Skip to main content

كلمة السيد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب بمناسبة إعطاء الانطلاقة لبرنامج "المساعدين المتدربين".

26/02/2018

السيد مدير المعهد الوطني الديموقراطي

صاحبات السعادة السفيرات وممثلي البعثات الدبلوماسية

السيدات والسادة ممثلي الأحزاب في البلدان الصديقة

الزميلات والزملاء الأعزاء

بناتي وأبنائي الطالبات والطلبة الأعزاء

الحضور الكريم

يسعدني أن أستقبلكم اليوم تكريسا لانفتاح مجلس النواب على محيطه الداخلي والخارجي من جامعات ومنظمات سياسية صديقة، أولا لتأكيد تشبثنا بصداقات هذه المنظمات والبلدان التي تمثلها مع المملكة المغربية وعربونا للتقدير الذي تحظى به بلدانكم وخاصة أنظمتها الديمقراطية، وثانيا الى تيسير اطلاع أوسع على ممارسات برلمانية أجنبية نعتبرها متقدمة ومتأصلة.  فسواء تعلق الأمر بالبلدان الممثلة هنا بسفيراتها ورؤساء بعثاتها الدبلوماسية او البلدان التي يحضر منها ممثلون عن أحزاب سياسية، فإن الأمر يتعلق ببلدان تجمعها علاقات متميزة مع المملكة المغربية، علاقات مصالح اقتصادية وعلاقات بشرية، ولكن تحكمها وترسخها، بالأساس، القيم التي نتقاسمها وهي التي تجمعنا اليوم مُمَثَّلَة في الحرية والديمقراطية وسيادة القانون والمشاركة المواطِنَة والانفتاح واحترام الآخر والتعددية السياسية والثقافية.             

وإن مما يميز  هذه البلدان، إلى جانب أنظمتها الديمقراطية الراسخة، تعدديتها الثقاقية واللغوية وتَشَكُّلُ هوياتها الثقافية من خلال عدة روافد تغني ثقافات وطنية متعددة تنصهر في إطار الدولة الوطنية. ولعل هذا الطابع هو ما يميز المغرب الذي تنصهر في هويته الوطنية عدة مكونات : الأمازيغية والعربية الاسلامية والصحراوية الحسانية والتي تغنيها الروافد العبرية والاندلسية والافريقية والمتوسطية وهو ما تمت دسترته بالتنصيص عليه في ديباجة القانون الاسمي للبلاد. فلا أدري هل هي الصدفة التي تجمع اليوم ممثلين لبلدان تتقاسم عنصر التعدد الثقافي واللغوي.

واسمحوا لي أن أذكر بتاريخ الشراكة مع المعهد الوطني الديمقراطي الذي كان سببا في لقائنا هذا لأشير إلى أن أولى البرامج التي جمعت هذه المؤسسة التي تحظى بتقدير دولي، تعود الى نهاية القرن الماضي إذ نفذ المعهد أولى برامج الشراكة مع مجلس النواب ومع  بعض الأحزاب السياسية المغربية ابتداء من عام 2000 . وقد كان من حوافز المعهد آنذاك الإصلاحات التي كانت بلادنا قد شرعت في اعتمادها مُشَكِّلَةً نموذجا للتناوب على تدبير الشأن العام، وهو ما تَأَتَّى نتيجة ما يقرب من عشر سنوات من الإصلاح اعتمدت خلالها إصلاحات دستورية ومؤسساتية عبر استفتاءَيْنِ في 1992  و  1996.       

 ومنذ ذلك الحين تَوَاصَلَ التعاون مع عدد من الفرق النيابية سواء في مجال التكوين او دعم القدرات او الاشتغال على قضايا وتشريعات مركزية في الديمقراطية من قبيل الحق في الولوج الى المعلومة والشفافية وإدماج بُعْد النوع الاجتماعي في السياسات العمومية وغيرها من القضايا.

لقد كانت فكرة الإصلاح، وبرامج الإصلاح وإرادة الإصلاح الثابتة في المغرب، وولوج المغرب عهدا جديدا بل وتَفَرُّدُه في الإصلاحات حافزا لحضور المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي في المغرب وهو اعتراف ايضا من جانب منظمة غير حكومية تحظى بالتقدير والاعتراف الدولي بنجاعة وصدق وأهمية  الإصلاحات التي تعتمدها المملكة بقيادة جلالة الملك محمد السادس.

ويتواصل التعاون اليوم مع المعهد نتيجة لهذا التراكم، من خلال برنامج تُمَكِّن خريجي جامعات ومدراس عليا، وطلبة دراسات عليا، من الاحتكاك بالعمل البرلماني من خلال الاشتغال مع أعضاء من عدد من الفرق والمجموعة النيابية لاسيما من النساء والشباب. و ستتيح هذه الصيغة للمتدربين  التعرف على تقنيات العمل البرلماني والتواصل مع المواطنين والبحث في المواضيع التي تهم البرلمانيين. ونأمل ان يساهم  هذا البرنامج في زيادة اهتمام الباحثين بالشـأن البرلماني.

ويتساوق إطلاق هذا البرنامج مع ما تتضمنه المقتضيات الجديدة للنظام الداخلي للمجلس في ما يرجع إلى الانفتاح على الجامعات وأوساط البحث العلمي والذي خُصّصَ له فرعٌ كامل من النظام الداخلي. ومن جهة أخرى، فإن انفتاح المجلس على طلبة الجامعات، هو جزء من انفتاحه على الشباب وهو تشجيع لهم ولهن على التمرن والتمرس، وتحفيز لقيم النجاح والعمل، إذ إنه بقدر ما ستفيد هذه الطاقات الشابة في مساعدة السيدات والسادة أعضاء المجلس، بقدر ما سيستفيد من الممارسة اليومية ومن تقنيات العمل البرلماني، وهو تمرين سيفيد في الربط بين النظرية مُمَثَّلَةً في الدَّرس الجامعي، والممارسة ممثَلَةً في تقنيات العمل البرلماني. وما من شك في أن لهذا التجسير فوائد كبرى في المستقبل.

ويتكامل برنامج التكوين هذا مع برامج التكوين  الذاتي التي تنفنذها الفرق والمجموعة النيابية من أجل تجويد إنتاجها، وتعزيز التواصل مع المواطنين.

السيدات والسادة،

يعتبر البرنامج الذي سينفذه المعهد الوطني الديموقراطي الأمريكي مع عدد من أعضاء الفرق النيابية، واحداً من برامج التعاون الدولي المتعددة التي ينفذها مجلس النواب، في الإطارات المتعددة الأطراف وفي الإطارات الثنائية، وهو تعاون يُيَسِّرُ لمجلسنا التعرف عن قرب على ممارسات ومدارس برلمانية متنوعة لبلدان صديقة عريقة في الديموقراطية. وقد مَكَّن هذا التعاون المجلس من اكتساب مزيدٍ من الخبرات وامتلاك رصيدٍ وافِرٍ من تقنياتِ وثقافةِ العمل البرلماني في مختلف مكوناته التشريعية والرقابية وفي مجال تقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية والديموقراطية التشاركية المواطنة.

لقد انتقلنا من مرحلة دعم القدرات إلى مرحلة الشراكة في التعاون التقني الدولي، ونحن نستشرف اليوم تَقَاسُمَ ما رصَّدناه وتملكناه مع اصدقائنا في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومحيطنا المغاربي، في صيغ تعاون وتبادل للخبرات. وأعتقد أن هَاهُنَا أفقاً جديداً للشراكة التي يمكن أن ندشنها مع المعهد الوطني الديموقراطي وشركاء آخرين ربما من البلدان الممثلة هنا بصاحبات السعادة والسفراء وبأحزاب سياسية.

ويبقى الهدف الأساس من هذا التعاون، هو تجويد أعمال البرلمان، أَيُّ برلمان، ليضطلع بمهامه كاملة في الرقابة والتشريع والتقييم، وفي التواصل الشفاف مع الرأي العام، وفي استيعاب مقترحات المجتمع، وأخذها بعين الاعتبار في التشريع، وهي مهام عززها دستور 2011 بالنسبة لمجلس النواب المغربي.

ويظل الأفق، بالطبع، هو تعزيز الممارسة الديموقراطية ودولة القانون والانصاف، والتعددية وحرية التعبير وصيانة حقوق الإنسان، تكريساً للتقدم والرخاء المشترك، وأساساً للاستقرار الذي ما أحوج العالم ومنطقتنا، بالتحديد، إليه اليوم. وأعتقد أن الشراكة مع المغرب،  الشراكة السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية، هي مع شريك ثابت وقوي وصادق، هي شراكة من أجل المستقبل، وهي دعم لركيزة أساسية من ركائز الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة. أقول الشراكة، المبنية على الوضوح في المواقف وعلى المسؤولية المشتركة، وعلى القيم الايجابية، وعلى الاحترام المتبادل.

 أجدد الشكر لكم على جميعا بالشراكة مع مجلس النواب، وأدعو بناتي وأبنائي الطالبات والطلبة إلى اغتنام هذه الفرصة التي أتيحت لهم للتعرف عن قرب على العمل البرلماني والاستئناس به، وأجدد الشكر للمعهد وإدارته المركزية ومكتبه في المغرب.