Skip to main content

كلمة السيد سليمان العمراني النائب الأول لرئيس مجلس النواب بمناسبة إطلاق الحملة التواصلية حول الإطار القانوني للديمقراطية التشاركية.

باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،

 

السيد الوزير

السيدة مديرة مكتب البنك الدولي بالمغرب

السيدات والسادة مسؤولي وممثلي هيئات المجتمع المدني،

السيدات والسادة،

           

قبل شهر بالضبط، وبالتحديد يوم 23 مايو 2019، استقبلنا في مجلس النواب مسؤولات ومسؤولين في عدد كبير من هيئات المجتمع المدني الوطني في إطار لقاء تواصلي نَظَّمه  المجلس بشأن التزامات المجلس في إطار الشراكة من أجل حكومة منفتحة والبرلمان المنفتح وأدوار المجتمع المدني في تأطير مبادرات المواطنين.

ويسعد المجلس ان يشارك اليوم في هذا اللقاء المخصص لإطلاق الحملة التواصلية حول الإطار القانوني للديموقراطية التشاركية. ولَئِنْ كان لقاءُ 23 مايو ولقاء اليوم يَعْكِسَانِ دينامية المجتمع المدني المغربي، فإن تَنْظِيمَهُمَا يُجَسِّدُ حرصَ السلطتين التشريعية والتنفيذية على الإعمال الأمثل لمقتضيات الدستور في ما يخص مكانة وأدوارَ ومهامَّ المجتمع المدني، والوفاء بالتزاماتها إزاء الهيئات المدنية.

واسمحوا لي أن أعيدَ الـتأكيد على أن تكريس المكانة الدستورية للمجتمع المدني في المغرب، والذي يُعَدُّ إصلاحا دستوريا مركزيا تحرريا ومتقدماً، هو نتيجة لتراكمٍ كبيرٍ في الممارسة العملية لعدد كبير من الجمعيات الوطنية. فقد اضطلعت هذه الهيئات طيلة تاريخ المغرب المعاصر بأدوارَ حاسمةٍ في التنشئة الاجتماعية والتنمية والانفتاح الثقافي وتكريس التنوع الثقافي الغني وصيانته والدفاع عن حقوق الإنسان ونشر ثقافتها، والدفاع عن الحقوق الاجتماعية، والترافع من أجل التنمية المحلية والمجالية وقيادة تنفيذ المشاريع الإنمائية، وبالتحديد في المناطق الجبلية والنائية والقروية، والتنبيه إلى الاختلالات في تدبير المرافق العمومية وتنفيذ السياسات العمومية وإلى الحاجة والخصاص من التجهيزات والخدمات العمومية.

وقد تكرس المجتمع المدني المغربي، على هذا النحو، شريكا للسلطات العمومية، وفاعلا مستقلا، مُخَاطَباً مُؤَطِّراً للعمل الحقوقي والثقافي والمدني والإنمائي.

وتأسيسا على هذا التراكم، كان من ثمرات الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية وتراكم الخبرات لدى المجتمع المدني المغربي، والكفاح الثقافي والحقوقي الذي خاضته الحركة الجمعوية المغربية الملتزمة بقضايا الوطن أن  تمت دسترة حقوقها وواجباتها وأدوارها في دستور 2011 وتكريسها طرفا مساهما في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، كما هو منصوص على ذلك في الفصل 12 من الدستور الذي يجعل من إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، من مسؤوليات السلطات العمومية.

إننا أمام أدوارَ جديدة للمجتمع المدني يُؤَطِّرُها الدستور، تتجاوزُ الوضعَ الكلاسيكي للمنظمات المدنية والجمعيات إلى وضع دستوري وقانوني واعتباري يُكَرِّسُ دورَها الحاسم في المجتمع. وبِالتأكيد، فإن هذه الأدوار، وهذا الاعتراف، سيعطي نفسًا جديدا للديمقراطية، ذلكم أن إشراك المواطنين من خلال المبادرات المدنية لن يعمل إلا على تقوية التفاعل الايجابي بين المؤسسات والمجتمع.

وامتدادا للدستور، وإعمالا للفصلين 14و 15 منه، يعتبر القانون التنظيمي بشأن شروط وكيفيات تقديم ملتمسات في مجال التشريع، والقانون التنظيمي بشأن شروط وكيفيات ممارسة والمواطنات والمواطنين لحقهم في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، الإطار القانوني المنظم للديمقراطية التشاركية في شقها المتعلق بتقديم العرائض والملتمسات من أجل التشريع.

وبعد صدور القانونين التنظيميين، حرص مجلس النواب على ملاءمة نظامه الداخلي مع الدستور ومع هذين القانونين، إذ خصص الجزء السابع من نظامه الداخلي للديمقراطية التشاركية، يتناول في الباب الأول مسطرة دراسة الملتمسات المقدمة في مجال التشريع، وفي الباب الثاني دراسة العرائض والبت فيها.

وتفعيلا لذلك، أحدثنا لجنة العرائض بمكتب المجلس مهمتها تلقي عرائض المواطنات والمواطنين طبقا لمقتضيات الدستور والنظام الداخلي للمجلس والقانون التنظيمي ذي الصلة بذلك، وأدرجنا ضمن الهيكلة الإدارية الجديدة للمجلس مصلحتين للعرائض والملتمسات من أجل التشريع، وبالتأكيد فإن طموحنا يتَجاوز هذه الإجراءات على أهميتها. إننا نَطمح إلى تحقيق برلمان القرب، المتفاعل إيجابيا مع انشغالات المجتمع وكذا نشر الثقافة الديمقراطية والبرلمانية على نطاق واسع والتوجه إلى الجمهور اليافع والشباب، مع استعدادنا التام لتلقي عرائض المواطنات والمواطنين وملتمساتهم من أجل التشريع.

بقدر ما يضع الدستور السلطات العمومية، التنفيذية منها والتشريعية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية، أمام مسؤوليات وضرورات الانفتاح على هيئات المجتمع المدني وإحداث هيئات للتشاور معها بقصد إشراكها في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها كما هو منصوص على ذلك في الفصل 13 من الدستور، وأمام مسؤولية التجاوب مع مبادراتها في  مجال العرائض والملتمسات من أجل التشريع، بقدر ما يُلْقِي بمسؤولياتٍ جِسَامٍ وأعباءَ كبرى على هيئات المجتمع المدني في تأطير مبادرات المواطنين والمساهمة في مقاربة السياسات العمومية.

وما من شك في أنها من أجل ذلك، تحتاج إلى مهارات الترافع، والتعرف على الملفات، والتحكم في تقنيات التواصل، وأن تستغل ميزة القرب والتواجد الميداني في قلب المجتمع، حتى تكون مساهماتها أنجع وأكثر تأثيرا وتُسْعِفَ مختلف السلطات في أن تكون تدخلاتُها ناجعةً ومنتجةً للأثر.

ما من شك أيضا في أن المجتمع المدني المغربي، الذي آلِفْنَاه ديناميا، نشطا، مواطنا،يَقِظاً ومناضلا، يعرف كيف يوظف إمكانياته، وتاريخه وخبراته بالميدان كي تكون مبادراته مُتَّسِمَةً بالاستهداف والمهنية. وإنني من المقتنعين أيضا بأن مجتمعا مدنيا يجر وراءه تاريخا عريقا من الكفاح المدني، ومن التجارب، وبما يتوفر عليه من امتداد مجتمعي، يدرك حدود وظائفه، ومعاني دسترتها في تمييز صريح وواضح بين الفعل السياسي، والفعل المدني، وأين تنتهي مهام الجمعية والنقابة وأين تبدأ مهام الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية.

ولسنا في حاجة الى توضيح كيف أن المجتمع المدني هو خزان للطاقات والكفاءات ومصدر للاقتراحات وللقدرة على التأطير المدني المواطن والنبيل، وللقدرة على رصد المشاكل والاختلالات المحتملة. ويظل رهاننا المشترك هو تحويل هذه الطاقات والإمكانيات إلى مبادرات عملية مؤثرة، منتجة للأثر، على أن الهدف العام والنبيل يظل هو ترسيخ الثقة بين مكونات المجتمع وفي المؤسسات، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وترسيخ الوعي والإيمان بأهمية وضرورة المشاركة في الشأن العام، تكريسا للاستقرار، العنصر الحاسم للتقدم والتنمية في مواجهة خطابات التيئيس ومناهضة المؤسسات.

 

السيدات والسادة،

اسمحوا لي، بهذه المناسبة أن أجدد دعوتي إلى هيئات المجتمع المدني كي تساهم في تأطير مبادرات المواطنين، وفي إثراء العمل البرلماني المؤسساتي في إطار ما يكفله الدستور واحترام السلط والاختصاصات، ووفق علاقات تعاون وتفاعل، خاصة في ما يرجع إلى مهام واختصاصات المجلس الأساسية، أي التشريع ومراقبة أعمال الحكومة وتقييم السياسات العمومية الذي هو من الاختصاصات الدستورية الجديدة للبرلمان، والذي يوفر إمكانيات كبرى لإشراك المجتمع المدني المحلي والوطني على مستوى جمع المعلومات، وتَبَيُّنِ آثار السياسات العمومية على المواطنين وعلاقتهم بالإدارة والتدخلات العمومية واستفادتهم من المرافق العمومية.

وبهذه المناسبة أيضا أجدد التأكيد على استعداد المجلس للمساهمة في تكوين أطر هيئات المجتمع المدني، في مجال تأطير مبادرات المواطنات والمواطنين في مجال الديمقراطية التشاركية والمواطنة، والإصغاء لاقتراحاتها من أجل تجويد التشريعات الوطنية في إطار التفاعل الإيجابي، بالموازاة مع استعداد المجلس لتلقي عرائض المواطنات والمواطنين وملتمساتهم من أجل التشريع، وتفاعلهم مع عمليات تقييم السياسات والبرامج العمومية، ومع المهام الاستطلاعية، باعتبارها مهام برلمانية للقرب.

وإذ أُثني من جديد على أدواركم النبيلة وتعبئتكم المواطنة من أجل ضخ نفس جديد في ديناميات للإصلاح التي يقودها جلالة الملك محمد السادس وينخرط فيها الشعب المغربي وقواه السياسية والمدنية،أُثني على هذا اللقاء و على العمل المشترك بين مجلس النواب والحكومة من أجل إسناد مبادرات الجمعيات في مجال الديمقراطية المواطنة والتشاركية.

 

شكرا على إصغائكم