر وما كتب بخصوصه، وما مورس من ضغوطات، وقرأنا بعض المذكرات، التي ذهبت بعيدا، وأنا أؤكد لكم أنها ما زالت تضغط لحد الساعة، ولكن نقول لها أن تطمئن، فلا أحد يمكن أن يضغط على السلطة التشريعية، إن أردتم أن تسمعونا آراءكم فمرحبا بكم، لن تضغطوا علينا لا باعتصام ولا باتصالات ولا بتخويف للبعض، وأنا أؤكد أن البعض يتلقى اتصالات للأسف الشديد، نقول لهم مرحبا بكم لنستمع آراءكم، ولكن لن نخضع لأي ضغط كيفما كان، وهذه مناسبة لنؤكد بأنكم بذلتم جهدا كبيرا، السيد الوزير، لأن المطالب في البداية كانت مطالب مادية، واليوم الوضعية تحسنت كثيرا، حتى أن البعض من قطاعات أخرى، ومن مراتب متقاربة ليست لديهم نفس الوضعية التي يتمتع بها السادة القضاة اليوم، وهذا جيد، زادهم الله من فضله، ولكن انا أقول لمن حول هيئته إلى نقابة، أنت في سلطة فحذار أن تمس سلطة أخرى بأي طريقة من الطرق.

ومن بين المستجدات التي جاء بهذا هذا المشروع، التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وهذا طبعا كان مثار جدل، وسنبدي بدورنا بعض الملاحظات حوله، وأنا لا أريد من الآن أن نُخندق، فهذا مشروع قانون سنناقشه كما نناقش كل القوانين، طبعا في ظل توصيات الميثاق، وهي كما قال السيد الوزير، وكما نحن نتشبع كسلطة تشريعية، هي ليست قرءانا منزلا، التوصيات سنأخذ بها ونتعامل معها ويكون موقفنا قريبا منها ما أمكن، ولكن طبعا للسلطة التشريعية دورها.

وأنا أقول أن هناك قانونا جاء إلينا، يتعلق بالضمانات العسكرية، طبقا للفصل 71، وقيل لنا ونحن نناقش، إياكم أن تمسوا هذا الموضوع أو تقربوه، ولكن يتذكر الأستاذ حسن طارق أننا ناقشنا المادة 7، بكل حرية، وبالفعل وجدنا أن هناك إشكالا.

نحن حين نناقش لا نناقش لكي نمكن شخصا، سواء كان وزيرا أو حكومة، من موقع معين، أو أننا نبسط لها الزرابي الحمراء، نحن نناقش كما نناقش كل القوانين، سواء كانت قوانين تنظيمية أو عادية، وما النقاش الذي مر كذاك حول القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا، وما أخذه من نقاش خير مثال، وكذلك الشأن بالنسبة للقوانين التنظيمية الأخرى، المتعلقة بالمحكمة الدستورية، أو لجان تقصي الحقائق، أو عمل الحكومة.

هذه العلاقة ما بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، فيه نقاش، ومن وجهة نظرنا نقول ما يلي: أولا هو مطلب تاريخي للهيئات السياسية والحقوقية، وقلت بأن الملاحظات التي قدمتها المذكرات حول تركيبة المجلس الأعلى للقضاء أو حضور وزير العدل، ووضعية وزير العدل فيه، كانت محل نقاش.

اليوم بين أيدينا الدستور، نحن، السيد الوزير، عندما نناقش القوانين التنظيمية نعود لقراءة فصول الدستور، وحين نقرأ فصول الدستور نقول إلى أي حد هذا القانون ملائم للمقتضيات الدستورية. وهذا القانون التنظيمي ورد في الفصل 116 في الفقرة الرابعة منه، والتي تقول "يحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بالوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب"، أي أن القانون التنظيمي يجب أن يحدد هذه الأمور، أما أن يزيد عليه أو ينقص عنه فهذا محل نقاشنا هنا، ومحل نقاش المجلس الدستوري.

ولذا أنا أقول أن أمر يزيد عن ما ذكر في الفقرة المذكورة يجب مناقشته، سنناقش تلك الأمور بداية، ثم نناقش أي أمر خارجها. إذن الفقرة الرابعة من الفصل المذكور تتحدث تحديدا عن انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بالوضعية المهنية للقضاة ومسطرة التأديب.

طبعا هناك فصول أخرى تتحدث عن الأمر، ولكنني هنا أتحدث عن ما يجب أن يتضمنه القانون التنظيمي، كما هي محددة في فصول أخرى، عندما يتعلق الأمر مثلا بالجماعات، في الفصل 146 من الدستور، الذي يحدد عشر قضايا، هي المحددة، وهي التي يجب أن يتحدث عنها القانون التنظيمي، وإن كان لا يزال هناك نقاش في تلك المادة حول ما إذا كان الأمر يتعلق بقانون تنظيمي واحد أو متعدد.

الفصل 113، والذي يتحدث عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يحدد أيضا المجالات، ويقول "يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها. يصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط" وهذه أيضا مقتضيات موجودة في الدستور.

نحن نقول أن هذا المشروع الذي بين أيدينا، نحن نلاحظ عليه على الأقل الملاحظات التالية:

أولا، حدد السلطة، فإلى أي حد، هذا القانون، وليس المسطرة الجنائية، هو الذي يتضمن هاته الأمور، وليس النظام الأساسي للقضاة، الذي يجب أن يحددها، لأن الفقرة الأخيرة تقول، "يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها"، بمعنى أن هناك أمرين، فهو يراعي كمجلس أعلى للسلطة القضائية، فإذا ما حددنا، والقانون يحدد، من هو رئيسه، فما هي هاته السلطة؟ أنا أعتقد أن هذا القانون ذهب بعيدا في تحديد هذه السلطة، وهذا أمر مطروح للنقاش على كل حال.

هذا المشروع قانون، في الفصول 51 و103، حل بعض الإشكالات، ولكن طرح إشكالات أخرى معها، فتلك الهيئة المشتركة في المادة 51 أو في المادة 103 التي تتكلم عن تقارير وضعية القضاء ومنظومة العدالة، أنا أعتقد أن هذين الإشكالين يجب أن نناقشهما بتمعن، ونقول رأينا فيهما بكل أريحية، وستكون عبر أسئلة.

ما هو مفهوم وحدود الاستقلالية؟ الاستقلالية التي جاء بها الدستور للسلطة القضائية، ففي الفصل 109، عندما يتحدث عن الاستقلالية، يقول "يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط. يجب على القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. يعد كل اخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة".

نحن نتكلم عن الاستقلالية، ولكنها مرتبطة بالقاضي، وبالقرار أو الحكم أو المقرر الذي سيتخذه القاضي، ونحن نسأل هل مفهوم الاستقلالية ينسحب على كل المجالات، وخاصة أن الاستقلالية مرتبطة بقضية التبعية، واليوم إذا ذهبنا إلى المحكمة، ولن أتحدث عن مساعدي القضاء، فقط من يوجدون داخل المحكمة، هناك ثلاثة أصناف: هناك قضاة النيابة العامة، وهناك قضاة الحكم، وهناك الموظفون وكتاب الضبط، وطبعا نحن لا نتحدث عن البناية والكراسي ... فكتاب الضبط يتبعون لمن؟ الذي يرأس الإدارة هو رئيس الحكومة، وطبعا الموظفون يتبعون القطاع المعني، أي لوزير العدل، والنيابة العامة تتبع للوكيل العام، والقضاة يتبعون للسلطة القضائية.

واليوم، أنا أقول أن هناك أسئلة ينبغي على الأقل أن نتلقى جوابا عنها، وعندما نرى هناك تراكما في الملفات، لأن رئيس المحكمة، بهذه الطريقة، لن تكون له أي سلطة على كتاب الضبط، فإذا قرر كتاب الضبط سلوكا معينا تجاه تحرير القضايا مثلا، فمن سيحل مشكل تراكم الملفات، ولمن سنسائل؟ وأنا بدأت بالإشكالات التقنية أولا.

كذلك، النيابة العامة تمثل سلطة المجتمع، وليست سلطة تتبع لجهة معينة، تحرك الدعوى العمومية إلى غير ذلك. وفي هذا السياق، تعيين رئيس النيابة العامة، غير المحدد من حيث المدة، وبدون معايير، يطرح لنا سؤالا: هذا الذي يمثل سلطة المجتمع في كل القضايا، والقضايا لا تزال لحد الساعة، بكم السيد الوزير، وبهذه الحكومة، وبالإرادة والقوة التي تتمتعون بها، لا زلنا نرى تصرفات النيابة العامة.

أقول أن عدم التحديد بالدقة اللازمة لهذه السلطة في إطار الاستقلالية، يطرح لنا مشكلا نحن كمشرعين، في ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلمن سنحاسب نحن كنواب للشعب؟ والمواطنون يقولون لنا أن القضايا الفلانية والفلانية وقع فيها كذا وكذا، إلى غير ذلك. الدستور يتكلم عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلمن سنحاسب؟

وأنا أقول أن هذا الأمر فيه مس بسلطة التشريع، فعندما نذهب للفصل 71 نجده حدد لنا مجال التشريع، وحين نزيل سلطة كنا نحاسبها، لمن سنحاسب ؟ الحكومة تضع السياسة الجنائية، وفي تتبعها لا يمكن أن تكون السلطة، لأننا نزعناها منها. في ميدان المراقبة لمن سنراقب كبرلمان؟ فإذن هناك مس بسلطتنا التشريعية التي أعطانا إياها الدستور، ولا بد أن يكون هناك جواب. المسؤولية موجودة، والتعيين موجود، ولكن سؤال المحاسبة لا بد له من جواب.

ثم، كل الإشكالات التي تقع على بلادنا، واليوم، عندما قلت قضية التعذيب والاختطاف، وعدد من العمليات، الحمد لله، حققنا فيها تقدما، على الأقل التقارير الوطنية والدولية لم تعد سوداء كما كانت، لمن سنسائل عن هذا الموضوع؟ سنضع سؤالا كتابيا، ونرسله للحكومة، والحكومة ستحيله على من؟ وسيجيبنا كتابيا. أنا أتساءل عن هذه الإشكالات، وتجاوزات النيابة العامة، التي تقع حاليا، في حالة ما إذا استمرت بعض الاختلالات الموجودة، لمن سنحاسب؟ وعلى عاتق من يقع الضغط؟ سيقع على جهة التعيين.

فلا يمكن أن نمرر القوانين، سواء تعلق بمسطرة أو قانون أو سياسة، نصوت عليه ولا يوجد من نحاسبه على تطبيقه، وهذا يدعونا للبحث عن جواب حول هذا الموضوع.

نحن نقول بأن هذا الموضوع شائك، ولكن كونه شائكا لا يمنعنا من طرح الأسئلة الحقيقية، وأن نلامسه لكي نجود النص، ولا يمكننا بطبيعة الحال أن نكون ضد استقلالية القضاء، ومذكرة حزبنا تتضمن الاستقلالية، ولكن وفق تصور محدد، وأنا عندما قرأت مذكرات الأحزاب وجدتها جميعا تتضمن ذلك، ولكن وفق تصور، وهذا التصور الذي جاءنا، أول مرة يصاغ ويقدم بين أيدينا، سمعناه في الحوار وفي التوصيات، والآن جاء مرسما في ثنايا هذا القانون.

وحتى تكون الأمور أكثر وضوحا، وغير متعلقة بكم، السيد الوزير، نحن نريد منكم عرضا حول التجارب الدولية في هذا الصدد، صحيح أن هناك مواثيق دولية، حددت مجال الاستقلالية، وأصدرت عددا من التوصيات تهم بعض الدول، ولكن نريد قراءة حتى ولو كانت "مشتتة" بين العالم العربي والغرب وأمريكا، والاتجاهات المختلفة، على الأقل نعرف تجارب عدد من الدول، حتى نوسع معرفتنا في هذا الشأن، ونرى الاتجاهات والإشكالات الحقيقية المرتبطة بها.

كذلك، نحن نتساءل عن اختيار الوكيل العام، الآن بالتعيين، هناك من يطالب بالانتخاب، وبينهما فرق شاسع، على الأقل في شروط الاستحقاق هناك عدد من المواصفا يجب الحديث عنها، هل هي الآن متوفرة، هل سيكون هناك تباري أم لن يكون؟ هل يتعلق الأمر بشخص أم اثنين أم ثلاثة؟ وطريقة اختيارهم، وأنا هنا لا أتكلم عن سلطة التعيين، أتكلم عن الاستحقاق.

إلى جانب أنه مطلبنا، ومطلب كل الهيئات السياسية والحقوقية، حتى إذا آمنا به، وقررنا إدراجه هنا أو في قانون آخر، أقول أليس من التدرج أن نبحث عن صيغ لكي نحمي مجتمعنا، لا لنحمي لا وزير العدل ولا الحكومة، ولكن لنحمي مجتعنا من كل الانزلاقات التي يمكن أن تقع.

أتساءل، إذا مررنا بهذه السرعة الفائقة في الاستقلالية وبهذه الطريقة، وفي غياب الضمانات، ألن نجني على مجتمعنا؟ وهذا الإصلاح الذي نريده، أهم الانزلاقات التي ستكون هي هذه.

اليوم، وكما قلت وأكرر، نحاسب وزير العدل، هل يعطي تعليمات شفوية، أو كتابية، هذا كله بالنسبة إلينا في المرحلة الراهنة محل نقاش، ولكن في ما بعد لن يكون هناك من نناقش معه، ومن نتابعه ونحاسبه ونسائل، وهذه كلها على كل حال أسئلة نضعها بين أيديكم لاجواب عنها، ونحن طبعا نمارس اختصاصنا في إطار المسؤولية.

أخيرا، الدستور يتكلم في الفصل الأول عن فصل السلط وتعاونها وتوازنها، هذا المقتضى الجديد ألا يخل بالتوازن بين هذه السلط، وحتى عندما نقرأ الدستور من الناحية الهيكلية، نجد السلط، بدءا بالمؤسسة الملكية، والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، عندما نتكلم عن التعاون في ما بينها نجد مقتضيات، بل أبوابا حول العلاقة بينهم، إلا هذا الأمر. ولا أقول أنه نظرا لغيابها في الدستور يجب أن نغامر بخصوصها، ولكن نتساءل حول التعاون، والتعاون لن تحدده المادة 51، فهي لا تحل إشكال التعاون، أما التوازن فسنقع بخصوصه في مشكل حقيقي، ولذلك نطرح هذه الأسئلة بين أيديكم لكي نجيب عنها، شكرا لكم.