Skip to main content

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني المغربي الاسباني

14/01/2015

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أَشْرف المرْسَلين

أصحاب المعالي

السيد مورينو بوصادا ماريا خيسوس رئيس مجلس النواب الاسباني،

السيد إسبوديرو ماركيث، رئيس مجلس الشيوخ الاسباني

السيد محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين

السيدين السفيرين من كل من الرباط ومدريد،

السيدات والسادة البرلمانيات والبرلمانيين في وفدي المملكتين الاسبانية والمغربية،

السيدات والسادة الحضور الكرام،

من المؤكد أن الشعور بالغبطة والاعتزاز هو أصدق حالة يمكنها أن تغمر مغربيا ومسؤولا برلمانيا مغربيا، في مثل وضعي الآن، وهو يعيش لحظة انطلاق أشغال المنتدى البرلماني المغربي الاسباني في دورته الثالثة، هنا في الرباط بمعية أصدقاء وزملاء.

وفي عادات المغاربة، وربما في عادات أهل الحوض المتوسطي، أن المثل يقول : "الثالثة ثابتة"، بمعنى الخطوة الثالثة في كل شيء حين تتحقق، تثبت المسار وتنجح كل مشروع حتى إن بعض أهلنا في المغرب يسبغون نوعا من الطابع المقدس على (المرة الثالثة) فيقولون فيما يشبه المثل الشعبي "الثالثة شريعة النبي"، أي عندما نتعاقد في المرة الأولى، وفي المرة الثانية، ثم في المرة الثالثة يصبح التعاقد محكوما بشريعة النبي، أي يصبح تعاقداً لا يحتمل التردد أو التراجع أو التخلي أو الخلاف وما إلى ذلك.

والواقع أن ما يجمعنا، في إطار هذا المنتدى البرلماني المغربي الاسباني، يصل الآن إلى مرحلة من النضج والثقة والتعاقد المثمر بين أصدقاء يدركون أن التاريخ الجماعي يتأسس بالتراكم، خطوة خطوة وفكرة فكرة ولحظة لحظة. وهو تاريخ تشيده الجماعة بروح جماعية، لكن الأفراد حين تتوفر فيهم الحكمة والتبصر والموضوعية والواقعية والعقلانية يحدثون الفارق النوعي، فيرصعون هذا البناء التاريخي بأفعال وإشارات وكلمات تجعل من الجوار الجغرافي جواراً حضاريا، ومن الجغرافية الطبيعية جغرافية ذهنية، ومن التاريخ الكرونولوجي جواراً تاريخياً وإنسانيا يوشج العلاقات بين الجذور والأهداف.

من هنا، يسعدني أن أرحب بكم جميعا في بلدكم وبين أصدقائكم البرلمانيين المغاربة، وذلك في لقاء أصبح له طابع المحفل العائلي. وكما نعرف، فلولا مقتضيات وشكليات وتقاليد الدبلوماسية البرلمانية، فإن أفراد العائلة لا يتبادلون الخطب فيما بينهم.

أفراد العائلة، يتبادلون المشاعر الصادقة التي يثمرها القرب وتنسجها القرابة. وحين يفكرون في المستقبل، يتبادلون الأفكار حول هذه الخطوة أو تلك، حول هذه الخطة أو تلك، واستطراداً فإن التفكير في كل خطة يقتضي التفكير في الأهداف، وفي وسائل التنفيذ.

أفراد العائلة، يدركون أن هناك تاريخاً مشتركاً. وحتى حين لا يذكرون هذا التاريخ دائما، حتى حين لا يذكرون به بعضهم البعض، لا يعني بالنسبة إليهم أن هذا التاريخ لم يعد حاضرا. على العكس، تاريخ العائلة بصفحاته كلها يصبح إرثا قائما في الثقافة والسلوك، ماثلا في اللغة والفكر والممارسة والعلاقات.

وهكذا، نجحنا كبرلمانيين مغاربة وإسبان في خلق لحمة جديدة وبناء جسر جديد ينضاف إلى جسور التاريخ والجغرافيا واللغة والمجتمع التي ظلت تجمع عاهلينا وبلدينا وشعبينا وحكومتينا. وإن علينا أن نبذل الجهد المضاعف لنقوي هذا المنتدى، ونخلق له امتدادات فكرية ودراسية، ونهيئ له كل الأسباب التي يمكنها أن تغذيه وتنعشه.

إننا عندما نتأمل حجم الترسبات التاريخية والثقافية والإنسانية، والصور المتخيلة، والأفكار السائدة هنا أو هناك عن بعضنا البعض، ندرك ضرورة وأهمية الحفاظ على مؤسسة نموذجية لحوار برلماني إسباني مغربي، مؤسسة بعمق شعبي وشرعية ديمقراطية وبإسناد ملموس من قياديي البلدين وعلى رأسهما صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وصاحب الجلالة الملك فيليب السادس.

ولا شك أن مجرد اللقاء فيما بيننا، يظل في حد ذاته ضمانة وعنصر طمأنة للعمل المشترك الإسباني المغربي، لأوجه التعاون الثنائي، السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والأمني، ودعما للأفق الاستراتيجي الذي نتحدث عنه كلما استحضرنا موقعنا الجيواستراتيجي المتوسطي الذي يتماس بفضله بلدانا ويتبادلان المنافع المشتركة ماديا ورمزيا.

وفي هذا الاتجاه، آمل أن نستثمر معا موقعنا الجديد على رأس الاتحاد البرلماني الأفريقي لفتح أفق للعمل والحوار مع أصدقائنا الأفارقة حول القضايا التي تستأثر باهتمامنا المشترك.

إن جوارنا مع إسبانيا – كما نعرف – يجعلنا جيرانا أفارقة للقارة الأوروبية، وبالتالي يمكننا أن نبذل جهدا مغربيا إسبانيا لنمؤسس لحوار أوروبي أفريقي، خصوصا في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم مخاطر ملموسة على مستوى الظاهرة الإرهابية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، فضلا عن الأوبئة والكوارث الطبيعية والقرصنة البحرية وتهريب البشر والمخدرات ... وما إلى ذلك.

نريد، بهذا المعنى، أن نكون كأفارقة جيرانا إيجابيين لأوروبا، وأن نستوعب جميعا دقة هذه المرحلة، وما تنبئ به مخاطر محدقة، لمجابهة مختلف مظاهر الإرهاب والتطرف التي سنظل نندد بها ونحاربها باستمرار، ولنتبادل المزيد من خبراتنا وكفاءاتنا، ولنوسع آفاق حوارنا الثنائي حول قلقنا المشترك الذي تنتجه المرحلة وينتجه المحيط الإقليمي والجهوي والدولي، بهدف ضمان التنمية المتوازنة والأمن والاستقرار في منطقتنا.

السادة الرؤساء،

السيدات والسادة البرلمانيين،

ضيوفنا الأجلاء،

ثقوا في تقديرنا، وفي صدق حوارنا، وفي حرصنا على أن نعطي لهذا المنتدى الوقت والجهد والعناية القصوى لنكون دائما في مستوى مسؤولياتنا السياسية والدبلوماسية، وفي مستوى توقعاتكم النبيلة وروح الصداقة الممتازة التي تجمعنا.

 

شكرا لكم والسلام عليكم.