Skip to main content

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في الجلسة الافتتاحية لاجتماع لجنة المناصفة وتكافؤ الفُرَص التابعة لمنتدى رؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاريبي(الفُوبّْريل FOPREL)

السيد المحترم محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين،

السيدة المحترمة الوزيرة جميلة المصلي التي نتمنى لها كل التوفيق والنجاح في مهامها،

السيدة المحترمة روسيبل راموس مادريغال، رئيسة لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص (الفوبريل)،

السادة السفراء

السيدات والسادة أعضاء اللجنة

زميلاتي زملائي المحترمين،

أيها الحضور الكرام،

 

لا أستطيع في مُسْتَهَلِّ هذه الكلمة أَن أُخْفي الشعور العميق بالسرور الذي يملؤني بمناسبة هذا اللقاء الذي تحتضنه بلادي، المملكة المغربية، ويستضيفه برلمانُنا بشراكةٍ مع أَصدقائنا في لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص التابعة لمنتدى رؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاراييب (الفوبّْريل). وهناك أكثر من اعتبار، وأكثر من سبب، لهذا الشعور.

أَولاً – لسببٍ جغرافي – فالمغرب الذي يوجد في الشمال الأفريقي يفتح ذراعيه الواسعتَيْن الممتدتَيْن ليحتضن اجتماعاً يجسد امتداداً جغرافياً له عُمْقُه الإنساني، وأُفُقُه الديموقراطي، وتحركه القيم الفكرية التي جمعتنا وتجْمَعُنا في إِطار من الشراكة والصداقة وتكامل الإرادات الخيِّرة، وذلك من حيثُ لا تُشَكِّلُ المسافةُ الجغرافية عائقاً أو حاجزاً، بل على العكس تُحفِّزُنا كي نكون امتداداً لبعضنا البعض، نمثلكم هنا وتمثلوننا هناك.

ثانياً – لسبَبٍ تاريخي، وذلك لأننا ونحنُ نُعمِّق صداقتنا بالعمل المشترك، في الأفق المشترك، ومن أجل تحقيق أهدافنا المشتركة،إِنما نساهم في إِثراء تجربتنا التاريخية، سواء تَعلَّق الأَمر بمنظمتنا البرلمانية، منتدى رؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاراييب، أو تَعلَّقَ بكلِّ بَلَدٍ على حِدَةٍ. فالتاريخ تصْنَعُه الأَفكار الجيدة والأَفعال الملموسة التي تحقق هذه الأَفكار، أي يَصْنَعُه النّساءُ والرجالُ القادرون على اتخاذ المبادرات التي تُوحِّدُ الآفاق، وتُقَرِّبُ الخيارات، وتجمع الإِرادات. وأعتقد أننا نتجه مع بعضنا البعض في هذا المنظور لنتقاربَ أكثر، ونُنْصِتَ لبعضنا بصورة أَفْضَل وأَعمق، ونَمُدَّ الجسور فيما بيننا كصُنَّاعِ أفكار، وكصُنَّاعِ قرار.

ثالثا – لسببٍ فكري والتزام أَخلاقي مع إِحدى أَنبل القضايا وأكثَرِها جَوْهَريةً والتصاقاً بنضالنا الصادق النزيه من أجل المزيد من ترسيخ الفكرة الديموقراطية وتجذيرها في التربة الاجتماعية والثقافية، ألاَ وهي المسألةُ النسائية، وبالأخص منها قضيةً المناصفة وتكافؤ الفرص. وهو موضوع حيوي وراهن في نقاشاتنا وحواراتنا المؤسسية القائمة الآن في المغرب. ومن ثَمَّ، فنحن سعداء أن نسهم في هذا الفضاء الديموقراطي، المفتوح في الفترة الحالية ببلادنا، بحوارٍ مُتَعدِّدِ الأصوات، منفتح على تجارب عدة في بلدانٍ صديقةٍ للمغرب، مُوَاكِبَةٍ لأفقه النضالي وتطوره الديموقراطي وحيوية قضاياه وأسئلته ورهاناته وآماله.

والواقع أَن المغرب يَحْظى، منذ يوليوز 2011، بدستور شَكَّلَ ميثاقاً وطنياً متقدماً وجريئاً  في المنطقة العربية وفي جوارنا الجغرافي، خصوصاً على مستوى الحقوق والحريات الأساسية، والتمسك بقيم ومبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونياً، وتكريس سُمُوّ الاتفاقياتِ الدولية - المُصَادَقِ عليها - على تشريعاتنا الوطنية، ومنع جميع أنواع وأَشكال التمييز كيفما كانت أسبابها، علماً أن منْعَ التمييز الذي نَصَّ عليه دستورنا في ديباجته يُعَدُّ ركناً أساسياًّ في القانون الدولي لحقوق الانسان.

وفي هذا السياق الدستوري المتقدم الذي أكد على اختيار المملكة المغربية، بصورة لارجعة فيها، للمُضيِّ في بناء دولة الحق والقانون ونهج الفكر الديموقراطي وقيم التحديث، نَصَّ دستورنا بوضوح على جملة من المؤسسات الدستورية ذات الصلة بمناهضة جميع أنواع التمييز التي ظلت تمس بحقوق الإنسان عبر التاريخ. وهكذا، تمت دَسْتَرةُ هيأةٍ مكلفةٍ بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز (المادتان 19 و164)، فضلاً عن دَسْتَرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، والمجلس الوطني لِلُّغات والثقافة، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، ومجلس الجالية المغربية في الخارج والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وبالنسبة لهيأة المناصَفَة ومكافحة جميع أشكال التمييز يجري اليوم حوار وطني مسترسَل، عميق، واسع وثري لوضع الآليات القانونية التطبيقية لإنشاء الهيأة ورسم معالمها ووظائفها وأدوارها واختصاصاتها في السهر على احترام الحقوق والحريات المَدَنِيَّة والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وصيانة المساواة بين المرأة والرجل، ومكافحة التمييز بسبب الجنس، بل والسهر على تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة.

إنها المرة الأولى في تاريخ الإصلاحات الدستورية في المغرب التي نَصَّ فيها دستور يوليوز 2011 (الفقرة الثانية من الفصل 19) على التزام الدولة المغربية بالسعي إلى تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة وإِحداث هيأة خاصة تشرف على التطبيق والمواكبة والمراقبة. وهي خطوة تجعل المغرب منخرطاً في حداثة عصره، ملتزماً بخياره الديموقراطي، منتصراً لمبدأ التمثيل المتساوي للنساء والرجال في جميع المجالات، وفي الولوج إلى مؤسسات وهيئات صناعة القرار العمومي، السياسي والمهني وغيرِه. كما تجعل المغرب منسجماً، من حيث إِضفاءُ الشرعية على المناصفة، مع قرارات وتوجهات المنتظم الأممي والاتحاد الأوروبي  ومنظمات ومؤسسات دولية أخرى تَحثُّ على تفعيل مثل هذه التدابير التفضيلية و/أو التدابير التي تستهدف فئاتٍ معيَّنة لتصحيح الآثار التي قد يكون أحدثها التمييز في الماضي أو يحدثها في الحاضر ضد الضحايا المُفْتَرَضِين من هذه الفئات.

وإِذن، حضراتِ السيدات والسادة، بهذه الروح الجديدة والجريئة يحتضن المغرب هذا الاجتماع، والذي ينعقد تحت شعار "الوصول إِلى اللواتي لاصَوْتَ لَهُنَّ". وهي عبارة مُوحِيَة جِدّاً تعبّر عن إرادة خَلاَّقَة أشكركم على نَحْتِها بذكاء وحس عال من المسؤولية والالتزام.

والحقيقة أن من يريد الوصول إلى النّساء اللواتي لاصوت لهن، ينبغي أن يَصِلَ بالفكر الجديد، والدساتير والقوانين المتجددة، وبالخطوات الوثَّابَة الشجاعة المتقدمة التي تصنع المستقبل، وتُشِيعُ أسباب الأمل في نفوس النساء، وكذا في نفوس الرجال الذين ينتصرون لقضايا النساء.

وهُنَا، لابد أن أُجدِّد التعبير عن اقتناعنا بأن لنا كبرلمانيين، نساءً ورجالا، مسؤوليةً ودوراً في تحريك وإثراء الحوار الوطني المثمر والمنتج في أفق المناصفة بين المرأَة والرجُل وإنشاء هيأتها الوطنية المختصة في بلادنا. ونحن نَضَعُ أنفسنا في الفضاء البرلماني رهن إِشارة مختلف الفاعلات والفاعلين لدعم هذا الأفق من الحوار والنقاش وترتيب الاختلافات والمقاربات ذات الصلة كي نتوصل إلى أفضل الصيغ.

وفي نفس الإِطار، تَتَّجه مشاعرنا وقلوبُنا إِلى النساء الصحراويات المغربيات المُحَاصَرات في مخيمات تيندوف، في شروط تنعدم فيها صور الكرامة الإنسانية ولا يتوفر فيها الحد الأَدنى من إِنصاف النساء، مادياً وأَدَبياً، فأَحْرى أن يتحدث المرء هناك عن مُنَاصَفَةٍ أو فُرَصٍ متكافئة. وتلك قضية حقوقية واجتماعية وثقافية وسياسية ترتبط بقضية أكبر وأشمل، قضية وحدتنا الترابية التي نسعى بكل عزم من أجل طي النزاع المفتعل حولها من خلال مقترح الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية الذي يعتبر من طرف المنتظم الأممي كحل جدي وذي مصداقية لحل هذا النزاع المفتعل، والتوجه لبناء المغرب الكبير تجاوبا مع طموحات شعوب المنطقة.

مرة أخرى، أجدد اعتزازي بهذا اللقاء وسعادتي الشخصية – بمعية أَخَواتي وإخواني في برلمان المملكة المغربية –بهذه المناسبة السانحة. كما أرحب بكم جميعاً في المملكة المغربية وفي ضيافة الشعب المغربي بقيادة صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله آمِلاً لكُنَّ ولكم جميعاً مقاماً طيباً، متمنياً لأشغال هذا الاجتماع النجاح والتوفيق.

 

وشكراً لكم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.